رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
ما كان في القلب لا بدَّ أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح
( أصل الإيمان في القلب، وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتَّصديق والحبِّ والانقياد، وما كان في القلب فلا بدَّ أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح ، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دلَّ على عدمه أو ضعفه، ولهذا كانت الأعمال الظَّاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه، وهي تصديق لما في القلب ودليل عليه وشاهد له، وهي شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له؛ لكن ما في القلب هو الأصل لما على الجوارح؛ كما قال أبو هريرة رضي الله عنه: ((إنَّ القلب ملك، والأعضاء جنوده؛ فإن طاب الملك طابت جنوده، وإذا خَبُثَ الملك خبثت جنوده)) (1) ، وفي ((الصَّحيحين)) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((إنَّ في الجسد مضغة، إذا صَلُحت صَلُح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب)) (2) .
ولهذا ظنَّ طوائف من النَّاس أنَّ الإيمان إنَّما هو في القلب خاصَّة ، وما على الجوارح ليس داخلاً في مسمَّاه ، ولكن هو من ثمراته ونتائجه الدَّالَّة عليه ، حتَّى آل الأمر بغلاتهم - كجهم وأتباعه - إلى أن قالوا: يمكن أن يصدق بقلبه ولا يظهر بلسانه إلاَّ كلمة الكفر مع قدرته على إظهارها ، فيكون الذي في القلب إيماناً نافعاً له في الآخرة، وقالوا: حيث حكم الشارع بكفر أحد بعمل أو قول ؛ فلكونه دليلاً على انتفاء ما في القلب.
وقولهم متناقض؛ فإنَّه إذا كان ذلك دليلاً مستلزماً لانتفاء الإيمان الذي في القلب امتنع أن يكون الإيمان ثابتاً في القلب، مع الدَّليل المستلزم لنفيه، وإن لم يكن دليلاً لم يجز الاستدلال به على الكفر الباطن.
والله سبحانه في غير موضع يبيِّن أنَّ تحقيق الإيمان وتصديقه بما هو من الأعمال الظَّاهرة والباطنة؛ كقوله: {إنَّما المُؤْمِنونَ الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتِهِ زادَتْهُمْ إيماناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلونَ. الذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقونَ. أولئكَ هُمُ المُؤْمِنونَ حَقّاً...} .
وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لا يُؤْمنونَ حَتَّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّموا تَسْليماً} .
فإذا قال القائل: هذا يدلُّ على أنَّ الإيمان ينتفي عند انتفاء هذه الأمور لا يدلُّ على أنَّها من الإيمان.
قيل : هذا اعتراف بأنَّه ينتفي الإيمان الباطن مع عدم مثل هذه الأمور الظَّاهرة؛ فلا يجوز أن يَّدعي أنَّه يكون في القلب إيمان ينافي الكفر بدون أمور ظاهرة: لا قول ولا عمل، وهو المطلوب - وذلك تصديق - وذلك لأنَّ القلب إذا تحقَّق ما فيه أثَّر في الظَّاهر ضرورةً ، لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر؛ فالإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التَّامَّة توجب وقوع المقدور، فإذا كان في القلب حبُّ الله ورسوله ثابتاً استلزم موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه: {لا تَجِدوا قَوْماً يُؤْمِنونَ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حادَّ اللهَ ورَسُولَهُ وَلَوْ كانوا آباءَهُمْ أوْ أبْناءَهُمْ أوْ إخْوانَهُمْ أوْ عَشيرَتَهُمْ} ، {وَلَوْ كانوا يُؤْمنونَ باللهِ والنَّبيِّ وما أُنْزِلَ إلَيْهِ ما اتَّخَذوهُمْ أوْلِياءَ} ؛ فهذا التَّلازم أمر ضروريٌّ.
