هل يخصص فعل الصحابة لا سيما الخلفاء الراشدين مجمل قول النبي صلى الله عليه وسلم ؟
وهل لو أمر النبي في سنته القولية بأمر , وتركه في سنته الفعلية , على ماذا يكون العمل ؟ هل يكون موافقة هديه العملي أولى من موافقة هديه القولي , أم ماذا ؟
عرض للطباعة
هل يخصص فعل الصحابة لا سيما الخلفاء الراشدين مجمل قول النبي صلى الله عليه وسلم ؟
وهل لو أمر النبي في سنته القولية بأمر , وتركه في سنته الفعلية , على ماذا يكون العمل ؟ هل يكون موافقة هديه العملي أولى من موافقة هديه القولي , أم ماذا ؟
بارك الله فيك؛ لو أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر ثم تركه ولم يفعله فهذا الترك صارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب.
مثاله:
قوله تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم) البقرة: ٢٨٢ فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه اشترى ولم يُشْهِدْ على شرائه، كشرائه جمل جابر رضي الله عنه.
ونحو قوله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا صَلَّىٰ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا))([1]).
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّىٰ يَنْصَرِفَ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ([2]).
([1]) صحيح: أخرجه مسلم (881).
([2]) صحيح: أخرجه مسلم (882).
وأما قول الصحابي فإن اختلفوا فإنه يؤخذ من أقوالهم ما يوافق الدليل، وإن اتفقوا ، أو قال أحدهم قولا ، ثم انتشر هذا القول، ولم يُعْلَم له مخالف، فقوله - حينها - يكون حجة؛ ويُخَصَّصُ به العام لا سيما لو كان من الخلفاء الراشدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ))
قال ابن القيم رحمه الله ((إعلام الموقعين)) 4/ 91، 92:
((إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ قَوْلًا فَإِمَّا أَنْ يُخَالِفَهُ صَحَابِيٌّ آخَرُ أَوْ لَا يُخَالِفُهُ، فَإِنْ خَالَفَهُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَحَدِهِمَا حُجَّةً عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ خَالَفَهُ أَعْلَمُ مِنْهُ كَمَا إذَا خَالَفَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي حُكْمٍ، فَهَلْ يَكُونُ الشِّقُّ الَّذِي فِيهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ حُجَّةً عَلَى الْآخَرِينَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَام أَحْمَدَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشِّقَّ الَّذِي فِيهِ الْخُلَفَاءُ أَوْ بَعْضُهُمْ أَرْجَحُ، وَأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ الْأَرْبَعَةُ فِي شِقٍّ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ فِي شِقٍّ فَالصَّوَابُ فِيهِ أَغْلَبُ، وَإِنْ كَانُوا اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ فَشِقُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَالصَّوَابُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ.
وَهَذِهِ جُمْلَةٌ لَا يَعْرِفُ تَفْصِيلَهَا إلَّا مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ وَاطِّلَاعٌ عَلَى مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَعَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ مَعْرِفَةُ رُجْحَانِ قَوْلِ الصِّدِّيقِ فِي الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ، وَكَوْنِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِفَمٍ وَاحِدٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنْ تَلَفَّظَ فِيهِ بِالثَّلَاثِ، وَجَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَإِذَا نَظَرَ الْعَالِمُ الْمُنْصِفُ فِي أَدِلَّةِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ جَانِبَ الصِّدِّيقِ أَرْجَحُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَدِّ وَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِفَمٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُحْفَظُ لِلصِّدِّيقِ خِلَافُ نَصٍّ وَاحِدٍ أَبَدًا، وَلَا يُحْفَظُ لَهُ فَتْوَى وَلَا حُكْمٌ مَأْخَذُهَا ضَعِيفٌ أَبَدًا، وَهُوَ تَحْقِيقٌ لِكَوْنِ خِلَافَتِهِ خِلَافَةَ نُبُوَّةٍ.
وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ الصَّحَابِيُّ صَحَابِيًّا آخَرَ فَإِمَّا أَنْ يَشْتَهِرَ قَوْلُهُ فِي الصَّحَابَةِ أَوْ لَا يَشْتَهِرُ، فَإِنْ اشْتَهَرَ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الطَّوَائِفِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: هُوَ حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ، وَقَالَتْ شِرْذِمَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِي نَ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِي نَ: لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ اُشْتُهِرَ أَمْ لَا فَاخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ يَكُونُ حُجَّةً أَمْ لَا؟ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ أَنَّهُ حُجَّةٌ)).
