رد: التعصب للآراء والأشخاص
إن الإمام لمن التزم بتقليده كالنبي مع أمته لا تحل مخالفته !
قلت : اي الامام الذهبي قوله لا تحل مخالفته مجرد دعوى واجتهاد بلا معرفة ، بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر حجته في تلك المسألة أقوى ، لا بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له لا كمن تمذهب لإمام فإذا لاح له ما يوافق هواه عمل به من أي مذهب كان ، ومن تتبع رخص المذاهب وزلات المجتهدين : فقد رقَّ دينه ، كما قال الأوزاعي أو غيره : من أخذ بقول المكيين في المتعة والكوفيين في النبيذ ، والمدنيين في الغناء ، والشاميين في عصمة الخلفاء : فقد جمع الشر ! وكذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها ، وفي الطلاق ونكاح التحليل بمن توسع فيه وشبه ذلك : فقد تعرض للانحلال ! فنسأل الله العافية والتوفيق .
ولكن شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفا في الفقه ، فإذا حفظه : بحثه ، وطالع الشروح ، فإن كان ذكيا فقيه النفس ورأى حجج الأئمة : فليراقب الله ، وليحتط لدينه ، فإن خير الدين : الورع ، ومن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينة وعرضه ، والمعصوم من عصمه الله .
فالمقلَّدون : صحابة رسول الله بشرط ثبوت الإسناد إليهم ، ثم أئمة التابعين كعلقمة ومسروق وعبيدة السلماني وسعيد بن المسيب وأبي الشعثاء وسعيد بن جبير وعبيد الله بن عبد الله وعروة والقاسم والشعبي والحسن وابن سيرين وإبراهيم النخعي ، ثم كالزهري وأبي الزناد وأيوب السختياني وربيعة وطبقتهم ، ثم كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي وابن جريج ومعمر وابن أبي عروبة وسفيان الثوري والحمَّادَيْن وشعبة والليث وابن الماجشون وابن ابي ذئب ، ثم كابن المبارك ومسلم الزنجي والقاضي أبي يوسف والهقل بن زياد ووكيع والوليد بن مسلم وطبقتهم ، ثم كالشافعي وأبي عبيد وأحمد وإسحاق وأبي ثور والبويطي وأبي بكر بن أبي شيبه ، ثم كالمزني وأبي بكر الاثرم والبخاري وداود بن علي ومحمد بن نصر المروزي وإبراهيم الحربي وإسماعيل القاضي ، ثم كمحمد بن جرير الطبري وأبي بكر بن خزيمة وأبي عباس بن سريج وأبي بكر بن المنذر وأبي جعفر الطحاوي وأبي بكر الخلال ، ثم من بعد هذا النمط تناقص الاجتهاد ووضعت المختصرات وأخلد الفقهاء إلى التقليد من غير نظر في الأعلم بل بحسب الاتفاق والتشهي والتعظيم والعادة والبلد ، فلو أراد الطالب اليوم أن يتمذهب في المغرب لأبي حنيفة لعسر عليه كما لو أراد أن يتمذهب لابن حنبل ببخاري وسمرقند لصعب عليه فلا يجئ منه حنبلي ولا من المغربي حنفي ولا من الهندي مالكي وبكل حال فالى فقه مالك المنتهى فعامة آرائه مسددة ولو لم يكن له إلا حسم مادة الحيل ومراعاة المقاصد : لكفاه ، ومذهبه قد ملأ المغرب والأندلس وكثيراً من بلاد مصر وبعض الشام واليمن والسودان وبالبصرة وبغداد والكوفة وبعض خراسان .
" السير " ( 8 / 90 – 92 )