القبر والتبرك به والبناء عليه
بسم الله والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده -
السلام عليكم -
القبر والتبرك به والبناء عليه, من مصادر التشريع وأقوال المذاهب والعلماء ونقض اقوال المخالفين باختصار :
من صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :-
حديث جندب بن عبد الله وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك". [مسلم ح 532].
وحديث عائشة وأبن عباس وانه قال :"لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". [البخاري ح435، 436 ومسلم ح 531], وهي كل مكان يتعبد الله فيه جماعة, فاليهود سموا مساجدهم معابد, والنصارى سموها كنائس .
وحديث عائشة أيضاُ وأنه قال: "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة". [البخاري ح 427 ومسلم ح 528].
وحديث جابر بن عبد الله وأنه: "نهى أن يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه". [مسلم ح 970].
وحديث جابر أيضاً وأنه: "نهى أن يُبنى على القبر أو يُزاد عليه أو يُجصص". [وروي عن أكثر من صحابي عند النسائي 86/4 والبيهقي 410/3 وأحمد 299/6 وأبن ماجه ح1564].
وحديث أبي مرثد الغنوي وأنه قال: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها". [مسلم ح972], والدعاء تجاه القبر صلاة .
وحديث ابن عباس وأنه قال :"لا تصلوا إلى قبـر ، ولا تصلوا على قبـر". [الطبراني ح12051، 12168، السلسلة الصحيحة ح1016].
وحديث أبي سعيد الخدري وأنه قال: "الأرض كلها مسجد إلا المقبـرة والحمام". [الترمذي ح317، وأبو داود ح492].
وحديث أبن عمر وأنه قال: "اجعلوا في بـيوتكم من صلاتكم ، ولا تــتخذوها قبورا". [البخاري ح432، ومسلم ح777], وفيه ان القبور مكان لا يصلى فيه .
وحديث فضالة: "فَأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي ، ثم قال : سمعت رسول الله يأمر بتسويتها". [مسلم ح968].
وأنه بعث علياً وقال :"أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته". [مسلم ح969]. فساوى هنا بين طمس التماثيل وتسوية القبور، إذ بهما يُتوصل لعبادة البشر، فعبادة الاصنام بدءت بتعظيم الأموات باتخاذ صورهم وتجسيمها ومسحها والصلاة عندها .
ورفع القبر تعظيم لصاحب القبـر ، والزائرين إذا رأوا بناءً فوق القبر هالهم ذلك، ومن ثم عظُـم الميت في نفوسهم، فكان ذلك سبباً في تعلق قلوبهم به، ومن ثم التقرب إليه والتوجه اليه بالدعاء وغيره .
ومن اقوال وأفعال الصحابة :-
• أن عثمان خرج فأمر بتسوية القبور فسويت ، إلا قبر أم عمرو ابنة عثمان ، فقال : ما هذا القبر ؟ فقالوا : قبر أم عمرو . فأمر به فسُوي". [مصنف ابي شيبة ح11795].
• وأوصى أبو موسى الأشعري فقال :"ولا تجعلوا على قبـري بناءً". [مسند أحمد 397/4].
• وعن أبي سعيد الخدري قال لا تضربوا علي فسطاطا ". [مصنف ابن أبي شيبة ح11748].
• ورأى ابن عمر فسطاطاً على قبر عبد الرحمن فقال: "انزِعه يا غلام، فإنما يظله عمله". [البخاري في صحيحة تعليقا ص458].
• وعن ابن عباس قال: "إذا رأيت القوم قد دفنوا ميتا فأحدثوا في قبره ما ليس في قبور المسلمين ، فسوِّه بقبور المسلمين". [مصنف ابي شيبة 11796].
• وعن أنس قال: "كنت أصلي قريباً من قبر، فرآني عمر بن الخطاب فقال: القبر القبر". [البخاري في صحيحة معلقا قبل الحديث427 والبيهقي 435/2].
• ومر عمر في المقبرة وأناس يحفرون لزينب بنت جحش في يوم حار فقال : لو أني ضربت عليه فسطاطا ، فضرب عليهم فسطاطا ، فكان أول فسطاط ضرب على قبر" [كنز العمال ح37796 ، ومنازل الأشراف لأبن أبي الدنيا 301/8].
