قال ابن القيم رحمة الله عليه :
صدق التأهب للقاء الله من أنفع ما للعبد وأبلغه في حصول استقامته فان من استعد لقاء الله انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها ومطالبها وخمدت من نفسه نيران الشهوات وأخبت قلبه إلى الله وعكفت همته على الله وعلى محبته وإيثار مرضاته واستحثت همه أخرى وعلوما أخر وولد ولادة أخرى تكون نسبة قلبه فيها إلى الدار الآخرة كنسبة جسمه إلى هذه الدار بعد أن كان في بطن أمه فيولد ولادة حقيقية وكما كان بطن أمه حجاب لجسمه عن هذه الدار فهكذا نفسه وهواه حجاب لقلبه عن الدار الآخرة فخروج قلبه عن نفسه بارزا إلى الدار الآخرة كخروج جسمه عن بطن أمه بارزا إلى هذه الدار وهذا معنى ما يذكر عن المسيح انه قال (( بابني إسرائيل إنكم لن تلجوا ملكوت السماء حتى تولدوا مرتين )) ولما كان أكثر الناس لم يولدوا هذه الولادة الثانية ولا تصوروها فضلا عن أن يصدقوا بها فيقول القائل كيف يولد الرجل الكبير ؟ وكيف يولد القلب ؟ لم يكن لهم إليها همه ولا عزيمة إذ كيف يعزم على الشئ من لايعرفه ولا يصدقه ؟ ولكن إذا كشف حجاب الغفلة عن القلب صدق بذلك وعلم أنه لم يولد قلبه بعد والمقصود أن صدق التأهب للقاء الله هو مفتاح جميع الأعمال الصالحة والأحوال الإيمانية ومقامات السالكين إلى الله ومنازل السائرين إليه من اليقظة والتوبة والإنابة والمحبة والرجاء والخشية والتفويض والتسليم وسائر أعمال القلوب والجوارح فمفتاح ذلك كله صدق التأهب والاستعداد للقاء الله والمفتاح بيد الفتاح العليم لا إله غيره ولا رب سواه