ماجاء في الدخول على حكام السوء والشهادة على إساءتهم و طغيانهم
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامْ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَكَانَ مِنْ خُطْبَتِهِ أَنْ قَالَ: «أَلَا إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ فَيَلِيَكُمْ عُمَّالٌ مِنْ بَعْدِي، يَقُولُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ، وَيَعْمَلُونَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَطَاعَةُ أُولَئِكَ طَاعَةٌ، فَيَلْبَثُونَ كَذَلِكَ دَهْرًا، ثُمَّ يَلِيَكُمْ عُمَّالٌ مِنْ بَعْدِهِمْ، يَقُولُونَ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَيَعْمَلُونَ مَا لَا يَعْرِفُونَ، فَمَنْ نَاصَحَهُمْ، وَوَازَرَهُمْ، وَشَدَّ عَلَى أَعْضَادِهِمْ فَأُولَئِكَ قَدْ هَلَكُوا، خَالِطُوهُمْ بِأَجْسَادِكُمْ ، وَزَايِلُوهُمْ بِأَعْمَالِكُمْ ، وَاشْهَدُوا عَلَى الْمُحْسِنِ بِأَنَّهُ مُحْسِنٌ، وَعَلَى الْمُسِيءِ بِأَنَّهُ مُسِيءٌ»
رواه الطبراني في الأوسط (6988) وأبو مسهر (62) والبيهقي في الزهد الكبير (191) واللفظ له. قال الطبراني: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، وَلَا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إِلَّا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَالِدٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: حَاتِمُ بْنُ يُوسُفَ "اهـ قال الألباني : " وهو ثقة، وكذلك من فوقه، فالسند صحيح ". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/237) : " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَرْوَزِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ". لكنه لم ينفرد به .
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ تِسْعَةٌ ؛ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ ؛ أَحَدُ العَدَدَيْنِ مِنَ العَرَبِ وَالآخَرُ مِنَ العَجَمِ ، فَقَالَ: «اسْمَعُوا، هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ؟ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الحَوْضَ».
رواه النَّسَائِيّ (4207،4208) وَالتِّرْمِذِيّ (2259) وأحمد (18126) وابن حبان (279،282،283،285) وَالْحَاكِم (263،264)
قال الترمذي : " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ". وَصَححهُ ابن حجر .وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/230،231) : "رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات ".اهـ
وفي لفظ للتِّرْمِذِيّ (614) قَالَ: «أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي، فَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ فَصَدَّقَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ الحَوْضَ، وَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ أَوْ لَمْ يَغْشَ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ فِي كَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الحَوْضَ». قال الترمذي : «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ».
وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن "
وعند أحمد بسند صحيح : " وما ازداد أحد من السلطان قرباً، إلا ازداد من الله بعدا"
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: « أَعَاذَكَ اللهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ » ، قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟، قَالَ: « أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي، لَا يَقْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُمْ، وَلَا يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأُولَئِكَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ، وَسَيَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي. يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَالصَّلَاةُ قُرْبَانٌ - أَوْ قَالَ: بُرْهَانٌ - يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ. يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، النَّاسُ غَادِيَانِ: فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا » رواه عبد الرزاق في المصنف (20719) وعنه أحمد (14441،15284) وعبد بن حميد (1138) وابن حبان (1723،4514) ، والحاكم (265،6030،7163،8302) وصحح إسناده الحاكم ووافقه الذهبي وصححه ابن حجر
قال علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح : " (مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ) ; أَيْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ .(وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ) ; أَيْ بِالْإِفْتَاءِ وَنَحْوِهِ، (فَلَيْسُوا مِنَّي وَلَسْتُ مِنْهُمْ) ; أَيْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ بَرَاءَةٌ وَنَقْضُ ذِمَّةٍ . قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: " لَا نُخَالِطُ السُّلْطَانَ وَلَا مَنْ يُخَالِطُهُ "، وَقَالَ: " صَاحِبُ الْقَلَمِ، وَصَاحِبُ الدَّوَاةِ، وَصَاحِبُ الْقِرْطَاسِ، وَصَاحِبُ اللِّيطَةِ بَعْضُهُمْ شُرَكَاءُ بَعْضُ "، وَرُوِيَ أَنَّ خَيَّاطًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ عَنْ خِيَاطَتِهِ لِلْحُكَّامِ ; هَلْ أَنَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)؟ قَالَ: بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَبِيعُكَ الْإِبْرَةَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " مَنْ رَضِيَ بِأَمْرِ الظَّالِمِ وَإِنْ غَابَ عَنْهُ ; كَانَ كَمَنْ شَهِدَهُ وَتَلَا الْآيَةَ "اهـ. قوله: (لَيْسُوا مِنِّي) قال السِّندي: "أي: من أهل طريقتي، بيان لمباينة الطريقين، ويحتمل أن المراد بهذا الكلام بيان الانقطاع والتبري"اهـ.