• وأن عمر رأى مظلة على قبر فامر برفعها وقال دعوه يظله عمله" [المجموع للنووي ص266 عن البغوي].
ومن اقوال الإئمة والعلماء الذين يستعملون عادة لفظ الكراهة ويقصدون به التحريم، ويأخذون كما قول الله تعالى: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) كالقتل والزنا، وقوله تعالى: (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ).
قال ابن القيم: "وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك , حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم , وأطلقوا لفظ الكراهة , فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة , ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه , وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى , وهذا كثير جدا في تصرفاتهم ; فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة". [أعلام الموقعين 32].
اولاً: الشافعية :-
قال الشافعي: "وأكره أن يعظم مخلوق حتى يُجعل قبره مسجداً ". [الأم 278/1، والمهذب 139/1، وروضة الطالبين 652/1، والمجموع 266/5 و257/8]. وقال أيضاً: "وأكره أن يبنى على القبر مسجد وأن يسوى ، أو يصلى عليه وهو غير مسوى ، أو يصلى إليه". [الأم 317/1].
وقال النووي: "واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره , لعموم الأحاديث , قال الشافعي والأصحاب : وتكره الصلاة إلى القبور , سواء كان الميت صالحا أو غيره قال الحافظ أبو موسى : قال الزعفراني : ولا يصلى إلى قبره , ولا عنده تبركا به وإعظاما له للأحاديث". [المجموع 270/5].
وقال النووي: "قال الشافعي والاصحاب يكره ان يجصص القبر وان يكتب عليه اسم صاحبه أو غير ذلك وان يبني عليه وهذا لا خلاف فيه عندنا ..... قال الشافعي في الام ورأيت من الولاة من يهدم ما بني فيها قال ولم ار الفقهاء يعيبون عليه ذلك ولا أن في ذلك تضييقا علي الناس". [المجموع 298/5، شرح مسلم للنووي 24/7، ومواهب الجليل 65/3].
وقال النووي ناقلاً عن الزعفراني وهو فقيه محقق كما وصفه بذلك النووي: "الْمُسْتَحَب فِي زيارة القبور أَنْ يَقِفَ مستدبر القبلة مستقبلًا وجه الميت يسلم ولا يمسح القبر ولا يقبله ولا يمسه فإن ذلك من عادة النصارى". [المجموع 311/5].
وقال أيضاً: "ويكره تجصيص القبر والبناء والكتابة عليه". [الوهاج في شرح المنهاج 109/3].
وقال أيضاً: "ولا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم ، ويكره لصاق البطن والظهر بجدار القبر ، قاله أبو عبد الله الحليمي وغيره ، قالوا: ويكره مسحه باليد وتقبيله بل الأدب أن يبعد منه ، كما يبعد منه من حضره في حياته صلى الله عليه وسلم .هذا هو الصواب الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه ، ولا يغتر بمخالفة كثير من العوام وفعلهم ، كذلك فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء ، ولا يلتفت إلى محدثات العوام وغيرهم وجهالاتهم". [المجموع ص258].
وقـال بن حجر الهيتمي: "فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد أو بناءها عليها . والقول بالكراهة محمول على غير ذلك ، إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله ، ويجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أسست على معصية الرسول؛ لأنه نهى عن ذلك ، وأمر صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة ، وتجب إزالة كل قنديل وسراج على القبر ولا يصح وقفه ونذره". [الزواجر عن اقتراف الكبائر 121/1] وأقرة الألوسي في [روح المعاني 31/5].
وقال الهيتمي أيضاً ما ملخصه: "ويكره تجصيص القبر والبناء عليه . . . والكتابة عليه ، للنهي الصحيح عن الثلاثة ، سواء كتابة اسمه وغيره في لوح عند رأسه أو في غيره ، إلى أن قال: وقد أفتى جمع بهدم كل ما بقرافة مصر من البناء حتى قبة إمامنا الشافعي ، التي بناها بعض الملوك ، وينبغي لكل أحد هدم ذلك ، ما لم يخش منه مفسدة فيتعين الرفع للإمام". [تحفة المحتاج في شرح المنهاج ص197]و[العقد الثمين ص186].
