بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد :
فأذكر بتذكير مهم أنَّ ما يُطرح هنا إنما هي تلميحات وإشارات في الكلام عن المذاهب , ولا يناسب المنتديات التوَسّع في ذلك , والكتب التي تتحدث عن المذاهب موجودة وإن كان بعض مؤلفيها أكثر من الكلام والتفاصيل , وأَوْجَدَ في كتابه حشوا كان ينبغي ألا يكون , لكن طالب العلم يعرف كيف يأخذ ما يهمه !
أعود إلى التذكير وأقول ليس شرطاً ما يكون الكلام عنه هنا أنْ يَنفي غيره , كلا .. لكنْ من حصَّلَ هذا الكلام وعَلِمَهُ فقد عَلِمَ جزءا ينفعه .. والله تعالى أعلم .
** المذهب المالكي **
إمام المذهب :
هو الإمام الثاني زمنا وهو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي من بني حمير , يكني بأبي عبدالله .
مولده ووفاته :
ولد الإمام مالك سنة 95 من الهجرة ونشأ في بيت علم ودين فجده الصحابي الجليل أبو عامر الأصبحي وجده مالك أحد أربعة رجال حملوا عثمان إلى قبره ليلا , لذا اشتهر الإمام مالك رحمه بعلم الحديث رواية ودراية ؛ توفي رحمه الله سنة 179 من الهجرة وله أربع وثمانون سنة .
أبرز شيوخه :
سبق معنا أن هناك مدرسة الحجاز ومدرسة الرأي ؛ الإمام مالك من مدرسة الحجاز مدرسة أهل الأثر , أخذ العلم عن يحيى بن سعيد الأنصاري , ونافع مولى ابن عمر , ومحمد بن المنكدر , ومحمد بن شهاب الزهري , وربيعة بن عبدالرحمن المعروف بربيعة الرأي , وعن غير هؤلاء من الأئمة الأعلام .
أشهر التلاميذ :
محمد بن إدريس الشافعي , ومحمد بن إبراهيم بن دينار , والمغيرة بن عبدالرحمن المخزومي , ويحيى بن يحيى الليثي وهو صاحب أصح رواية للموطأ , ومحمد بن عبدالله بن الحكم وهو من نشر المذهب في بلاد المغرب , وعبدالله بن وهب , وعبدالرحمن بن القاسم وأغلب تلامذته من الأئمة في زمانهم فمنهم تلقى الأئمة عنهم العلم كالبخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وغيرهم من الأئمة .
فالذين تلقوا عن مالك خلق كثير , بل إن بعض العلماء يقول : إن الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم " يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم , فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة " أن هذا العالم هو مالك بن أنس ! وهو حديث رواه الترمذي وتكلم فيه بعض العلماء .
يقول الإمام مالك رحمه الله : قلَّ مَنْ كتبت عنه العلم , ما مات حتى يجيئني ويستفتيني !
وهذا يدل على سعة العلم , ورسوخ قدم فيه , وقبول من العلماء قَبْلَ الناس له رحمه الله ؛ فقد كان رحمه الله مبتعدا عن فرائد العلم وشواذه , عظيم التقوى , له سمت عند التحديث فلا يروي إلا على طهارة , لا يخاف في الله لومة لائم فتروى عنه تلك المقالة المشهورة : العلم يؤتي ولا يأتي ! ومع هذا كله فقد ابتلي الإمام بمن لا يخاف الله فجلد وامتحن رحمه الله .
ولكثرة تلاميذه الذين انتشروا في البلاد كانت هناك الطرق في أخذ المذهب كطريقة العراقيين والمدنيين والمصريين والمغاربة والأندلس ولكل من تلك الطرق أئمة وعلماء كانت لهم الجهود الواضحة في نشر العلم .
