أقوال العلماء في " لم يعملوا خيرا قط " ونحوه .
قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }
وقال تعالى في الحديث القدسي : " ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة ثم لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة"
معنى قراب:
ففي تاج العروس (ص: 847 ) :
" وفي الحديث : إِنْ لَقِيتَنِي بِقُرابِ الأَرْضِ خَطِيئةً " أَي : بما يُقَارِبُ مِلأَهَا "
وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل نبي دعوة مستجابة ، فتعجل كل نبي دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا " رواه مسلم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأرفع رأسي ، فأحمده بتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع فيحد لي حدا ، فأدخلهم الجنة ، ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ، ثم أشفع فيحد لي حدا ، فأدخلهم الجنة ، ثم أعود الرابعة ، فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ، ووجب عليه الخلود " قال أبو عبد الله : إلا من حبسه القرآن ، يعني قول الله تعالى : خالدين فيها * متفق عليه
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد ، فلما احتضر قال لأهله : انظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما ، ثم اطحنوه ، ثم اذروه في يوم ريح . فلما مات فعلوا ذلك به ، فإذا هو في قبضة الله ، فقال الله عز وجل : يا ابن آدم ، ما حملك على ما فعلت ؟ قال : أي رب من مخافتك . قال : فغفر له بها ، ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد " صححه الألباني
أقوال العلماء :
1: تفسير مقاتل متوفي سنة 150 (1/ 319 )
{ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } ، فيموت عليه ، يعنى اليهود ، { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } الشرك { لِمَن يَشَآءُ } لمن مات موحداً ، فمشيئته تبارك وتعالى لأهل التوحيد . قال : حدثنا عبيد الله بن ثابت ، قال : حدثنى أبى ، عن الهذيل ، عن مقاتل بن سليمان ، عن رجل ، عن مجاهد ، أن الاستثناء لأهل التوحيد ،
2 : أبو عُبيد القاسم بن سلاّم (150 - 224هـ، 767-838م).
الإيمان (ص: 33
باب الخروج من الإيمان بالمعاصي قال أبو عبيد : أما هذا الذي فيه ذكر الذنوب والجرائم ، فإن الآثار جاءت بالتغليظ على أربعة أنواع : فاثنان منها فيها نفي الإيمان ، والبراءة من النبي صلى الله عليه وسلم والآخران فيها تسمية الكفر وذكر الشرك ، وكل نوع من هذه الأربعة تجمع أحاديث ذوات عدة .
ثم قال :
وإن الذي عندنا في هذا الباب كله : أن المعاصي والذنوب لا تزيل إيمانا ، ولا توجب كفرا ، ولكنها إنما تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه الذي نعت الله به أهله ، واشترطه عليهم في مواضع من كتابه
ثم قال :
وأما الآثار المرويات بذكر الكفر والشرك ووجوبهما بالمعاصي ، فإن معناها عندنا ليست تثبت على أهلها كفرا ولا شركا يزيلان الإيمان عن صاحبه ، إنما وجوهها : أنها من الأخلاق والسنن التي عليها الكفار والمشركون ، وقد وجدنا لهذين النوعين من الدلائل في الكتاب والسنة نحوا مما وجدنا في النوعين الأولين
ثم قال :
وكذلك كل ما كان فيه ذكر كفر أو شرك لأهل القبلة فهو عندنا على هذا ، ولا يجب اسم الكفر والشرك الذي تزول به أحكام الإسلام ويلحق صاحبه بردة إلا كلمة الكفر خاصة دون غيرها ، وبذلك جاءت الآثار مفسرة
3 : أبو بكر ابن خُزَيْمةَ، (223 - 311هـ، 838 - 923م).
التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل (2/ 658)
57 - : باب ذكر الدليل على أن النبي إنما أراد بالكبائر في هذا الموضع ما هو دون الشرك من الذنوب
إن النبي قد أخبر أن الشرك أكبر الكبائر فمعنى قوله لأهل الكبائر من أمتي إنما أراد أمته الذين أجابوه فآمنوا به وتابوا من الشرك إذ اسم الأمة قد يقع على من بعث إليه أيضا أي أنهم أمته الذين بعث إليهم ومن آمن وتاب من الشرك فهم أمته في الإجابة بعدما كانوا أمته في الدعوة إلى الإيمان ذكره في خبر الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي " فهي نائلة إن شاء الله من مات منهم لا يشرك بالله شيئا "
التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل (2/ 693)
64 - : باب ذكر خبر روى عن النبي في إخراج شاهد أن لا إله إلا الله من النار
أفرق أن يسمع به بعض الجهال فيتوهم أن قائله بلسانه من غير تصديق قلب يخرج من النار جهلا وقلة معرفة بدين الله وأحكامه ولجهلة بأخبار النبي مختصرها ومتقصاها وإنا لتوهم بعض الجهال أن شاهد لا إله إلا الله من غير أن يشهد أن لله رسلا وكتبا وجنة ونارا وبعثا وحسابا يدخل الجنة أشد فرقا إذ أكثر أهل زماننا لا يفهمون هذه الصناعة ولا يميزون بين الخبر المتقصى وغيره وربما خفي عليهم الخبر المتقصى
فيحتجون بالخبر المختصر يترأسون قبل التعلم قد حرموا الصبر على طلب العلم ولا يصبروا حتى يستحقوا الرئاسة فيبلغوا منازل العلماء
التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل (2/ 702)
: باب ذكر الأخبار المصرحة عن النبي إنه قال إنما يخرج من النار من كان في قلبه في الدنيا إيمان دون من لم يكن في قلبه في الدنيا إيمان
...
ممن كان يقر بلسانه بالتوحيد خاليا قلبه من الإيمان .
مع البيان الواضح ان الناس يتفاضلون في إيمان القلب ضد قول من زعم من غالية المرجئة أن الإيمان لا يكون في القلب .
