أقوال العلماء في زمن الاثني عشر خليفة من قريش.الشيخ العباد
أقوال العلماء في زمن الاثني عشر خليفة من قريش
أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة)
في كتاب المهدي، ولعله يرى أن المهدي من جملة الاثني عشر؛ لأن هذه الأحاديث للعلماء قولان في تفسيرها والمراد بها: القول الأول: إنهم متفرقون وليسوا في زمن واحد ولا يلزم التوالي، بل هذه الولاية للاثني عشر يكون الدين في زمنهم وفي عهدهم قائماً، وأبو داود أورد هذا الحديث في كتاب المهدي، ويفهم من هذا: أنه يرى أن المهدي هو منهم، وأنهم يكونون في أزمان مختلفة، ولا يلزم تواليهم.
وممن جنح إلى ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره في سورة المائدة عند قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة:12]؛ فإنه عند الكلام على هذه الآية ذكر الحديث الذي فيه الخلفاء، وأن المهدي هو أحدهم، وصنيع أبي داود يشعر بهذا.
القول الثاني: وهو الذي ذكره شارح الطحاوية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: أنهم الأربعة الخلفاء الراشدون وثمانية من بني أمية، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال قائماً ما وليهم اثنا عشر خليفة)، ومعنى ذلك: أن الإسلام يكون عزيزاً في زمانهم، وكان الإسلام عزيزاً في القرن الأول وإلى ما قبل نهاية عهد بني أمية، حيث كان في الإسلام قوة وانتشار.
ومن المعلوم أن الجيوش في عهد بني أمية وصلت إلى المحيط الأطلسي، ووصلت إلى الصين والسند والهند، وحصل افتتاح البلاد واتساع رقعة البلاد الإسلامية، وكان الإسلام قوياً، وأهله في قوة وعزة وتفوق على الأعداء.
وقد بين صلى الله عليه وسلم أنهم كلهم من قريش، وقريش هم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة الأب الحادي عشر للنبي صلى الله عليه وسلم، ونسل فهر بن مالك هم قريش.
قوله: (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم تجتمع عليهم الأمة، فسمعت كلاماً من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟! قال: كلهم من قريش)
جملة: (كلهم من قريش) لم يفهمها، فسأل جابر بن سمرة أباه عن هذه الكلمة التي خفيت عليه، فقال: (كلهم من قريش)، يعني: هؤلاء الاثنا عشر.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، وهذا الحديث يدل على أن هؤلاء يقال لهم خلفاء، ولا تنافي بينه وبين الحديث السابق؛ لأن ذاك يدل على أن الخلافة موصوفة بالرشد، وأما هذه فإنه يقال لها خلافة وفيها قوة وانتشار للإسلام وانتصار للمسلمين وإن لم يكونوا مثلما كان عليه أهل الخلافة الراشدة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
ولكن فيه إطلاق اسم الخليفة على هؤلاء الثمانية من هؤلاء الاثنا عشر وهم بعد الخلفاء الراشدين، وفي هذا دليل على أنه لا تنافي بين الملك والخلافة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث سفينة مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام قال (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).
ومعلوم أنه في هذه المدة التي كان فيها حصول الملك أن هؤلاء الثمانية أطلق عليهم أنهم خلفاء وهم ملوك، وحصل انتشار وقوة للإسلام في زمانهم، ولم يأت عصر من العصور بعد الخلفاء الراشدين مثل عهد بني أمية في قوة الإسلام وانتصار أهله على أعدائهم، وكثرة الفتوحات، واتساع رقعة البلاد الإسلامية.
رد: أقوال العلماء في زمن الاثني عشر خليفة من قريش.الشيخ العباد
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :
قال القاضي : قد توجه هنا سؤالان : أحدهما : أنه قد جاء في الحديث الآخر : "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا " وهذا مخالف لحديث اثني عشر خليفة ،فإنه لم يكن في ثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة ، والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي .
قال : والجواب عن هذا أن المراد في حديث "الخلافة ثلاثون سنة " خلافة النبوة ، وقد جاء مفسرا في بعض الروايات "خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا " ولم يشترط هذا في الاثني عشر .
