إخراج المتعصب عن زمرة العلماء
من كلام العلامة ابن القيم في كتاب اعلام الموقعين
ثم خلف من بعدهم خلوف فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا وكل إلى ربهم راجعون جعلوا التعصب للمذاهب ديانتهم التي بها يدينون ورءوس أموالهم التي بها يتجرون وآخرون منهم قنعوا بمحض التقليد وقالوا{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} والفريقان بمعزل عما ينبغي اتباعه من الصواب ولسان الحق يتلوا عليهم {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُم ْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} قال الشافعي قدس الله تعالى روحه: "أجمع المسلمون على أن من استبابت له سنة رسول الله http://majles.alukah.net/imgcache/2013/03/1060.jpg لم يكن له أن يدعه لقول أحد من الناس" قال أبو عمر وغيره من العلماء: "أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودا من أهل العلم وأن العلم معرفة الحق بدليله" وهذا كما قال أبو عمر رحمه الله تعالى: "فإن الناس لا يختلفون أن العلم هو المعرفة الحاصلة عن الدليل وأما بدون الدليل فإنما هو تقليد".
فقد تضمن هذان الإجماعان إخراج المتعصب بالهوى والمقلد الأعمى عن زمرة العلماء وسقوطهما باستكمال من فوقهما الفروض من وراثة الأنبياء فإن العلماء هم ورثة الأنبياء فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر وكيف يكون من ورثة الرسول http://majles.alukah.net/imgcache/2013/03/1060.jpg من يجهد ويكدح في رد ما جاء به إلى قول مقلده ومتبوعه ويضيع ساعات عمره في التعصب والهوى ولا يشعر بتضييعه تالله إنها فتنة عمت فأعمت ورمت القلوب فأصمت ربا عليها الصغير وهرم فيها الكبير واتخذ لأجلها القرآن مهجورا وكان ذلك بقضاء الله وقدره في الكتاب مسطورا ولما عمت بها البلية وعظمت بسبها الرزية بحيث لا يعرف أكثر الناس سواها ولا يعدون العلم إلا إياها فطالب الحق من مظانه لديهم مفتون ومؤثره على ما سواه عندهم مغبون نصبوا لمن خالفهم في طريقتهم الحبائل وبغوا له الغوائل ورموه عن قوس الجهل والبغي والعناد وقالوا لإخوانهم: "إنا نخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد".
فحقيق بمن لنفسه عنده قدر وقيمة ألا يلتفت إلى هؤلاء ولا يرضى لها بما لديهم وإذا رفع له علم السنة النبوية شمر إليه ولم يحبس نفسه عليهم فما هي إلا ساعة حتى يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور وتتساوى أقدام الخلائق في القيام لله وينظر كل عبد ما قدمت يداه ويقع التمييز بين المحقين والمبطلين ويعلم المعرضون عن كتاب ربهم وسنة نبيهم أنهم كانوا كاذبين.