وقال البيضاوي: "لما كان اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم ،ويتوجهون إليها تعظيما لشأنهم ، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة والدعاء نحوها ، واتخذوها أوثانا ، لعنهم الله ، ومنع المسلمين من مثل ذلك . وأصل الشرك إنما حدث من تعظيم القبر والتوجه إليه". [حاشية سنن النسائي 42/2].
وقال السويدي: "فتراهم يرفعونها فوق كل رفيع ، ويكتبون عليها الآيات القرآنية ويعملون لها التوابيت من خشب الصندل والعاج ، ويضعون فوقها ستور الحرير المحلاة بالذهب العقيان والفضة الخالصة ، ولم يرضهم ذلك حتى أداروا عليها شبابيك من الفضة وغيره ، وعلقوا عليها قناديل الذهب ، وبنوا عليها قبابا من الذهب ، أو الزجاج المنقوش ، وزخرفوا أبوابها ، وجعلوا لها الأقفال من الفضة وغيرها خوفا عليها من اللصوص ، كل ذلك مخالف لدين الرسل ، وعين المحادة لله ورسوله ، فإن كانوا متبعين فلينظروا إليه ، صلى الله عليه وسلم ، كيف كان يفعل بأصحابه الذين هم أفضل الأصحاب ، وينظروا إلى قبره الشريف وما عملت الصحابة فيه". [العقد الثمين ص185].
وقال تقي الدين السبكي، وهو يتكلم عن آداب زيارة قبر النبي: "وَلَا يمس القبر ولا يقرب منه ولا يطوف به". [فتاوى السبكي 1/ 289].
وقال أيضاً: "وإنما التمسح بالقبر وتقبيله والسجود عليه ونحو ذلك فإنما يفعله بعض الجهــال ومن فعل ذلك ينكـــر عليه فعلــه ويعلَم آداب الزيارة". [شفاء السقام ص130].
ونقل السبكي قول ابن تيمية بأن الصحابة لم يكونوا يأتون قبره عليه الصلاة والسلام, للصـلاة عنده ولا لمسح القبر، فقال: "ونحن نقول من آداب الزيارة ذلك . ننهى عن التمسح بالقبر والصلاة عنده". [شفاء السقام ص152].
وقال السيوطي: "والذي يستحب للرجل الزائر للقبور أن يتذكر بزيارته الآخرة ، وأن يسلم عليهم ويدعو لهم بالمأثور بالدعاء الذي كان يعلم النبي أصحابه... وما سوى ذلك من المحدثات ، كالصلاة عندها ، واتخاذها مساجد ، وبناء المساجد عليها فقد تواترت النصوص عن النبي بالنهي عن ذلك والتغليظ على فاعله ..... فهذه المساجد المبنية على القبور يتعين إزالتها ، هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المعروفين ، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف ، ولا تصح عند الإمام أحمد في ظاهر مذهبه ، لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك ..., وكذلك الصلاة عندها مكروهة وإن لم يكن هناك مسجد ، فإن كل موضع يصلي فيه فهو مسجد وإن لم يكن بناء". [الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ص56].
وقال السيوطي أيضاً :" وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع صلى الله عليه وسلم هي التي أوقعت كثيرا من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه ، ولهذا تجد أقواما كثيرين من الضالين يتضرعون عند قبور الصالحين ويخشعون ويتذللون ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله المساجد ، بل ولا في الأسحار بين يدي الله تعالى ، ويرجون من الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد التي تشد إليها الرحال ، فهذه المفسدة هي التي أراد النبي صلى الله عليه وسلم حسم مادتها ، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة ولا ذلك المكان ، سدا للذريعة إلى تلك المفسدة التي من أجلها عُـبدت الأوثان". [الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ص138].
وقال الغزالي: "ولا يمس قبراً ولا حجراً فإن ذلك من عادة النصارى" وقال أيضاً: " فإن المس والتقبيل للمشاهد من عادة اليهود والنصارى". [إحياء علوم الدين 259/1، 491/4].
ثانياً: الحنفية :-
قال محمد تلميذ أبي حنيفة: "لا نرى أن يُزاد على ما خرج من القبر ونكره أن يُجصص أو يُطين أو يُجعل عنده مسجدا". [الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني ص45].
وقال الكاساني : "ويكره تجصيص القبر وتطيينه ، وكره أبو حنيفة البناء على القبر ، وأن يُعلّم بعلامة ، وكره أبو يوسف الكتابة عليه". [بدائع الصانع في ترتيب الشرائع 359/2].
