أعرفكم بالحق أعذركم للخلق
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:قال ابن تيمية في مختصر الفتاوى المصرية (ص: 67):وفي تكفير أهل الأهواء نزاع هما روايتان عن أحمد وغيره؛ وحقيقة الأمر أن القول قد يكون كفرا فيطلق القول بتكفير صاحبه لكن الشخص المعين لا يكفر حتى تقام عليه الحجة فنفس القول قد يكون كفرا لكن قائله معذور فإذا كان من المؤمنين فلا يكفر لأنه قد يعذره الله تعالى بأمور إما أنه لم يعقله أو أنه لم يثبت عنده أو أنه لم يفهمه لمعارضة شبهة فمن كان قصده الحق فأخطأه فان الله يغفر له.وتقسيم المسائل إلى مسائل أصول بكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها ليس له أصل لا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن أئمة الإسلام وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة ونحوهم من أئمة البدعة وهم متناقضون، فإذا قيل لهم ما حد أصول الدين فإن قيل مسائل الاعتقاد يقال لهم قد تنازع الناس في أن محمدا هل رأى ربه وفي أن عثمان أفضل أم علي وفي كثير من معاني القرآن وتصحيح بعض الأحاديث وهي اعتقادات ولا كفر فيها باتفاق المسلمين، ووجوب الصلاة والزكاة والحج وتحريم الفواحش والخمر هي مسائل عمليه والمنكر لها يكفر اتفاقا.وإن قيل الأصول هي القطعية فيقال كثير من مسائل النظر ليست قطعية وكون المسألة قطعية أو ظنية هي أمور تختلف باختلاف الناس فقد يكون قاطعا عند هذا ما ليس قاطعا عند هذا كمن سمع لفظ النص وتيقن مراده ولا يبلغ قوة النص الآخر عنده فلا يكون عنده ظنيا فضلا عن كونه قطعيا.والمقصود أن مذاهب الأئمة الفرق بين النوع والعين ومن حكى الخلاف لم يفهم غور قولهم؛ فطائفة تحكي عن أحمد في تكفير أهل البدع مطلقا روايتين وليس هذا مذهبا لأحمد ولا لغيره من الأئمة، وكذلك تكفير الشافعي لحفص الفرد حين قال القرآن مخلوق فقال له الشافعي كفرت أي قولك كفر، ولهذا لم يسع في قتله، ولو كان عنده كافرا لسعي في قتله.وأما قتل الداعية إلى البدع فقد يكون لكف ضرره عن الناس كقطاع الطريق وقتل غيلان القدري قد يكون من هذا الباب.قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 120):فكل من قدم طاعة أحد من هؤلاء على طاعة الله ورسوله، أو قول أحد منهم على قول الله ورسوله، أو مرضاة أحد منهم على مرضاة الله ورسوله، أو خوف أحد منهم ورجاءه والتوكل عليه على خوف الله ورجائه والتوكل عليه، أو معاملة أحدهم على معاملة الله فهو ممن ليس الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وإن قاله بلسانه فهو كذب منه، وإخبار بخلاف ما هو عليه، وكذلك من قدم حكم أحد على حكم الله ورسوله، فذلك المقدم عنده أحب إليه من الله ورسوله، لكن قد يشتبه الأمر على من يقدم قول أحد أو حكمه، أو طاعته أو مرضاته، ظنا منه أنه لا يأمر ولا يحكم ولا يقول إلا ما قاله الرسول، فيطيعه، ويحاكم إليه، ويتلقى أقواله كذلك، فهذا معذور إذا لم يقدر على غير ذلك، وأما إذا قدر على الوصول إلى الرسول، وعرف أن غير من اتبعه هو أولى به مطلقا، أو في بعض الأمور، ولم يلتفت إلى الرسول ولا إلى من هو أولى به، فهذا الذي يخاف عليه، وهو داخل تحت الوعيد، فإن استحل عقوبة من خالفه وأذله، ولم يوافقه على اتباع شيخه، فهو من الظلمة المعتدين، وقد جعل الله لكل شيء قدرا.قلت: وكثير من المسلمين البسطاء الذين يصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويحبون الله ورسوله يظنون أن ما يقومون به من زيارة الأضرحة وما يقومون به عندها هي قربة إلى الله موروثة عمن يحسنون الظن بهم ويعدونهم من علماء المسلمين الذين لهم نصيب من ميراث الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم يعتقدون أن فعلهم طاعة وقربة وجزء من شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، وهذه شبهة عظيمة لا تقوم عليهم الحجة الرسالية إلى بإزالتها، وتبليغهم ما جاء به الرسول وتفهيمه له.قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/ 413):فقد تبين أن هذا القول كفر ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها.والحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.