العلو صفة ذات لله تعالى، والاستواء وصف فعله. و العلو أعم من الاستواء، فكل استواء علو وليس كل علو استواء.صفة العلو وصفة الاستواء
وللتعرف على الصفات هناك طريق واحد هو الكتاب والسنة حصرا.
اذ ان الصفات المثبتة تنقسم باعتبار تعلقها بذات الله تعالى إلى:
1/ صفة الذات (ذاتية)[1] : كلُّ صفة كمال قائِمة بذات الله تعالى ثابِتة في الكتاب والسنة، لا تتعلَّق بمشيئته، ولا يتصوَّر وجود الذات الإلهية بغيرها؛ كالحياة والعِلم والقُدرة والعِزَّة والحِكمة والقوَّة والسمع والبصر والوجه واليد والرجل والملك والعظمة والكبرياء والعلو[2] والإصبع والقدم والغنى والرحمة والكلام.
وضابطها: هي التي لا تنفك عن الذات؛ أو التي لم يزل ولا يزال الله تعالى متصفا بها؛ أو الملازمة لذات الله تعالى.
أو بمعنى آخر: هي التي لا تنفك ولا تفارق الذات الإلهية، بل هي ملازمة لها ازلا وابدا.
2/ صفة الفعل (فعلية): كل صفة كمال قائِمة بذات الله تعالى ثابتٌة في الكتاب والسنة، تتعلَّق بمشيئته وقُدرته؛ كالإحياء والتقدير والتعليم والإعزاز والمجيء والاستواء والخلق؛ وهذه يقال لها قديمة النوع حادثة الآحاد (أو متجددة الآحاد).
وضابطها: هي التي تنفك عن الذات؛ أو التي تتعلق بالمشيئة والقدرة.
وتنقسم الصفات الفعلية من جهة تعلقها بمتعلقها إلى قسمين:
1/ متعدية: وهي ما تعدت لمفعولها بلا حرف جرّ مثل: خلق ورزق وهدى وأضل ونحوها.
2/ لازمة: وهي ما تتعدى لمفعولها بحرف جر مثل: الاستواء[3] والمجيء والإتيان والنزول ونحوها.
وإنما قسمت كذلك نظراً للاستعمال القرآني من جهة، ولكونها في اللغة كذلك، قال ابن القيم الجوزية:
(فأفعاله نوعان: لازمة، ومتعدية كما دلت النصوص التي هي أكثر من أن تحصر على النوعين)[4].
وقال رحمه الله: (المجيء والإتيان والذهاب والهبوط هذه من أنواع الفعل اللازم القائم به، كما أن الخلق والرزق والإماتة والإحياء والقبض والبسط أنواع الفعل المتعدي، وهو سبحانه موصوف بالنوعين وقد يجمعهما كقوله: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش)(الحديد/4))[5].
الفرق بين صفة الذات وصفة الفعل
الفرق بينهما: أن الصفات الذاتية لا تنفك عن الذات، أما الصفات الفعلية يمكن أن تنفك عن الذات على معنى أن الله تعالى إذا شاء لم يفعلها. ولكن مع ذلك فإن كلا النوعين يجتمعان في أنهما صفات لله تعالى أولا وأبدا لم يزل ولا يزال متصفا بهما ماضيا ومستقبلا لائقان بجلال الله عز وجل.[6]
وقد تكون الصفة ذاتية وفعلية باعتبارين، كالكلام؛ فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء، وكل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته، وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجز عن إدراكها، لكننا نعلم علم اليقين أنه سبحانه لا يشاء إلا وهو موافق لحكمته، كما يشير إليه قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (الإنسان/30). [7]
اما السبل لمعرفة الصفات على ضوء الأدلة وإثباتها فهي:
1. من النص على الصفة في الكتاب والسنة(توقيفا). مثال: صفة العزة، قال تعالى: (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(يونس/65).
2. من خلال دلالة الاسم على الصفة. مثال: اسم الله (الحفيظ) يدل على ذات الله وعلى صفة (الحفظ) بدلالة المطابقة، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى الصفة وحدها بالتضمن، والحفيظ على تقدير معنى (العلم والإحاطة بكل شيء) فإنه يدل على (صفة الذات)، قال تعالى: (إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)(هود/57)، وعلى تقدير معنى (الرعاية والتدبير) فإنه يدل على (صفة فعل)، قال تعالى: (فَالصَّالِحَات قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله)(النساء/34)، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والقوة والعزة وغير ذلك من صفات الكمال.
3. من خلال الفعل الدال على الصفة (الوصف الفعل). مثال: صفة الفعل (الاستواء)، قال تعالى: (الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَل بِهِ خَبِيراً)(الفرقا ن/59)، فالاستواء على العرش وصف فعل يتعلق بمشيئة الله تم بعد خلق السماوات والأرض.
أما العلو الذي دل عليه اسمه الله تعالى (العلي) فهو وصف ذات من لوازم الذات الإلهية ، وهو أعم من الاستواء، فكل استواء علو وليس كل علو استواء.