ومن جهة ظنِّ انتفاء التَّلازم غلط غالطون، كما غلط آخرون في جواز وجود إرادة جازمة مع القدرة التامَّة بدون الفعل، حتَّى تنازعوا: هل يعاقب على الإرادة بلا عمل ؟ وقد بسطنا ذلك في غير هذا الموضع، وبيَّنَّا أنَّ الهمَّة التي لم يقترن بها فعل ما يقدر عليه الهامُّ ليس إرادة جازمة ، وأنَّ الإرادة الجازمة لا بدَّ أن يوجد معها ما يقدر عليه العبد، والعفو وقع عمَّن همَّ بسيِّئة ولم يفعلها لا عن من أراد وفعل المقدور عليه وعجز عن حصول مراده، كالذي أراد قتل صاحبه فقاتله حتى قُتل أحدهما؛ فإنَّ هذا يعاقب ؛ لأنَّه أراد وفعل المقدور من المراد، ومن عرف الملازمات التي بين الأمور الباطنة والظَّاهرة زالت عنه شبهات كثيرة في مثل هذه المواضع التي كثر اختلاف النَّاس فيها.
بقي أن يقال: فهل اسم الإيمان للأصل فقط، أو له ولفروعه؟
والتَّحقيق: أنَّ الاسم المطلق يتناولهما، وقد يخصُّ الاسم وحده بالاسم مع الاقتران ، وقد لا يتناول إلاَّ الأصل إذا لم يخصَّ إلاَّ هو، كاسم الشَّجرة؛ فإنَّه يتناول الأصل والفرع إذا وُجدت، ولو قُطعت الفروع لكان اسم الشَّجرة يتناول الأصل وحده) (3) .
_________
(1) [إسناده ضعيف]. رواه الطبراني في ((مسند الشاميين)) (738) من حديث عائشة رضي الله عنها بإسناد فيه عتبة بن أبي حكيم، وهو ضعيف.
(2) رواه البخاري في (الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم 52)، ومسلم في (المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم 1599) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (7 / 644 - 646).
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو فراس السليماني
وفيكم بارك الله أيها الحبيب .
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
الإيمان والنِّفاق أصله في القلب والعمل دليل عليه وإذا حصل دليل الشَّيء حصل أصله المدلول عليه
(... وأيضاً؛ فإنَّ الله سبحانه وإن كان قد علم منهم - يعني: الذين لمزوا النَّبيَّ - النِّفاق قبل هذا القول، لكن لم يُعلِم نبيَّه بكلِّ من لم يظهر نفاقه، بل قال: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرابِ مُنافِقونَ وَمِنْ أهْلِ المدينَةِ مَرَدوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنَ نَعْلَمُهُمْ} ، ثمَّ إنَّه سبحانه ابتلى النَّاس بأمور يميِّز بين المؤمنين والمنافقين؛ كما قال تعالى: {وَلَيَعْلَمَنّ اللهُ الذينَ آمَنوا وَلَيَعْلَمَنَّ المُنافِقينَ} ، وقال تعالى: {ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنينَ عَلَى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَميزَ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ، وذلك لأنَّ الإيمان والنِّفاق أصله في القلب، وإنَّما الذي يظهر من القول والفعل فرع له ودليل عليه؛ فإذا ظهر من الرَّجل شيء من ذلك ترتَّب الحكم عليه ، فلمَّا أخبر سبحانه أنَّ الذين يلمزون النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - والذين يؤذونه من المنافقين ثبت أنَّ ذلك دليلٌ على النِّفاق وفرعٌ له ، ومعلومٌ أنَّه إذا حصل فرعُ الشَّيء ودليلهُ حصل أصلُه المدلولُ عليه ؛ فثبت أنَّه حَيْثُما وُجد ذلك كان صاحبه منافقا،ً سواء كان منافقاً قبل هذا القول أو حَدَثَ له النِّفاق بهذا القول.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون هذا القولُ دليلاً للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على نفاق أولئك الأشخاص الذين قالوه في حياته بأعيانهم وإن لم يكن دليلاً من غيرهم؟
قلنا: إذا كان دليلاً للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي يمكن أن يُغْنِيَهُ الله بِوَحْيِهِ عن الاستدلال؛ فأن يَكُونَ دليلاً لمن لا يمكنه معرفةُ البواطنِ أوْلى وأحْرَى .