وخلاف قول من زعم من غير المرجئة أن الناس إنما يتفاضلون في إيمان الجوارح الذي هو كسب الأبدان فإنهم زعموا أنهم متساوون في إيمان القلب الذي هو التصديق وإيمان اللسان الذى هو الإقرار مع البيان أن للنبي شفاعات يوم القيامة على ما قد بينت قبل لا أن له شفاعة واحدة فقط
التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل (2/ 833 و834 و 835)
قال أبو بكر كذاك نقول في فضائل الأعمال التي ذكرنا أن من عمل من المسلمين بعض تلك الأعمال ثم سدد وقارب ومات على إيمانه دخل الجنة ولم يدخل النار موضع الكفار منها وإن ارتكب بعض المعاصي لذلك لا يجتمع قاتل الكافر إذا مات على إيمانه مع الكافر المقتول في موضع واحد من النار لا أنه لا يدخل النار ولا موضعا منها وإن ارتكب جميع الكبائر خلا الشرك بالله عز و جل إذا لم يشأ الله أن يغفر له ما دون الشرك فقد خبر الله عز و جل أن للنار سبعة أبواب فقال لإبليس إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين إلى قوله تعالى لكل باب منهم جزء مقسوم فأعلمنا ربنا عز و جل أنه قسم تابعي إبليس من الغاوين سبعة أجزاء على عدد أبواب النار فجعل لكل باب منهم جزءا معلوما واستثنى عباده المخلصين من هذا القسم
فكل مرتكب معصية زجر الله عنها فقد أغواه إبليس والله عز و جل قد يشاء غفران كل معصية يرتكبها المسلم دون الشرك وإن لم يتب منها لذاك أعلمنا في محكم تنزيله في قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
وأعلمنا خالقنا عز و جل أن آدم خلقه بيده وأسكنه جنته وأمر ملائكته بالسجود له عصاه فغوى وأنه عز و جل برأفته ورحمته اجتباه بعد ذلك فتاب عليه وهدى ولم يحرمه الله بارتكاب هذه الحوبة بعد ارتكابه إياها فمن لم يغفر الله له حوبته التي أرتكبها وأوقع عليها اسم غاو فهو داخل في الأجزاء جزاء وقسما لأبواب النار السبعة
وفي ذكر آدم وقوله عز و جل وعصى آدم ربه فغوى ما يبين ويوضح أن اسم الغاوي قد يقع على مرتكب خطيئة قد زجر الله عن إتيانها وإن لم تكن تلك الخطيئة كفرا ولا شركا ولا ما يقاربها ويشبهها ومحال أن يكون المؤمن الموحد لله عز و جل قلبه ولسانه المطيع لخالقه في أكثر ما فرض الله عليه وندبه إليه من أعمال البر غير المفترض عليه المنتهي عن أكثر المعاصي وإن ارتكب بعض المعاصي والحوبات في قسم من كفر بالله ودعا معه آلهة أو جعل له صاحبة أو ولدا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولم يؤمن أيضا بشيء مما أمر الله بالإيمان به ولا أطاع الله في شيء أمره به من الفرائض والنوافل ولا انزجر عن معصية نهى الله عنها محال أن يجتمع هذان في درجة واحدة من النار .
والعقل مركب على أن يعلم أن كل من كان أعظم خطيئة وأكثر ذنوبا لم يتجاوز الله عن ذنوبه كان أشد عذابا في النار كما يعلم كل عاقل أن كل من كان أكثر طاعة لله عز و جل وتقربا إليه بفعل الخيرات واجتناب السيئات كان أرفع درجة في الجنان وأعظم ثوابا وأجزل نعمة فكيف يجوز أن يتوهم مسلم أن أهل التوحيد يجتمعون في النار في الدرجة مع من كان يفترى على الله عز و جل فيدعو له شريكا أو شركاء فيدعو له صاحبة وولدا ويكفر به ويشرك ويكفر بكل ما أمر الله عز و جل بالإيمان به ويكذب جميع الرسل ويترك جميع الفرائض ويرتكب جميع المعاصي فيعبد النيران ويسجد للأصنام والصلبان فمن لم يفهم هذا الباب لم يجد بدا من تكذيب الأخبار الثابتة المتواترة التي ذكرتها عن النبي في إخراج أهل التوحيد من النار
إذ محال أن يقال أخرجوا من النار من ليس فيها وأمحل من هذا أن يقال يخرج من النار من ليس فيها وفي إبطال أخبار النبي دروس الدين وإبطال الإسلام والله عز و جل لم يجمع بين جميع الكفار في موضع واحد من النار ولا سوى
التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل (2/ 875)
وقد كنت أقول وأنا حدث جائز أن يكون معنى أخبار النبي لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان أى لا يدخل النار دخول الأبد كدخول أهل الشرك والأوثان كما قال النبي أما أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها ولا يحيون
الأخبار التي قد أمليتها بتمامها أو يكون معناها أى لا يدخلون النار موضع الكفار والمشركين من النار إذ الله عز و جل قد أعلم أن للنار سبعة أبواب وأخبر أن لكل باب منهم جزءا مقسوما فقال لها سبعة أبواب
4 : الإمام محمد بن إسحاق بن منده (310 - 395 هـ = 922 - 1005 م) في كتابه الإيمان (1/331-332) بعد أن ذكر أقوال الطوائف في الإيمان :
" وقال أهل الجماعة: الإيمان هو الطاعات كلها بالقلب واللسان وسائر الجوارح غير أن له أصلا وفرعا .
فأصله المعرفة بالله والتصديق له وبه وبما جاء من عنده بالقلب واللسان مع الخضوع له والحب له والخوف منه والتعظيم له ,مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة ,فإذا أتى بهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه ,ولا يكون مستكملا له حتى يأتي بفرعه وفرعه المفترض عليه أو الفرائض واجتناب المحارم ,وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) .
فجعل الإيمان شعبا بعضها باللسان والشفتين ,وبعضها بالقلب ,وبعضها بسائر الجوارح " .
