معرض الكتاب وجناية حرية الكفر
الذي كنا نعهده في معارض الكتاب أنها فرصة سانحة للجديد والمفيد من الكتب النافعة ، وليست بؤرة تغريب وإفساد كما نشهده في المعارض الأخيرة ..
لقد كان لي استقراء لتلك الانحرافات تتبعتها في دراسة سابقة :
http://www.wasatyah.com/vb/showthread.php?t=22693
ولكن الانحدار والانجراف المخيف الذي برز في معرض السنة الفائته
وهذا العام يفوق التصور ، ويذهل المراقب ، ويدرك أنه أمام شرذمة باغية تقصدت من هذا التعدي إحداث شرخ في عقيدة الأمة وثقافتها .
ولتسمحوا لي أن أطلعكم على مظاهر الغربة في جنبات هذا المعرض ، من خلال أبرز ما عرض مما لم يكن مفسوحاً :
• أبرز ما سلطت الأضواء عليه ، وأقبل عليه الشباب والشابات ,وما رُوج له كثيراً في وسائل الإعلام المختلفة , هي الروايات المنحرفة ، وخاصة نوعية شاعت مؤخراً نسجت على منوال الرواية سيئة الذكر "بنات الرياض" ففتحت الباب – بسبب ما نالت من الشهرة – إلى كتابات نهجت نهجها , كتبها فتيات سعوديات أو كُتّاب ؛ وكان الجامع لها أن محورها حول الفتاة السعودية وإبراز مظاهر انحراف شنيعة في حياتها بصورة فجه وفجور مكشوف , فإذا كانت روايات : "بنات الرياض" لرجاء الصانع , و"فسوق" \ لعبده خال , كانت الأكثر طلباً ودلالة وإشهاراً في العام الفائت ؛ فقد انضم لها باقة أشد فجوراً وشناعة من مثل : "ملامح" /زينب حفني , و"جاهلية" \ ليلي الجهني ، و"اختلاس" /هاني نقشبندي ، و "حب في السعودية"/ إبراهيم بادي ، و"الآخرون"/ صبا الحرز .. .إضافة إلى ما إلى روايات أخرى: كالإرهابي 99 / لعبد الله ثابت ، وروايات عبده خال , وسعد الحميدين ، وغازي القصيبي ، وتركي الحمد... وغيرها من الروايات من كتابات أشياعهم من فجرة العرب والتي كان دخول بعضها يعدونه حلماً إلى وقت قريب كعبدالرحمن منيف , و محمد شكري ، وأحلام مستغانمي , ونوال السعداوي , و حيدر حيدر ، وغادة السمان , ونجيب محفوظ "جميع أعماله" .. .
ومما ارتفع به سقف الحرية هذا العام : العشرات من الكتب الموغلة في الفلسفة الإلحادية وترجمات لمؤلفات كبار منظري الإلحاد في العصر الحديث ...
لقد صدم الجميع عندما رأوا تنافس دور العرض على عرض أخطر المؤلفات التي تروج لأعظم مذاهب الكفر ومبادئ الزندقة الحديثة ؛ من ترويج لأفكار: جيفارا، و ماركس و لينين ، ونيتشة , وسارتر ، وأوديب , وميشال فوكو , وبودلير , ورولان بارت , والماغوط..
إضافة إلى ملحدينا والمعتوهين فكرياً والحاقدين على ثقافتنا ؛ من أمثال : طه حسين , لويس عوض , عبد الله العروي , محمد أركون , نصر حامد أبوزيد , هشام جعيط , محمد عابد الجابري , عبدالله القصيمي , أدونيس, جبران خليل جبران , صلاح عبدالصبور , أنسي الحاج , أنيس صايغ , رفعت السعيد , سعد الدين إبراهيم , فؤاد زكريا, على الوردي ,عزيز العظمة , شاكر النابلسي .
وهل أتاك نبأ دواوين نزار قباني التسعة ؟ الحلم الذى طالما راود أرباب الشهوات؟!
وجملة القول أن محاولة تتبع كل ممنوع عُرض أمر في غاية الصعوبة فأنت أمام أرتالٍ هائلة من كتب وعناوين وأغلفة وموضوعات وترجمات لا تمت لثقافتنا بصلة ولا تعود عليها سوى بالهدم .
ولنا مع هذا المشهد وقفات نحن أحوج ما نكون بالتأمل فيها :
1- أن هذا المعرض هو خطوة بعيدة المدى لدعاة العلمنة والتغريب يظهر فيها رهق الاستعجال, وانتهاج سياسة "حرق المراحل" ، فما عادوا يصبرون على التدرج مقابل جثومهم على صناعة القرار وفراغ الساحة ، وهذا منذر بشؤم فيما يتعلق باستثارة الغيظ والحنق والدفع بنفوس الشباب إلى الصدام أمام ما يشاهدون من سياسة القهر بتلك الممارسات .
