ترجمة الشيخ عبد الحكيم بن عبد اللطيف
الثَّمَر القطيف ، في ترجمة شيخنا العلامة
عبد الحكيم بن عبد اللطيف
محمد خليل الزَّرُّوق:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الترجمة أفدتها من الشيخ ، من فيه ، في داره بعين شمس من القاهرة ، عشية يوم الإثنين 2/6/2008 ( 28 جمادى الأولى 1429 ) ، وزدت عليها أشياء قليلة من معرفتي وبحثي ، وزدت عليها خبر صلتي به وقراءتي عليه . وأظنها أطول ترجمة له تخرج إلى اليوم ، وأكثرها تفصيلاً . وعملي فيها الصياغة ، والترتيب ، وزيادة ما زدت . والله المسؤول أن ينفع بها ، إنه قريب مجيب . وسميتها : الثمر القطيف ، في ترجمة شيخنا العلامة عبد الحكيم ابن عبد اللطيف .
• الاسم والأصل :
هو فضيلة الشيخ العلامة المقرئ المتقن : عبد الحكيم بن عبد اللطيف بن عبد الله بن سليمان ، أصله من بلد اسمها الطويرات في صعيد مصر ، والنسبة إليها الطويري ، ولد في مصر بمنطقة الدمرداش أمام مسجد المحمدي ، يوم 17/9/1936 ( وهو يوافق على التقريب غرة رجب سنة 1355 ) . نزح والده من الصعيد وعمر الوالد نحو 17 سنة ، وكان يتاجر في الخشب ، وكان له محلات بقالة ، وكان يقاول على العمائر المراد هدمها ، فيهدمها ويأخذ ما فيها من الخشب والحديد والحجارة ، ويسلمها أرضًا لصاحبها .
• المكتب :
بعث به والده ووالدته وعمره أربع سنوات أو خمس إلى مكتب المحمدي بمنطقة الدمرداش ، فأتم حفظ القرآن الكريم وعمره نحو 12 أو 13 سنة .
1- وكان شيخ المكتب الشيخ إمام عبده حلاوة ، وقد تلقى الشيخ إمام القرآن الكريم عن الشيخ حسن الجريسي عن أبيه الشيخ حسن الجريسي أيضًا الشهير ببدير ، عن الشيخ المتولي ، برواية حفص ، وأخذ أيضًا عن شيخ من شيوخ المتولي . وكان الشيخ إمام معتنيًا بتلاميذه ، يُصحَّح عليه القرآن الكريم بعد الكتابة في الألواح أو على أخيه إن كان غائبًا .
2- وكان مع الشيخ إمام أخوه عبد الله عبده حلاوة ، وقد قرأ على الجريسي المذكور أيضًا .
3- وبعد أن أتم الحفظ قرأ الشيخ عبد الحكيم على تلميذ شيخه الشيخ علي مصطفى عرفة عدة ختمات إعادة ، وعلى غيره من مشايخ هذا المسجد .
• معهد القراءات :
ثم التحق بالمعهد الديني الابتدائي بالأزهر ، وبعد أن انتظم في الدراسة أصر والده على أن ينتقل إلى معهد القراءات بالأزهر ، وكان ذلك نحو سنة 1950 .
وكان المعهد قسمين ، قسمًا في مبنى أمام الجامع ، وقسمًا في الرواق العباسي للشهادة العالية والتخصص ، وحضر على مشايخ المعهد ، وكانوا على جانب كبير من العلم ، وكان لا يدرِّس بالمعهد إلا من قرأ القراءات العشر ، وناظمة الزهر في العد ، والعقيلة في الرسم ، مع حصوله على العالمية في القراءات .