5 : الكلاباذي (000 - 380 هـ ) بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي (ص: 443 ) :
ثم أعود فأقع ساجدا مثله في الثالثة والرابعة حتى ما بقي من النار إلا من حبسه القرآن » فكان قتادة يقول : عند هذا أرى وجب عليه الخلود "
6 : ابن عبد البر المتوفي عام 463 في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 40)
قال أبو عمر: روي من حديث أبي رافع عن أبي هريرة في هذا الحديث أنه قال "قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد"
وهذه اللفظة إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى والأصول كلها تعضدها والنظر يوجبها لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا وهذا ما لا مدفع له ولا خلاف فيه بين أهل القبلة وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث لم يعمل حسنة قط أو لم يعمل خيرا قط لم يعذبه إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير
وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له لم فعلت هذا فقال من خشيتك يا رب والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ من عباده العلماء }
7 : أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي الأندلسي (المتوفى: 474هـ)
المنتقى - شرح الموطأ (2/ 70)
قوله لم يعمل حسنة قط ظاهر أن العمل ما تعلق بالجوارح وهو حقيقة العمل ، وإن جاز أن يطلق على الاعتقاد على سبيل المجاز والاتساع فأخبر صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل أنه لم يعمل شيئا من الحسنات التي تعمل بالجوارح وليس فيه إخبار عن اعتقاد الكفر ، وإنما يحمل هذا الحديث على أنه اعتقد الإيمان ولكنه لم يأت من شرائعه بشيء
8 : القاضي عياض (476/ 544هـ)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 567)
" لأخرجن من قال: لا إله إلا الله " فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الإيمان، وهم الذين لم يؤذن فى الشفاعة فيهم، وإنما دَلَّت الآثار أنه أذن لمن عنده شىء زايدٌ من العمل على مجرد الإيمان، "، وَجَعَل للشافعين من الملائكة والنبيِّين دليلاً عليه، وتفرُّد الله - جل جلاله - بعلم ما تُكنّه القلوب والرحمة لمن ليس عنده سوى الإيمان ومجرد شهادة أن لا إله إلا الله، وضرب بمثقال الذرة وأدناها المثل لأقل الخير والشرّ، إذ تلك أقل المقادير.
9 : أَبُو طالب وأَبُو المجد عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد بن عطية القضاعي الأندلسيّ الطّرطوشيّ، ثُمّ المَرّاكُشيّ (المتوفى: 608هـ)
تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (1/ 219) :
" وفيه أن تلك المقادير المذكورة من مثقال برة وذرة إنما هي مما سوى الإيمان الذي هو قول لا إله إلا الله، لكن من سائر الأعمال التي تسمى إيمانا أيضا، لقوله تعالى فيمن قال لا إله إلا الله وليس له غيرها: «ليس ذلك لك».
وأبانهم عن أهل تلك المقادير لتوحده عز وجل بإخراجهم من النار.
وهذا أيضا يبين أن الذي توحد الله عز وجل بإخراجهم من النار فيمن قال لا إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط إنما هو من قالها مرة واحدة فقط مصدقا ومات على ذلك.
لأن قول لا إله إلا الله حسنة، فإذا كررها حصلت له حسنة أخرى، فهو أزيد خيرا ممن لم يقلها إلا مرة واحدة فقط.
تحرير المقال (1/ 227)
وكبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله.
هذا نص الحديث، ولم يقل فيه: إيذن لي فيمن قال لا إله إلا الله من أمتي.
فيمكن أن يكون النبي - عليه السلام - لما فرغ من أمته ولم يبق في النار منهم أحد لقوله في وصف من يخرج في الثالثة: من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان، إذ أقل من هذا المقدار يعسر إدراكه، سأل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يشفع فيمن قال لا إله إلا الله على الإطلاق من سائر الأمم، فقيل له ليس ذلك إليك.
معناه إنك أخذت حظك من الشفاعة واستوفيت نصيبك بأن أخرجت كل من هو مؤمن من أمتك فغيرهم لم يجعل إليك النظر في أمرهم.
ولعل هذا المعنى هو الذي حمل أنس بن مالك آخرا على أن لم يحدث بآخر الحديث الذي هو هذه الحالة الرابعة، وحدثهم بالأحوال الثلاث التي هي في حق هذه الأمة.
ويؤيد هذا التأويل قول النبي - عليه السلام - في حديث أنس من رواية قتادة عنه: «يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن»، أي: وجب عليه الخلود، هكذا في صحيح مسلم (1).
تحرير المقال في موازنة الأعمال وحكم غير المكلفين في العقبى والمآل (1/ 235)
«فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الله أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه».
وهذه القبضة من الخلق لابد أن يكون عندهم ما يستحقون به أن يقبضوا فيخرجوا من بين سائر أهل النار، وذلك هو قول لا إله إلا الله.
ومعنى قوله فيهم: «لم يعملوا خيرا قط» أي بعد التلفظ بالشهادة، وعلى ذلك يتنزل قوله: أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه.
10 : شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ) التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 780)
فقوله: «من إيمان» أي من أعمال الإيمان التي هي أعمال الجوارح، فيكون فيه دلالة على أن الأعمال الصالحة من شرائع الإيمان ومنه قوله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي صلاتكم.
والدليل على أنه أراد بالإيمان ما قلنا ولم يرد مجرد الإيمان الذي هو التوحيد له ونفي الشركاء والإخلاص بقوله لا إله إلا الله ما في الحديث نفسه من قوله «أخرجوا أخرجوا»
ثم هو سبحانه بعد ذلك يقبض قبضة فيخرج قوماً لم يعملوا خيراً قط يريد إلا التوحيد المجرد عن الأعمال،
وقد جاء هذا مبيناً فيما رواه الحسن عن أنس وهي الزيادة التي زادها علي بن معبد في حديث الشفاعة، ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً قال فيقال لي محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب أئذن لي فيمن قال لا إله إلا الله.