وأيضاً ؛ فلو لم تكن الدلالة مُطَّردة في حقِّ كلِّ مَنْ صدر منه ذلك القولُ لم يكن في الآية زَجْرٌ لغيرهم أن يقول مثل هذا القول ، ولا كان في الآية تعظيمٌ لذلك القول بعينه ؛ فإنَّ الدَّلالة على عين المنافق قد تكون مخصوصة بعينه وإن كانت أمراً مُباحاً، كما لو قيل : من المنافقين صاحب الجمل الأحمر وصاحبُ الثوب الأسود ونحو ذلك ، فلمَّا دلَّ القرآن على ذمِّ عَيْنِ هذا القول والوعيدِ لصاحبه عُلم أنَّه لم يُقصَد به الدَّلالة على المنافقين بأعيانهم فقط، بل هو دليل على نوعٍ من المنافقين.
وأيضاً؛ فإنَّ هذا القول مناسبٌ للنفاق، فإنَّ لَمْزَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأذاه لا يفعله مَنْ يعتقد أنَّه رسولُ الله حقّاً، وأنَّه أَوْلى به من نَفْسه، وأنَّه لا يقول إلاَّ الحقّ، ولا يحكم إلاَّ بالعدل، وأنَّ طاعته طاعة لله، وأنَّه يجب على جميع الخلق تعزِيرُه وتوقيره ، وإذا كان دليلاً على النفاق نفسِهِ؛ فحيثما حصل حصل النفاق) (1) .
*
_________
(1) * ((الصارم المسلول)) (2 / 76 - 77).
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
أصل العمل عمل القلب وما يتناوله لفظ : ((السنة)) في كلام السلف
(أصل العمل عمل القلب، وهو الحب والتَّعظيم المنافي للبغض والاستكبار. ثم قالوا: ولا يُقبل قول وعمل إلاَّ بنيَّة، وهذا ظاهر ؛ فإنَّ القول والعمل إذا لم يكن خالصاً لله تعالى لم يقبله الله تعالى. ثم قالوا: ولا يُقبل قول وعمل ونيَّة إلاَّ بموافقة السُّنَّة؛ وهي الشريعة، وهي ما أمر الله به ورسوله؛ لأنَّ القول والعمل والنيَّة الذي لا يكون مسنوناً مشروعاً قد أمر الله به يكون بدعة ليس مما يحبه الله؛ فلا يقبله الله ولا يصلح، مثل أعمال المشركين وأهل الكتاب.
ولفظ ((السنة)) في كلام السلف يتناول السنة في العبادات وفي الاعتقادات، وإن كان كثير ممن صنف في السنة يقصدون الكلام في الاعتقادات، وهذا كقول ابن مسعود وأُبيِّ بن كعب وأبي الدَّرداء رضي الله عنهم: ((اقتصاد في سنَّة خير من اجتهاد في بدعة))، وأمثال ذلك.
والحمد لله رب العالمين، وصلواته على محمد وآله الطاهرين وأصحابه أجمعين) (1) .
*
_________
(1) * ((مجموع الفتاوى)) (28 / 178).
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
وفيكم بارك الله أخي الكريم .
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
الكفر المطلق وكفر المعين
(والتحقيق في هذا: أنَّ القول قد يكون كفراً؛ كمقالات الجهميَّة الذين قالوا: إنَّ الله لا يتكلَّم ولا يرى في الآخرة؛ ولكن قد يخفى على بعض النَّاس أنَّه كفر، فيُطلق القول بتكفير القائل؛ كما قال السَّلف: من قال القرآن مخلوق؛ فهو كافر، ومن قال: إنَّ الله لا يرى في الآخرة؛ فهو كافر، ولا يكفر الشَّخص المعيَّن حتَّى تقوم عليه الحجَّة كما تقدم، كمن جحد وجوب الصَّلاة والزَّكاة واستحلَّ الخمر والزِّنا وتأوَّل؛ فإنَّ ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه، فإذا كان المتأوِّل المخطىء في تلك لا يحكم بكفره إلاَّ بعد البيان له واستتابته - كما فعل الصَّحابة في الطَّائفة الذين استحلُّوا الخمر -؛ ففي غير ذلك أولى وأحرى، وعلى هذا يخرج الحديث الصحيح: ((في الذي قال: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني في اليم؛ فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذِّبني عذاباً ما عذَّبه أحداً من العالمين)) (1) ، وقد غفر الله لهذا مع ما حصل له من الشك في قدرة الله وإعادته إذا حرَّقوه، وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع) (2) .