السؤال الثاني : أنه قد ولي أكثر من هذا العدد ، قال : وهذا اعتراض باطل ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل : لا يلي إلا اثنا عشر خليفة ، وإنما قال : يلي ، وقد ولي هذا العدد ، ولا يضر كونه وجد بعدهم غيرهم ،
هذا إن جعل المراد باللفظ ( كل وال ) ويحتمل أن يكون المراد مستحق الخلافة العادلين ، وقد مضى منهم من علم ، ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة .
رد: أقوال العلماء في زمن الاثني عشر خليفة من قريش.الشيخ العباد
من كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود ومعه حاشية ابن القيم ( ج 11 / ص 283 – 284 ) :
ذكرالشيخ بن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه :
مَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : حَدِيث الخلافة بعد وثلاثون سَنَة وَحَدِيث اِثْنَا عَشَر خَلِيفَة ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ فَكَيْف الْجَمْع ؟
قِيلَ : لَا تَعَارُض بَيْن الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّ الْخِلَافَة الْمُقَدَّرَة بِثَلَاثِينَ سَنَة هي : خلافة النبوة كما في حَدِيث أَبِي بَكْرَة وَوَزْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي بَكْر وَرُجْحَانه وَسَيَأْتِي وَفِيهِ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَة نُبُوَّةُثمَّ يُؤْتِي اللَّه الْمُلْك مَنْ يَشَاء
وَأَمَّا الْخُلَفَاء الِاثْنَا عَشَر فَلَمْ يَقُلْ فِي خِلَافَتهمْ إِنَّمَا خِلَافَة نُبُوَّة
وَلَكِنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ اِسْم الْخُلَفَاء وَهُوَ مُشْتَرَك وَاخْتَصَّ الْأَئِمَّة الرَّاشِدُونَ مِنْهُمْ بِخَصِيصَةٍ فِي الْخِلَافَة وَهِيَ خِلَافَة النُّبُوَّة وَهِيَ الْمُقَدَّرَة بِثَلَاثِينَ سَنَة : خِلَافَة الصِّدِّيق سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَة أَشْهُر وَاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَخِلَافَة عُمَر بْن الْخَطَّاب عَشْر سِنِينَ وَسِتَّة أَشْهُر وَأَرْبَع لَيَالٍ وَخِلَافَة عُثْمَان اِثْنَتَيْ عَشْر سَنَة إِلَّا اِثْنَيْ عَشَر يَوْمًا وَخِلَافَة عَلِيّ خَمْسسِنِينَ وَثَلَاثَة أَشْهُر إِلَّا أَرْبَعَة عَشَر يَوْمًا
وَقُتِلَ عَلِيّ سَنَة أَرْبَعِينَ
فَهَذِهِ خِلَافَة النُّبُوَّة ثَلَاثُونَ سَنَة
وَأَمَّا الْخُلَفَاء اِثْنَا عَشَر فَقَدْ قَالَ جَمَاعَة مِنْهُمْ أَبُو حَاتِم بْن حِبَّانَ وَغَيْره إِنَّ آخِرهمْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فَذَكَرُوا الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة ثُمَّ مُعَاوِيَة ثُمَّ يَزِيد اِبْنه ثُمَّ مُعَاوِيَة بْن يَزِيد ثُمَّ مَرْوَانبْن الْحَكَم ثُمَّ عَبْد الْمَلِك اِبْنه ثُمَّ الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك ثُمَّ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك ثُمَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَكَانَت ْوفاته على رأس المائة وهي القرن المفضل الَّذِي هُوَ خَيْر الْقُرُون وَكَانَ الدِّين فِي هَذَا الْقَرْن فِي غَايَة الْعِزَّة
ثُمَّ وَقَعَ مَا وَقَعَ وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَوْقَع عَلَيْهِمْ اِسْم الْخِلَافَة بِمَعْنَى الْمُلْك فِي غَيْر خِلَافَة النُّبُوَّة قَوْله فِي الْحَدِيث الصَّحِيح مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : ( سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي خُلَفَاء يَعْمَلُونَ بِمَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ وَسَيَكُونُ مِن ْبَعْدهمْ خُلَفَاء يَعْمَلُونَ بِمَا لَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَايُؤْمَرُونَ ... من أنكر بريء وَمَنْ أَمْسَكَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ) .