حكمُ الشريعةِ الإسلاميةِ في ( التدخينِ ) ، ومعهُ : ( كيفَ تُحاورُ مُدخناً ) ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
حُكْمُ الشَّرِيْعَةِ الإِسْلَامِيَّة ِ فِي ( التَّدْخِيْنِ ) ، وَمَعَهُ : ( كَيْفَ تُحَاوِرُ مُدَخِّنَاً ) ؟
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد :
فجميع الناس يعلمون ما لـ ( التدخين ) من مصائب ومضار ، وأمراضٍ وأخطار ،
وسوف لن أَسرد التقارير ( الطبية ) ـ الخطيرة ! ـ المُبَيِّنَةِ لـ ( مضاره ) ، و ( أخطاره ) ،
وسأكتفي بالإشارة إليها ـ ضمناً ـ مع أدلة ونصوص الوحيين ـ ( القرآن والسُّنَّة ) ـ ؛
فأقول :
قال الله ـ تعالى ـ :
(( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) )) ( سورة البقرة / 195 ) ؛
وقد ثَبَتَ ـ طِبِّيَّاً ! ـ أن ( التدخين ) هو ( مَهْلَكَةٌ ـ لشاربه ـ ومُتعاطيه ) ! ،
وقال الله ـ تعالى ـ :
(( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) )) ( سورة النساء / 29 ) ؛
وقد ثَبَتَ ـ طِبِّيَّاً ! ـ أن ( التدخين ) هو ( قَتْلٌ بطيءٌ للنفسِ ) ! ،
وقال الله ـ تعالى ـ :
(( وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) )) ( سورة الأنعام / 141 ) ،
وقال :
(( وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) )) ( سورة الإسراء / 26 ، 27 ) ؛
وقد ثَبَتَ ـ واقِعاً ! ـ أن ( التدخين ) فيه ( إسرافٌ ) ! ، و ( تبذيرٌ ) ! ،
والله ـ تعالى ـ ينهى عن ( الإسراف ) ، و ( التبذير ) فيما هو ( حلالٌ مباحٌ ) ! ؛
فكيف بما هو ( حرامٌ قبيحٌ ) ؟!! .
* مُحاورةٌ بينَ ( مُدَخِّنٍ ) ، و ( ناصِحٍ ) :
( النَّاصِحُ ) : يا أخي ـ الحبيب ـ : ( التدخين : مُحَرَّمٌ ـ شرعاً ـ ؛ وأنصحك بتركه ) .
( المُدَخِّنُ ) : ومن قال أن ( التدخين ) مُحَرَّمٌ ـ شرعاً ـ ؟! ،
هل ورد ذِكْرُهُ ـ باسمه الصريح ـ في ( القرآنِ ) ، و ( السُّنَّةِ ) بأنه ( حرامٌ ) ؟! .
( النَّاصِحُ ) : وهل كل شيءٍ لم يَرِدْ ذِكْرُهُ ـ باسمه الصريح ـ في ( القرآنِ ) ، و ( السُّنَّةِ )
بأنه ( حرامٌ ) ؛ يُعتَبَرُ غير ( حرامٍ ) ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : نعم !! .
( النَّاصِحُ ) : طيب ؛ ما تقول في ( المُخَدِّراتِ ) ؟ ؛ هل هي ( حرامٌ ) ، أم ( حلالٌ ) ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : طبعاً ( حرامٌ ) ـ وبلا شكٍ ! ـ .
( النَّاصِحُ ) : وما دليل تحريمها ـ باسمها الصريح ! ـ من ( القرآنِ ) ، و ( السُّنَّةِ ) ؟!! .
( المُدَخِّنُ ) : لا يوجد !! .
( النَّاصِحُ ) : إذن ؛ بما أنه لا يوجد دليلٌ لتحريمها ـ بالنصِّ ـ ؛
فهي ( حلالٌ ) ـ بناءً على قاعدتك السابقة ـ ؟!! ؛ فما هو رأيك ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : لا أدري .. أرجو أن توضح لي أكثر .