2- هذا المعرض هو ساحة لـ"حرية عوارء" ، فليتهم إذا نادوا بالحرية الفكرية ، وادعوا تطبيقها في هذا المعرض أتاحوها لجميع الأطراف ، ولكنك أمام حصار مقابل للكتب والدور الإسلامية لا تخطئة عين المراقب ، وهناك ممارسات سابقة أدت إلى هذا الجفاف ...
فقد هبت الريح بالكثير من الأحداث التي تدعم سعيهم لنيل المزيد من المكاسب والمراكز ، وأبرز تلك الأحداث حرب العراق ، وأحداث العنف الداخلية التي استغلوها في توظيف آثارها وتداعياتها لمحاصرة دعائم الصحوة في الداخل : من مناشط , ومؤسسات , ومناهج , وأعلام (رموز الصحوة ) .
ومن البدهي أن تكون شؤون الثقافة والنشر والإعلام على قائمة معتركات الصراع وتصفية الحسابات .
وأنكى أسلحة "حرب الأفكار" عندهم هو الحصار والحجب والمنع للأدبيات الإسلامية , وهو ما يسميه أولياؤهم من الأمريكان بـ" تجفيف المنابع" .
فأرجفوا إرجافاً شديداً على الكتابات الإسلامية الدعوية بأصنافها حتى وصلوا إلى بمنع دخول وشملت كل الكتب الإسلامية : الفكرية والتربوية والسياسية ، وبعض الكتب الشرعية التي تلامس القضايا (الحساسة!) .
وفيما يتعلق بالمعرض فإن بعض المكتبات الإسلامية بالداخل قد رُفضت مشاركتها كما أخبرني صاحب أحد هذه المكتبات .
ومقابل ذلك أما مي - من خلال التتبع- عشرات من أسماء المؤلفين وعناوين الكتب ، ودور النشر أضحت محرمة الدخول على هذه البلاد .
فأي حرية هذه ؟!! أفلم يكن أليق بهم أن يستروا عوار صنيعهم بإتاحة الفرصة للجميع ليعمموا هذه الحرية ؟؟
مع أنه يجب على ولي الأمر أن يمنع كل ما يضر بعقائد وعقول أبناء المجتمع الإسلامي , والحرية لها مفهومها وحدودها في ديننا ، وليس من يرسم أطرها أولئك الأدعياء .
3- أخشى أن لا يكون هذا آخر المطاف ، ويصعب عليّ أن أتصور الوضع إذا زاد عن هذا القدر ، وعليه فلابد من التحرك الجاد للحل :-
• البعض يتحدث – في معرِض الحديث عن الحل- عن تكثير السواد بذهاب الصالحين بكثرة إلى تلك المعارض وكأن هذا غاية الممكن ! ولا شك أن هذا نوع من محدودية النظرة ودونية التفكير , إضافة إلى ما حدث بسبب ذلك من مواقف لامسؤولة استغلت وضخمت بوقاحة , فأفسدت أكثر مما أصلحت .
وأنا أتساءل : أين نحن من تبوء مناصب الإشراف على هذه المعارض ، وعلى أماكن الرقابة في الإعلام ؟ لماذا ننظر إليها وكأنها محرمة علينا ؟
لماذا لا ندرك أسلوب التحرك لدى كبر العلماء والمسؤولين إلا في حال وقوع المنكر وغشيانه على الناس ؟
أين هذا الأسلوب مثلاً في المطالبة بإتاحة المجال للصالحين في شغل مناصب ومسؤوليات مؤثرة ولها صلة بهذا الشأن ؟
أمر آخر يبعث على الأسف، وهو هذا السكوت طويل الأمد على منع الكتب التي سموها ( مكراً \ ومخادعة ) بـ "كتب الإخوان " ومنعوا بذلك كل الكتب التي تعالج قضايا الإصلاح والدعوة في جانب التربية والفكر وفقه الواقع والسياسة الشرعية .. وغيرها .
أقول :- إذا كان السكوت مبرراً أيام توتر الأحداث واشتداد الحملة على الصحوة ، فليست استدامة السكوت بهذه الصورة مبررة ولا من الحكمة في شيء ، وكأننا نعطيهم إقراراً مجانياً بمصداقية أحكامهم الجائرة والخضوع لها.
إن الحل الحاسم والناجع يكون بالمشاركة في إدارة هذه الشؤون ، وليس بتكرار الاحتجاج من موقع " الرعايا " .
لست هنا في مقام تفصيل الحلول ، ولكنني أشير إلى أنه من بدهيات الحلول في مثل هذه الإشكالات التحرك بشكل منظم ومدروس وبجهد جماعي وأدوار موزعة ومتابعة مستمرة ، بأن يرسم مجال للسعي إلى الوصول للقدر الممكن من هذه المسؤوليات ومشاركة أولئك , على الأقل لتقليل الشر وإحداث التوازن , وإذا كان هذا مطلوب في مجالات المسؤوليات الإدارية والمؤسسية عموماً، فإنه في هذا المجال ( الإشراف على المعارض \ والرقابة الإعلامية ) أشد إلحاحاً وأعجل احتياجاً .