قالوا فيه :
يروى عن تلميذه الإمام محمد بن إدريس الشافعي أنه قال عن شيخه مالك : إذا ذكر العلماء فمالك النجم . وما أحد أَمَنَّ عليَّ مِنْ مالك !
وقال البخاري رحمه الله : أصح الأسانيد : مالك عن نافع عن ابن عمر .
وهذه السلسلة تعتبر من السلاسل الذهبية الرواية عن تابعي عن صحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقد مرت معنا في مجالس حديثية .
أصول المذهب :
سبق معنا أن أصولاً اتفق عليها العلماء وهي الكتاب والسنة والإجماع , ومع ذلك فلم يدون الإمام الأصول والقواعد وإن كان قد أشار إلى بعضها , فالأصول والقواعد هي من استقراء أتباع الإمام لمنهجه وطريقة استنباطه فكانت الأصول بعد الأصول المتفق عليها :
1 ) عمل أهل المدينة . وهذا مما تفرد به الإمام مالك عن الأئمة الثلاثة وردوا عليه؛ فهو رحمه الله يرى أن إجماع أهل المدينة يعد إجماعا قطعيا ومستندا شرعيا يرجع إليه ولا يخالف !
لأجل هذا يقدم عمل المدينة على القياس وخبر الآحاد .
2 ) القياس . 3 ) قول الصحابي . 4 ) المصالح المرسلة . 5 ) العرف . 6 ) سد الذرائع . 7 ) الاستحسان . 8 ) الاستصحاب .
كتب المذهب :
من أشهر المؤلفات في المذهب المالكي ( الموطأ ) لإمام المذهب مالك بن أنس رحمه الله لكن أُخذَ على الإمام مالك رحمه الله أنه جعل فيه الحديث وفقه الصحابة والتابعين فلم يجعله خالصا لقول نبينا صلى الله عليه وسلم .
وأصح رواية فيه رواية يحيى بن يحيى الليثي .
وشرح الكتاب بشروح عديدة من أشهرها :
كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر القرطبي , والاستذكار لابن عبدالبر ومن أسهل شروحه شرح أبو الوليد الباجي في كتابه المنتقى شرح الموطأ وهو مطبوع في عشر مجلدات.
ومن الكتب أيضا : المدونة لعبد السلام بن سعيد التنوخي المعروف بسحنون وأصل هذه المدونة كتاب لأسد بن الفرات اسمه الأسدية , أدرك أسد هذا الإمام مالك رحمه الله وأخذ عنه الموطأ , ثم إنه رحل إلى العراق وأخذ فقه الأحناف ثم ذهب إلى عبدالرحمن بن القاسم وهو من الذين لازموا مالك رحمه الله مدة طويلة فعرض عليه المسائل ليعرف بها قول مالك ورأيه , وبعد إجابة ابن القاسم رحل أسد بن الفرات إلى القيروان حيث عمل قاضيا هناك, ونشر المسائل في كتابه الأسدية ؛ ومع ذلك لم يلق قبولا عند علماء المالكية لِمَا يعلمون عن مالك أنه ينهى عن المسائل التي لم تقع أن يسأل عنها , وهذا ما كان بارزا في الفقه الحنفي , ولأسد بن الفرات قصص وحكايات مع علماء المذهب المالكي لا نود الإطالة بذكرها , المهم.. كان من العلماء الذين لم يقبلوا بعمل أسد بن الفرات : سحنون , فذهب إلى عبدالرحمن بن القاسم وتدارسا المسائل فرجع ابن القاسم عن بعض الآراء وأثبتها سحنون , وكتب إلى أسد أن يمحو ما دونه من آراء رجع عنها وأن المعتمد ما دونه سحنون , لكنه لم يقبل بذلك , ونشر سحنون كتابه وانتشر وترك كتاب الأسدية , واعتمد على مدونة سحنون وهو مطبوع في أربع مجلدات وقد تنسب في بعض الطبعات إلى مالك وبعضها إلى عبدالرحمن وبعضها إلى سحنون وهي واحدة فهي مسائل من سحنون لعبد الرحمن نقل فيها رأي مالك رحمهم الله جميعا .
