عندما كنت أكثر جهلاً مما أنا عليه الآن ــ فالجهل لا يفارق الإنسان أبداً ــ كنت أضمر فى نفسى وأسأل الله المغفرة حزنى وغضبى لأن الله أباح للرجل أن يتزوج على إمرأته .. أباح له أن يؤلمها ويجرحها لإرضاء نفسه وإشباع نزواته ...... أباح له أن يكن أنانياً مع من قامت بالتضحية من أجله بعمرها وشبابها وربما مالها أيضاً ...... بالطبع كان رسول الله صلوات الله عليه وسلامه خارج هذه التساؤلات لأنه لم يكن يتزوج عن أمره.
ولكن ظل غضبى فى فؤادى مشتعل ....... ولم أستطع إخراجه ..... ولم أستطع أيضاً التخلص منه
وزاد العرس طبلاً إثارة أعداء الإسلام هذه الشبهة مرات عديدة .
حتى بحثت فى الأمر بشكل علمى .... وكانت صدمتى كبيرة عندما إكتشفت كم الجهل الذى كنت أعانى منه ...... وعندما عرفت أن للتعدد أحكامه وضوابطه .. كما أن لشريعة الإسلام العظيم أصولها وقواعدها التى لا يمكن للعقل إنكارها لأنها فى منتهى المنطق والحكمة ... فسبحان الله العليم الحكيم .... ولعنة الله على الجهل الذى جعلنى أظن بالله الظنون .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ
من الأصول فى الشريعة : الإباحة مالم يرد النص بالتحريم ..... فمن الخطأ أن نفكر فى حكمة إباحة الشئ ..... بل الصواب أن نفكر فى حكمة التحريم .
فلما قد يحرم الله التعدد ؟ طالما أن الرجل قادر على الزواج من أكثر من إمرأة وقادر على أن يفى كل إمرأة حقها دون إجحاف ؟ ما المشكلة أن يضم الرجل تحت كنفه أكثر من إمرأة يصونهن ويحميهن من التبذل والوقوع فى المعصية ؟! أعنى .... ما الجريمة فى ذلك ؟!!
فإذا كانت الإجابة هى : من أجل مشاعر المرأة ونفسيتها التى لا تقبل ذلك .......
فأقول : ولكن هناك من النساء من تقبل بأن تكون زوجة أولى و ثانية و ثالثة بل ورابعة .... وهناك مجتمعات عرفت التعدد كعادة إجتماعية وقاعدة عامة يسرى عليها الناس .
وكذلك فالتعدد كان سبباً لحل كثير من المشكلات الزوجية ........ كأن تكون المرأة عاقراً وزوجها مولع بالإنجاب ... أو مريضة مرضاً يستحيل معه المعاشرة ... أو أن يكون الرجل ذا شهوة جامحة لا تكفيه زوجة واحدة ...وبعض الشعوب تحتاج لإكثار نسلها لكثرة من يقتلون منها كالشعوب المحتلة أو غير ذلك من الأمور التى لو لم يكن التعدد مباحاً لإرتفعت نسب الطلاق أضعافاً مضاعفة عما هى عليه الآن .. أو لربما وصلنا إلى حالة الإنحلال والإنحدار الأخلاقى المرير التى وصل إليها الغرب ... ففى النهاية ــ وهذه حقيقة ــ التعدد يخدم الصالح العام ... والصالح العام أعلى من الصالح الخاص فتحقيقه أولى .
ومع ذلك فلم يكن ربى نسيا .......
فالمرأة التى لا تقبل بأن يكن لها ضرة ..... أباح الله تعالى لها أن تشترط على زوجها ذلك عند عقد القران فإذا وافق الزوج .... صح هذا الشرط ولزم ..... وصار لا يجوز له الزواج عليها إلا بإذنها وإلا فارقها وأعطاها كافة حقوقها الشرعية ......
فما المشكلة إذاً ؟ ..... وأين الأنانية أونكران المعروف فى ذلك ؟ ....
فائدة :
قد يرد على ذلك بأن فى هذا المسألة خلافاً بين العلماء وأن جمهور العلماء على بطلان هذا الشرط وعدم إلزام الزوج الوفاء به .
فقال الجمهور :
أن هذا الشرط يحرم الحلال وهذا يكفى لجعله شرطاً باطلاً .
وأجيب عن ذلك : بأن هذا غير صحيح ..... فلو تزوج الزوج دون إذن زوجته يأثم .. ليس لأنه تزوج
بل لأنه لم يف بالشرط الذى وافق عليه .. وعدم الوفاء بالشرط يخالف أمر الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )) ..... وكذلك هو من الخديعة وهى محرمة بقوله صلى الله عليه وسلم : (( المكر والخديعة فى النار )) ... ويتأكد ذلك فى عقود النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم : (( أحق الشروط أن توفوا به ما إستحللتم به الفروج )).
