ما معنى "قبّل الأرضَ"؟
أجد هذي العبارة بالكتب القديمة
فهل كان يوجد أناس يقبلون الأرض؟ أم لها معنى آخر؟
عرض للطباعة
ما معنى "قبّل الأرضَ"؟
أجد هذي العبارة بالكتب القديمة
فهل كان يوجد أناس يقبلون الأرض؟ أم لها معنى آخر؟
نعم، يقبلون الأرض، فيكون الواحد كهيئة الساجد، يفعلونه تحية وتعظيما للملوك، ولا يخفى ما فيه من جهة الشرع. وتوجد هيئة أخرى وهي أن ينحني كهيئة الراكع ثم يلمس الأرض بأطراف أصابعه، كأنه يريد الهوي ثم يقوم.
إذا قيلتْ في موقفٍ بينَ تابعٍ ومتبوعٍ ؛ فالمعنى الخضوعُ التامُ كما ذكر الأخُ أبو جندلٍ ، وإذا كانتْ في موقفٍ لسجينٍ خرجَ للشمسِ ونالَ حريتَهُ،أو لعائدٍ إلى وطنِهِ بعدَ غيابٍ قسريٍ أوْ ما شابهَ ؛فهيَ تدلُّ على الشكرِ والامتنانِ كسجدةِ الشكرِ مثلاً . واللهُ تعالى أعلمُ .
وهذهِ الحركةُ كانتْ شائعةً في بلادِ الكفرِ لما فيها منْ نظامٍ طبقيٍّ ، وما زالتْ في الكنائسِ تقومُ بها الراهباتُ عندَ قدمي البابا الخاصِّ بهمْ ،على شكلِ سجودٍ تامٍّ .
ألم تكن العادة في بلاد المسلمين؟
نعم كانت في بلاد المسلمين يفعلون ذلك تعظيما للملوك.
والسؤال كان عن تعبير يكثر في الكتب القديمة.
قال ابن تغري بردي: ((وأوّل ما بدأ به الأشرف فى سلطنته أنّه منع الناس كافّة من تقبيل الأرض بين يديه، فامتنعوا من ذلك، وكانت هذه العادة- أعنى عن تقبيل الأرض- جرت بالديار المصريّة من أيّام المعزّ معدّ أوّل خلفاء بنى عبيد بمصر المقدّم ذكره فى هذا الكتاب، وبقيت إلى يوم تاريخه، وكان لا يعفى أحدا عن تقبيل الأرض.
والكلّ يقبل الأرض: الوزير والأمير والمملوك وصاحب القلم ورسل ملوك الأقطار، إلا قضاة الشّرع وأهل العلم وأشراف الحجاز، حتى لو ورد مرسوم السلطان على ملك من نوّاب السّلطان قام على قدميه وخرّ إلى الأرض وقبلها قبل أن يقرأ المرسوم، فأبطل الملك الأشرف ذلك وجعل بدله تقبيل اليد، فمشى ذلك أيّاما ثم بطل، وعاد تقبيل الأرض لكن بطريق أحسن من الأولى؛ فإن الأولى كان الشخص يخر إلى الأرض حتى يقبلها كالسّاجد، والآن صار الرجل ينحنى كالرّاكع ويضع أطراف أصابع يده على الأرض كالمقبّل لها ثمّ يقوم ولا يقبّل الأرض بفمه أبدا بل ولا يصل بوجهه إلى قريب الأرض، فهذا على كلّ حال أحسن مما كان أوّلا بلا مدافعة، فعدّ ذلك من حسنات الملك الأشرف برسباى)). النجوم الزاهرة 14/247.
وقال ابن فضل الله العمري في ذكر قدوم منسا موسى سلطان مالي على الملك الناصر قلاوون بمصر لما اجتاز بها مريدا الحج: ((...وحاولته أن يطلع للقلعة ويجتمع بالسّلطان فأبى عليّ وامتنع، وقال: أنا جئت لأحجّ لا لشيء آخر وما أريد أن أخلط حجي بغيره، وشرع في الاحتجاج بهذا، وأنه أفهم أنه يرى الحضور نقصا عليه لما يضطرّ إليه من تقبيل الأرض أو اليد، وبقيت أحاوله وهو يتعلّل ويعتذر والمراسم السلطانيّة تتقاضاني في إحضاره، فما زلت به حتى وافق، فلما حضر إلى حضرة السلطان قلنا له: قبّل الأرض، فتوقف وأبى إباء ظاهرا وقال: كيف يجوز هذا، فأسرّ إليه رجل عاقل كان معه كلاما لا نعلمه، فقال: أنا أسجد لله الذي خلقني وفطرني، ثم سجد وتقدّم إلى السلطان فقام له بعض قيام، وأكرمه وأجلسه إلى جانبه، وتحادثا حديثا طويلا، ثم خرج السلطان موسى)). مسالك الأبصار 4/123.
قد يفهم من كلام ابن تغري بردي أن هذه العادة كانت في مصر فقط، لكنها كانت في غيرها من البلدان.
وبالنسبة لقصة منسا موسى فإن المقريزي في السلوك ذكر أنه امتنع ولم يجبر على السجود. والله أعلم.
تقبيل الأرض بحضرة بعض الحكام أو القضاة كانت من الأمور المألوفة، ومن كان من أهل الديانة من الملوك منع ذلك.
