من زعم هذا فقد ارتكب طريقًا وعرًا
قال الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح":
فهذان المثالان واضحان فيما يمكن تعدد الواقعة وفيما يبعد.
فأما إذا بعد الجمع بين الروايات بأن يكون المخرج واحدا فلا ينبغي سلوك تلك الطريق المتعسفة.
مثاله: حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أيضا في قصة ذي اليدين فإن في بعض طرقه أن ذلك كان في صلاة الظهر، وفي أخرى في صلاة العصر وفي أكثر الروايات قال: "إحدى صلاتي العشي إما الظهر أو العصر".
فمن زعم أن رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - لقصة ذي اليدين كانت متعددة، وقعت مرة في الظهر ومرة في العصر من أجل هذا الاختلاف ارتكب طريقًا وعرًا، بل هي قصة واحدة.
وأدل دليل على ذلك الرواية التي فيها التردد هل هي الظهر أو العصر فإنها مشعرة بأن الراوي كان يشك في أيهما.
ففي بعض الأحيان كان يغلب على ظنه أحدهما فيجزم به.
وكذا وقع في بعض طرقه يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للناس: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق.
وفي أخرى: أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم.
وفي أخرى فأومئوا أن نعم.
فالغالب أن هذا الاختلاف من الرواة في التعبير عن صورة الجواب ولا يلزم من ذلك تعدد الواقعة.
قال العلائي: "وهذه الطريقة يسلكها الشيخ محي الدين توصلا إلى تصحيح كل من الروايات صونًا للرواة الثقاة أن يتوجه الغلط إلى بعضهم حتى أنه قال في حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: إن عمر - رضي الله عنه - كان نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يفي بنذره، وفي رواية: "اعتكاف يوم". وكلاهما في الصحيح.
فقال الشيخ محيي الدين: "هما واقعتان كان على عمر نذران، ليلة بمفرها ويوما بمفرده فسأل عن هذا مرة وعن الآخر أخرى".
وفي هذا الحمل نظر لا يخفى؛ لأنه من البعيد أن لا يفهم عمر - رضي الله عنه - من الإذن بالوفاء بنذر اليوم الوفاء بنذر الآخر حتى يسأل عنه مرة أخرى، لاسيما والواقعة في أيام يسيرة يبعد النسيان فيها جدا؛ لأن في كل من الروايات أن ذلك كان في أيام تفرقة السبي عقب وقعة حنين، ففي هذا الحمل من أجل تحسين الظن بالرواة يطرق الخلل إلى عمر - رضي الله عنه -. إما بالنسيان في المدة اليسيرة أو بان يخفى عليه إلحاق اليوم بالليلة في حكم الوفاء بنذره في الاعتكاف. وهو من الأمر البين الذي لا يخفى على من هو دونه فضلا عنه؛ لأن سبب سؤاله إنما هو عن كون نذره صدر في الجاهلية فسأل هل يفي في الإسلام بما نذر في الجاهلية، فحيث حصل له الجواب عن ذلك كان عاما في كل نذر شرعي.
ولكن التحقيق في الجمع بين هاتين الروايتين أن عمر - رضي الله عنه - كان عليه نذر اعتكاف يوم بليلته سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه فأمره بالوفاء به، فعبر بعض الرواة عنه بيوم وأراد بليلته، وعبر بعضهم بليلة وأراد بيومها.
والتعبير بكل واحد من هذين على المجموع من المجاز الشائع الكثير الاستعمال، فالحمل عليه أولى من جعل القصة متعددة.