أما زواجه فى حد ذاته من الأخرى فهو زواج صحيح والعقد صحيح ...... ولو قلنا بالتحريم لما كان لنا أن نصحح هذا العقد بل توجب علينا الإقرار ببطلانه لقول رسول الله : ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )).
فأين تحريم الحلال ؟
وقالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( كل شرط ليس فى كتاب الله باطل وإن كان مائة شرط)) رواه البخارى ومسلم ........ وهذا ليس فى كتاب الله فالشرع لا يقتضيه.
فأجيب عن ذلك :
كتاب الله المقصود به هو شرع الله فالمقصود من الحديث الشروط الغير موجودة فى شرع الله ..... أى الشروط المحرمة ... كإشتراط الإضرار بالغير مثلاً ....
وإشتراط المرأة عدم التزوج عليها مشروع ومن نفى ذلك فعليه أن يأتى بدليل التحريم وليس العكس.
وخير دليل على صحة الرأى المخالف لرأى الجمهور :
هذا الحديث من صحيح البخارى :
1 - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر : ( أن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن ، ثم لا آذن ، ثم لا آذن ، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، فأنما هي بضعة مني ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما أذاها ) . هكذا قال .
الراوي: المسور بن مخرمة المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم:5230وقد نوقش هذا الدليل :
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
بأن رسول الله إنما منع إبن أبى طالب من الزواج على إبنته لأنه أراد أن يتزوج بنت أبى جهل فلو كانت أى إمراة أخرى لما منعه رسول الله .
ثم أن هذا الأمر خاص ببناته هو فقط صلى الله عليه وسلم .
وأجيب عن ذلك بهذه الرواية :
وزاد محمدُ بنُ عمرو بنِ حلحلةَ، عن ابنِ شهابٍ، عن عليٍّ بنِ الحسينِ، عن مِسورِ : سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وذكر صهرًا له من بني عبدِ شمسٍ، فأثنى عليه في مصاهرَتِه إياهُ فأحسنَ، قال : ( حدَّثني فصدَقني، ووعدَني فوفَى لي ) .
الراوي: المسور بن مخرمة المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3729فدل ذلك على أن هناك عهداً وشرطاً إشترطه رسول الله على على بن أبى طالب وعلى هذا الصهر .. وماكان رسول الله ليشترط عليهما شرطاً ليس فى كتاب الله أو يلزمهما بالوفاء بشرط باطل ....... كما أن الأصل فى الشريعة الأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
خلاصة حكم المحدث:[صحيح] [وقوله: وزاد محمد بن عمرو... معلق، وصله في موضع آخر]
وهذا الرأى هو المروى عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبى وقاص رضى الله عنهما وهو مذهب إبن القيم وإبن قدامة رحمهما الله .. يمكن الرجوع لأقوالهما بالتفصيل فى كتاب فقه السنة للسيد سابق باب (( أحقية المرأة فى إشتراط عدم التزوج عليها ))
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ
يقول المتشبهون :
إذاً فالمرأة التى لا تقبل التعدد لها أن تشترط ذلك عند عقد القران؟ ... عظيم .. ولكن إذا أراد زوجها الزواج بغيرها تصبح أمام خيارين أحلاهما مر .......
فإما أن تشاركها فى زوجها إمراة أخرى ... أو أن تتركه لها تماماً !!!!
ولكن لو كان الطلاق محرماً لحلت المشكلة .. فحتى لو أحب الرجل غيرها فهو لن يستطيع الزواج إلا
بإذنها ولن يستطيع تطليقها كذلك فتنجو المرأة من هذا المأزق الذى وضعتموها فيه .
والرد على ذلك :
إذا أحب الزوج الزواج بإمرأة أخرى وجاء يصارح زوجته بذلك ــ وهو يعلم أنها لا تقبل ذلك البتة ــ
فهو على أتم إستعداد أن تنتهى حياته معها أو على الأقل أن يفقد قلبها فى مقابل الحصول على الثانية
ترى ...... ماذا سيكون شعورى لو أجبر زوجى على الحياة معى وهذا هو شعوره نحوى ؟؟؟؟!!
هل سأكون سعيدة ؟ ....... وهل سينجبر خاطرى عندما أرى فى عينيه كل صباح أنه لا يريدنى بل يريد غيرى إلا أنه يعيش معى فقط ... لأن القانون يلزمه بذلك ؟!!
وهل ستشفى جراحى عندما أجلس بجواره وخاطره مع إمرأة أخرى ؟؟!!
إننى أرى أنه من الأفضل لى أن أنسحب من حياته فى هذه الحالة ..... وأن أتركه مع هذه المرأة التى إختارها قلبه .... فلا حاجة لى بقلب لا يريدنى .. ولن يريدنى حتى لو ألزمته بذلك كل دساتير العالم!!!