وقال الطحطاوي: "ولا يمس القبر ولا يقبله فإنه من عادة أهل الكتاب ولم يعهد الاستلام إلا للحجر الأسود والركن اليماني خاصة". [حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص620].
وقال الزيلعي: "ويكره أن يبنى على القبر أو يقعد عليه أو ينام عليه أو يوطأ عليه أو يقضى عليه حاجة الإنسان ... أو يصلى إليه أو يصلى بين القبور ... ونهى - عليه الصلاة والسلام - عن اتخاذ القبور مساجد". [تبيين الحقائق للزيلعي 246/1].
ثالثًا: المالكية :-
قال مالك: "أكره تجصيص القبور والبناء عليها، وهذه الحجارة التي يبنى عليها". [المدونة الكبرى 189/1].
وقال الحطاب :" قال ابن رشد : " كره مالك البناء على القبر وأن يجعل البلاطة المكتوبة ، لأن ذلك من البدع التي أحدثها أهل الطول من إرادة الفخر والمباهاة والسمعة ، وذلك ممّا لا اختلاف في كراهته". [مواهب الجليل في شرح مختصر خليل 100/2].
وقال ابن الحاج: "قال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي - ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو ويسلم عليه ولا يمس القبر بيده". [المدخل 261/1].
وقال الجندي: "وليحذر مما يفعله بعضهم بقبره - صلى الله عليه وسلم - وكذلك أيضًا تمسحهم بالبناء ويلقون عليه مناديلهم وثيابهم، وذلك كله من البدع؛ لأن التبرك إنما يكون بالاتباع له - صلى الله عليه وسلم - وما كانت عبادة الجاهلية الأصنام إلا من هذا الباب". [مناسك الحج ص145].
وقال الفاسي: "الثالثة من البدع اتخاذ المساجد علي مقبرة الصالحين ووقد القناديل عليه دائما أو في زمان بعينه والمسح بالقبر عند الزيارة وهو من فعل النصارى وحمل تراب القبر تبركا به وكل ذلك ممنوع بل يحرم". [شرح الرسالة 289/1]. وقد أكد على ذلك في كتابه [عمدة المريد الصادق ص533]، فقال: "ولا يصلي على المقابر ، ولا يبني عليها مسجد للتبرك ".
وقال ابن عبد البر :"وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن ، صنما كان أو غير صنم ، وكانت العرب تصلي إلى الأصنام وتعبدها ، فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمتـه أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم ، كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يُصنع بالصنم". [التمهيد 177/5].
وقال القرطبي :"فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها ، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز ; لما روى .... قال علماؤنا : وهذا يحرِّم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبـياء والعلماء مساجد . وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها .
أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدي إلى عبادة من فيها ، كما كان السبب في عبادة الأصنام". [الجامع لأحكام القرآن تفسير سورة الكهف].
رابعًا: الحنابلة :-
قال ابن الجوزي: "وأما نهيه عن اتخاذ القبور مساجد فلئلا تعظم لأن الصلاة عند الشيء تعظيم له وقد أغرب أهل زماننا بالصلوات عند قبر معروف وغيره وذلك لغلبة الجهلة وملكة العادات". [كشف المشكل من أحاديث الصحيحين 145/1].
وقال الأثرم :"قلت للإمام أحمد بن حنبل، قبر النبي صلى الله عليه وسلم يلمس ويتمسح به؟ قال: ما أعرف هذا". [الصارم المنكي ص145 والمغني 3/ 479].
وقد روي أنه أجاز مس القبر: "فقد جاء عن أبنه عبد الله قال سَأَلته عَن الرجل يمس مِنْبَر النَّبِيَّ ويتبرك بمسه ويقبله وَيفْعل بالقبر مثل ذَلِك أَو نَحْو هَذَا يُرِيد بذلك التَّقَرُّب إِلَى الله جلّ وَعز فَقَالَ لَا بَأْس بذلك". [العلل ومعرفة الرجال 492/2].
وأستبعد بعض أصحاب ابن حنبل ذلك عنه، كما ذكر أبن حجر في [فتح الباري 475/3]. وشكك الهيتمي ايضا في هذه الرواية وذكر أن بعض أصحاب أحمد استبعدوا ذلك عنه.[حاشية الهيتمي على شرح الإيضاح في المناسك ص454].