قال: ليس ذاك لك أو قال ليس ذلك إليك وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبروتي لأخرجن من قال لا إله إلا الله
11 : الإمام النووي 631 / 676 في شرحه على مسلم (3/ 31) :
قال القاضي عياض رحمه الله قيل معنى الخير هنا اليقين قال والصحيح أن معناه شئ زائد على مجرد الايمان لأن مجرد الايمان الذي هو التصديق لا يتجزأ وانما يكون هذا التجزؤ لشئ زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى ونية صادقة ويدل عليه قوله في الرواية الاخرى في الكتاب يخرج من النار من قال لا اله الا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن كذا ومثله الرواية الأخرى يقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط وفي الحديث الآخر لأخرجن من قال لا اله الا الله قال القاضي رحمه الله فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الايمان وهم الذين لم يؤذن في الشفاعة فيهم وانما دلت الآثار على أنه أذن لمن عنده شئ زائد على مجرد الايمان وجعل للشافعين من الملائكة والنبيين صلوات الله وسلامه عليهم دليلا عليه وتفرد الله عز و جل بعلم ما تكنه القلوب والرحمة لمن ليس عنده الا مجرد الايمان وضرب بمثقال الذرة المثل لأقل الخير فانها أقل المقادير
12 : شيخ الإسلام ابن تيمية 661 / 726
مجموع الفتاوى (1/ 108)
ثم اتفق أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر وأنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد
مجموع الفتاوى (1/ 318)
ومذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة والجماعة أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر وأنه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد ؛ بل يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال ذرة من إيمان
مجموع الفتاوى (7/ 222)
فصل :
فإن قيل : فإذا كان الإيمان المطلق يتناول جميع ما أمر الله به ورسوله فمتى ذهب بعض ذلك بطل الإيمان فيلزم تكفير أهل الذنوب كما تقوله الخوارج أو تخليدهم في النار وسلبهم اسم الإيمان بالكلية كما تقوله المعتزلة وكلا هذين القولين شر من قول المرجئة فإن المرجئة منهم جماعة من العلماء والعباد المذكورين عند الأمة بخير وأما الخوارج والمعتزلة فأهل السنة والجماعة من جميع الطوائف مطبقون على ذمهم . قيل : أولا ينبغي أن يعرف أن القول الذي لم يوافق الخوارج والمعتزلة عليه أحد من أهل السنة هو القول بتخليد أهل الكبائر في النار ؛ فإن هذا القول من البدع المشهورة وقد اتفق الصحابة والتابعون لهم بإحسان ؛ وسائر أئمة المسلمين على أنه لا يخلد في النار أحد ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان
مجموع الفتاوى (7/ 257)
قلت : فأحمد بن حنبل لم يرد قط أنه سلب جميع الإيمان فلم يبق معه منه شيء كما تقوله الخوارج والمعتزلة فإنه قد صرح في غير موضع : بأن أهل الكبائر معهم إيمان يخرجون به من النار واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم { أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان } وليس هذا قوله ولا قول أحد من أئمة أهل السنة بل كلهم متفقون على أن الفساق الذين ليسوا منافقين معهم شيء من الإيمان يخرجون به من النار هو الفارق بينهم وبين الكفار والمنافقين
مجموع الفتاوى (10/ 7)
وأما الظالم لنفسه من أهل الإيمان : فمعه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه كما معه من ضد ذلك بقدر فجوره إذ الشخص الواحد قد يجتمع فيه الحسنات المقتضية للثواب والسيئات المقتضية للعقاب حتى يمكن أن يثاب ويعاقب وهذا قول جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الإسلام وأهل السنة والجماعة الذين يقولون : إنه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان .
مجموع الفتاوى (11/ 671)
ومن أتى بالإيمان والتوحيد لم يخلد في النار ولو فعل ما فعل . ومن لم يأت بالإيمان والتوحيد كان مخلدا ولو كانت ذنوبه من جهة الأفعال قليلة :
مجموع الفتاوى (12/ 479)
وأما " مسألة الأحكام " وحكمه في الدار الآخرة فالذي عليه الصحابة ومن اتبعهم بإحسان وسائر أهل السنة والجماعة . أنه لا يخلد في النار من معه شيء من الإيمان ؛ بل يخرج منها من معه مثقال حبة أو مثقال ذرة من إيمان . وأما " الخوارج " ومن وافقهم من المعتزلة
مجموع الفتاوى (12/ 490)
و " أيضا " قد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن رجلا لم يعمل خيرا قط فقال لأهله : إذا مات فأحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا به كما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه فإذا هو قائم بين يديه . ثم قال : لم فعلت هذا ؟ قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم ؛ فغفر الله له } " .
مجموع الفتاوى (12/ 491)
فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم ؛ بعد ما أحرق وذري وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك وهذان أصلان عظيمان : " أحدهما " متعلق بالله تعالى وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير . و " الثاني " متعلق باليوم الآخر . وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت ويجزيه على أعماله
ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت وقد عمل عملا صالحا - وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه - غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح . وأيضا : فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان } "
مجموع الفتاوى (12/ 492)
وفي رواية : { مثقال دينار من خير ثم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان } " وفي رواية " من خير " " { ويخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان أو خير } " وهذا وأمثاله من النصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل أنه لا يخلد في النار من معه شيء من الإيمان والخير وإن كان قليلا وأن الإيمان مما يتبعض ويتجزأ
المستدرك على مجموع الفتاوى (1/ 126)
[لا يحبط جميع الأعمال إلا الكفر]
المشهور عند «أهل السنة» القائلين بعدم تخليد الفاسق ورجاء الشفاعة له والرحمة أنه لا يحبط العمل إلا الكفر؛ فإن نصوص القرآن تقتضي حبوط العمل بالكفر في مثل البقرة والمائدة والأنعام والزمر و (ق) وغير ذلك، وهذا لأن ما سوى الكفر من المعاصي يثبت معه أصل الإيمان، ولا بد أن يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان وأما الكفر فينتفي معه الإيمان الذي لا يقبل العمل إلا به، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [124/4] ، {مَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [19/17] إلى نصوص متعددة يصف فيها بطلان عمل الكافر وتحريم الجنة عليه.
وأما «المعتزلة» فإنهم يقولون بتخليد الفاسق الملي، وأنه لا ينعم أبدا، وأن من استحق العقاب لا يستحق ثوابا بحال، ومن استحق الثواب لا يستحق العقاب؛ فالتزموا لذلك أن تحبط جميع الأعمال الصالحة بالفسق، كما تحبط الأعمال بالكفر. ثم أكثرهم يفسقون بالكبيرة ومنهم من لا يفسق إلا برجحان السيئات وهي التي تحبط الأعمال. وهذا أقرب.
