لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه
قال الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير في شرح الموطأ:
"قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"، فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الحلم، وفيه ترك بعض الأمور المختارة والصبر على بعض المفاسد، خوفا من أن تترتب على ذلك مفسدة أعظم منه"، وكان صلى الله عليه وسلم يتألف الناس ويصبر على جفاء الأعراب والمنافقين وغيرهم لتقوى شوكة المسلمين، وتتم دعوة الإسلام، ويتمكن الإيمان من قلوب المؤلفة، ويرغب غيرهم في الإسلام، وكان يعطيهم الأموال الجزيلة لذلك، ولم يقتل المنافقين لهذا المعنى، ولإظهارهم الإسلام، وقد أمر بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر، ولأنهم كانوا معدودين في أصحابه صلى الله عليه وسلم، ويجاهدون معه، إما حمية وإما لطلب دنيا أو عصبية لمن معه من عشائرهم.
وقال ابن العربي: "قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" هو إخبار عن وجه المصلحة في الإمساك عن قتلهم، لما يرجى من تأليف الكلمة بالعفو عنه، والاستدراك لما فاتهم في المستقبل من أمرهم توقعا لسوء الأحدوثة المنفرة عن القبول للنبي صلى الله عليه وسلم والإقبال عليه".
لأنه نهي عن قتل المصلين، النبي -عليه الصلاة والسلام- نهي عن قتل المصلين، وكلِّم مراراً في قتل المنافقين المعلوم نفاقهم فامتنع -عليه الصلاة والسلام-، معللاً بأن لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
ما موقف الأعرابي البعيد عن مخالطة النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا بلغه أنه قتل أناس يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويصلون معه ولو كانوا لا يعتقدون ذلك، في هذا صد عن دين الله، فإذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، قال: لا، ندخل في دينٍ يقتل أصحابه! فيكون في هذا صد عن الدين.
يعني على سبيل التنزل أنك قلت: لا شهادة له، والشهادة أمرٌ قلبي، وأنت لا تعرف عن حقيقة قوله، وعلى سبيل التنزل لو افترضنا أنه منافق، هؤلاء الذي لا أقتلهم؛ لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، وما دام يصلي فقد نهيت عن قتل المصلين"