وهناك رواية أُخرى صحيحة عن أحمد قوله :"ولا يمس الحائط ولا يُقَبِّلُهُ» يعني حائط القبر". [مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح 60/3 رقم 1340]
واخرى أيضا عنه قال ابن قدامة في [المُغْنِي 468/5] :"ولا يُستَحَبُّ التَّمَسُّحُ بحائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقبيله ، قال أحمد : ما أعرفُ هذا . قال الأثرم : رأيتُ أهل العلم من أهل المدينة لا يمسُّونَ قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم ، يقومون من ناحيةٍ فيُسَلِّمُون . قال أبو عبد الله -الإمام أحمد- : وهكذا كان ابن عمر يفعل"
وقال ابن قدامة: "ولأنَّ تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها ، والتقرُّب إليها ، وقد روينا أنَّ ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها". [المغني 193/2].
وقال البهوتي: "ولا يمسح قبر النبي - ولا حائطه ولا يلصق به صدره ولا يقبله". [بغية الناسك ص146].
وقال مرعي الكرمي: "إعلم أن كل مكان لا فضل له في الشريعة أصلاً ، ولا فيه ما يوجب تفضيله ، بل هو كسائر الأمكنة أو دونها ، وقصد ذلك المكان أو قصد الاجتماع فيه لصلاة أو دعاء أو ذكر أو غير ذلك من معتقد قاصده ؛ من الضلال الواضح ، والخطأ الفاضح ، إذ هو تشريع في الدين ، وتفضيل بقعة لم تفضلها الشريعة ، بل مجرد الهوى الذي جعله الله تعالى بمنـزلة إلـه يعبد ، فقال سبحانه (أفرأيت من أتخذ إلـ?هه هواه) ، وفي ذلك مشابهة للمشركين في تفضيلهم أماكن بمجرد هوى أنفسهم ، فإنهم كانوا يقصدون بقعة بعينها لتمثال هناك ، أو غير تمثال ، يعتقدون أن ذلك يقربهم إلى الله تعالى". [شفاء الصدور في زيارة المشاهد والقبور ص59]. وقال ايضا: "وأما تقبيل القبور والتمسح_بها فهو بدعة باتفاق السلف". [شفاء الصدور ص80].
وقال ابن تيمية: "وكان ظهور المشاهد وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس وتفرقت الأمة ، وكثر فيهم الزنادقة المُلبسون على المسلمين ، وفشت فيهم كلمة أهل البدع ، وذلك من دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة ، فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية بأرض المغرب ، ثم جاءوا إلى أرض مصر ، وقريباً من ذلك ظهر بنو بُويه ، وكان في كثير منهم زندقة وبدع قوية". [الاستغاثة في الرد على البكري ص334].
وقال أيضاً: "واتفق العلماء على أن من زار قبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين والصحابة وأهل البيت وغيرهم أنه لا يتمسح به ولا يقبله ، بل ليس فى الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود ...
ولهذا لا يسن بإتفاق الأئمة أن يقبل الرجل أو يستلم ركنى البيت اللذين يليان الحجر ولا جدران البيت ولا مقام إبراهيم ولا صخرة بيت المقدس ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين ، حتى تنازع الفقهاء فى وضع اليد على منبر سيدنا رسول الله صل الله عليه وآله وسلم لما كان موجودا ؛ فكرهه مالك وغيره لأنه بدعة ، وذكر أن مالكا لما رأى عطاء فعل ذلك لم يأخذ عنه العلم ، ورخص فيه أحمد وغيره ؛ لأن إبن عمر رضى الله عنهما فعله ، وأما التمسح بقبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيله فكلهم كره ذلك ونهى عنه ، وذلك لأنهم علموا ما قصده النبى صلى الله عليه وآله وسلم من حسم مادة الشرك وتحقيق التوحيد وإخلاص الدين لله رب العالمين". [مجموع الفتاوى 48/27].
وقال ابن القيم: "وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بُني على قبـر ، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد ، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبـر ، بل أيهما طرأ على آخر مُنع منه ، وكان الحكم للسابق ، فلو وضِعا معاً لم يجز ، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لِنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبـر مسجدا ، أو أوقد عليه سراجاً ، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبـيه ، وغربته بـين الناس كما ترى". [زاد المعاد 572/3].