4. من النفي؛ فكل نفي نثبت منه كمال ضده. وهذه هي القاعدة المقررة عند أهل السنة والجماعة فيما يُنفَى في القرآن وفي السنة عن الله تعالى؛ إنما هو لإثبات كمال ضده من صفات الحق.
مثال: نفي السِنَة والنَوْم يتضمن: ثبات كمال القدرة والقوة والحياة والقيومية، قال تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(البق رة/255).
5. الصفة المنقسمة عند التجرد (أي: تنقسم الصفة إلى كمال ونقص أو يحتمل وجها من أوجه النقص) نثبتها لله تعالى في موضع الكمال.
مثال: قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(ا لأنفال/30)، فصفة (المكر بالماكرين)، صفة كمال مقيدة لا يصح إطلاقها. أما (المكر) فصفة منقسمة إلى:
• المكر الذي هو بحق، وهو ما دلّ على كمال وقهر وجبروت وهو المكر بمن مكر به سبحانه، أو مكر بأوليائه، أو مكر بدينه، هذا.... حق.
• المكر المذموم، وهو ما كان على غير وجه الحق.
وكذلك صفة (الصنع)؛ فالله سبحانه وتعالى يصنع وله الصنع سبحانه، كما قال سبحانه: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)(النمل/88)، وهو سبحانه وتعالى يصنع ما يشاء وصانِعٌ ما شاء كما جاء في الحديث (إِنّ اللّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ) ، لأن الصّنع منقسم إلى:
• ما هو موافق للحكمة.
• ما هو ليس موافقا للحكمة.
هذه هي الطرق التي تثبت بها الصفة لله تعالى, وبناء على ذلك نقول:
الصفات أعم من الأسماء، لأن كل اسم متضمن لصفة، وليس كل صفة متضمنة لاسم.
العلو والاستواء
العلي اسمه تعالى والعلو وصفه ذاته سبحانه
والاستواء وصف فعله
وقد جاء في الكتاب والسنة اسم الله تعالى العلي
قوله سبحانه وتعالى :
( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (البقرة /255).
ومن السنة النبوية
( كلمات الفرج : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السموات السبع و رب العرش الكريم ). رواه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة عن ابن عباس .
وقال الشيخ الألباني : ( صحيح ) ، وانظر الحديث /4571 في صحيح الجامع الصغير وزيادته.
إثبات صفة العلو
الاستواء يتعلق بالعلو؛ لأن العلو علوان : علو مطلق ، وعلو مقيد.
1/ العلو المقيد : هو الاستواء على العرش ؛ لأنه مقيد بالعرش.
2/ العلو المطلق : فهو علو الذات ، وعلو الشأن ، وعلو القهر ، فإن الله جل وعلا له صفة ذات وهي العلو ، فالله جل وعلا علوه علو شأن أي : علو عظمة وبهاء وكمال وقوة وقدرة وعزة ، وعلو قهر أي : هو القاهر فوق عباده ، كل الخلق مقهورون ومربوبون لله جل في علاه ، كما قال الله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ۞ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا)(مريم/93 – 94) ، فهذا خضوع في النهاية ، وأيضاً خضوع الربوبية في كل العباد ، وكذلك كل العباد لا يستطيعون رد قضاء الله وقدره جل في علاه ، فإنه لو أمرض الكافر ، أو أراد موت الكافر ، نفذ أمره جل في علاه ، وهذا من باب علو القهر على عباده جل في علاه.
إذاً : الله جل في علاه له علو الذات ، وعلو الشأن ، وعلو القهر.[8]
وكذلك الاستواء ثابت في الكتاب والسنة
ففي الكتاب المجيد
سورة البقرة
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
وفي السنة النبوية
حديث قتادة بن النعمان سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه".
قال الذهبي في العلو رواته ثقات، رواه أبو بكر الخلال في كتاب السنة له.وذكر ابن القيم في "الجيوش الإسلامية" "ص34" أن إسناده صحيح على شرط البخاري.
[1] قلت: ليس المقصود بالذاتية ما يلزم الذات، إذ الجميع لازم الذات.
[2] قلت: العلو صفة ذات، والاستواء وصف فعل. و العلو أعم من الاستواء، فكل استواء علو وليس كل علو استواء. فتنبه !.
[3] انظر غير مأمور: مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، مؤلف الأصل محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى 751هـ)، اختصره محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان البعلي شمس الدين، ابن الموصلي (المتوفى 774هـ)، تحقيق سيد إبراهيم، الناشر دار الحديث، القاهرة – مصر، الطبعة الأولى، 1422هـ - 2001م، ص372، في معنى لَفْظَ الِاسْتِوَاءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
[4] المصدر السابق ص449.
[5] المصدر السابق ص470.
[6] انظر غير مأمور: الصفات الإلهية تعريفها، أقسامها/ الدكتور محمد بن خليفة بن علي التميمي/ الناشر أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1422هـ/2002م، ص66.
[7] توحيد الأسماء والصفات / الشيخ محمد إبراهيم الحمد، ص25-26، بدون ناشر.
[8]شرح كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد / الشيخ محمد حسن عبد الغفار – الدرس التاسع.
المصدر: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية - http://www.islamweb.net