فتنة الاتباع .. وتقليد الكثرة والأقوياء

كلمات قرأتها أعجبتني .

* إذا كانت الأجساد تقيد وتحبس ، فإن قيد العقول وحبسها التقليد .

* التبعية للأشخاص تسوقها الحمية والعاطفة غالبا ، ولهذا أكثرها ندامات ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ )

* لا تنصب أحدا فتطيعه بلا علم ولا برهان ، فهذه ربوبية لا تكون إلا لله ( وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ) نزلت في الطاعة العمياء للكبراء .

* لا تتبع رأي أحد لأنك تحبه ، ولا تخالف رأي أحد لأنك تكرهه ، حب الأشخاص وكرههم عاطفة تعمي عن تأمل الحق في نفسه .

* لا تبق في ظل أحد إن زال زال ظله ، وكن في ظل من لا يزول ظله .

* الأفكار ظل أصحابها تتغير بتغيرهم ، فلا تبق في ظل أحد إن تحول تحولت .

قال الخطيب البغدادي: (إلا أنه لا ينبغي أن يُقَلَّدَ أحدٌ في ترك ما ثبتت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى - وهو في الاختيارات الفقهية ص 333 - :
ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قُتل. وإن قال: ينبغي. كان جاهلاً ضالاً. ومن كان متبعاً لإمام، فخالفه في بعض المسائل؛ لقوة الدليل، أو لكون أحدهما أعلم وأتقى، فقد أحسن - وقال رحمه الله في موضع آخر - : بل يجب عليه، وإنَّ أحمد نص عليه، ولم يقدح ذلك في عدالته بلا نزاع .اهــ

وصل الحال ببعض المتعصبة للمذاهب؛ كالصاوي في حاشيته على الجلالين إلى القول: (لا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافق قول الصحابة، والحديث الصحيح، والآية، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضالٌ مُضل، وربما أداه ذلك للكفر؛ لأن الأخذ بظاهر الكتاب والسنة من أصول الكفر) !!

قال ابن قاسم في مقدمة حاشيته للروض المربع: (وقد أجمع أهل العلم على تحريم التقليد بعد ظهور الحجة، وتحريم تقليد من ليس بأهل أن يؤخذ بقوله، أو تقليد واحد من الناس في جميع ما قال دون غيره).

تتبع الكلمات ..

* التحزب للطوائف والجماعات والرموز يفقد الإنسان استحضار أعظم جواب لأعظم سؤال : ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ).

* ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) ، وقوله : ( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ) ..
أضعف الحجج أن يقف العبد بين يدي ربه ويوقفه على أمره ونهيه في القرآن والسنة ، ثم يُقر أنه اطلع عليها ، وحجته : هكذا يقول المجتمع وهكذا الناس .

* يهدر الوقت إذا أخذت الدين من رجال لن تسأل عنهم يوم القيامة ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ )
وتعظم المصيبة والمفاجأة إذا علمت أنك درست كتابا لن تختبر فيه : ( فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ) .

* العقول في غالبها كأسراب الطيور خلف المؤثرات ، وقليل من يتحكم بضبط عقله ، وقد ظهر في القرآن أن أكثر أهل النار المتبعون بلا بينة .

* من عطل عقله عن معرفة الحق فهو يشارك الدواب في صفاتها أكثر من مشاركته الناس في صفاتهم ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ )

* من علَّق رأيه بالناس دار حيث داروا ؛ لأنهم لا يثبتون ، ومن علَّق قلبه بالله ثبت ؛ لأنه قوله الحق في الأمس واليوم وغد .

ذلكَ لأن صاحب الحق يتبع ما يريده الدين , وهو ما انزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم , ومما كان من صالح محيطه وبيئته , لا ينساق خلف كل ما يقال وما يظهر من حوله , سواء كان ذلك في وسائل الاعلام , او نحو ذلك , لايتأثر بكل كلمة تقال .
فليست العبرة _بالضرورة _ بالعدد ولا الأتباع ولا تشابه الأمور , لأن هذه الأمور لن تخرج عن كونها من الأسباب الأرضية الدنيوية التي لا تستمر .

