نماذج من الأدب مع العلماء "أدب المالكية في توجيه قول صاحب المذهب في صوم الست من شوال"
نماذج من الأدب مع العلماء:
إن مما تستجلب به بركة العلم ويعتبر تطبيقا لما يدرس في الأدب مع العلماء أن تلتمس المخارج لكلامهم وتوجه أقوالهم المخالف ظاهرها لسنة نبوية بأحسن الآراء وألطفها من غير تعصب مذهبي ولا تقليد أعمى، ومما وقفت عليه في هذا الباب توجيه علماء المالكية لقول صاحب المذهب الإمام مالك ـ رحمة الله عليه ـ في مسألة صيام الست من شوال
قال ابن رشد رحمه الله في بداية المجتهد:"وأما الست من شوال، فإنه ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» إلا أن مالكا كره ذلك، إما مخافة أن يلحق الناس برمضان ما ليس في رمضان، وإما لأنه لعله لم يبلغه الحديث أو لم يصح عنده وهو الأظهر.
فانظر رحمك الله كيف أثبت السنة ووجه قول مالك بألطف إشارة.
قَالَ أَبُو عُمَرَ ابن عبد البر في الاستذكار:" لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ وَالْإِحَاطَةُ بِعِلْمِ الْخَاصَّةِ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ وَالَّذِي كَرِهَهُ لَهُ مَالِكٌ أَمْرٌ قَدْ بَيَّنَهُ وَأَوْضَحَهُ وَذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يُضَافَ إِلَى فَرْضِ رَمَضَانَ وَأَنْ يَسْتَبِينَ ذَلِكَ إِلَى الْعَامَّةِ وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُتَحَفِّظًا كَثِيرَ الِاحْتِيَاطِ لِلدِّينِ
وَأَمَّا صِيَامُ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى طَلَبِ الْفَضْلِ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي جَاءَ بِهِ ثَوْبَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ مَالِكًا لَا يَكْرَهُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّ الصَّوْمَ جُنَّةٌ وَفَضْلُهُ مَعْلُومٌ لِمَنْ رَدَّ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ عَمَلُ بِرٍّ وَخَيْرٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) الْحَجِّ 77 وَمَالِكٌ لَا يَجْهَلُ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَلَمْ يَكْرَهْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا خَافَهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهَالَةِ وَالْجَفَاءِ إِذَا اسْتَمَرَّ ذَلِكَ وَخَشِيَ أَنْ يَعُدُّوهُ مِنْ فَرَائِضِ الصِّيَامِ مُضَافًا إِلَى رَمَضَانَ وَمَا أَظُنُّ مَالِكًا جَهِلَ الْحَدِيثَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ انْفَرَدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَلَوْلَا عِلْمُهُ بِهِ مَا أَنْكَرَهُ وَأَظُنُّ الشَّيْخَ عُمَرَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَقَدْ تَرَكَ مَالِكٌ الِاحْتِجَاجَ بِبَعْضِ مَا رَوَاهُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ إِذَا لَمْ يَثِقْ بِحِفْظِهِ بِبَعْضِ مَا رَوَاهُ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَهِلَ الْحَدِيثَ وَلَوْ عَلِمَهُ لَقَالَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ"
قال الباجي في المنتقى شرح الموطا:" وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ أَبَاحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ وَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا، وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ لِمَا خَافَ مِنْ إلْحَاقِ عَوَامِّ النَّاسِ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ وَأَنْ لَا يُمَيِّزُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حَتَّى يَعْتَقِدُوا جَمِيعَ ذَلِكَ فَرْضًا وَالْأَصْلُ فِي صِيَامِ هَذِهِ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا مِمَّنْ لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِرَادَ بِمِثْلِ هَذَا فَلَمَّا وَرَدَ الْحَدِيثُ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَوَجَدَ مَالِكٌ عُلَمَاءَ الْمَدِينَةِ مُنْكَرِينَ الْعَمَلَ بِهَذَا احْتَاطَ بِتَرْكِهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَبَبًا لِمَا قَالَهُ.
قَالَ مُطَّرِفٌ إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صِيَامَهَا لِئَلَّا يُلْحِقَ أَهْلُ الْجَهْلِ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ، وَأَمَّا مَنْ رَغِبَ فِي ذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِيهِ فَلَمْ يَنْهَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ".
السنة ثابتة في صيام الست من شوال فالحديث في صحيح مسلم، وإنما الذي أردت التنبيه عليه هو الأدب مع العلماء ومعرفة قدرهم ومنازلهم وألا يستطال في الكلام عليهم فلطالما سمعنا من يلمز ويغمز والله المستعان .
رد: نماذج من الأدب مع العلماء "أدب المالكية في توجيه قول صاحب المذهب في صوم الست من ش
سؤال // هل هناك من رد الحديث النبوي لأنه يعارض المقاصد ؟