إقامة الدليل على إبطال التحليل (4/ 393)
فإن الشرك لا يغفره الله إلا بتوبة ; كما قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } في موضعين من القرآن وما دون الشرك فهو مع التوبة مغفور ; وبدون التوبة معلق بالمشيئة . كما قال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذبوب جميعا } فهذا في حق التائبين , ولهذا عمم وأطلق , وختم أنه يغفر الذنوب جميعا , وقال في تلك الآية : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فخص ما دون الشرك وعلقه بالمشيئة فإذا كان الشرك لا يغفر إلا بتوبة ; وأما ما دونه فيغفره الله للتائب ; وقد يغفره بدون التوبة لمن يشاء
بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (7/ 32)
فقد ذكر في حديث أبي سعيد أربعة أصناف
الصنف الأول المشركون فهم يتَّبِعُون ما كانوا يعبدون من آلهة الصنف الثاني غُبَّرات أهل الكتاب الذين أصل دينهم عبادة الله وحده لكنهم ابتدعوا الشرك فعبدوا العُزَيْر والمسيح
بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (7/ 36)
والصنف الثالث المنافقون الذين كانوا يعبدون الله رياءً وسمعةً .
الصنف الرابع المؤمنون الذين كانوا يعبدون الله وحده لا شريك له وذكر أنه بعد أن يذهب المشركون مع آلهتهم وكفار أهل الكتاب إلى النار ولم يبق إلاَّ من كان يعبد الله من بر وفاجر
فتُدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأوَّل فالأوّل ثُمَّ يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون فيقولون ننظر ربَّنَا فيقول أنا ربكم فيقولون حتى ننظر إليك فيتجلَّى لهم يضحك قال فينطلق بهم ويتَّبِعُونَه ويُعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورًا ثم يتَّبِعُونَه وعلى جسر جهنَّم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله ثُمَّ يُطْفَأ نور المنافقين ثُمَّ ينجو المؤمنون فتنجو أوَّلُ زمرةٍ وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفًا لا يُحاسبون ثُمَّ الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ثُمَّ كذلك ثُمَّ تَحُلُّ الشَّفّاعة ويشفعون حتى يخرج من النَّار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بِفنَاء الجنَّة ويجعل أهل الجنَّة يَرُشُّون عليهم الماء
13: أقوال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى :
12 : 691 /751 حادي الأرواح (ص: 269)
فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط فهذا السياق يدل على إن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير و مع هذا فأخرجتهم الرحمة
من هذا رحمته سبحانه و تعالى للذي أوصى أهله إن يحرقوه بالنار و يذروه في البر و البحر
عما منه بأنه يفوت الله سبحانه و تعالى فهذا قد شك في المعاد و القدرة و لم يعمل خيرا قط و مع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت قال خشيتك و أنت تعلم فما تلافاه إن رحمه الله
فلله سبحانه و تعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر و قد ثبت في حديث انس رضي الله عنه إن رسول الله قال يقول الله عز و جل اخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام قالوا و من ذا الذي في مدة عمره كلها من أولها إلى آخرها لم يذكر به يوما واحدا و لا خافه ساعة واحدة و لا ريب إن رحمته سبحانه و تعالى إذا أخرجت من النار من ذكره وقتا أو خافه في مقام ما فغير بدع إن تنفى النار و لكن هؤلاء خرجوا منها و هي نار ... "
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 297)
" لفظ العمل عند الإطلاق يدل على عمل الجوارح ومنه لم يعملوا خيرا قط أي من أعمال الجوارح "
قال ابن القيم : " دلالته عند الإطلاق والتقييد، ويكون حقيقة في المطلق والمقيد، مثاله لفظ العمل، إنه عند الإطلاق إنما يفهم منه عمل الجوارح، فإذا قيد بعمل القلب كانت دلالته عليه أيضا حقيقة، اختلفت دلالته بالإطلاق والتقييد، ولم يخرج بذلك عن كونه حقيقة، وكذلك لفظ الإيمان عند الإطلاق يدخل فيه الأعمال، كقوله صلى الله عليه وسلم: " «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» " فإذا قرن بالأعمال كانت دلالته على التصديق بالقلب، وكقوله: {آمنوا وعملوا الصالحات} [البقرة: 25] فاختلفت دلالته بالإطلاق والتقيد وهو حقيقة في الموضعين.
14 : ابن رجب الحنبلي ( 736 / 795 )التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار (ص: 256) :
والمراد بقوله: «لم يعملوا خيراً قط» من أعمال الجوارح، وإن كان أصل التوحيد معهم، ولهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار، إنه لم يعمل خيراً قط غير التوحيد.
خرجه الإمام أحمد، من حديث أبي هريرة مرفوعاً، ومن حديث ابن مسعود موقوفاً.
ويشهد لهذا، ما في «حديث أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في حديث الشفاعة، قال: فأقول: يا رب، ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي، وكبريائي وعظمتي، لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله» .
خرجاه في الصحيحين.
وعند مسلم: «فيقول: ليس ذلك لك، أو ليس ذلك إليك» .
وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته، من غير شفاعة مخلوق، هم أهل كلمة التوحيد، الذين لم يعملوا معها خيراً قط بجوارحهم، والله أعلم.
وفي فتح الباري (1/ 88) :
والإيمان القلبي وهو التصديق لا تقتسمه ( 252 ) الغرماء بمظالمهم ؛ بل يبقى ( 192 - أ / ف ) على صاحبه ؛ لأن الغرماء لو اقتسموا ذلك لخلد بعض أهل التوحيد وصار مسلوبا ما في قلبه من التصديق وما قاله بلسانه من الشهادة ،
وإنما يخرج عصاة الموحدين من النار بهذين الشيئين ، فدل على بقائهما على جميع من دخل النار منهم وأن الغرماء إنما يقتسمون الإيمان العملي بالجوارح
15 : شرح المشكاة للطيبي (743هـ)
الكاشف عن حقائق السنن (11/ 3522)
أقول: إذا فسرنا ما يختص بالله تعالى بالتصديق المجرد عن الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل، وذكرنا أن ما يختص بالله تعالى بالتصديق المجرد عن الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل، وذكرنا أن ما يختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإيمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل فلا اختلاف.