فالكثرة الدنيوية _سواء الكثرة في الأتباع , او الظهور والتسميات والدعايات , ولو كثرت _ لا تغني شيئا عن الوحي المنزل على الحبيب المصطفى _صلوات الله وسلامه عليه _ من رب العزة سبحانه وتعالى .
نفع الله بكم .

قال ابن القيم رحمه الله في مقولته المشهورة ، في كتابه مدارج السالكين :
قال بعض السلف : عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين، وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق ، واحرص على اللحاق بهم ، وغض الطرف عمن سواهم فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم ، فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك .

يتبع ..

* لو مُكن لإبليس الخروج إلى الناس في قناة أو موقع لكان أكثرهم يشاهدونه ويتابعونه ولحاكاه كثير ليصلوا إلى ما وصل إليه ، فتنة الاتباع تُعمي عن الحق .

* أكثر الناس اتباعا للحق الشباب الصغار ، وأما الكبار فيعاندون للموروث ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ..)

* العقول في غالبها كأسراب الطيور خلف المؤثرات ، وقليل من يتحكم بضبط عقله مع إمكانه للضبط ، وظهر في القرآن أن أكثر أهل النار المتبعون بلا بينة.

* كثير من الناس يتبعون المنتصر بدون سماع حجته ( وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ . لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ . فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ) الهزائم المادية ليست عبرة .

* العاقل لا ينظر إلى كثرة الأتباع قبل نظره إلى حقيقة المتبوع؛ فإبليس أكثر أتباعًا من الأنبياء، فتابعٌ واحد على الحق خيرٌ من ملء الأرض على الباطل.

وسبق قريبا قول ابن القيم في كتاب المدارج، في هذا الصدد.

قال الله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فإتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)

هذه سنة قرآنية في حب الله

وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ)

الله المستعان!
شكر الله لك.

وفي الفنون لابن عقيل الحنبلي:


إذا كانت المذاهب تنتصر بِِوصلةٍ هي الدولة والكثرة، أو حشمة الإنعام، فلا عبرة بها. إنما المذهب ما نصره دليله، حتى إذا انكشف بوحدته ساذجا من ناصر محتشم ومال مبذول كان طاهرا بصورته في الصحة والسلامة من الدخل والاعتراضات، كالجوهر الذي لا يحتاج الى صقالة وتزويق، والحسن الذي لا يحتاج الى تحسين.
ونعوذ بالله من مذهب لا ينتصر إلا بوصلة. فذلك الذي اذا زال عنه ناصره أفلس الذاهب إليه من الانتصار بدليل أو وضوح تعليل.
والدَّيِّن من خلّص الدلالة من الدولة والصّحة من النصرة بالرجال، وقلّما يعوّل في دينه على الرجال.

* مقارنة كثرة الأتباع والمال بالغير تورث كبرًا مطغيًا (..فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ..).

* كثرة الأتباع وقلتهم لا تحق الحق، ولا تبطل الباطل، الأتباع بيد الهه؛ فدين نوح هو دين محمد، دعا نوح 950 سنة، فتبعه قلة، ودعا محمد 23 سنة، فتبعته أمة.

قال الشاطبي: (لا تجد فرقة من الفرق الضالة ولا أحدًا من المختلفين في الأحكام لا الفروعية ولا الأصولية؛ يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة، وقد مر من ذلك أمثلة، بل قد شاهدنا ورأينا من الفساق من يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة المنزهة، وفي كتب التواريخ والأخبار من ذلك أطراف ما أشنعها في الافتئات على الشريعة!؟). [الموافقات: ٢٨٨/٣].

تغريدة للشيخ سعود الشريم:

صاحب الهوى لا يهمه مستوى علمك وما تحمل من أدلة، وإنما يهمه منك ما يخدم هواه لا ما يدله إلى الحق؛ لذا سترى نفسك ثقة عنده تارة وغير ثقة تارات!!.

* المصلحون يُغتبطون ويُنعمون بكثرة أتباع الحق في الآخرة، والمضلون يتحسرون ويُعذبون بقدر أتباعهم، ويتمنون لو قلَّ الأتباع؛ إما نقمة، وإما نعمة.