رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو فراس السليماني
{ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِين }
الرب, هو المربي جميع العالمين
-وهم من سوى الله-
بخلقه إياهم, وإعداده لهم الآلات,
وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة,
التي لو فقدوها, لم يمكن لهم البقاء.
فما بهم من نعمة,
فمنه تعالى.
وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة.
فالعامة:
هي خلقه للمخلوقين, ورزقهم,
وهدايتهم لما فيه مصالحهم,
التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
والخاصة:
تربيته لأوليائه, فيربيهم بالإيمان,
ويوفقهم له, ويكمله لهم,
ويدفع عنهم الصوارف,
والعوائق الحائلة بينهم وبينه,
وحقيقتها:
تربية التوفيق لكل خير, والعصمة عن كل شر.
ولعل هذا [المعنى] هو السر
في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب.
فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.
فدل قوله:
{ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِين }
على انفراده بالخلق والتدبير والنعم,
وكمال غناه,
وتمام فقر العالمين إليه,
بكل وجه واعتبار.
في كتاب النهاية لابن الأثير ( 2/ 165 ) :
الرب يطلق في اللغة على المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والقيم، والمنعم، ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى، وإذا أطلق على غيره أضيف، فيقال: ربّ كذا .
وفي كتاب فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبدالرزاق البدر ص 91 :
ومعنى الرب أي : ذو الربوبية على خلقه أجمعين ، خلقا وملكا وتصرفا وتدبيرا ، وهو من الأسماء الدالة على جملة معان ، لا على معنى واحد .
رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد
رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد
( 24 )
من سورة آل عمران
{ الم*
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ*
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ*
مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ
وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ *
إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ*
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
{ 1 - 6 }
افتتحها تبارك وتعالى بالإخبار بألوهيته،
وأنه الإله الذي لا إله إلا هو الذي لا ينبغي التأله والتعبد إلا لوجهه،
فكل معبود سواه فهو باطل،
والله هو الإله الحق المتصف بصفات الألوهية التي مرجعها إلى الحياة والقيومية،
فالحي من له الحياة العظيمة الكاملة المستلزمة لجميع الصفات
التي لا تتم ولا تكمل الحياة إلا بها كالسمع والبصر
والقدرة والقوة والعظمة والبقاء والدوام والعز الذي لا يرام
{ القيوم }
الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع مخلوقاته،
وقام بغيره فافتقرت إليه جميع مخلوقاته
في الإيجاد والإعداد والإمداد،
فهو الذي قام بتدبير الخلائق وتصريفهم،
تدبير للأجسام وللقلوب والأرواح.
ومن قيامه تعالى بعباده ورحمته بهم
أن نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب،
الذي هو أجل الكتب وأعظمها
المشتمل على الحق في إخباره وأوامره ونواهيه،
فما أخبر به صدق، وما حكم به فهو العدل،
وأنزله بالحق ليقوم الخلق بعبادة ربهم ويتعلموا كتابه
{ مصدقا لما بين يديه } من الكتب السابقة،
فهو المزكي لها،
فما شهد له فهو المقبول، وما رده فهو المردود،
وهو المطابق لها في جميع المطالب التي اتفق عليها المرسلون،
وهي شاهدة له بالصدق،
فأهل الكتاب لا يمكنهم التصديق بكتبهم إن لم يؤمنوا به،
فإن كفرهم به ينقض إيمانهم بكتبهم،
ثم قال تعالى
{ وأنزل التوراة } أي: على موسى
{ والإنجيل } على عيسى.
{ من قبل } إنزال القرآن
{ هدى للناس } الظاهر أن هذا راجع لكل ما تقدم،
أي: أنزل الله القرآن والتوراة والإنجيل هدى للناس من الضلال،
فمن قبل هدى الله فهو المهتدي،
ومن لم يقبل ذلك بقي على ضلاله
{ وأنزل الفرقان }
أي: الحجج والبينات والبراهين القاطعات
الدالة على جميع المقاصد والمطالب،
وكذلك فصل وفسر ما يحتاج إليه الخلق حتى بقيت الأحكام جلية ظاهرة،
فلم يبق لأحد عذر ولا حجة لمن لم يؤمن به وبآياته،
فلهذا قال { إن الذين كفروا بآيات الله }
أي: بعد ما بينها ووضحها وأزاح العلل
{ لهم عذاب شديد } لا يقدر قدره ولا يدرك وصفه
{ والله عزيز } أي: قوي لا يعجزه شيء
{ ذو انتقام } ممن عصاه.
رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد
( 25 )
من سورة آل عمران
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ
قَائِمًا بِالْقِسْطِ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ
وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ
فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ *
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ
وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّين َ أَأَسْلَمْتُمْ
فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }
{ 18 - 20 }
هذا تقرير من الله تعالى للتوحيد بأعظم الطرق الموجبة له،
وهي شهادته تعالى وشهادة خواص الخلق وهم الملائكة وأهل العلم،
أما شهادته تعالى فيما أقامه من الحجج والبراهين القاطعة
على توحيده، وأنه لا إله إلا هو،
فنوع الأدلة في الآفاق والأنفس على هذا الأصل العظيم،
ولو لم يكن في ذلك إلا أنه ما قام أحد بتوحيده
إلا ونصره على المشرك الجاحد المنكر للتوحيد،
وكذلك إنعامه العظيم الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه،
ولا يدفع النقم إلا هو،
والخلق كلهم عاجزون عن المنافع والمضار لأنفسهم ولغيرهم،
ففي هذا برهان قاطع
على وجوب التوحيد
وبطلان الشرك،
وأما شهادة الملائكة بذلك
فنستفيدها بإخبار الله لنا بذلك وإخبار رسله،
وأما شهادة أهل العلم
فلأنهم هم المرجع في جميع الأمور الدينية
خصوصا في أعظم الأمور وأجلها وأشرفها وهو التوحيد،
فكلهم من أولهم إلى آخرهم قد اتفقوا على ذلك ودعوا إليه
وبينوا للناس الطرق الموصلة إليه،
فوجب على الخلق التزام هذا الأمر المشهود عليه والعمل به،
رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد
( 26 )
من سورة آل عمران
{ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ
وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ *
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ
يَعْلَمْهُ اللَّهُ
وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا
وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ
وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }
{ 28 - 30 }
وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن موالاة الكافرين
بالمحبة والنصرة والاستعانة بهم على أمر من أمور المسلمين،
وتوعد على ذلك فقال:
{ ومن يفعل ذلك
فليس من الله في شيء }
أي: فقد انقطع عن الله، وليس له في دين الله نصيب،
لأن موالاة الكافرين لا تجتمع مع الإيمان،
لأن الإيمان يأمر بموالاة الله وموالاة أوليائه
المؤمنين المتعاونين على إقامة دين الله وجهاد أعدائه،
قال تعالى:
{ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض }
فمن والى - الكافرين من دون المؤمنين
الذين يريدون أن يطفئوا نور الله ويفتنوا أولياءه
خرج من حزب المؤمنين، وصار من حزب الكافرين،
قال تعالى:
{ ومن يتولهم منكم فإنه منهم }
وفي هذه الآية
دليل على الابتعاد عن الكفار
وعن معاشرتهم وصداقتهم،
والميل إليهم والركون إليهم،
وأنه لا يجوز أن يُولَّى كافر
ولاية من ولايات المسلمين،
ولا يستعان به على الأمور
التي هي مصالح لعموم المسلمين.