من عامين كتبت هذا المقال ... بعد مؤتمر البحرين ، ورماني كثيرون . وها هي الدينمارك عادت . فأين المؤتمرون ؟
المقال بعنوان ( مؤتمر البحرين في مصلحة من؟ )
تجميع عدد من العلماء في مؤتمر عالمي، والخروج بتوصيات خطوة رائدة تُحسب لمن قام بها.
فمن شأنها أن تنزع قيادة الأمة من المنظمات الحكومية الرسمية، ومن شأنها أن تعطي صفة رسمية لشيوخ الصحوة الإسلامية، الذين لا تعترف بهم الأنظمة العلمانية إلى اليوم مع أن كثيرا منهم يحمل شهادات رسمية.
ولكن السؤال الذي يتبادر للذهن، لماذا سُمح لمؤتمر مثل هذا أن ينعقد بهذه الوجوه التي لا نشك في إخلاصها لدينها وأمتها؟
ولم لم تعارض الحكومات، وتطلب انعقاد المؤتمر من الجهات الرسمية الممثل (الشرعي) للشعوب؟
إن هناك قراءة أخرى لما يحدث يجب أن ننتبه إليها؟
الشعوب غاضبة من سلسلة الإهانات المستمرة التي تتعرض لها الأمة على يد (الآخر) بدءا بأحداث الانتفاضة ووقوف الأمريكان في صف اليهود وسكوت الحكومات على ما يحدث، ومرورا بما حدث في (أبو غريب) وجوانتنامو وما حدث للمصحف الشريف وانتهاء بما حدث لشخص نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولم تعد الجماهير تثق في كل ما هو (رسمي) في معظم البلاد الإسلامية، وهي اليوم في أشد حالات غضبها ونفرتها من حكّامها، ولابد من تصدير قيادات (معتدلة) ولو نسبيا، كهؤلاء المؤتمرين في البحرين للخروج بتوصيات (مدنية) في إطار (الشرعية) الحالية، وكبح جماح الأزمة قبل أن تتطور.
الجماهير حاليا لن تستجيب لعلماء الدولة الرسميين الساقطين في نظر الجماهير، وبقاء الأزمة على ما هي عليه من إصرار من الطرف الدينماركي على عدم الاعتزاز وضغط (الآخر) من أجل إنهاء الأزمة من شأنه أن يحرج الأنظمة، ومن شأنه أن يمنح قبولا لخطاب (القاعدة) وأمثالها بين الشعوب، وتكون دَفعة معنوية جديدة لحَمَلِة السلاح الخارجين على الأنظمة.
لذا، فإن مؤتمر البحرين يأتي في إطار كبح جماح الجماهير والوقوف بالأزمة عند حد معين يحول دون تطورها. ثم بعد ذلك تتعامل الأنظمة مع توصيات المؤتمر بطريقتها، أو تفتعل خصومات مع الشخصيات المتنفذة في المؤتمر وتساومها، وهي قضية قديمة تتكرر ولا تخفى على أحد. وبهذا تكون مكتسبات الجماهير من الأزمة قد صودرت بيد علماء الأمة ودعاتها.
والمؤتمرون يرونها فرصة لأخذ قيادة الأمة ولو مرحليا، ويرون في هذا الأمر تحقيق مكاسب ولو قليلة ما كان لهم أن يحققوها لو لم يأتمروا. وأن الصدام مع الأنظمة أو مع الغرب ليس في مصلحة أحد اليوم على الأقل.
فمن أقرب لتحقيق هدفه؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من فهم محورين أساسيين مرتبطين بالأزمة؛
أولهما: سبّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبعد مما حدث في الدينمارك والنرويج وما تناولته وسائل الإعلام، وإنما هو منهج يتبعه المنصِّرون الآن في صدِّ الناس عن دين الله، وما حدث في الدينمارك، ما هو إلا نوع من الانعكاس لهذا النوع من الثقافة (التبشيرية) المنتشرة الآن بين القوم.