• إجازة االتجويد بحفص :
ومن المشايخ الذين حضر لهم واستفاد منهم في مرحلة إجازة حفص :
4- الشيخ محمود علي بِسَّة ، كان محاميًا شرعيًّا ، واعتزل المحاماة واشتغل بالتدريس ، وكان يحمل الابتدائية الأزهرية ، والثانوية الأزهرية ، والعالمية ، وتخصص القضاء الشرعي ، وتخصص التدريس ، وتلقى القراءات العشر ، ودرس الرسم والفواصل . أخذ عنه الشيخ عبد الحكيم إجازة التجويد ، فقرأ عليه عدة ختمات ، وحضر له شرح التحفة والجزرية . وألف كتابًا حافلاً في التجويد سماه : العميد في علم التجويد . وكان حنبليًّا ، قال الشيخ عبد الحكيم : " وهو الذي حنبلني ، وحببني في هذا المذهب ، وأرشدني إلى كتب الحنابلة ، كالمقنع " .
وفي هذه المرحلة وفي أول التي تليها عشق القراءات ، وأجراها الله في دمه ، وهذا سبب تلقيه لها عن مشايخ خارج المعهد .
• عالية القراءات :
وبعد أن أتم المرحلة الأولى وهي إجازة التجويد بحفص ، انتقل إلى المرحلة الثانية ، وهي مرحلة عالية القراءات ، وهي تتضمن دراسة الشاطبية والدرة ، وغير ذلك من التفسير والرسم والفواصل والنحو والصرف والفقه .
5- وفي هذه المرحلة حضر شرح الشاطبية والدرة على الشيخ محمد عيد عابدين ، وقد حصل الشيخ محمد عيد على الدكتوراه بعد ذلك وهو في التدريس ، وله مثل مؤهلات الشيخ محمود علي بسة ، غير أن الشيخ عابدين كان حنفيًّا ، وكان عالمًا فذًّا ، وكان يعتني بتلاميذه ، وخصوصًا في حفظ متن الشاطبية والدرة ، والذي يقصِّر في الحفظ من الطلاب يقسو عليه جدًّا ، وكان هذا في مصلحة الطالب .
6- وحضر على الشيخ أحمد مصطفى أبو حسن ، في العرض والتطبيق للشاطبية والدرة ، فكان لهم شيخ يشرح ويُعرَض عليه المتن ، وشيخ يُقرأ عليه للتطبيق .
7- وحضر علي الشيخ أحمد علي مرعي .
8- والشيخ متولي الفقاعي .
9- والشيخ أحمد الأشموني الحنفي بمعهد القراءات ، وبالمعهد الديني حين كان فيه .
• تخصص القراءات :
ثم انتقل إلى المرحلة الثالثة ، وهي مرحلة التخصص ، وحضر فيها :
10- على الشيخ عامر السيد عثمان ، شيخ المقارئ المصرية .
11- والشيخ حسن المري ، وهو من تلاميذ الشيخ الزيات .
12- والشيخ أحمد عيطة ، وكان من المشايخ الأجلاء .
13- والشيخ أحمد عبد العزيز الزيات ، قرأ عليه في المعهد ، وقرأ عليه في بيته ختمة كاملة من الطيبة . وسيأتي خبر قراءته عليه ، إن شاء الله .
14- والشيخ خميس نصار .
15- والشيخ عبد المنعم السيد .
16- والشيخ محمود بكر قرأ عليه لحفص مرة أخرى .
• خارج المعهد :
وقد اتجهت عنايته إلى تلقي القراءات بالسند على المشايخ خارج المعهد :
17- فأول من تتلمذ عليه ، وحفظ عليه يديه الشاطبية والدرة : الشيخ محمد مصطفى الْمَلَّواني ، قرأ عليه الفاتحة والبقرة وآل عمران إلى قوله - تعالى - : ( إذ تصعدون ولا تلوون ) ، والشيخ الملواني قرأ على الشيخ حسن الجريسي الصغير .
18- ثم أراد والده أن يقرأ على الشيخ مصطفى منصور الباجوري شيخ مقرأة الحسين ، فقرأ عليه ختمة لحفص مع التحفة والجزرية شرحًا وتطبيقًا ، ثم قرأ عليه بالشاطبية والدرة إفرادًا وجمعًا ، من أول القرآن الكريم إلى قوله - تعالى - : ( كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ) آخر القصص .