شرح المشكاة للطيبي (11/ 3531)
قوله: ((فيقبض قبضة من النار)) هم الذين معهم مجرد الإيمان، وهم الذين لم تؤذن فيهم الشفاعة، وتفرد الله تعالى بعلم ما تكنه القلوب بالرحمة لمن ليس عنده إلا مجرد الإيمان،
هكذا يجمع بين الأحاديث :
16 : ابن حجر (773 هـ - 852 هـ) فتح الباري - (11/ 456)
قال الطيبي هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار شعيرة ثم حبة ثم خردلة ثم ذرة غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق والاقرار بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان وهو على وجهين .
أحدهما ازدياد اليقين وطمأنينة النفس لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه .
والثاني ان يراد العمل وان الإيمان يزيد وينقص بالعمل وينصر هذا الوجه قوله في حديث أبي سعيد لم يعملوا خيرا قط قال البيضاوي وقوله ليس ذلك لك أي انا افعل ذلك تعظيما لاسمى وإجلالا لتوحيدي وهو مخصص لعموم حديث أبي هريرة الاتي اسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصا .
قال ويحتمل ان يجري على عمومه ويحمل على حال ومقام اخر قال الطيبي إذا فسرنا ما يختص بالله بالتصديق المجرد عن الثمرة وما يختص برسوله هو الإيمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل الصالح حصل الجمع
17 : الملا على القاري ت. 1014 هـ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (16/ 152)
واختلف العلماء في تأويله حسب اختلافهم في أصل الإيمان والتأويل المستقيم هو أن يراد بالأمر المقدر بالشعير والذرة والحبة والخردلة غير الشيء الذي هو حقيقة الإيمان من الخيرات وهو ما يوجد في القلوب من ثمرات الإيمان ولمحات الايقان ولمعان العرفان
لأن حقيقة الإيمان الذي هو التصديق الخاص القلبي وكذا الاقرار المقرر اللساني لا يدخلها التجزىء والتبعيض ولا الزيادة ولا النقصان على ما عليه المحققون وحملوا ما قاله غيرهم على الاختلاف اللفظي والنزاع الصوري
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (16/ 153)
فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله أي ولو في عمره مرة بعد إقراره السابق فإنه من جملة عمله اللاحق وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا
وقال : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (16/ 171)
فيخرج أي الله منها أي من النار أو من جهة تلك القبضة قوما لم يعملوا خيرا قط أي ليس لهم خير زائد على مجرد الإيمان
قال النووي هم الذي معهم مجرد الإيمان ولم يؤذن فيهم بالشفاعة وتفرد الله تعالى بعلم ما تكنه القلوب بالرحمة لمن ليس عنده إلا مجرد الإيمان وفيه دليل على أنه لا ينفع من العمل إلا ما حضر له القلب بالرحمة وصحبته نية وعلى زيادة الإيمان ونقصانه وهو مذهب أهل السنة .
18 : الصنعاني (1099 - 1182 هـ = 1688 - 1768 م)
رفع الاستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص: 132)
ويجوز أن يقال لم يعلمهم بكل من في قلبه خير وأنه بقي من أخرجهم بقبضته ويدل له أن لفظ الحديث أنه أخرج بالقبضة من لم يعملوا خيرا قط فنفى العمل ولم ينف الاعتقاد
وفي حديث الشفاعة تصريح بإخراج قوم لم يعملوا خيرا قط ويفيد مفهومه أن في قلوبهم خيرا ثم سياق الحديث يدل على أنه أريد بهم أهل التوحيد
لأنه تعالى ذكر الشفاعة للملائكة والأنبياء والمؤمنين ومعلوم أن هؤلاء يشفعون بعصاة أهل التوحيد فإنه لا يقول ابن تيمية ولا غيره أنه يشفع للكفار 0
19 : عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ( 1193 /1285 ) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: 59) :
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده " عن قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك « أن النبي صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل ـ قال : يا معاذ ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك . قال : يا معاذ ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك . قال : يا معاذ ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك - ثلاثا - قال : ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله تعالى على النار ، قال : يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال : إذا يتكلوا ، فأخبر بها معاذ عند موته تأثما » .
وساق بسند آخر : " حدثنا معتمر قال : سمعت أبي ، قال : سمعت أنسا قال : ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل : « من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة . قال : ألا أبشر الناس ؟ قال : لا ، إني أخاف أن يتكلوا » .
قلت : فتبين بهذا السياق معنى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنها تتضمن ترك الشرك لمن قالها بصدق ويقين وإخلاص .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: 66)
( تنبيه ) قال القرطبي في تذكرته : قوله في الحديث « من إيمان » أي : من أعمال الإيمان التي هي من أعمال الجوارح ، فيكون فيه دلالة على أن الأعمال الصالحة من الإيمان ، والدليل على أنه أراد بالإيمان ما قلناه ، ولم يرد مجرد الإيمان الذي هو التوحيد ونفي الشركاء والإخلاص بقول لا إله إلا الله : ما في الحديث نفسه من قول " أخرجوا - ثم بعد ذلك يقبض سبحانه قبضة فيخرج قوما لم يعملوا خيرا قط " يريد بذلك : التوحيد المجرد من الأعمال . اهـ ملخصا من شرح سنن ابن ماجه
20 : صديق بن حسن بن علي القنوجي1248 / 1307 في يقظة أولي الاعتبار (ص: 232)
وفى هذه الأحاديث فوائد كثيرة منها أن الإيمان يزيد وينقص ومنها أن الأعمال الصالحة من شرائع الإيمان ومنه قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم .
