اتخاذ العلم حرفة أو وسيلة لكسب المال أو الوصول الى سلطان ..

قال الشيخ – رحمه الله – أما من اتخذ العلم حرفة كغيرها من الحرف التي يتخذها أهلها وسيلة لكسب المال وإحراز الجاه ووصولا إلى كراسي الرئاسة والسلطان ، فإنه لن يهتم بنشر العلم بين محتاجيه ، ولن يفكر أن ّعليه لله واجبا فيه وسيتحمل مسئولية عظمى ويندم ندامة كبرى يوم يسأل كل ذي علم عما عمل فيه . وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة “.أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.


قال ابن عبد البر النمري القرطبي تعليقا على هذا الحديث الذي تضمن الوعيد الشديد لمن يطلب الدنيا بعلمه ، حيث قال ـ رحمه الله ـ : ” وسبب هذا ـ والله أعلم ـ : أن في الدنيا جنة معجلة وهي معرفة الله ومحبته والأنس به والشوق إلى لقائه وخشيته وطاعته ، والعلم النافع يدل على ذلك ، فمن دل علمه على دخول هذه الجنة المعجلة في الدنيا ، دخل الجنة في الآخرة ، ومن لم يشم رائحتها ، لم يشم رائحة الجنة في الآخرة ، ولهذا كان أشد الناس عذابا في الآخرة من لم ينفعه الله بعلمه ، وهو أشد الناس حسرة يوم القيامة حيث كان معه آلة يتوصل بها إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات فلم يستعملها إلا في التوصل إلى أخس الأمور وأدناها وأحقرها ، فهو كمن معه جواهر نفيسة لها قيمة فباعها ببعرة أو شيء مستقذر لا ينتفع به ، فهذا حال من يطلب الدنيا بعلمه ” .


وثبت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، ولا لتماروا به السفهاء ، ولا لتحيزوا به المجالس ، فمن فعل ذلك فالنار النار ” رواه الترمذي ، وابن ماجه بمعناه ، والحاكم في المستدرك بلفظه . وقال ابن مسعود رضي الله عنه :” لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، ولا لتماروا به السفهاء ، أو لتجادلوا به الفقهاء ، أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم ، وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله فهو يبقى ويفنى ما سواه “.


وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :” يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم فوافق عمله علمه ، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف سريرتهم علانيتهم يجلسون حلقا حلقا فيباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس إلى غيره ويدعه ، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله عزوجل “.


قلت : وانطلاقا من مدلولات هذه النصوص الصحيحة والآثار الحكيمة فإنه يجب على طلاب العلم في كل عصر ومصر وفي كل حاضرة وبادية :
1 ـ أن يعملوا بعلمهم ظاهرا وباطنا .


2 ـ وأن يهتموا بنشره وبيانه للناس اقتداء بأنبياء الله ورسله والصالحين من عباده .


3 ـ وأن يخلصوا لله في طلبهم للعلم وتعليمه للناس بحيث لا يرجون الثواب إلا من الله ، ولا يخشون أحدا من الخلق سواه .


4 ـ وأن يتعلموا للعلم التواضع ، والحلم والسكينة والوقار طاعة لله ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم به وبأولي العلم والنهى والزهد والورع والتقى ، الذين حفظ الله بهم فنون العلم الشريف ، أعني الصحابة والتابعين وتابعيهم في كل زمان ومكان من أئمة العلم والفضل والدين أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده حتى يأتيك من ربك اليقين .


5 ـ وأن يصبروا على الأذى الذي لابد منه لطالب العلم لاسيما عند القيام بحقه الذي هو تطبيقه في ميدان هذه الحياة على الوجه الشرعي ودعوة الخلق إلى ذلك بجد واجتهاد وصدق وإخلاص .



المصدر : المنهج القويم في التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم – لفضيلة الشيخ زيد المدخلي – رحمه الله