ومن أراد أن يتأكد فعليه أن يزور غرف البالتوك التي (تبشر) بالنصرانية ويستمع لما يقال فيها بكل اللغات، لتعلم أن القوم قد استقاموا على هذا الطريق.
وعامة الناس في الغرب لا يسمعون كلامنا ـ نحن أبناء الشرق ـ وإنما لهم مصادرهم الخاصة التي تكذب عليهم، وهي تتكلم عن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلا، وصورة المسلم ـ وخاصة العربي ابن الجزيرة ـ والإسلام أقبح ما يكون في ذهن هؤلاء، وهي من قبل أحداث سبتمبر، ولعل استخفاف الدينمارك ـ وهم من أضعف الشعوب الغربية ـ يعكس لك هذا.
فنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وتحسين صورته في الغرب لا تأتي من هنا، ولن تصلوا لعامة النصارى من الأوروبيين وغيرهم بسهولة، فمؤسسات التنصير قوية لديها وفرة في العدد ووفرة في العتاد، وتستطيع أن تشوش تماما على أي عمل دعوي يقوم به المسلمون، فكان الأحرى أن تظل المقاطعة، وأن تشتد حتى تلفح نارها عامة الناس من الغربيين، ويتساءلون عما يحدث فنحدثهم عن نبينا وقرآننا وشريعة ربنا.
أما توقف المقاطعة اليوم، فلن يضار منها أحد ولن يستفيد بها أحد. فاليوم ظهرت الثمار ولكنها بعد لم يحن وقت جنيها، وقد تعجل قومنا إن هم فعلوا ونادوا بوقف المقاطعة.
لِمَ لَمْ نقف للشركات الجزوع التي لم تتجلد وتصبر للمقاطعة، ونطالبها هي بتنفيذ مطالبنا نحن من المقاطعة في أرضها أو في أي بلد أوربي ليس شرطا الدينمارك ـ كلهم سواء ـ، والمقصود هو أن يعرف الناس النبي صلى الله عليه وسلم؟
بمعنى تقيم هي بما تنفقه على الإعلانات بإنشاء مركز إسلامي للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتوجه هي بيان لعامة الناس من الدينماركيين والأوربيين تتكلم فيه عن شخص نبينا صلى الله عليه وسلم، ونحن نتكفل لها بقوقف المقاطعة؟!
أما اعتذار هنا وكلام آخر معاكس قد يتسرب هناك، فهذا أمر لا أدري بما أصفه ولكنه يخلف حسرة في القلب.
ثانيهما: وهو أمر مهم جدا وفي غاية الخطورة لمن يفهمه ويستغله، وهو أن الخطاب الصحوي ـ إن صح التعبير ـ أوجد جيلا من أنصاف طلبة العلم ـ وأرجو المعذرة في استعمال هذا التعبير ـ وهم الآن منتشرون بين الناس وهم المفعَل الحقيقي للأزمة بين الجماهير، ولا بد من مد يد العون لهؤلاء، وترشيدهم.
أو قل لا بد من الاهتمام بالخطاب العلمي الرزين الذي يتحدث عن فقه الواقع، ولا بد من تكثير هؤلاء فهم كالقنوات الفرعية بين الشعوب، ينصتون جيدا لشيوخ الصحوة ثم ينقلون الخطاب على ما هو عليه للجماهير من خلال المنتديات أو العمل، وهؤلاء أذكى من الالتفاف عليهم، فلينتبه كل لما يقول.
ويرتبط بهذا، أن تَجَمع هذا الجمع الغفير من علماء الأمة لا بد من تفعيله في إذابة الحواجز الفكرية والحركية، أو قل إنشاء آليات عمل مشترك في كافة الميادين بين علماء الأمة، أي أنه يمكن الاستفادة من المؤتمر بما يعرف بـ (على هامش المؤتمر) هذه هي أرجى الثمار.
فمن يسبق من لتحقيق هدفه: الأنظمة أم شيوخ الصحوة؟