علامات البلوغ في الذكر والأنثى
المقصود بالبلوغ هو انتهاء حدِّ الصغر ليكون أهلًا للتكاليف الشرعية .
وللبلوغ علامات طبيعية ظاهرة ، منها ما هو مشترك بين الذكر والأنثى ، ومنها ما هو مختص بالأنثى :
1- الاحتلام :
وهو خروج المني من الذكر أو الأنثى في يقظة أو نوم ، وهو أصل علامات البلوغ .
قال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِن ُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 59].وعن علي بن أبي طالب قال : حفظتُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا يُتْمَ بعد احتلام ، ولا صُمَاتَ يومٍ إلى الليل) . صحيح : أبو داود 2873، والسنن الكبرى للبيهقي 11309، وصححه الألباني في الإرواء 5/79.
• اليتيم : اسم للصغير لا أب له ، له سهم من الخمس ، فإذا بلغ زال عنه اسم اليتيم ، فلا يستحق ما يستحق بمعنى اليتم ، والمراد من الاحتلام البلوغ .
• ولا صُماتَ يومٍ إلى الليل ، معناه : رد عادة الجاهلية ، فإنه كان من نُسُكِ أهل الجاهلية الصمات حين يعتكف الواحد منهم اليوم والليلة صامتًا لا ينطق ، فنُهُوا عن ذلك ، وأُمِروا بالذِّكر والنطق بالخير ، قال طاوس : مَن تكلم واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله ؛ شرح السنة للبغوي 9/200.
وحديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (رُفِع القلم عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظَ، وعن الصغير حتى يَكبَرَ، وعن المجنون حتى يعقل، أو يُفِيق) . أبو داود 4398، والنسائي 3432، وابن ماجه 2041، وصححه الألباني في الإرواء 2/4.
2- بلوغ سن خمسَ عَشْرةَ سنةً :
عن ابن عمر، قال : (عرضني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحُد في القتال ، وأنا ابن أربع عشرة سنةً ، فلم يُجِزْني ، وعرضني يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنةً ، فأجازني) .
قال نافع : فقدمت على عمر بن عبدالعزيز وهو يومئذٍ خليفة ، فحدثته هذا الحديث ، فقال : (إن هذا لحد بين الصغير والكبير ، فكتب إلى عمَّاله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنةً ، ومَن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال) . مسلم 1868.
3 - الإنبات :
وهو ظهور الشعر الخشن حول الفرج .
يدل عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حكَّم سعد بن معاذ في بني قريظة قال : فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم ، وتُسبَى ذراريهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (حكمتَ بحُكمِ الملك) . صحيح: أحمد 11168، وأبو داود الطيالسي في مسنده 2354، وأصل القصة عند البخاري 3804.
وعن عطية القرظي - رضي الله عنه - يقول : (كنتُ غلامًا يومَ حكم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - في بني قُرَيظة أن يقتلَ مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ، فشكُّوا فيَّ ، فلم يجدوني أنبتُّ الشعر ، فها أنا ذا بين أظهركم) . مستخرج أبي عوانة 6477.
وعن ابن عمر قال : كتَب عمر إلى أمراء الأجناد ألا تقتلوا امرأةً ولا صبيًّا ، وأن تقتلوا مَن جرت عليه المواسي) . مصنف ابن أبي شيبة 33119، بسند صحيح.
وفي المسألة خلاف مشهور ، والراجح قول الحنابلة والمالكية أنها من علامات البلوغ ، قال أحمد وإسحاق : البلوغ ثلاثة منازل : بلوغ خمس عشرة أو الأمثل ، فإن لم يُعرَف سنُّه ولا احتلامه ، فالإنبات ، يعني العانة .
ويزاد في حق الأنثى الحيض :
عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (لا يقبلُ الله صلاةَ حائضٍ إلا بخمار) .
أبو داود 641، وصححه الألباني في الإرواء 1/214.
فائدة :
تقدم أن اليتيم يذهب عنه اسم اليتم بالاحتلام ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (لا يُتْمَ بعد احتلام) . صحيح: أبو داود 2873، والسنن الكبرى للبيهقي 11309، وصححه الألباني في الإرواء 5/79.
، وقد ثبت عند مسلم وغيره أن ابن عباس قال: (وكتبتَ تسألني متى ينقضي يتم اليتيم؟ فلَعَمْري، إن الرجل لتنبتُ لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس، فقد ذهب عنه اليتم) . جزء من حديث عند مسلم 1812.
والجواب أن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحدث عن سن البلوغ ، أما كلام ابن عباس فيتحدث عن سن الرشد .
وهناك فرق بينهما ، فسن البلوغ به تجري الأحكام التكليفية ، ولا يُعامَل معاملة اليتيم من إعطائه الزكاة من مصرف الأيتام وغيرها .
أما سن الرشد ، فيبقى حتى يعلم منه مقدرته على التصرف في ماله، وهذا مصداق قوله - تعالى -: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6] ، فيكون معنى كلام ابن عباس : أن اليتيم قد تكون لحيته في وجهه ولا يستطيع أن يتصرف في ماله ، والحفاظ عليه في التعامل ، فلا يُدفَع إليه المال حينئذٍ .
قلت (أبو البراء) : قد وجَّه شيخنا عادل العزازي الأحاديثَ الدالة على علاماتِ البلوغ توجيهًا طيبًا ، وهو أن يُحمَل كل حديث على الحالة التي وردت فيه ، فسنُّ الالتحاق بالجيش والجند هو بلوغ الشاب خمس عشرة سنةً ، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ابن عمر وغيره ، ويكون إنبات الشعر الخشن حول الفرج ، في حالة التفريق بين الصبيان والشباب في الأَسْرى ، ولا يكون البلوغ للتكليف وجريان القلم إلا في حالة الاحتلام، والله أعلم . محاضرات شرح كتاب صحيح مسلم في مسجد هبة الرحمن بالطالبية، في يوم السبت 1 رجب 1434 هجريًّا، الموافق 11 - 5 - 2013.
رد: علامات البلوغ في الذكر والأنثى
رد: علامات البلوغ في الذكر والأنثى