قَالَ الإِمَامُ البغوي في شرح السنة (8/9): "وَفِي الْحَدِيث كَرَاهِيَةُ الدُّخُولِ عَلَى أُمَرَاءِ الْجَوْرِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " إِنَّ عَلَى أَبْوَابِ السُّلْطَانِ فِتَنًا كَمَبَارِكِ الإِبِلِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُصِيبُونَ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئًا إِلا أَصَابُوا مِنْ دِينِكُمْ مِثْلَيْهِ ". وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مِثْلَهُ "اهـ.
قَالَ الإِمَامُ أَبُو عُمَرَ ابن عبد البر (ت 463 هـ) في التمهيد (21/286): " إِنَّمَا فَرَّ مَنْ فَرَّ مِنَ الْأُمَرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْصَحَ لَهُمْ وَلَا يُغَيِّرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَسْلَمَ مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ . قال : وَقَدْ كَانَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ يُشَدِّدُ فِي هَذَا فَيَقُولُ : رُبَّمَا دَخَلَ الْعَالَمُ عَلَى السُّلْطَانِ وَمَعَهُ دِينُهُ فَيَخْرُجُ وَمَا مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ . قَالُوا : كَيْفَ ذَلِكَ . قَالَ : يَمْدَحُهُ فِي وَجْهِهِ وَيُصَدِّقُهُ فِي كَذِبِهِ . وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ : لَا تَأْتِهِمْ فَإِنْ أَتَيْتَهُمْ فَاصْدُقْهُمْ ، قَالَ : وَأَنَا أَخَافُ أَلَّا أَصْدُقَهُمْ ". قال الإِمَامُ أبو سليمان الخطابي: " ليت شعري من الذي يدخل إليهم اليوم فلا يصدقهم على كذبهم ومن الذي يتكلم بالعدل إذا شهد مجالسهم ومن الذي ينصح ومن الذي ينتصح منهم إنه أسلم لك يا أخي في هذا الزمان وأحوط لدينك أن تقل من مخالطتهم وغشيان أبوابهم ونسأل الله الغنى عنهم والتوفيق لهم ".
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/458) :
( كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَأْتِي الْخُلَفَاءَ وَلَا الْوُلَاةَ وَالْأُمَرَاءَ وَيَمْتَنِعُ مِنْ الْكِتَابَةِ إلَيْهِمْ ، وَيَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا نَقَلَهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ ، وَكَلَامُهُ فِيهِ مَشْهُورٌ .
وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْهَرَوِيِّ فَقَالَ : رَجُلٌ وَسِخٌ ، فَقُلْت مَا قَوْلُك إنَّهُ وَسِخٌ قَالَ : مَنْ يَتْبَعُ الْوُلَاةَ وَالْقُضَاةَ فَهُوَ وَسِخٌ .
وَكَانَ هَذَا رَأْيَ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ ، وَكَلَامُهُم فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ مِنْهُمْ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَطَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَدَاوُد الطَّائِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْحَافِي وَغَيْرُهُمْ ).