__________
(1) رواه البخاري في (أحاديث الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، 3478، والرقاق، 6481، والتوحيد، 7508) ومسلم في (التوبة، 2757) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه)، والبخاري في (أحاديث الأنبياء، 3481) ومسلم في (التوبة، 2756) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
(2) * ((مجموع الفتاوى)) (7 / 619).
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
التكفير المطلق لا يستلزم تكفير الشخص المعين
(إن المتجهد في مثل هذا - يعني: إنكار علو الله - من المؤمنين إن استفرغ وسعه في طلب الحق؛ فإن الله يغفر له خطأه وإن حصل منه نوع تقصير، فهو ذنب لا يجب أن يبلغ الكفر، وإن كان يُطلق القول بأن هذا الكلام كفر كما أطلق السلف الكفر على من قال ببعض مقالات الجهمية، مثل القول بخلق القرآن أو إنكار الرؤية أو نحو ذلك مما هو دون إنكار علو الله على الخلق، وأنه فوق العرش؛ فإن تكفير صاحب هذه المقالة كان عندهم من أظهر الأمور، فإن التكفير المطلق مثل الوعيد المطلق، لا يستلزم تكفير الشخص المعيَّن حتى تقوم عليه الحجة التي تكفِّر تاركها.
كما ثبت في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجل الذي قال: ((إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذرُّوني في اليم؛ فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك. فغفر له)) (1) .
فهذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك أو شك، وأنه لا يبعثه، وكلٌ من هذين الاعتقادين كفر يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته.
فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل؛ فيغفر الله خطأه، أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتّباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك؛ فعظيم.
فقد ثبت في ((الصحيح)) عن ثابت بن الضحاك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ قال: ((لعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بالكفر؛ فهو كقتله)) (2) .
وثبت في ((الصحيح)) أن من قال لأخيه: يا كافر؛ فقد باء به أحدهما (3) ، وإذا كان تكفير المعيّن على سبيل الشتم كقتله؛ فكيف يكون تكفيره على سبيل الاعتقاد؟! فإن ذلك أعظم من قتله؛ إذ كل كافر يباح قتله، وليس كل من أبيح قتله يكون كافراً، فقد يُقتل الداعي إلى بدعة لإضلاله الناس وإفساده مع إمكان أن الله يغفر له في الآخرة لما معه من الإيمان؛ فإنه قد تواترت النصوص بأنه يخرج من النار مَنْ في قلبه مثقال ذرة من إيمان) (4) .
______________
(1) رواه البخاري في (الأنبياء)، وقد تقدم تخريجه. انظر: (ص 46).
(2) رواه البخاري في (الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعان، رقم 6105، وفي الأيمان والنذور، باب من حلف بملة سوى ملة الإسلام، رقم 6653).
(3) رواه البخاري في (الأدب، باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، رقم 6103) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم في (الإيمان، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر، رقم 6) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4) * ((الاستقامة)) (1 / 163 - 166).
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني
أصل العمل عمل القلب وما يتناوله لفظ : ((السنة)) في كلام السلف
(أصل العمل عمل القلب، وهو الحب والتَّعظيم المنافي للبغض والاستكبار. ثم قالوا: ولا يُقبل قول وعمل إلاَّ بنيَّة، وهذا ظاهر ؛ فإنَّ القول والعمل إذا لم يكن خالصاً لله تعالى لم يقبله الله تعالى. ثم قالوا: ولا يُقبل قول وعمل ونيَّة إلاَّ بموافقة السُّنَّة؛ وهي الشريعة، وهي ما أمر الله به ورسوله؛ لأنَّ القول والعمل والنيَّة الذي لا يكون مسنوناً مشروعاً قد أمر الله به يكون بدعة ليس مما يحبه الله؛ فلا يقبله الله ولا يصلح، مثل أعمال المشركين وأهل الكتاب.