( النَّاصِحُ ) : أخي ـ الحبيب ـ ، ليس كل ما لا تجد له ذِكْراً في ( القرآنِ ) ، و ( السُّنَّةِ )
يعني أنه غير موجود ؛ فالعلماء يقيسون أشياءً على أشياء ـ أُخرى ـ تشابهها في ( العِلَّةِ ) ،
فإذا تشابه الشيء مع غيره في ( العِلَّةِ ) ؛ أخَذَ حُكمَهُ ؛
فـ ( المخدِّرات ) لها نفس ( العِلَّةِ ) مع ( الخَمرِ ) ـ وهي : الإسكار ) ! ـ ؛
فقال العلماء : أن ( المُخدِّرات حرامٌ ؛ لأنها مُسْكِرَةٌ مثلَ الخمرِ ) ، ... وهكذا .
( المُدَخِّنُ ) : طيب ؛ أثبت لي ـ بأيِّ طريقة تراها ـ أن ( التدخين ) حُكمُهُ ( حرامٌ ) .
( النَّاصِحُ ) : طيب ؛ ركِّز معي على ما سأقوله لكَ من كلامٍ وأسئلةٍ .
( المُدَخِّنُ ) : تفضَّل ، وكُلي آذانٌ صاغيةٌ .
( النَّاصِحُ ) : هل ( التدخين ) من ( الطَّيِّباتِ ) ؟! ، أَم من ( الخَبائِثِ ) ؟ .
( المُدَخِّنُ ) : أنا أراه من ( الطَّيِّباتِ ) ! ؛ لأنني أشعر بلذَّةٍ حين أُدخِّنُ ! ،
وخصوصاً إذا شربت سيجارة بطعم ( النعناع ) ـ وغيره ـ ! .
( النَّاصِحُ ) : وإذا أثبتُّ لكَ أن ( التدخين ) من ( الخَبائِثِ ) ! ؛ ما رأيكَ ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : لا أظنكَ تستطيع إقناعي بأنه من ( الخَبائِثِ ) ! ، وعلى كلِّ حال ؛ قل وأنا أسمع .
( النَّاصِحُ ) : طيب ؛ باعتبار الطعام الحلال من ( الطَّيِّباتِ ) ؛ ماذا تقول قبل البدء بالطعام ؟ .
( المُدَخِّنُ ) : أقول : ( بسم الله ) .
( النَّاصِحُ ) : طيب ؛ باعتبار ( التدخين ) ـ عندكَ ـ من ( الطَّيِّباتِ ) ؛
هل تستطيع أن تقول ـ قبل ( التدخين ) ـ : ( بسم الله ) ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : لا !! .
( النَّاصِحُ ) : طيب ؛ إذا أكملتَ طعامكَ وبقي منه الشيء القليل ؛
هل ترميه على الأرض ؛ ليدوسه الناس بأقدامهم ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : لا ؛ لأن هذا حرام ، وكيف أرمي ( الطَّيِّباتِ ) على الأرض ؟! ...
هذا لا يجوز ! .
( النَّاصِحُ ) : طيب ؛ فلماذا ـ أحياناً ـ ترمي ( السيجارة ) على الأرض لتُداس بالأقدام ؟! ،
أليست من ( الطَّيِّباتِ ) ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : صحيح ! .
( النَّاصِحُ ) : طيب ؛ إذا أكملتَ طعامكَ ؛ ما واجبكَ أن تقول ؟ .
( المُدَخِّنُ ) : أقول : ( الحمد لله ) .
( النَّاصِحُ ) : طيب ؛ باعتبار ( التدخين ) ـ عندكَ ـ من ( الطَّيِّباتِ ) ؛
هل تستطيع أن ( تحمد الله ) ـ بعد انتهاءك من ( التدخين ) ـ ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : لا !! .
( النَّاصِحُ ) : لو كنتَ في المسجد ، وكنتَ صائماً ، وأذَّنَ ( المغرب ) وأردتَّ أن تُفطر ؛
هل من حرجٍ عليكَ إذا أفطرتَ على ( رُطَباتٍ ) ؟ .
( المُدَخِّنُ ) : لا .. ؛ لأن هذا من ( السُّنَّةِ ) .
( النَّاصِحُ ) : طيب ؛ باعتبار ( التدخين ) ـ عندكَ ـ من ( الطَّيِّباتِ ) ؛
هل تستطيع أن تُفطِرَ على ( السيجارة ) ، وفي المسجد ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : لا !! .
( النَّاصِحُ ) : هل تتحرَّجُ من أن تأكل الطعام أمام من لهم عليكَ حق التوقير والإحترام
ـ كالأبوين ـ ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : لا ـ أبداً ـ .
