موقف المسلم من الخلاف بين أهل العلم في المسائل الخلافية/ الشيخ صالح ال الشيخ
موقف المسلم من الخلاف بين أهل العلم في المسائل الخلافية/ الشيخ صالح ال الشيخ
سؤال : ما موقف المسلم من الخلاف بين أهل العلم في المسائل الخلافية
نرجو من فضيلتكم التفصيل في ذلك ؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين ، الاختلاف وقع في الأمة ولا غرابة في ذلك ، لأن هناك أسبابا لوجود الاختلاف ، فلا غرابة أن يختلف العلماء في أقوالهم في المسائل الفقهية المعروفة ، لأن مَوْرِد النصوص ربما يكون محتملًا لأنواع من الفهم ، ففي مثل هذه الحالة يجب على المرء المسلم العادي أن يسأل من يثق في دينه وعلمه ، ثم يتبع فتواه ، أما إذا كان عنده علم ويستطيع أن يبحث ، فإنه يبحث ويجتهد فيما دل عليه الدليل ووافقته القواعد العامة
أحيانًا قد يظن أن الدليل يدل على شيء معين ، لكنه يخالف القواعد ، فلا بد أن يكون الأمر قد دَلَّ الدليل عليه في فهمه ، حتى يذهب إليه ووافقته القواعد العامة فيما يختار من الأقوال ، هذا في المسائل الفقهية ، في مسائل العبادات والصلوات في الصيام في الحج في البيوع إلى آخره .
القسم الثاني :
وهو مهم وهو اختلاف أهل العلم في المسائل النازلة التي تهم الأمة ، هذه هي موطن الإشكال وهي التي يعاني الناس منها اليوم في كثير من المسائل ، يرى قضايا مختلفة ، فيقول : أسمع لهذا وهذا وهناك اختلاف كبير بين أهل العلم .
المسائل المعاصرة المتعلقة بالأمة مثل الحروب ، مثل المواقف ، مثل الجماعات ، مثل الأمور التي تتعلق بالشأن العام ، كل هذه لها سلوك خاص للتعامل معها
أولًا : لا تستمع لكل مَنْ يتحدث ، لأن كل من يتكلم في هذه الموضوعات سيُلقِي عندك أشياء من الخلط فيها ، بحيث قد تخرج بعد سماع الكثيرين بأنك لا تدري ما الصواب فيها
الأمر الثاني : أنها إذا كانت لا تعنيك لا اعتقادًا ولا علمًا ولا عملًا فإنك لست مطالبا شرعًا بأن تعتقد فيها شيئًا من المسائل ، بل عليك أن تقول : هذا أمر لا يعنيني . وأما الدخول في الموقف بتفاصيله فهذا شيء ينبغي أن تتركه لأهله .
أسباب الاختلاف بين العلماء :
الدرجة الثالثة : أن الذين يتكلمون في هذه المسائل يختلفون لأسباب :
السبب الأول :
معرفة الحال على حقيقته ، فالحكم على الشيء فرع عن تَصَوُّرِه ، فمنهم من يحكم بناءً على ما يسمع في القنوات أو الأخبار أو الجرائد ومنهم من يحكم من خلال تقاريرَ تأتيه من مصادرَ موثوقةٍ ، لها علم وصناعة ، تختلف الأقوال ، تختلف باعتبار المصالح ، فهذا يسمع ويبني عليه ، هل كل ما يُقال في القنوات الفضائية صحيح ؟
الجواب : لا غير صحيح ، فالقنوات الفضائية كاميرا مثل هذه الكاميرا التي أمامنا مُركَّزة عليَّ أنا ، لكن المسجد طرَفاه طرَف هناك وطرف هناك ، كلما مر بهذه الكاميرا ظننت أن المسجد ممتلئ وفي الحقيقة المسجد آخره خالي من الناس .
فإذًا كاميرات وسائل الإعلام تعطيك صورة قد لا تكون حقيقة وكذلك التعليق عليها ، الآن نأتي هنا إلى مصدر الأقوال ، فمصدر الأقوال يأتيك من عدة وسائل وأكبر شركة لإمداد جميع وسائل الإعلام في العالم بالأقوال والصور هي “رويتر” ، و”رويتر” هذا كان رجلا ألمانيا في القرن التاسع عشر ، كان مهتما بالإعلام وذهب إلى بريطانيا وأسس شركة مع مجموعة من اليهود شركة رويتر ومن ذلك الوقت حتى الآن وهي التي تمد المؤسسات بالصور ، فالصور أكثرها مأخوذ من هذه المؤسسة وبعض الأخبار كذلك ، حتى جاءت القنوات الحديثة وصار لهم مراسلون ، هؤلاء المراسلون قد ينقلون كل شيء وقد لا ينقلون . والأحكام على الأحداث تكون بناءً على هذه المصادر ولذلك يجب على من يتحدث في الأمور المعاصرة أن لا يستعجل ، خاصة العلماء وطلبة العلم الذين يقتدي الناس بهم .
السلوك الرابع هنا :
يختلفون باعتبار المآلات ، فأهل العلم يقولون : إن النظر الصحيح ينبني على ثلاثة مراحل :
التصور الصحيح والفهم ومعرفة المآلات ، ثلاثة أشياء ، تصور الأمر على ما هو عليه ، ثم فهمه ، ثم معرفة المآلات ، أي ما سيئول إليه الأمر وما سيئول إليه كلامك إذا تكلمت ومن لا يدرك هذه الأشياء يقع في الخلل ، هناك ناس ربما يتصور ، لكن فهمه أقل يختلف أو لا يدرك المآلات ، يعني لا يعرف العواقب ولذلك تحدث الخلافات ، لأن هناك اختلافا في الإدراك ، اختلافا في التصور ، اختلافا في معرفة المآلات ، الواجب هو النظر في المصلحة الشرعية ، فإن الشرع مرتبط بالمصلحة ، كما قال بعض أهل العلم : حيثما كان الشرع فَثَمَّ المصلحة .
وأيضًا في الأمور الاجتهادية ، فالشريعة جاءت بتحصيل المصالح ودرء المفاسد ، والناس عند الاختلاف على ثلاث أصناف :
هناك شخص يحب الأشد ، بغض النظر ، هل كلامه فعلًا يخدم المصلحة أو لا ، لكن هل معنى ذلك أنه هو الصواب ؟
لا ليس كذلك .
الفئة الثانية من الناس لا يعينها الأمر لا من قريب ولا من بعيد وهذا غير طيب
الثالث : وهو الوسط وهو المطلوب وذلك بالنظر في الأمور بعقل وحكمة ومعرفة للشرع وللمآلات فيه ، ثم مشورة أكبر وأكثر أهل العلم قدرا ولذلك قلت أنا في عدد من المناسبات : إن المسائل العظيمة لا يصلح أن يستقل بالكلام عليها شخص مهما كان علمه
وقديما قال أحدهم : لو كانت نزلت على عمر لكان جمع لها أهل بدر . والآن هناك من المسائل العظيمة التي تأتي على الأمة وكل واحد يتكلم في الفضائية وفي الصحف وفي خطبة الجمعة وكل هذا لا يصح ، بل لا بد أن يجتمع أهل العلم ليبحثوا الأمر من كل جوانبه – ولو تأخر قليلًا – ثم بعد ذلك يُبينون للناس ما يجب عليهم
فلذلك يجب على المسلم التروي والأناة وأن يحرص على ما ينفعه في دينه وأن يكف عما لا علم له به .
http://salehalshaikh.com/wp2/?p=773