ثم عين الشيخ عبد الحكيم مدرس ابتدائي بالأزهر بالإسكندرية ، وكان هذا أول تعيين له ، فانقطع عن شيخه بسبب عمله ، ولما رجع إلى القاهرة للتدريس فيها كان الشيخ قد توفي ، وكان قد أجازه ، لأنه كان يقرأ بين يديه في مسجد المحمدي بجميع القراءات ، وإن لم يحصل منه على الإجازة مكتوبة .
وكان له رغبة شديدة في الحصول على الإجازة الخطية منه ، لأنه كان يجله ويحبه ، ولأنه قرأ أولاً على الشيخ محمد مكي نصر صاحب نهاية القول المفيد عن المتولي ، أخذ عنه الشاطبية والدرة ، ثم تلقى القراءات عن الشيخ علي سبيع عبد الرحمن ، عن الجريسي الكبير عن المتولي ، وعن أحد شيوخ المتولي ، وكان ناظر مدرسة بوزارة المعارف ، وكان على علم بجميع القراءات متواترها وشاذها ، وعلى علم بالتفسير والنحو ، وكان يجمع مشايخ هذا العهد ، ويعقد لهم مجلسًا بمنزله أو بمنزل أحدهم ، ويقرؤون تفسير القرطبي ، وغيره من المصادر الكبيرة في العلم .
• قراءته على الشيخ الزيات :
قال الشيخ عبد الحكيم : " رأيت فيما يرى النائم في ليلة قبيل الفجر الشيخ مصطفى منصور الباجوري ، وهو يجلس في مقرأة المحمدي كعادته ، جلست لأقرأ دوري ، وكان ربع ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم) في سورة النور ، وكانت القراءة للبزي عن ابن كثير ، وجاءت آية فيها غنة عند اللام والراء ، فقال الشيخ : غُنَّ ، فاستغربت لأني قرأت عليه من الشاطبية والدرة ، وليس فيهما غنة عند اللام والراء ، فوقفت أمام شيخي في غاية الأدب ، منكسًا رأسي ، قائلا له بلسان الحال : شيخي أنت تعرف أني قوي في القراءات ، وأتقنتها عليك ، وقد أجزتني بالقراءة في المقرأة وغيرها ، بالروايات التي تلقيتها عليك ، ولكن لم يحصل لي نصيب في كتابة الإجازة بيدك . والشيخ ينظر إلي ، فلما أتممت ما جال بخاطري نحو الإجازة ضحك ، وهز رأسه مشيرًا إليَّ : أنْ نعم ، يعني هو مجيز ، وستأخذ الإجازة .
ثم بعد أن صليت الصبح جاءني هاتف أو ميل إلى زيارة الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات ، وكان يوم أربعاء ، فذهبت إليه في منزله ، فرحب بي وقال : ما الذي قطعك عنا يا عبد الحكيم ، وكنت قبلاً أذهب إليه وأقرأ معه في إحياء الغزالي ، وزاد المعاد لابن القيم ، وغيرهما ، وانقطعت عنه مدة ، وبعد أن جلست وشربت الشاي ورحب بي ، وكان وقت ذاك ليس عنده وقت لأن يقرئ إلا ناسًا مخصوصين ، وكان يقرأ عليه دكاترة ، يعيدون عليه ، فقلت له : سيدي الشيخ ، أريد أن أكمل عليك ختمة القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة ، فقد قد قرأت على الشيخ مصطفى منصور الباجوري ختمة كاملة لحفص ، وقرأت عليه ختمة بالشاطبية والدرة إفرادًا وجمعًا من أول القرآن الكريم إلى آخر القصص ، فأريد أن أكمل الختمة لأحصل على الإجازة . فترحم على الشيخ مصطفى منصور وذكر قدره ، وكانوا يعرف بعضهم قدر بعض ، وأثنى عليه ثناءً كبيرًا ، ثم سكت برهة ، وكنت أتوقع أن يقول : تعال بعد شهر أو شهرين من أجل مشاغله ، وإذا هو يقول : يا عبد الحكيم ، ستقرأ ختمة للطيبة ، وتأتي يوم السبت . وكان يوم الأربعاء ، وكنت آنذك في المعهد أكملت العالية وسأدخل التخصص ، ثم ذكرت له الشاطبية والدرة ، فقال أسند القراءات العشر من الشاطبية والدرة من طريقي . وبقيت مع الشيخ أذهب إليه ثلاثة أيام في الأسبوع ، إلى أن ختمت القراءات من الطيبة ، وكان يحاورني في الشاطبية والدرة ، وكان يعرف قدر الشيخ مصطفى الباجوري ، وختمت عليه في سنة وستة أشهر " .