قال الحافظ ابن حجر في رفع الإصر عن قضاة مصر:
... فتقدم إلى عبد الحاكم بالنظر في الحكم، وأعيدت إليه العامة ، وأمر الشهود بالمسير معه إلى الأبواب لتقبيل الأرض بها على العادة . وجلس بالجامع الأزهر ينظر بين الناس إلى العصر.
وفي الكامل في التاريخ - وغيره:
... وفيها أرسل عضد الدولة القاضي أبا بكر محمد بن الطيب الاشعري المعروف بابن الباقلاني إلى ملك الروم في جواب رسالة وردت منه فلما وصل إلى الملك قيل له ليقبل الأرض بين يديه فلم يفعل فقيل لا سبيل إلى الدخول إلا مع تقبيل الأرض فاصر على الامتناع فعمل الملك بابا صغيرا يدخل منه القاضي منحنيا ليوهم الحاضرين انه قبل الأرض فلما رأى القاضي الباب علم ذلك فاستدبره ودخل منه فلما جاره استقبل الملك وهوقائم فعطم عندهم محله.
وذكر ابن كثير وغيره عن هذا الصدد.
ولكن ما الحكمة عندهم من تقبيل الأرض بحضرة الملوك؟!!!!!
تقبيل الأرض تحية بالسجود تدل على التعظيم والخضوع.
وكانت من رسوم التحية عند الدخول على الملوك. وقصة ابي بكر الباقلاني عند قدومه سفيرا على ملك الروم معروفة...
فتقبيل الأرض أمام العظماء كان من طقوس تعظيم الملوك والأمراء، ثم انتقل إلى المسلمين.
والثابت أنه كان معمولا به في دولة بني العباس. أما في عهد بني أمية، أو في الجاهلية، فالمسألة تقتضي مزيدا من البحث...
ثم انتقل هذا التقليد إلى المراسلات الإدارية، فصاروا يفتتحون رسائلهم بعبارة: "يقبِّل الأرض".
وقد عقد صاحب "صبح الأعشى" فصلا لهذه المسألة. وأقرّ أن تقبيل الأرض بهذه الصفة هو من السجود المنهي عنه. وقال:
"وعبّروا عنه بتقبيل الأرض، فرارًا من اسم السّجود، لورود الشريعة بالنهي عنه. واستمر ذلك تحيةً للملوك إلى الآن؛ فاستعار الكُتَّاب ذلك ونقلوه من الفعل إلى اللّفظ، فاستعملوه في مكاتباتهم إلى الخلفاء والملوك. ثم توسّعوا في ذلك، فكاتَبوا به كلَّ من له عظمةٌ بالنسبة إلى المكتوب عنه، ورتّبوه مراتب على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى. ولا خفاء فيما في هذه المكاتبة من الكراهة."
وقد ذكرتها أعلاه في المشاركة (8)
وقد سبقه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه لله في كتابه" زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور" (ص 55-57) - وهو ضمن مجموع الفتاوى - فقال:
[حكم وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وتقبيل الأرض]
وأما وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وغيرهم، أو تقبيل الأرض ونحو ذلك، فإنه مما لا نزاع فيه بين الأئمة في النهي عنه، بل مجرد الانحناء بالظهر لغير الله عز وجل منهي عنه. ففي المسند وغيره «أن معاذ بن جبل رضي الله عنه لما رجع من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ما هذا يا معاذ؟ فقال: يا رسول الله ***! رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، ويذكرون ذلك عن أنبيائهم، فقال: كذبوا يا معاذ******! لو كنت آمرا أحد يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، يا معاذ*! أرأيت إن مررت بقبري أكنت ساجدا؟ قال: " لا " - قال: لا تفعل هذا» أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
بل قد ثبت في الصحيح من حديث جابر: «أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى بأصحابه قاعدا من مرض كان به، فصلوا قياما، فأمرهم بالجلوس، وقال: لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضا وقال: من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار» فإذا كان قد نهاهم مع قعوده - وإن كانوا قاموا للصلاة - حتى لا يتشبهوا بمن يقومون لعظمائهم، وبين أن من سره القيام له كان من أهل النار فكيف بما فيه من السجود له، ومن وضع الرأس، وتقبيل الأيادي، وقد كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه - وهو خليفة الله على الأرض - قد وكل أعوانا يمنعون الداخل من تقبيل الأرض ويؤدبهم إذا قبل أحد الأرض...اهـ
وهذا يوضح أن هذه العادة كانت موجودة في عصر الأمويين، لكن عمر بن عبد العزيز رحمه الله منع منها بل أمر بتأديب من فعلها.
وقال رحمه الله في موضع آخر من مجموع الفتاوى:
سُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
عَمَّنْ يَبُوسُ الْأَرْضَ دَائِمًا هَلْ يَأْثَمُ ؟ وَعَمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِسَبَبِ أَخْذِ رِزْقٍ وَهُوَ مُكْرَهٌ كَذَلِكَ ؟
فَأَجَابَ : أَمَّا تَقْبِيلُ الْأَرْضِ وَرَفْعُ الرَّأْسِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ السُّجُودُ مِمَّا يُفْعَلُ قُدَّامَ بَعْضِ الشُّيُوخِ وَبَعْضِ الْمُلُوكِ: فَلَا يَجُوزُ..
جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم.
ما زال من يركع ويسجد للحاكم
ولكن ما يجري في المغرب بشكل رسمي فما قد سمعت به من قبل
https://www.youtube.com/watch?v=vd8BaY3Ws9c