كراهة المجادلة المفضية إلى الاختلاف والتفرق
قال شيخ الاسلام في المجموع : ":........قال تعالى {إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} فَبَرَّأَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا. كَمَا نَهَانَا عَنْ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} . وَقَدْ كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُجَادَلَةِ مَا يُفْضِي إلَى الِاخْتِلَافِ وَالتَّفَرُّقِ. فَخَرَجَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَتَجَادَلُونَ فِي الْقَدَرِ فَكَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ وَقَالَ {: أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ؟ أَمْ إلَى هَذَا دُعِيتُمْ؟ أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضِ إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضِ} قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَمَا أَغْبِطُ نَفْسِي كَمَا غَبَطْتهَا أَلَّا أَكُونَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةًكُلُّهُ مْ فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ هِيَ؟ قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي} " وَفِي رِوَايَةٍ " هِيَ الْجَمَاعَةُ " وَفِي رِوَايَةٍ " {يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ} فَوَصَفَ الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ بِأَنَّهُمْ الْمُسْتَمْسِكُ ونَ بِسُنَّتِهِ وَأَنَّهُمْ هُمْ الْجَمَاعَةُ. وَقَدْ كَانَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إذَا تَنَازَعُوا فِي الْأَمْرِ اتَّبَعُوا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} وَكَانُوا يَتَنَاظَرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ مُنَاظَرَةَ مُشَاوَرَةٍ وَمُنَاصَحَةٍ وَرُبَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّة ِ مَعَ بَقَاءِ الْأُلْفَةِ وَالْعِصْمَةِ وَأُخُوَّةِ الدِّينِ. نَعَمْ مَنْ خَالَفَ الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَالسُّنَّةَ الْمُسْتَفِيضَة َ أَوْ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ خِلَافًا لَا يُعْذَرُ فِيهِ فَهَذَا يُعَامَلُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ أَهْلُ الْبِدَعِ. فَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدْ خَالَفَتْ ابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ وَقَالَتْ: " مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْفِرْيَةَ " وَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يُبَدِّعُونَ الْمَانِعِينَ الَّذِينَ وَافَقُوا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَكَذَلِكَ أَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْوَاتُ يَسْمَعُونَ دُعَاءَ الْحَيِّ لَمَّا قِيلَ لَهَا: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ} " فَقَالَتْ: إنَّمَا قَالَ: إنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الْآنَ أَنَّ مَا قُلْت لَهُمْ حَقٌّ. وَمَعَ هَذَا فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ خَفْقَ النِّعَالِ كَمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ الرَّجُلِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ} صَحَّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ. وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تَأَوَّلَتْ وَاَللَّهُ يَرْضَى عَنْهَا. وَكَذَلِكَ مُعَاوِيَةُ نُقِلَ عَنْهُ فِي أَمْرِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا كَانَ بِرُوحِهِ وَالنَّاسُ عَلَى خِلَافِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي " الْأَحْكَامِ " فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَنْضَبِطَ وَلَوْ كَانَ كُلَّمَا اخْتَلَفَ مُسْلِمَانِ فِي شَيْءٍ تَهَاجَرَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عِصْمَةٌ وَلَا أُخُوَّةٌ..."
رد: كراهة المجادلة المفضية إلى الاختلاف والتفرق
قال الاجري في كتابه اخلاق العلماء " اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ , وَوَفَّقَنَا وَإِيَّاكُمْ لِلرَّشَادِ , أَنَّ مِنْ صِفَةِ هَذَا الْعَالِمِ الْعَاقِلِ الَّذِي فَقَّهَهُ اللَّهُ فِي الدِّينِ , وَنَفَعَهُ بِالْعِلْمِ , أَنْ لَا يُجَادِلَ , وَلَا يُمَارِيَ , وَلَا يُغَالِبَ بِالْعِلْمِ إِلَّا مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَغْلِبَهُ بِالْعِلْمِ الشَّافِي , وَذَلِكَ يَحْتَاجُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَى مُنَاظَرَةِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ , لِيَدْفَعَ بِحَقِّهِ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ , وَخَرَجَ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ , فَتَكُونَ غَلَبَتُهُ لِأَهْلِ الزَّيْغِ تَعُودُ بَرَكَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ , عَلَى الِاضْطِرَارِ إِلَى الْمُنَاظَرَةِ , لَا عَلَى الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ مِنْ صِفَةِ الْعَالِمِ الْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَالِسَ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ , وَلَا يُجَادِلَهُمْ , فَأَمَّا فِي الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ فَلَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى عِلْمِ مَسْأَلَةٍ قَدْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا , لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا , لَابُدَّ لَهُ أَنْ يُجَالِسَ الْعُلَمَاءَ وَيُنَاظِرَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْقَوْلَ فِيهَا عَلَى صِحَّتِهِ , وَإِنْ لَمْ يُنَاظِرْ لَمْ تَقْوَ مَعْرِفَتُهُ؟ قِيلَ لَهُ: بِهَذِهِ الْحِجَّةِ يَدْخُلُ الْعَدُوُّ عَلَى النَّفْسِ الْمُتَّبِعَةِ لِلْهَوَى , فَيَقُولُ: إِنْ لَمْ تُنَاظِرْ وَتُجَادِلْ لَمْ تَفْقَهْ , فَيَجَعَلُ هَذَا سَبَبًا لِلْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ , الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ سُوءَ عَاقِبَتِهِ , الَّذِي حَذَّرَنَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَحَذَّرَنَاهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ صَادِقٌ , بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ» وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَالْمِرَاءَ , فَإِنَّهَا سَاعَةُ جَهْلِ الْعَالِمِ , وَبِهَا يَبْتَغِي الشَّيْطَانُ زَلَّتَهُ»وَعَن ِ الْحَسَنِ قَالَ: «مَا رَأَيْنَا فَقِيهًا يُمَارِي» وَعَنِ الْحَسَنِ , أَيْضًا قَالَ: «الْمُؤْمِنُ يُدَارِي , وَلَا يُمَارِي , يَنْشُرُ حِكْمَةَ اللَّهِ , فَإِنْ قُبِلَتْ حَمِدَ اللَّهَ , وَإِنْ رُدَّتْ حَمِدَ اللَّهَ» وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَحْبَبْتَ أَخًا فَلَا تُمَارِهْ , وَلَا تُشَارِهْ , وَلَا تُمَازِحْهُ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: " وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ: أَنَّ الْمِرَاءَ أَكْثَرُهُ يُغَيِّرُ قُلُوبَ الْإِخْوَانِ , وَيُوَرِّثُ التَّفْرِقَةَ بَعْدَ الْأُلْفَةِ , وَالْوَحْشَةَ بَعْدَ الْأُنْسِ , وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ»
رد: كراهة المجادلة المفضية إلى الاختلاف والتفرق
الاخ ابو عبد الاكرم الجزائري أسال الله ان يوفق في الدنيا والاخرة على مواضيعك القيمة
وقد عقد الامام الأجري رحمه الله في كتابه العظيم (الشريعة) باباً قيم في ذم الجدال والخصومات في الدين
وباذن الله انقله للمجلس قريباً