• بقية مشيخته :
19- وقرأ غالب القرآن على الشيخ إبراهيم علي شحاثة السمنُّودي ، وكان حضر له في المعهد ، ولما كان الشيخ عبد الحكيم مفتشًا كان يطلب التفتيش في سمنود ليقرأ عليه ، واختبره اختبارًا شاقًّا في متون القراءات ، وعلم أنه أجازه الشيخ الزيات فأجازه إجازة مكتوبة بالكتب الثلاثة الشاطبية والدرة والطيبة .
20- وقرأ على الشيخ محمد إسماعيل الهمداني .
21- وعلى الشيخ عامر السيد مراد ثلاثة أجزاء لورش بالجامع الأزهر ، وهو صاحب السلسبيل الشافي .
22- وقرأ ثلاثة أجزاء على الشيخ خليل الباسوسي .
23- وقرأ على الشيخ أحمد هاني شيخ مقرأة السيدة نفيسة مرارًا بالقراءات .
وكان يطوف على المقارئ يقرأ على المشايخ .
• وظائفه :
وبعد أن تخرج في المعهد عُين أولاً في التعليم الابتدائي في الإسكندرية ، فبقي فيها سنة واحدة ، ثم انتقل إلى التدريس في التعليم الابتدائي بالقاهرة ، وعلَّم بالمعهد الإعدادي والثانوي بالفيوم ، ثم انتقل إلى التعليم بمعهد القراءات بالقاهرة ، وتتلمذ عليه كثيرون من المصريين وغيرهم ، ثم وصل إلى مدرس أول بالمعهد ، ثم انتقل إلى تفتيش المعاهد الأزهرية بالإدارة العامة ، ثم رقي إلى مفتش أول عام ، إلى أن أحيل على المعاش سنة 1997 .
وعين شيخًا لعدة مقارئ ، أولاً مسجد الهجيني بشبرا ، ومسجد عين الحياة الذي كان يخطب فيه الشيخ عبد الحميد كشك ، وكان يجل الشيخ عبد الحكيم ، ويحضر المقرأة من أولها إلى آخرها ( قال الشيخ عند ذكره : ، ورضي عنه ، ونور قبره ، وأسكنه فسيح جناته ) ، ثم مقرأة مسجد الشعراني ، ثم شيخًا لمقرأة مسجد السيدة نفيسة ، ومقرأة مسجد السيدة سكينة ، ثم شيخًا لمقرأة الأزهر إلى الآن ، وكان وكيلاً للجنة تصحيح المصاحف بالأزهر .
وعرضت عليه مشيخة المقارئ أيام الشيخ رزق حبة ، فقال : لا أكون شيخًا لها والشيخ رزق حبة موجود ، وبعد وفاة الشيخ رزق نزل عنها رسميًّا ، فتقلدها تلميذه الشيخ أحمد المعصراوي .
وهو اليوم الموجه الأول لعلوم القرآن والقراءات بالإدارة المركزية لشؤون القرآن الكريم بالأزهر الشريف ، وشيخ مقرأة الجامع الأزهر ، وشيخ جمعية أهل القرآن بالأزهر الشريف ، وعضو لجنة تصحيح المصاحف بمجمع البحوث الإسلامية ، وعضو لجنة المسابقات السنوية بالإذاعة والتلفزيون وإذاعة القرآن الكريم .