وقيل المراد في هذا الحديث أعمال القلوب كأنه يقول اخرجوا من عمل عملا بنية من قلبه لقوله الأعمال بالنيات ويجوز أن يكون المراد به رحمة على مسلم رقة على يتيم خوفا من الله تعالى رجاء له توكلا عليه ثقة به مما هي أفعال القلب دون الجوارح وسماها إيمانا لكونها فى محل الإيمان وهذا الذى قواه القرطبى وأيده في التذكرة
يقظة أولي الاعتبار (ص: 233)
قال القرطبى شفاعة رسول الله والملائكة والنبيين والمؤمنين لمن كان له عمل زائد على مجرد التصديق ومن لم يكن معه من الإيمان خير من الدين يتفضل الله عليهم فيخرجوهم من النار فضلا وكرما وعدا منه حقا وكلمته صدقا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فسبحان الرءوف بعبده الوفي بعهده انتهى
21 :
1380هـ نواقض الإيمان القولية والعملية (2/ 264)
كما قال ابن حجر: - " ورد ذلك بأن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين، كما تدل عليه بقية الأحاديث (5) "
22 : ابن باز مجموع الفتاوى الجزء الأول :
ويدخل في الإيمان بالله اعتقاد أن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأنه لا يجوز تكفير أحد من المسلمين بشيء من المعاصي التي دون الشرك والكفر كالزنا, والسرقة وأكل الربا وشرب المسكرات, وعقوق الوالدين, وغير ذلك من الكبائر ما لم يستحل ذلك; لقول الله سبحانه: سورة النساء الآية 48 إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
ولما ثبت في الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان
23 : السلسلة الصحيحة المجلدات الكاملة 1-9 (8/ 2)
وفي الحديث دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار؛ مهما كان فعله مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية ، وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان.
ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط. ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها،
الألباني في حكم تارك الصلاة (ص: 33)
( لم تغش الوجه ) و نحوه الحديث الآتي بعده : ( إلا دارات الوجوه ) : أن من كان مسلما و لكنه كان لا يصلي لا يخرج [ من النار ] إذ لا علامة له )
و لذلك تعقبه الحافظ بقوله ( 11 / 457 ) :
( لكنه يحمل على أنه يخرج في القبضة لعموم قوله : ( لم يعملوا خيرا قط و هو مذكور في حديث أبي سعيد الآتي في ( التوحيد )
يعني هذا الحديث
و قد فات الحافظ - رحمه الله - أن في الحديث نفسه تعقبا على ابن أبي جمرة من وجه آخر و هو أن المؤمنين لما شفعهم الله في إخوانهم المصلين و الصائمين و غيرهم في المرة الأولى فأخرجوهم من النار بالعلامة فلما شفعوا في المرات الأخرى و أخرجوا بشرا كثيرا لم يكن فيهم مصلون بداهة و إنما فيهم من الخير كل حسب إيمانهم
و هذا ظاهر جدا لا يخفى على أحد إن شاء الله
موسوعة الألباني في العقيدة (4/ 408)
" الملقي: إذاً انقطع عني الإشكال، إنما السؤال الآن توجيه هذه العبارة بحيث أنه لم يعمل خيراً قط ولا يدخل الجنة إلا المؤمن.
الشيخ: إيه أيش معنى: لا يدخل الجنة إلا مؤمن؛ كامل؟
مداخلة: لا، لا شك.
الشيخ: وأنا بقول: تارةً بلى، تارةً لا، لا يدخل الجنة إلا مؤمن مع السابقين الأولين مؤمناً كاملاً، أو على الأقل رجحت سيئاته على، حسناته على سيئاته، أما إذا كان مؤمناً لكن له سوابق، له سيئات إلى آخره، فإذاً إن لم تشمله مشيئة الله
بالمغفرة كما قال الله -عز وجل-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48)، إن لم تشمله مغفرة الله فيدخل النار ويعذب ما يشاء، حينئذٍ كما قلنا في الحديث السابق: «من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره»، أي تكون هذه الشهادة مش الشهادة بمقتضياتها، «إلا بحقها» كما جاء في حديث: «أمرت أن أقاتل الناس» هذا بالنسبة للمؤمنين الكاملين، أما بالنسبة للمؤمنين العصاة فتنجيهم شهادة أن لا إله إلا الله، هذا هو الإيمان، وهذا هو أقل ذرة إيمان، أي لم يكن هنا يعني التزام لحقوق شهادة لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، هذه الحقوق إذا التزمها الإنسان قد يدخل الجنة ترانزيت مع السابقين الأولين، قد يدخلها بعد الحساب، ويكون الحساب نوع من العذاب، ولكنه لا يدخل النار إلى آخره.
فهناك المهم يعني درجات، أما إذا افترضنا أشقى الناس مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله، فهذه الشهادة تنفعه وتخرجه ولا تجعله من المخلدين في النار،
موسوعة الألباني في العقيدة (4/ 413)
مداخلة: أستاذ، لعل في زيادة في مسند أحمد من حديث ابن مسعود: لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد.
الشيخ: هذا هو.
مداخلة: بهذا النص جاءت.
الشيخ: نعم.
علي حسن: الإشكال .. شيخنا هنا هذا اللفظ الذي أشار إليه أخونا أبو عبد الرحمن: «لم يعملوا خيراً قط» أصل من الأصول العظيمة التي استدل بها أهل السنة على قاعدة كلية تجيب على الإشكال من أصله أن أعمال الجوارح ليست شرط صحة في أصل الإيمان، ولكنها شرط كمال
الشيخ: كمال الإيمان، نعم
علي حسن: من شرط كمال الإيمان، هذا أحد الأدلة على ذلك.
الشيخ: صحيح.
24 : صالح آل الشيخ في كتب صالح آل الشيخ (33/ 53)
" الله جل وعلا ثبت في الحديث أنه يقول (شفع الأنبياء وشفعت الملائكة وشفع وشفع وبقي أرحم الراحمين فيأخذ الله جل وعلا بقبضته من النار فيُخرج قوما لم يعملوا خيرا قط فيدخلهم الجنة) وهؤلاء الذين لم يعملوا خيرا قط من أهل العلم من استشكل معنى قوله (لم يعملوا خيرا قط) .
والظاهر أن معنى قوله (لم يعملوا خيرا قط) أنهم ليس لهم عمل إلا التوحيد ، يعني عندهم أعمال كثيرة جدا لم يعملوا خيرا قط يكون سببا في نجاتهم ، لم يعملوا خيرا قط يكون سببا في شفاعة الشفعاء لهم فيظلون لا عمل لهم يشفع في خروجهم من النار السريع ولا شفيع لهم شفع فالله جل وعلا أرحم بعباده المؤمنين فيأخذ هؤلاء ويخرجهم من النار ويدخلهم الجنة بفضله ورحمته . "
25 : موسوعة البحوث والمقالات العلمية (/ 6)
ومعنى: (لم يعملوا خيراً قط). يعني عندهم أصل التوحيد، ولكن ما عملوا الخيرات،
ويشترط كذلك أن لا يكونوا قد ارتكبوا شيئاً يخرجهم من الملة، أو تركوا شيئاً يخرجهم تركه من الملة، كالصلاة التي من تركها بالكلية كفر، هذا يخرج، ويستثنى بالنصوص الأخرى، ويفهم بالجمع مع النصوص الأخرى.
