ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله الا اعزه الله
عن أبي هريرة رضي الله عنه: " أن رجلا شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي
صلى الله عليه وسلم يعجب ويبتسم، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي
صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله! كان يشتمني
وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله، غضبت وقمت، قال: إنه كان معك ملك يرد
عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان، ثم
قال: " يا أبا بكر! ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا
أعز الله بها نصره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها
كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة "الصحيحة 2231
رد: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله الا اعزه الله
شرح الحديث من كتاب مرقاة المفاتيح رقم الحديث5102
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ
(يَتَعَجَّبُ) أَيْ: مِنْ شَتْمِ الرَّجُلِ وَقِلَّةِ حَيَائِهِ، أَوْ مِنْ صَبْرِ أَبِي بَكْرٍ وَكَثْرَةِ وَفَائِهِ
(وَيَتَبَسَّمُ) : لِمَا يَرَى مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّخْصَيْنِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِهِمَا مِنَ الْعُقُوبَةِ الْكَامِلَةِ وَالرَّحْمَةِ النَّازِلَةِ وَلِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ مَظَاهِرِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ عَلَى مَا هُوَ مَشْهُودُ أَهْلِ الْكَمَالِ
(فَلَمَّا أَكْثَرَ) أَيِ: الرَّجُلُ فِي مَقَالِهِ
(رَدَّ) أَيْ: أَجَابَ أَبُو بَكْرٍ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الرَّجُلِ
(بَعْضَ قَوْلِهِ) : عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْعَوَامِّ وَتَرْكًا لِلْعَزِيمَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِمَرْتَبَةِ الْخَوَاصِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] ، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126] وَهُوَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ الِانْتِقَامِ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ وَبَيْنَ الصَّبْرِ عَنْ بَعْضِهِ، لَكِنَّ لَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْكَمَالَ الْمُنَاسِبَ لِمَرْتَبَتِهِ مِنَ الصِّدِّيقِيَّة ِ مَا اسْتَحْسَنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ: تَغَيَّرَ مِنْهُ تَغَيُّرَ الْغَضْبَانِ
(وَقَامَ) أَيْ: مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَخَلَّاهُمَا عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: 55]
(فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ) أَيْ: مُعْتَذِرًا وَمُسْتَفْهِمًا
(وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَانَ) أَيِ: الرَّجُلُ
(يَشْتُمُنِي) : بِضَمِّ التَّاءِ وَالْكَسْرِ
(وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ) أَيْ: مِنَ الشَّتْمِ بِعَيْنِهِ أَوْ بِمَا يُنَاسِبُهُ (غَضِبْتَ وَقُمْتَ) : يَعْنِي فَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ؟
(قَالَ: كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَلَيْهِ) أَيْ: وَيَدُلُّكَ عَلَى الصَّبْرِ
(فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ) أَيْ: بِذَاتِكَ وَدَخَلَ فِيهِ حَظُّ النَّفْسِ
(وَقَعَ الشَّيْطَانُ) أَيْ: وَطَلَعَ الْمَلَكُ، وَالشَّيْطَانُ إِنَّمَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَخِفْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَعَدَّى عَلَى خَصْمِكَ وَتَرْجِعَ ظَالِمًا بَعْدَ أَنْ كُنْتَ مَظْلُومًا، وَقَدْ رُوِيَ: كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَظْلُومَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الظَّالِمَ، وَفِي رِوَايَةٍ: كُنْ خَيْرَ ابْنَيْ آدَمَ، قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ هَابِيلَ جَوَابًا لِقَابِيلَ: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة: 28] مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، وَكَانَ أَقْوَى مِنْهُ لَكِنِ اخْتَارَ الطَّرِيقَ الْأَكْمَلَ لِيَكُونَ مِنْ الْفَرِيقِ الْكَمَلِ.
(ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! ثَلَاثٌ) أَيْ: خِصَالٌ
(كُلُّهُنَّ حَقٌّ) أَيْ: ثَابِتٌ وَصِدْقٌ
(مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
(بِمَظْلِمَةٍ) : بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا أَيْضًا، وَأَنْكَرَهُ بَعْضٌ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ بِالضَّمِّ أَيْضًا. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْمَظْلِمَةُ الظُّلْمُ وَاسْمُ الْمَأْخُوذُ، وَفِي الْقَامُوسِ: الظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَالْمَظْلِمَةِ بِكَسْرِ اللَّامِ مَا يَظْلِمُهُ الرَّجُلُ.
(فَيُغْضِي) : مِنَ الْإِغْضَاءِ بِالْغَيْنِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْ نِ، وَهُوَ إِدْنَاءُ الْجُفُونِ بِمَعْنَى الْإِغْمَاضِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْإِعْرَاضُ، وَفِي نُسْخَةٍ فَيُعْفَى بِالْعَيْنِ الْمُهْمِلَةِ مِنَ الْإِعْفَاءِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الْعَفْوِ وَالْمَعْنَى فَيُسَامِحُ
(عَنْهَا) أَيْ: عَنْ تِلْكَ الْمَظْلِمَةِ وَيَتْرُكُ جَوَاهَا أَوِ الْمُطَالَبَةَ بِهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ مُطْلَقًا
(لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ: لَا لِفَخْرٍ وَلَا سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ
(إِلَّا أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا) أَيْ: بِمُقَابَلَةِ تِلْكَ الْمَظْلِمَةِ وَالْإِهَانَةِ أَوْ بِسَبَبِ تِلْكَ الْخَصْلَةِ الْمُعَانَةِ
(نُصْرَةً) أَيْ: إِعَانَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
(وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ) أَيْ: صَدَقَةٍ
(يُرِيدُ بِهَا صِلَةً) أَيْ: صِلَةً لِلرَّحِمِ وَالْقَرَابَةِ أَوْ وَصْلَةً لِلْقُرْبَةِ وَفِي رِوَايَةٍ (بَابَ عَطِيَّةٍ) بِصَدَقَةٍ أَوْ صِلَةٍ
(إِلَّا زَادَ اللَّهُ بِهَا كَثْرَةً) أَيْ: بَرَكَةً صُورِيَّةً وَمَعْنَوِيَّةً
(وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ) أَيْ: سُؤَالٍ مِنْ مَخْلُوقٍ
(يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً) أَيْ: لَا دَفْعَ حَاجَةٍ ضَرُورِيَّةٍ تُلْجِئُهُ
(إِلَّا زَادَ اللَّهُ بِهَا قِلَّةً) أَيْ: حِسِّيَّةً أَوْ حَقِيقِيَّةً، وَفِي رِوَايَةٍ (إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى) فِي الْمَوْضِعَيْنِ
(رَوَاهُ أَحْمَدُ) :
رد: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله الا اعزه الله
2231 - " يا أبا بكر ! ثلاث كلهن حق : ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا
أعز الله بها نصره ، و ما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها
كثرة ، و ما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 5 / 271 :
أخرجه أحمد ( 2 / 436 ) عن ابن عجلان قال : حدثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبي
هريرة : " أن رجلا شتم أبا بكر و النبي صلى الله عليه وسلم جالس ، فجعل النبي
صلى الله عليه وسلم يعجب و يبتسم ، فلما أكثر رد عليه بعض قوله ، فغضب النبي
صلى الله عليه وسلم و قام ، فلحقه أبو بكر فقال : يا رسول الله ! كان يشتمني و
أنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله ، غضبت و قمت ، قال : إنه كان معك ملك يرد
عنك ، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان ، فلم أكن لأقعد مع الشيطان ، ثم
قال : " فذكره .
قلت : و إسناده جيد . و الحديث قال في " مجمع الزوائد " ( 8 / 190 ) : " رواه
أحمد و الطبراني في " الأوسط " بنحوه و رجال أحمد رجال ( الصحيح ) " ! كذا قال
، و ابن عجلان إنما أخرج له البخاري تعليقا و مسلم استشهادا . و للجملة الأخيرة
منه طريق أخرى عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة . أخرجه أحمد ( 2
/ 418 ) . و سنده صحيح على شرط مسلم .