وقال الشوكاني: "إعلم أنه قد اتفق الناس سابقهم ولاحقهم وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا الوقت أن رفع القبور والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها ، واشتد وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاعلها كما يأتي بيانه ، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين أجمعين". [شرح الصدور ص20].
● ومن الأدلة على تحريم الصلاة في المقـابر أن موضع مسجده صلى الله عليه وسلم كان مقبـرة للمشركين قبل بناءه، فنَبش النبي قبورهم، ونقل رفات الموتى، ثم سوّى الأرض، ثم بنى المسجد، ولم يتخذ المكان مسجدا إلا بعد إزالة القبور منه . وهذا رواه البخاري (ح428) ومسلم (ح524).
● وأن الصلاة عند القبور من عادة اليهود والنصارى الذين لعنهم رسول الله لصنيعهم هذا وحذر من فعله وتوعد، "ومن تشبه بقوم فهو منهم". [رواه أبو داود ح4031]؛ "لتــتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه . قلنا : يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن". [رواه البخاري ح3456 ومسلم ح2669].
● والصلاة المحرمة عند القبور هي ذات الركوع والسجود، بخلاف صلاة الجنازة لمن فاتته فجائز أداؤها في المقبرة ، فقد ثبت أن هناك من كان يقم المسجدد فمات فسأل النبـي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا : مات ، قال : أفلا كنتم آذنتموني به ؟ دلوني على قبـره أو قال : على قبـرها ، فأتى قبـره فصلى عليه".. [رواه البخاري ح458 ومسلم 956].
● فالأدلة صريحة على حرمة تعظيم القبور واتخاذها مشاهد وأضرحة، وقد ظهرت هذه الأمور وتدرجت وتفشت في عهد القرامطة في القرن الرابع والفاطميين والسامانيين والحمدانيين وجميعهم شيعة وإن تفاوتوا في درجة الغلو والمعتقد، قاموا بتبديل دين الإسلام فبنوا المشاهد المكذوبة وصنفوا الأحاديث في فضل زيارة القبور وتعظيمها والصلاة عندها والدعاء وغيره .
وحتى كتب الشيعة قد أجمعت من قبل على كراهية وحرمة البناء على القبور فقد روي أن النبي بعث عليا فقال: "أن لا تدع صورة إلا طمسها ولا قبرا مشرفا إلا سويته". [الكافي 528/6 ، وسائل الشيعة 869/2، جامع أحاديث الشيعة 445/3]. "ونهى رسول الله أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه". [وسائل الشيعة 869/2].
"ونهى أن يجصص القبر أو يبنى عليه أو أن يقعد عليه". [مستدرك الوسائل 127/1].
وعن أبا عبد الله قال: "أمّا زيارة القبور فلا بأس بها ، ولا يُبني عندها مساجد". [ فروع الكافي: 228/3، من لا يحضره الفقيه: ص821، وسائل الشيعة:887/2].
وعن الصادق قال: "من أكل السحت سبعة: وذكر منها- والذين يبنون البناء على القبور". [مستدرك الوسائل 127/1]. وعنه قال: "لا تبنوا على القبور فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كره ذلك". [تهذيب الأحكام130/1، والمحاسن للبرقي ص612، وسائل الشّيعة: 870/2]. وعن الكاظم قوله: "لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه". [وسائل الشيعة 869/2 ، جامع أحاديث الشيعة 444/3 ، الاستبصار 217/1].
وقال الشهيد العاملي: "المشهور كراهية البناء على القبر واتخاذه مسجدًا… ونقل الإجماع على الكراهية على البناء عليه". [الذكرى ص68].
فشهد الشهيد العاملي ومعه البحراني والمجلسي على إجماع الشيعة الإمامية على مخالفة النبي وأهل بيته فقالوا: "هذه الأخبار رواها الشيخان والصدوقان وجماعة المتأخرين في كتبهم ولم يستثنوا قبرًا، ولا ريب أن الإمامية مُطبِقة على مُخالفة قضيتين من هذه، إحداهما البناء والأخرى الصلاة في المشاهد المقدسة". [الذكرى ص69، مفتاح الكرامة4/280، الحدائق الناضرة 4/139، بحار الأنوار97/19].