حضارة تُهدم (1) هـدم التعليم

حضارة تُهدم (1) هـدم التعليم

يتحدث الدكتور "مهدي المنجرة" عن الحضارة فيقول: «إذا أردتَ أنْ تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي: اهدم الأسرة، واهدم التعليم واسقط القدوات والمرجعيات.
لكي تهدم الأسرة، عليك بتغييب دور الأم اجعلها تخجل من وصفها ربّة بيت. ولكي تهدم التعليم، عليك بالمعلم لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلّل من مكانته حتّى يحتقره طلاّبه. ولكي تسقط القدوات، عليك بالعلماء اطعن فيهم حتّى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد. فإذا اختفت الأم الواعية، واختفى المعلّم المخلص، وسقطت القدوة والمرجعية، فمن يربّي النشأ على القيم».
نتناول ابتداء موضوع التعليم، فنرسل تحيّة خالصة للمعلّمين (الذين يمارسون مهنة التعليم بأطواره المختلفة ومن نذروا أنفسهم للتعليم تطوعا)؛ تحية ملؤها التقدير والاحترام والشكر والافتخار لتلك الثلّة التي مازال يَصْدُقُ فيها مصطلح "المعلّم".
اليوم، الكلّ؛ التلاميذ والأولياء والمسؤولون وغير المسؤولون يحمّلون المعلّم مسؤولية تدنِّي المستوى التعليمي والتربوي للنشأ (المتمدرسون والطلاّب) ويحمّلونه إيّاها كاملة، دون النظر إلى الواقع الذي يعيشه أو يعمل فيه، وبدون بحث وتدقيق حول الأسباب الموضوعية التي تحيط بالعملية التعليمية برمّتها .. ولسان مقالهم وحالهم يقول هو كلّ شيء وهو المسؤول!!!، لأنّه هو مَن يلقّنهم.
منذ أنْ خلق الله عز وجلّ سيدنا آدم عليه السلام وعلّمه الأسماء كلّها، والبشرية تتلقى العلم من طرف إلى آخر، وكلّ من يساهم في محو الأمية وتثقيف الانسان واعطائه المعارف يسمّى معلّما، حتّى سمّى اليونان فيلسوفهم "أرسطو" بـ"المعلم" لعلو مكانته عندهم. ونحن المسلمون نقول عن النبيّ محمّد -صلى الله عليه وسلم- "المعلّم" لعلّو مكانته وسمو رسالته التي قدّمها للبشرية جمعاء لإخراجها من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم .. وظلّت مكانة المعلّم في علياءها على مدى قرون، وإلى زمن قريب، ورحم الله الأدباء الأُصلاء، الذين علموا للمعلّم مكانته وأذنوا في النّاس على لسان أحمد شوقي:
قُـم لِلمُـعَلِّـمِ وَفِّــــــهِ التَبجيــــــلا كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
نعم لقد كان المعلّم يَلْقَى التبجيل ويحظى بالتشريف، لا لأنّه فلان ابن فلان، ولكن لأنّه يبني ويُنشئ ما كان قيمة مميّزة للبشرية؛ النفوس والعقول. ولا يمكن بناء هذا الانسان ليكون لَبِنة صالحة وعنصرا فاعلا وأداة تنمية وتحضر ما لم يكن المعلّم في حدّ ذاته مصقولا بتربية تحرزه من تحويل مهمته الرسالية إلى وسيلة لتلبية الوظائف البيولوجية .. وهذا ما جعل السؤال المطروح: هل معلّم اليوم هو المعلم الذي قصده شوقي؟ وهل يحمل من المعارف العلمية والتربوية والسلوكية ما يؤهله لأن يتبوّأ هذه المكانة؟ وإذا كان الجواب بـ:لا، فمن المسؤول عن تبوّئه هذا المقام؟
متيقّنون أنّ مُهمَّة التعليم ليست بالسهولة التي يعتقدها مَن هم خارج العملية التعليمية، وهذا ما جعل "إبراهيم طوقان" يردّ على أبيات شوقي بقوله:
شَوْقِي يَقُولُ وَمَا دَرَى بِمُصِيبَتِي قُــــــــمْ لِلْمُعَلِّـمِ وَفِّـهِ التَّبْجِيــلا
اقْــعُدْ فَدَيْـتُكَ هَلْ يَكُونُ مُبَـجـَّــلاً مَنْ كَانِ لِلْنَشْءِ الصِّغَارِ خَلِيلا
وَيَـــكَادُ يَقْلِقُنِي الأَمِيــــرُ بِقَــوْلِـهِ كَادَ الْمُعَلِّمُ أَنْ يَــــكُونَ رَسُولا
لَوْ جَـــرَّبَ التَّعْــلِيمَ شَوْقِي سَاعَةً لَقَضَى الْحَيَاةَ شَقَاوَةً وَخُــمُولا
حَـسْــب الْمُــعَلِّم غُــمَّـةً وَكَـآبَـــةً مَــرْأَى الدَّفَاتِرِ بُكْـرَةً وَأَصِيلا
إلى أنْ قال:
فَأَرَى (حِمَارَاً ) بَعْدَ ذَلِكَ كُلّه رَفَعَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ وَالْمَفْعُول
ولو عاش طوقان لشخُص بصره من غرائب ما يرى، ولَمَاتَ حِين يسمع أَحْمِرَةً تُحْسِن النعيق والنقيق بدل النهيق.
نُدرك أنّ جمْعٌ ممّن انتسبوا للتعليم وعُدُّوا "معلمين" قد ساهموا ويساهون إلى الآن بطريقة أو بأخرى في عدم جعل أهمية للمعلّم في المجتمع، وأطراف أخرى كثيرة من مكوّنات المجتمع تقلّل من مكانته حتّى يحتقره تلاميذه وطلاّبه، وبذلك يُساهم الجميع في ضياع النشأ والأجيال، وهدم الحضارة التي ينشدها الوطن وكتب عنها مالكٌ المفكر .. فمتى سيعي الجميع أنّ الحضارة ليست ظهْرٌ يُمتطَى ولا أثرٌ يُقتفَى وإنما علم يُجتبَى وتربية على هُدَى، وأنّ سفينة الوطن لا يمكن أنْ تصمد وهي تمخر عباب البحار العاتية دون طاقم متعلّم يقودهم ربّان عالمٌ.

بارك الله فيك ونفع بك، موضوع طيب.

وهذا ما يحدث الآن ، هدم للتعليم والقيم والأخلاق وكل ما له علاقة بالدين .

بارك الله فيك واكثر من امثالك.. وقد شوقتنا الى التطلع والبحث عن الاسباب التي تنهض بمستوى المعلم الاخلاقي والفكري لكونه الدعامة في نهضة شباب الامة وعزها.. اشرك الشكر الجزيل ووفقك ربي الى العزة اللهم امين