ثامنا : الوجادة :
وهي مصدر ( لـ : وجد يجد : ) مولَّد غير مسموع عن العرب . قاله ابن الصلاح في مقدمته (107).
قال برهان الدين الأبناسي في الشذا الفياح (108):
وقد ذكر المصنف ـ يعني ابن الصلاح ـ خمسة مصادر مسموعة لوجد باختلاف معانيه ، وبقي عليه ثلاثة مصادر ؛ أحدها : ( جدة ) في الغضب وفي الغنى أيضا .
والثاني : إجان بكسر الهمزة في الضالة ، وفي المطلوب أيضا . حكاها صاحب "المحكم ".
والثالث : وِجْد بكسر الواو في الغنى .
وليس معنى من المعاني التي ذكرها مقتصرا على مصدر واحد إلا الحُب فإن مصدره وجَد بالفتح لا غير ، كما قاله ابن سيده ، وكذلك هو مصدر وجد بمعنى حزن . قاله الجوهري وغيره .
وأما في المطلوب فله مصدران : وجود ، ووجدان ، حكاهما صاحب "المشارق".
وأما في الضالة فله أجدان أيضا ، كما تقدم .
وأما بمعنى الغني فله أيضا مصادر أربعة : وجد ، مثلث الواو ، وجده ، حكاها الجوهري وابن سيده .
وقريء بالثلاثة قوله تعالى : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) .
قال العراقي رحمه الله في شرح التبصرة والتذكرة (108) :
والوِجادةُ أن تجدَ بخطِّ مَنْ عاصرْتَهُ - لقيتَهُ أوْ لم تلْقَهُ - أو لم تُعاصِرْهُ ، بلْ كانَ قبلَكَ ؛ أحاديثَ يرويها ، أو غيرَ ذلكَ ممَّا لم تسمَعْهُ منهُ ، ولم يُجِزْهُ لكَ ، فلكَ أنْ تقولَ : وجدْتُ بخطِّ فلانٍ ، أخبرنا فلانٌ ، وتسوقَ الإسنادَ والمتنَ . أو ما وجدْتَهُ بخطِّهِ ، أو نحو ذلكَ. هذا إذا وَثِقَ بأنَّهُ خطُّهُ ، فإِنْ لم يَثِقْ بأنَّهُ خطُّهُ فليحترِزْ عن جَزْمِ العبارةِ بقولِهِ: بلغني عَنْ فلانٍ ، أو وجدْتُ عنهُ ، أو وجدْتُ بخطٍّ قِيْلَ: إنَّهُ خطُّ فلانٍ ، أو قالَ لي فلانٌ : إنَّهُ خطُّ فلانٍ ، أو ظننْتُ : أنَّهُ خطُّ فلانٍ ، أو ذَكَرَ كُنَاتُهُ: أنَّهُ فلانُ بنُ فلانٍ ، ونحوِ ذلكَ مِنَ العباراتِ الْمُفْصِحَةِ بالْمُستَنَدِ في كونهِ خطَّهِ .... وكُلُّ ما ذُكِرَ منَ الرّوايةِ بالوِجادةِ منقطعٌ ، سواءٌ وَثِقَ بأنَّهُ خَطُّ مَنْ وَجَدَهُ عنهُ ، أَم لا . ولكنَّ الأوَّلَ وهو إذا ما وثِقَ بأنَّهُ خطُّهُ أَخَذَ شوباً من الاتصالِ بقولهِ: وجدْتُ بخطِّ فلانٍ ..أهـ
وقال ابن كثير(109) :
وصورتها: أن يجد حديثاً أو كتاباً بخط شخص بإسناده.
فله أن يرويه عنه على سبيل الحكاية، فيقول: " وجدت بخط فلان: حدثنا فلان " ويسنده. ويقع هذا أكثر في مسند الإمام أحمد، يقول ابه عبد الله: " وجدت بخط أبي: حدثنا فلان " ، ويسوق الحديث.
وله أن يقول: " قال فلان " إذا لم يكن فيه تدليس يوهم اللقى.
قال ابن الصلاح: وجازف بعضهم فأطلق فيه " حدثنا " أو " أخبرنا " وانتقد ذلك على فاعله.
وله أن يقول فيما وجد من تصنيفه بغير خطه: " ذكر فلان " ، و " قال فلان " أيضاً، ويقول: " بلغني عن فلان " ، فيما لم يتحقق أنه من تصنيفه أو مقابلة كتابه. والله أعلم.
" قلت " : والوجادة ليست من باب الرواية، وإ،ما هي حكاية عما وجده في الكتاب.