جزاكم الله خيرًا , وأجزل مثوبتكم
لكن شيخي توجيه سؤالي كان لمقصد أخر , وحتى أُفصح عن مرادي - وما ذاك إلا من قلة العلم فإن حسن السؤال نصف العلم كما قيل - أضرب مثالًا , وهو ما أثار بحثي في هذه المسألة , هو كلام لابن القيم أيضًا في (زاد المعاد) عند كلامه على صلاة الضحى , وأن هدي النبي أنه لم يكن يصليها ويداوم عليها , على الرغم من أنه ذكر حديث وصايته لأبي هريرة بألَّا يدعها , ورجح أن الأكمل اتباع هدي النبي في فعله , وليس أمره , واعتذر للحديث بأنه قد يكون خص به أبا هريرة - على ما أذكر والله أعلم .
وكذا مسألة الصيام في رجب - بعيدًا عن أنها من الخلاف السائغ - هل يخصص نهي أبي بكر , وما ثبت عن عمر أنه كان يضرب أكف الرجال حتى يضعونها في الطعام , السنة القولية عن النبي (صم من الحرم وأفطر) عند من صح عنده الحديث , أم أن من ينهى عن صيامه مدار المسألة عنده على أن الحديث لم يصح ؟!
أرجو أن يتسع لي صدركم بارك الله فيكم وبكم
بارك الله فيك أخانا الحبيب.
أولًا: الأكمل اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في فعله؛ لأنَّ في ذلك عَمَلٌ بالأمر والفعل معًا؛ فتكون قد امتثلتَ أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر به، كما امتثلتَ فعله وهديه في عدم المداومة، وأما امتثالك للأمر فقط فيه ترك للهدي.
ثانيًا: إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر فالحجة في قوله صلى الله عليه وسلم دون مَنْ سواه؛ فإنْ خالفه أحد الصحابة فأهل العلم لا يقدمون قوله على قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل يعتذرون عن الصحابي بأنه لم يصله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مثال ذلك:
ما أخرجه أحمد (3121)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنِ الْمُتْعَةِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
ثالثًا: حديث «صُمْ مِنَ الْحُرُمِ، وَأَفْطِرْ»، حديث ضعيف، وانظر: ((ضعيف أبي داود)) للألباني (2/ 283).
جزاك الله خيرًا شيخي
لكن ... أعلم أني أثقلت (ابتسامة)
قلتم - بارك الله فيكم - أني (الأكمل اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في فعله؛ لأنَّ في ذلك عَمَلٌ بالأمر والفعل معًا) لا أفهم كيفية الجمع بين العمل بالأمر والفعل إلا مما كان - مثلا في واقعة صلاة الضحى - من حديث أبي سعيد الخدري أنه كان يصلى الضحى حتى نقول لا يدع الصلاة , وكان يدعها حتى نقول لا يصليها , أو كما قال (الأثر بالمعنى فأنا لا أتذكره) , وقد ضُعف هذا الحديث , ورد الاستدلال به ابن القيم أيضًا , فأرجو التوضيح بارك الله فيكم .
ثم مسألة مخالفة الصحابي لقول النبي , فهذا ليس على إطلاقه , فواقعتنا هنا هي بمثابة تخصيص عامَّ قولِ النبي , ثم تطرق لذهني مسألة أن يكون فعل عمر ليس له معارض من الصحابة لما فيه من الشهرة حيث كان يضرب أكُفَ الرجال , وبدهيًا لم يكن هذا بمخفى من الصحابة بل الظاهر فيه أنه كان على مرأى ومسمع من كثير من الصحابة على الأقل المفعول فيهم ؟!
وكذا أيضًا العلة التي ذكرها عمر في آخر قوله وهي جلية قوية : مخالفة تعظيم الجاهلية لرجب .
هذا عند من صح عنده الحديث , ويقول بتخصيص قول الصحابي - بشروط - لعام قول النبي .
ومن لم يصح عنده الحديث - إذ في تصحيح الحديث وتضعيفه خلاف بين علماء الفن إذ وأرقى درجاته أنه حسن لغيره , فيما أعلم , والله أعلم - فيكون أثر عمر عنده هو الحجة , والله أعلم
ولكن يرد عليه إشكال أخر غير أن رجب من الحرم , من ندب صيام الأيام البيض من كل شهر , وكذا من له عادة من صيام , فترجع المسألة أيضًا إلى تخصيص قول النبي العام بفعل الصحابي أو قوله , وهذا ما أريد التثبت منه , بارك الله فيك .
سامحني على سوء أدبي في الإثقال في الحديث , لكني أريد ضبط المسألة .
جزاك الله خيرًا لسعة صدرك