ولفظ ((السنة)) في كلام السلف يتناول السنة في العبادات وفي الاعتقادات، وإن كان كثير ممن صنف في السنة يقصدون الكلام في الاعتقادات، وهذا كقول ابن مسعود وأُبيِّ بن كعب وأبي الدَّرداء رضي الله عنهم: ((اقتصاد في سنَّة خير من اجتهاد في بدعة))، وأمثال ذلك.
والحمد لله رب العالمين، وصلواته على محمد وآله الطاهرين وأصحابه أجمعين) (1) .
*
_________
(1) * ((مجموع الفتاوى)) (28 / 178).
جزاكم الله خيرا ،، وقال أيضا رحمه الله ( 28 / 177 ) :
( وقد روى ابن شاهين واللالكائي عن سعيد بن جبير قال : لا يقبل قول وعمل إلا بنية ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة . ورويا عن الحسن البصري مثله ، ولفظه : " لا يصلح " مكان يقبل . وهذا فيه رد على المرجئة الذين يجعلون مجرد القول كافيا ، فأخبر أنه لا بد من قول وعمل ، إذ الإيمان قول وعمل ; لا بد من هذين كما قد بسطناه في غير هذا الموضع . وبينا أن مجرد تصديق القلب واللسان مع البغض والاستكبار لا يكون إيمانا - باتفاق المؤمنين - حتى يقترن بالتصديق عمل. ) .
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
نعم ، أحسن الله إليكم ، فالعمل من الإيمان والإيمان من العمل ، وعلى هذا قول السلف ، كما حكاه شيخ الإسلام في مواضع متعددة منها 7 / 295 ـ 296 :
وقال معمر عن الزهري : كنا نقول الإسلام بالإقرار والإيمان بالعمل والإيمان : قول وعمل قرينان لا ينفع أحدهما إلا بالآخر وما من أحد إلا يوزن قوله وعمله ؛ فإن كان عمله أوزن من قوله : صعد إلى الله ؛ وإن كان كلامه أوزن من عمله لم يصعد إلى الله . ورواه أبو عمرو الطلمنكي بإسناده المعروف . وقال معاوية بن عمرو : عن أبي إسحاق الفزاري عن الأوزاعي قال : لا يستقيم الإيمان إلا بالقول ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة . وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل ؛ العمل من الإيمان والإيمان من العمل ؛ وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها ويصدقه العمل . فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها .
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
المرجئة غلطوا في أصلين
فهؤلاء (أهل الكلام المرجئة) غلطوا في ((أصلين)):
أحدهما : ظنهم أن الإيمان مجرد تصديق وعلم فقط ، ليس معه عمل وحال وحركة وإرادة ومحبة وخشية في القلب ، وهذا من أعظم غلط المرجئة مطلقاً...
والثاني : ظنهم أن كل من حكم الشارع بأنه كافر مخلد في النار؛ فإنما ذاك لأنه لم يكن في قلبه شيء من العلم والتصديق ، وهذا أمر خالفوا به الحس والعقل والشرع ، وما أجمع عليه طوائف بني آدم السليمي الفطرة وجماهير النظار؛ فإن الإنسان قد يعرف أن الحق مع غيره ومع هذا يجحد ذلك لحسده إياه، أو لطلب علوه عليه، أو لهوى النفس، ويحمله ذلك الهوى على أن يعتدي عليه ويرد ما يقول بكل طريق، وهو في قلبه يعلم أن الحق معه، وعامة من كذب الرسل علموا أن الحق معهم وأنهم صادقون، لكن إما لحسدهم وإما لإرادتهم العلو والرياسة، وإما لحبهم دينهم الذي كانوا عليه وما يحصل لهم به من الأغراض كأموال ورياسة وصداقة أقوام وغير ذلك؛ فيرون في اتباع الرسل ترك الأهواء المحبوبة إليهم أو حصول أمور مكروهة إليهم، فيكذبونهم ويعادونهم، فيكونون من أكفر الناس؛ كإبليس وفرعون، مع علمهم بأنهم على الباطل والرسل على الحق) (1) .
_________
(1) ((مجموع الفتاوى)) (7 / 190 - 191).
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
أحسن الله إليكم وأجزل لكم المثوبة
رد: المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية