لا تكن هما مضافعا على أخيك في غربته ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه
والصلاة والسلام على النبي الأكرم والمعلم الأعظم صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين
وبعد،،،
فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سليمان مالك بن الحويرث قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا، فأخبرناه، وكان رفيقا رحيما، فقال: ((ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ)).
قال الشيخ الصالح محمد بن صالح العثيمين في شرحه لرياض الصالحين تعليقا على هذا الحديث:
((فهذا الحديث فيه فوائد: منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشهورا بالرحمة والرفق فكان أرحم الناس بالناس وكان أرفق الناس بالناس عليه الصلاة والسلام رحيما رفيقا حتى إن الجارية من أهل المدينة البنت الصغيرة كانت تمسك بيده ليذهب معها ليقضي حاجتها وحتى العجوز كذلك فكان عليه الصلاة والسلام أرحم الناس بالناس وأرفق الناس بالناس.
ومنها: أن الإنسان ينبغي له أن يكون شعوره شعور الآخرين لا يكون أنانيا إذا تمت له الأمور نسى من سواه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مقيما في أهله مستريح البال مطمئن القلب مرتاح النفس لكن هؤلاء الناس الشببة الذين جاءوا يتعلمون الدين كانت الفطرة والعادة والطبيعة أن الإنسان يشتاق إلى أهله فلما رأى أنهم اشتاقوا إلى أهلهم وسألهم من خلفوا وراءهم واخبروه أمرهم أن يرجعوا إلى أهليهم فينبغي عليك أن تشعر بشعور الآخرين وأن تجعل نفسك مكانهم حتى تعاملهم بما تحب أن تعامل به نفسك ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يقيم في أهله ما أمكنه ولا ينبغي أن يتغرب عنهم ولا أن يبتعد عنهم حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر المسافر إذا سافر وقضى حاجته أن يرجع إلى أهله لأن بقاء الإنسان في أهله فيه خير كثير فيه الألفة والمودة والمحبة والتربية ومراعاة أحوالهم والتأديب والتوجيه لهم فلهذا كان الذي ينبغي للإنسان ألا يفارق أهله إلا عند الحاجة ومتى انتهت حاجته رجع إليهم)). انتهى كلام الشيخ رحمه الله.
وأقول:
هؤلاء الشبيبة ما أقاموا طلبا للدنيا والمال، وإنما أقاموا طلبا للعلم، وليس أي علم إنه أشرف علم، وليس عند أي معلم وإنما عند أشرف معلم عرفته البشرية، ومع ذلك لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم شوقهم إلى أهلهم أمرهم بالرجوع إليهم والإقامة فيهم.
واليوم ترى الناس يلومون على الرجل الذي يسافر لحاجة معيشية ثم يعود إلى بلده وأهله بعد قضاء حاجته، فيخطئونه على العودة أو على قرار العودة إن كان بعد لم يعد، ويقولون لو تصبر سنة أخرى أو أكثر فتدخر بعض المال لينفعك أنت وأهلك، ولا أحد يضع نفسه مكان هذا المسكين الغريب النازح، ولا يشعرون بما يدور في داخله وما يعانيه ويقاسيه وحده، ويزيدون المعاناة عليه أضعافا مضاعفة من حيث يظنون أنهم ينصحون له ويشفقون عليه ويرجون له الخير والصلاح، ولو أنهم تركوه وشأنه لكان أفضل من نصيحة ليست في محلها، وشفقة ليست على بابها، لأنه ينبغي لمن أراد أن ينصح لغيره أن يضع نفسه في موضعه وأن يحب له ما يحب لنفسه، كما يتجلى ذلك في الحديث من المعلم الأعظم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وما كانت هذه إلا إشارة عابرة،
فلا تكن هما مضافعا على أخيك في غربته
والحمد لله في الأولى والآخرة
أبو ريحانة الوراقي
صباح 21- شوال- 1438هـ