( النَّاصِحُ ) : طيب ؛ باعتبار ( التدخين ) ـ عندكَ ـ من ( الطَّيِّباتِ ) ؛
هل تستطيع أن تشرب ( السيجارة ) أمامهم ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : لا !! .
( النَّاصِحُ ) : هل تستطيع أن تأكل شيئاً ـ من ( الطعام ) ـ في ( دورة المياه ! )
ـ أكرمكَ الله ـ ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : لا !! ، ومن يتسطيع فعل ذلك ؟! .
( النَّاصِحُ ) : طيب ؛ باعتبار ( التدخين ) ـ عندكَ ـ من ( الطَّيِّباتِ ) ؛
فلماذ تشرب ( السيجارة ) في ( دورة المياه ! ) ـ أحياناً ! ـ ؟! .
( المُدَخِّنُ ) : والله أحرجتني بسؤالاتك ـ هذه ـ ،
وستجعلني أُذعن ، وأعترف أن ( التدخين ) من ( الخَبَائِثِ ) .
( النَّاصِحُ ) : وما الذي يمنعك من الإذعان والإعتراف ؟! ؛ فالأمر ( واضحٌ ) ـ جداً ـ ! .
( المُدَخِّنُ ) : الآن أُذعن ، وأعترف أن ( التدخين ) ـ حقيقةً ـ هو من ( الخَبَائِثِ ) ! .
( النَّاصِحُ ) : الحمد لله .. ، إذن ؛ فإليك دليل تحريمه من ( القرآن الكريم ) ؛
قال الله ـ تعالى ـ :
(( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ... (4) )) ( سورة المائدة / 4 ) ،
و ( التدخين ) ليس من ( الطَّيِّباتِ ) ! ،
وقال :
(( قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) )) ( سورة المائدة / 100 )،
و ( التدخين ) من ( الخَبائِثِ ) ! ، ولا يستوي مع ( الطَّيِّباتِ ) ـ حُكْماً ! ، ومآلاً ! ـ ،
وقال :
(( ... وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ... (157) )) ( سورة الأعراف / 157 ) ،
و ( التدخين ) من ( الخَبائِثِ ) ! .
( المُدَخِّنُ ) : سبحان الله !! ، وما دليل تحريمه من ( السُّنَّةِ ) ؟! .
( النَّاصِحُ ) : دليل تحريمه من ( السُّنَّةِ ) ؛
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :
( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ ـ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ ، وَمُفَتِّرٍ ) ( رواه أحمد ، وأبو داوود ) ـ ( وضَعَّفَهُ بعضُ أهل العلم ! ) ـ ،
و ( التدخين ) ليس من ( المُسكِراتِ ) ؛ نعم ، ولكنه من ( الـمُـفَتِّراتِ ) ! ،
وقال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : ( لَا ضَرَرَ ، ولا ضِرارَ ) ( رواه ابن ماجه ، وأحمد ) ؛
و ( التدخين ) ثَبَتَ ضرره بالدليل القاطع ـ شرعياً ، وطِبياً ـ ،
وقال : ( إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا : قِيلَ وَقَالَ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ) ( متفقٌ عليه ) ؛
و ( التدخين ) من ( إضاعة المال فيما لا منفعة منه ) ! ،
وقال : ( .. ، ومَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ ـ فِي الدُّنْيَا ـ ؛ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ( متفقٌ عليه ) ،
و ( المدخن ) يقتل نفسه بـ ( القَطِرانِ ) ـ الموجود في ( السيجارة ) ـ ؛
قال الله ـ تعالى ـ : (( سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) )) ( سورة إبراهيم / 50 )،
و ( سَرابيلُهُم ) أي : ( ثِيابُهُم ) ! .
( المُدَخِّنُ ) : جزاكَ الله خيراً على هذا التوضيح الماتع المُقنِع ، وبارك الله فيكَ ،
ومن الآن ؛ سأترك ( التدخين ) ـ بإذن الله ـ ؛ وطاعة لله ـ تعالى ـ .
( النَّاصِحُ ) : وجزاكَ الله بمثله ، وأعانكَ على كلِّ خيرٍ ، وجَنَّبكَ كلَّ شرٍ .. اللهم آمين .
وصلى الله وسلم وباركَ على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
كتبها :
أبو عبد الرحمن الأثري العراقي
ظُهْرَ يوم ( الثلاثاء ) ، الموافق
( 3 / 9 / 2013 ) م