ثم ما زال العلماء في المذهب يؤلفون كتبهم فمن ذلك :
مختصر خليل يذكر فيه الراجح من المذهب المالكي , وقد اعتنى به المالكية عناية كبيرة على صعوبة ألفاظه وكثرة ضمائره , مع كثرة مسائله , لذا هو للمتخصصين والمتقدمين من طلبة العلم والعلماء , لأنه مختصر لمختصر لمختصر كما قال بعض العلماء , فقد اختصر خليل بن إسحاق الكردي مختصر ابن الحاجب الذي اختصر فيه كتاب التهذيب للبرادعي والذي اختصر فيه المدونة رحم الله الجميع . وللعناية التي أحاطت به , كثرت شروحه فمنها :
شرح الخرشي على مختصر خليل لأبي عبدالله محمد الخرشي , وهو مطبوع في ثمان مجلدات , والشرح الكبير على مختصر خليل لأبي البركات أحمد الدردير , ومواهب الجليل للحطاب , والإكليل لصالح عبد السميع الأزهري وهو أسهلها , والتاج والإكليل للمواق , ومن أفضل ما كتب عن هذا المختصر كتاب حاشية الدسوقي على الشرح الكبير على مختصر خليل مطبوع في أربع مجلدات , والشروح كثيرة, يطول بنا المقام جدا في الكتابة عنها والكلام حولها حتى ولو كان ذكرا لأسمائها وأسماء مؤلفيها !
من الكتب المعتمدة في المذهب كذلك كتاب ابن رشد القرطبي ( الحفيد ) وهو بداية المجتهد ونهاية المقتصد ومع أنه يذكر الأقوال في المذاهب الأخرى إلا أنه تميز عن جميع المصنفات في جميع المذاهب بذكره سبب الخلاف مما يدلك على سعة علم وأفق واطلاع مصنفه رحمه الله وهو مطبوع في مجلدين , ويُدَّرس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.
من الكتب كذلك كتاب المقدمات الممهدات لابن رشد القرطبي ( الجد ) مطبوع في ثلاثين مجلد .
ومن الكتب أيضا : كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك لأحمد بن محمد الصاوي شرح فيه كتاب الشرح الصغير على مختصر خليل للدردير , لأن للدردير شرح كبير وصغير على مختصر خليل , الصغير شرحه الصاوي والكبير شرحه الدسوقي رحم الله الجميع .
هذا الكتاب طبع في مجلدين ويتميز بسهولة العبارة .
بقي أن نذكر أنه سبق مدرسة الحديث وجود فقهاء في المدينة النبوية قد تجد تسميتهم في بعض كتب المذاهب وخصوصا في المذهب المالكي كالعبادلة وهم عبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو بن العاص , وعبدالله بن الزبير , وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم جميعا وفيهم قال القائل :
إن العبادلة الأخيار أربعة = مناهج العلم في الإسلام للناس
ابن الزبير وابن العاص وابن أبي = حفص الخليفة والحبر ابن عباس !
وتجد أيضا في تلك الكتب اسم الفقهاء السبعة وهم :
سعيد بن المسيب , وعروة بن الزبير , والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق , وخارجة بن زيد بن ثابت , وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود , وسليمان بن يسار , وأبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف , وقيل بل هو سالم بن عبدالله , وقيل : بل هو أبو بكر بن عبدالرحمن وقد نظم بعضهم أسماء الفقهاء السبعة بقوله :
ألا كل من لم يقتدي بأئمة = فقسمته ضيزى عن الحق خارجة
فخذهم عبيد الله عروة قاسم = سعيد أبو بكر سليمان خارجة !
وهناك كتب ألفت في بيان مصطلحات المذاهب فليرجع إليها للفائدة .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ..