المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم رفيدة المسلمة
قال ابن تيمية رحمه اله في مجموع الفتاوى 1 /126
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّ وَافِرٍ } .
وَإِنْ أَثْبَتَهُمْ وَسَائِطَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ - كَالْحُجَّابِ الَّذِينَ بَيْنَ الْمَلِكِ وَرَعِيَّتِهِ - بِحَيْثُ يَكُونُونَ هُمْ يَرْفَعُونَ إلَى اللَّهِ حَوَائِجَ خَلْقِهِ ؛ فَاَللَّهُ إنَّمَا يَهْدِي عِبَادَهُ وَيَرْزُقُهُمْ بِتَوَسُّطِهِمْ ؛ فَالْخَلْقُ يَسْأَلُونَهُمْ وَهُمْ يَسْأَلُونَ اللَّهَ ؛
كَمَا أَنَّ الْوَسَائِطَ عِنْدَ الْمُلُوكِ : يَسْأَلُونَ الْمُلُوكَ الْحَوَائِجَ لِلنَّاسِ ؛ لِقُرْبِهِمْ مِنْهُمْ وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُمْ ؛ أَدَبًا مِنْهُمْ أَنْ يُبَاشِرُوا سُؤَالَ الْمَلِكِ ؛ أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك ; لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج .
فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه : فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق وجعلوا لله أندادا . وفي القرآن من الرد على هؤلاء : ما لم تتسع له هذه الفتوى .
فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس : يكونون على أحد وجوه ثلاثة :
إما لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه.
ومن قال إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بتلك بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم : فهو كافر بل هو - سبحانه - يعلم السر وأخفى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء {وهو السميع البصير}. يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل . ولا يتبرم بإلحاح الملحين .
الوجه الثاني : أن يكون الملك عاجزا عن تدبير رعيته ودفع أعدائه - إلا بأعوان يعينونه - فلا بد له من أنصار وأعوان لذله وعجزه .
والله - سبحانه - ليس له ظهير ولا ولي من الذل . قال تعالى:{قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير}.
وقال تعالى:{وقل الحمدلله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا}.
وكل ما في الوجود من الأسباب : فهو خالقه وربه ومليكه فهو الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه ; بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم - في الحقيقة - شركاؤهم في الملك .
والله تعالى : ليس له شريك في الملك بل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
والوجه الثالث : أن يكون الملك ليس مريدا لنفع رعيته والإحسان إليهم ورحمتهم : إلا بمحرك يحركه من خارج .
فإذا خاطب الملك من ينصحه ويعظمه أو من يدل عليه ; بحيث يكون يرجوه ويخافه : تحركت إرادة الملك وهمته في قضاء حوائج رعيته إما لما حصل في قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير وإما لما يحصل من الرغبة أو الرهبة من كلام المدل عليه .
والله تعالى : هو رب كل شيء ومليكه وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها وكل الأشياء إنما تكون بمشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو إذا أجرى نفع العباد بعضهم على بعض: فجعل هذا يحسن إلى هذا ويدعو له ويشفع فيه ونحو ذلك فهو الذي خلق ذلك كله وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن الداعي الشافع إرادة الإحسان والدعاء والشفاعة ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده أو يعلمه ما لم يكن يعلم أو من يرجوه الرب ويخافه...