قال ابن الصلاح (110) : وهو من باب المنقطع والمرسل .أهـ
قال ابن أبي شيبة ـ كما في الميزان ـ (111) :
سألت ابن المدينى عن عمرو بن شعيب، فقال: ما روى عنه أيوب وابن جريج، فذلك كله صحيح، وما روى عمرو عن أبيه عن جده فإنما هو كتاب وجده، فهو ضعيف.أهـوقال الذهبي في "الميزان" (112) ترجمة ( عمرو بن شعيب ) بصدد روايته عن أبيه عن جده :
وبعضهم تعلل بأنها صحيفة رواها وجادة ، ولهذا تجنبها أصحاب الصحيح . والتصحيف يدخل على الرواية من الصحف ، بخلاف المشافهة في السماع .أهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (113) :
وكان عند آل عبد الله بن عمرو بن العاص نسخة كتبها عن النبى وبهذا طعن بعض الناس فى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده وقالوا هي نسخة.
قال ابن الصلاح (114) :
وَرُبَّمَا دَلَّسَ بَعْضُهُمْ ، فَذَكَرَ الَّذِي وَجَدَ خَطَّهُ ، وَقَالَ فِيهِ : (عَنْ فُلَانٍ ، أَوْ قَالَ فُلَانٌ) ، وَذَلِكَ تَدْلِيسٌ قَبِيحٌ ، إِذَا كَانَ بِحَيْثُ يُوهِمُ سَمَاعَهُ مِنْهُ ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي نَوْعِ التَّدْلِيسِ .
وَجَازَفَ بَعْضُهُمْ ، فَأَطْلَقَ فِيهِ (حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا) وَانْتَقَدَ ذَلِكَ عَلَى فَاعِلِهِ .
قال القاضي عياض (115) :
" لا أعلم من يقتدى به أجاز النقل فيها بـ( حدثنا ) و ( أخبرنا ) ، ولا من يعده معد المسند "
قال السخاوي في فتح المغيث (116) :
ولعل فاعله كانت له من صاحب الخط إجازة وهو ممن يرى إطلاقهما في الإجازة كما ذكره عياض .
وقال السيوطي في تدريب الراوي (117) :
وقع في صحيح مسلم أحاديث مروية بالوجادة وانتقدت بأنها من باب المقطوع كقوله في الفضائل حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال وجدت في كتابي عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول : أين أنا اليوم ..الحديث . وروي أيضا بهذا السند حديث قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني لأعلم إذا كنت عني راضية ".
وَحَدِيثَ: «تَزَوَّجَنِي لِسِتِّ سِنِينَ» .
وَأَجَابَ الرَّشِيدُ الْعَطَّارُ بِأَنَّهُ رَوَى الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى مَوْصُولَةٍ إِلَى هِشَامٍ وَإِلَى أَبِي أُسَامَةَ.
قُلْتُ: وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ: أَنَّ الْوِجَادَةَ الْمُنْقَطِعَةَ أَنْ يَجِدَ فِي كِتَابِ شَيْخِهِ لَا فِي كِتَابِهِ عَنْ شَيْخِهِ، فَتَأَمَّلْ.أهـ
هذا فيما يتعلق بحكم رواية الوجادة وكيفية النقل بها .
أما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها :
فكثير من العلماء المحدثين وبعض الفقهاء لا يرون العمل بها .
وحكي عن الإمام الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جواز العمل بها .(118).
وهو الذي نصره إمام الحرمين الجويني في البرهان (119) ، وقطع بوجوب العمل به عند حصول الثقة به .
قال ابن كثير (120) :
وأما العمل بها: فمنع منه طائفة كثيرة من الفقهاء والمحدثين، أو أكثرهم، فيما حكاه بعضهم.
ونقل الشافعي وطائفة من أصحابه جواز العمل بها.
قال ابن الصلاح: وقطع بعض المحققين من أصحابه في الأصول بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به.
قال ابن الصلاح: وهذا هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة لتعذر شروط الرواية في هذا الزمان، يعني: فلم يبق إلا مجرد وجادات.
" قلت " : وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أي الخلق أعجب إليكم إيماناً؟ قالوا: الملائكة، قال وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ وذكروا الأنبياء، فقال: وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ قالوا: فنحن، قال: وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: ثوم يأتون من بعدكم، يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها " ، وقد ذكرنا الحديث بإسناده ولفظه في شرح البخاري، ولله الحمد. فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة لها. والله أعلم.أهـ
قال البلقيني في المحاسن (121) : وهو استنباط حسن .
وأقره السيوطي في التدريب ، لكن قال السخاوي في فتح المغيث (122) :
وفي الإطلاق نظر ، فالوجود بمجرده لا يسوغ العمل .
وقال الصنعاني في توضيح الأفكار (123) :
وهو مقيد بما علم من وجودٍ يوثق به ، كما دلت له قواعد العلم .أهـ