26 : شرح الطحاوية لناصر العقل (48/ 18)
بعض أنواع الشفاعة الممنوعة وتوجيه حديث إخراج قوم من النار لم يعملوا خيراً
السؤال
ذكرت في الكلام عن الشفاعة الدنيوية أنواعاً، منها ما يتعلق بالتوسل، ومنها ما يتعلق بالتبرك، ومنها ما يتعلق بالشفاعة، فنرجو توضيح ذلك؟
الجواب
وأما حديث: (شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط)،
فقد اختلف فيه أهل العلم، وليس هناك تفسير قاطع لمعنى هذا الحديث،
فمنهم من قال: (لم يعملوا خيراً قط) بمعنى: أنهم ممن أسلموا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل.
لكن هذا منقوض بأن هؤلاء يكونون من أهل الجنة ولا يدخلون النار؛ لأنهم ماتوا على توحيد الله، والإسلام يجب ما قبله.
ومنهم من قال: إن المقصود به أن الله عز وجل يخرج من الناس بعثاً ليس لهم أعمال صالحة إطلاقاً.
وهذا هو الراجح، وفيه إثبات أن الأمور بيد الله عز وجل، وأن العباد لا يحكمون على أحد معين بأنه في جنة أو نار،
شرح الطحاوية لناصر العقل (20/ 5 )
الجمع بين قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) ونصوص إخراج قوم من النار لم يعملوا خيراً قط
السؤال
كيف نجمع بين قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48]، وما روي من أن الله يخرج من النار برحمته أقواماً لم يعملوا خيراً قط؟
الجواب
أولاً: قاعدة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48] سليمة ليس عليها مأخذ، وكون الله سبحانه وتعالى يأخذ قبضة من أهل النار فيخرج منهم من لم يعمل خيراً قط بعد أن تنتهي شفاعة الشافعين ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين مسألة توقيفية لا تخرق القاعدة الأولى،
بمعنى أنه قد يكون هؤلاء ممن لم يعملوا خيراً قط، لكنهم ليسوا بمشركين،
أو أن هؤلاء ما خرجوا باستحقاق يستحقونه، إنما برحمة الله سبحانه وتعالى وليس بالمغفرة، والرحمة غير المغفرة،
وهناك توجيهات أخرى، وقد قال بعض أهل العلم: إنه يحتمل أن الذين يخرجون من النار أناس من ذريات المشركين، أو ممن تابوا في آخر لحظة ولم يعملوا خيراً قط، وماتوا على أمر هو أقرب إلى الكفر، لكنهم استأنفوا حياة جديدة في حال الغرغرة، وغير ذلك من المعاني التي استنبطوها، وعلى أي حال فهذا بأمر الله وبقدرة الله، ولا تعارض بين هذا وذاك.
27 : الراجحي
أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر - (ص: 32)
السؤال الثالث عشر :
هناك بعض الأحاديث التي يستدل بها البعض على أن من ترك جميع الأعمال بالكلية فهو مؤمن ناقص الإيمان كحديث (لم يعملوا خيرا قط) وحديث البطاقة وغيرها من الأحاديث ؛ فكيف الجواب على ذلك ؟
الجواب :
ليس في هذه الأحاديث حجة لهذا القائل فمن ترك جميع الأعمال بالكلية وزعم أنه يكتفي بما في قلبه من التصديق كما سبق فإنه لا يتحقق إيمانه إلا بالعمل ، وأما أحاديث الشفاعة وأن المؤمنين الموحدين العصاة يشفع لهم الأنبياء والأفراط والشهداء والملائكة والمؤمنون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته ؛ يخرج قوما من النار لم يعملوا خيرا قط ، قال العلماء : المعنى (لم يعملوا خيرا قط) أي زيادة على التوحيد والإيمان ولا بد من هذا ؛ لأن النصوص يُضم بعضها إلى بعض وقد دلت النصوص على أن الجنة حرامٌ على المشركين .
وأخيرا قال : فلا يمكن أن يكون معنى الحديث : ( لم يعملوا خيرا قط ) أنهم مشركون وليس عندهم توحيد وإيمان وأنهم أخرجهم الله إلى الجنة فهذا لا يمكن أن يكون مرادا وإنما المراد ( لم يعملوا خيرا قط ) أي زيادة على التوحيد والإيمان وكذلك حديث البطاقة ليس فيه أنه مشرك وإنما فيه أنه موحِّد ففيه أنه : « يؤتى برجل ويخرج له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر سيئات ويؤتى له ببطاقة فيها الشهادتان فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة » ومعلوم أن كل مسلم له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخلون النار ، لكن هذا الرجل لما قال هاتين الشهادتين قالها عن إخلاص وصدق وتوبة فأحرقت هذه السيئات فثقلت البطاقة وطاشت السجلات .
28 : شرح مقدمة القيروانى للشيخ أحمد النقيب (10/ 8)
إذن: شفاعة الله -تعالى- لا تكون لأي أحد وإنما تكون لأهل لا إله إلا الله ، وهي لا تكون لأهل لا إله إلا الله هكذا مطلقًا، وإنما تكون لأهل لا إله إلا الله الذين قيدوا هذا القول بشيء في القلب. إذن: هذه قبضة قبضها الله -عز وجل- من النار، وهذه القبضة تكون لقوم لم يعملوا خيرًا قط، فيحمل هذا على ما سبق من الحديث أنهم لم يعملوا خيرًا قط ولكنهم من أهل لا إله إلا الله، وفي قلبهم شيء من الخير، فيحمل هذا على هذا، وتجمع الأحاديث جميعها في نسق واحد، فالطريقة السلفية الصحيحة العلمية أن الأحاديث الواردة الباب تجمع جميعًا في نسق واحد ثم تفهم فهماً واحداً
وجمعه المعيصفي
27/12/1437
30/9/2016