تمييز شيخ البخاري ( يعقوب ) عن إبراهيم بن سعد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد روى البخاري في "صحيحه" حديثين: في الصلح برقم: (2697), وفي فضل من شهد بدرا (3988): عن ( يعقوب ) غير منسوب, عن إبراهيم بن سعد, واختلفوا في "يعقوب" هذا على أقوال, والأشهر أنه يعقوب بن حميد بن كاسب. قال أبو عبد الله الحاكم: سألتُ مشايخنا عن "يعقوب" هذا؟ فذكروا أنه يعقوب بن حميد بن كاسب. انظر: تقييد المهمل (1/600).
واختاره جماعة منهم: أبو الوليد الباجي في "التعديل والتجريح" (3/1424), والذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/451), وابن حجر في "هدي الساري" (454), ونقله عن أبي أحمد الحاكم وابن منده وغيرهما.
وأضعف الأقوال قول من قال: إنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد؛ فإن البخاري لم يلقه, بل يروي عنه بواسطة.
وقيل: يعقوب بن محمد الزهري, وهو الذي نسبه ابن السكن, ولكن استبعده أبو أحمد الحاكم, وضعفه ابن حجر.
وقيل: يعقوب بن إبراهيم الدورقي.
والحديث الذي في الصلح: وقع في رواية أبي ذر: (يعقوب بن إبراهيم ) ولذلك رجح ابن حجر أنه الدورقي.
وابن كاسب هذا اختلف العلماء فيه:
فمنهم من ضعّفه:
قال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث", وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي زرعة: ثقة؟ فحرّك رأسه, قلت: كان صدوقًا في الحديث؟ قال: لهذا شروط, وقال: "قلبي لا يسكن على ابن كاسب".
وقال ابن معين – في رواية الدوري - : "ليس بشيء", وقال - في رواية ابن أبي خيثمة-: "ليس بثقة", واشتد عليه مرة فقال - في رواية ابن محرز -: "كذَّاب خبيث, عدوّ لله, محدود", قيل له: فمن كان محدودًا لا يقبل حديثه؟ فقال: "لا, لا يُقبل حديثُ من حُدّ".
وقال النسائيّ: " ليس بشيء".
ومنهم من قوّاه:
قال ابن معين – في رواية مضر بن محمد الأسديّ- : "ثقة".
وقال البخاري: "لم نر إلا خيرًا, فيه بعض سهولة, وأما في الأصل صدوق".
وقال ابن حبان: " وكان ممن يحفظ, وممن جمع وصنف, واعتمد على حفظه, فربما أخطأ في الشيء بعد الشيء, وليس خطأ الإنسان في شيء يهم فيه - ما لم يفحش ذلك منه - بمخرجه عن الثقات إذا تقدّمتْ عدالته".
وقال ابن عدي: "لا بأس به وبرواياته، وهو كثير الحديث, كثير الغرائب .. وإذا نظرتَ إلى مسنده علمتَ أنه جمّاع للحديث, صاحبُ حديث".
ولخّص ابن حجر حاله, فقال: "صدوقٌ, ربما وَهِمَ".
ولعل هذا هو الوسط في حاله, وحديثه في مرتبة الحسن, ما لم يخالِف, ويكفي ثناء البخاري عليه, وقد لقيه وسمع منه.
وأما تضعيف أبي حاتم والنسائيّ؛ فلما عُلم عنهما من التشدّد في جرح الراوي الذي لا يصل إلى درجة المتقِن.
وأبو زرعة لم يضعّفه مطلقًا, ولم يوثّقه, فيشبه حاله حال الراوي الصدوق الذي له أوهام.
وأما ابن معين فله فيه قولان: فتارةً قال: "ليس بشيءٍ" أو "ليس بثقةٍ", وتارةً قال: "ثقة".
فأما جرحه له, فقد ذكر سببَ الجرح في نفس السؤال, فإنه قال له ابن أبي خيثمة: مِن أين قلتَ ذاك؟ قال: "لأنه محدود", قلت: أليس هو في سماعه ثقة؟ قال: "بلى".
فهنا صرح أنه ثقة في سماعه للحديث, لكن لأجل حدٍّ أقيم عليه, ولذلك تعقّبه مصعب الزبيري, ولم يرض جرح ابن معين له.
قال ابن أبي خيثمة([1]): قلت لمصعب الزبيريّ: إن ابن معين يقول في ابن كاسب: إن حديثه لا يجوز, لأنه محدود؟ فقال: "بئس ما قال, إنما حدّه الطالبيّون في التحامل, وليس حدود الطالبيين عندنا بشيء؛ لجورهم, وابنُ كاسبٍ ثقةٌ مأمون, صاحب حديث, أبوه مولى للخيزران, وكان من أمناء القضاة زمانا".
وكذلك راجع ابنُ أبي خيثمة فيه ابنَ معين, فقال له: أنا أعطيك رجلاً تزعم أنّه وجب عليه حدّ وتزعم أنه ثقة! قال: من هو؟ قلت: خلف بن سالم, قال: "ذلك إنما شتم بنت حاتم مرة واحدة, وما به بأس لولا أنه سفيه".([2])
مات ابن كاسب رحمه الله سنة أربعين - أو إحدى وأربعين – ومائتين, روى له ابن ماجه بضعة وستين حديثا.
والله الموفق.
عبد الله بن صالح العنزي
في الرياض
29/11/1437ه
([1]) انظر: تاريخ ابن أبي خيثمة (3/297), تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين (1/265), التعديل والتجريح للباجي (3/1425).
([2]) انظر: التعديل والتجريح للباجي (3/1425).