فقالوا :
الرجل أصلاً يفكر فى إمرأة أخرى .... لأن الشريعة أعطته الضوء الأخضر ..... فلو كان التعدد محرماً من الأساس ..... لما فكر أحد به ...... ولما خطر على بال أحد أصلاً .
فأقول :
هذا كذب بين ...... والواقع خير دليل ...... فهل منعت شريعة الزواج الواحد رجال الغرب بل ونسائهم من تعدد علاقاتهم حتى صار السفاح عندهم مقنناً ؟!!
فيسألون سؤالاً سخيفاً بحق :
ولما التعدد محرم على النساء إذاً ؟
ومع سخافته سأرد :
لأن المرأة مهيأة جسدياً ونفسياً لأن تكون لرجل واحد فقط .
ثم هل يوجد بين النساء إمرأة تستطيع رعاية أكثر من زوج ؟ ..
فمثلاً إذا حملت من أحدهم كيف ستقوم بواجبها كزوجة للآخرين وهى تخشى إجهاض جنينها ؟!
كم سيكون عدد الأسر التى ستهدم نتيجة لفشل المرأة فى أن تكون زوجة لعدة أزواج إذا فتحنا هذا الباب ؟ وهل يوجد رجل يقبل بأن تتعرى زوجته أمام رجل آخر أصلاً .... إلا إذا كان مريضاً نفسياً ؟!
كل هذه المفاسد التى تم ذكرها هى على سبيل المثال لا الحصر ...... فهلا تخبروننى بالمصالح
( العامة ) التى قد تحقق بوجود هذا الوضع الشاذ الذى لا يقبله عقل ولا منطق حتى يتم إباحته؟!!!
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ
ولكننى عندما وقفت مع نفسى أخذت أفكر لماذا كل هذا الغضب الذى كان بداخلى ولما كل هذا الرفض؟ ...... ووجدت أسباباً عديدة ......
لأن بعض الرجال يستخدمون التعدد كوسيلة لإذلال المرأة وإهانتها .....
فعندما يقرر الزوج أن يعاقب زوجته عقاباً شديداً .. يدخل عليها وفى ذراعه إمرأة أخرى ..... فهو يعلم أنها لا تقبل بأن يتزوج عليها أبداً ... فعادة مجتمعه جرت بعدم تمكين الزوجة زوجها من إدخال ضرة عليها البتة .
ويجهل أن جريان العادة بهذا الأمر يجعله كالمشروط إذ أن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً .. قال إبن القيم : لو فرض أن المرأة من بيت لا يتزوج الرجل على نسائهم ضرة ولا يمكنونه من ذلك كان كالمشروط لفظاً .
ويتجاهل أنه لا يجوز له أن يتزوج عليها إلا بإذنها أصلاً ..... وإلا فارقها أولاً .
وهذا أيضاً ما يجعل بعض الأزواج يتزوج سراً ويكذب على زوجته فى كل مرة يبيت فيها عند الأخرى ثم تكتشف الزوجة فجأة أنها خدعت لسنين طويلــة !!!!
كل هذا والزوج يعتقد أنه يمارس حقه الشرعى وأنه لم يرتكب أى خطأ !!!!!
ولأن من الرجال من يستغل حاجة وفقر زوجته فيتزوج عليها وهم يعلم مسبقاً أنها ستتنازل عن هذا الشرط حتماً حتى لا تفقد مورد الرزق الوحيد لها .....
وبما أن التكافل الإجتماعى الذى أمرنا به الإسلام لم يعد موجوداً فى حيز التطبيق .... ومنه أن المرأة لا تلزم بالإنفاق على نفسها .. بل نفقتها على أقاربها الذكور ... أصبح قبول الزوجة بزواج زوجها عليها ما هو إلا رضوخ وخضوع للفقر .... تنازل بالإكراه من قبل الحاجة للمال ولقمة العيش ... وتتوالى التنازلات بعد ذلك بل والإهانات أيضاً !!!
ولأن التنابز بالألقاب صار عادة .. يمارسها الناس فى تجاهل تام لحرمانيتها .... فصارت المرأة تعير بكونها مطلقة أو زوجة أولى !!!
مرة أخرى تتجلى لى هذه الحقيقة القاسية ...... وهى أن هذا الدين العظيم .. الربانى ... الحنيف ..... ظلمه أتباعه كما ظلمه أعداؤه تماماً ....
ظلمه أعداؤه بإفترائهم وحقدهم ..........
وظلمه أتباعه بجهلهم وأنانيتهم .........
ظلمه أعداؤه عندما لم يحسنوا فهمه .......
وظلمه أتباعه عندما لم يحسنوا تطبيقه ..........
فيا أمة الإسلام :
(( أتأمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ؟؟ )) .