الزواج والأحلام الوردية

الزواج والأحلام الوردية

لم تكد (منال) تكملُ عامَها العشرين حتى بدأت تلك الدعواتُ تطرق مسامعها كثيرا من فم الوالدة الحنون.. فأصبحت تسمعها كثيرًا تدعو في صلاتها وفي أوقات مختلفة: اللهم ارزق ابنتي زوجًا صالحًا، وفرّح قلبي بها..

أخذت (منال) تفكر كثيرًا في كلام أمها، وتحول تفكيرها إلى أحلام وردية جميلة، ولا تغيب عن ذهنها صورتها وهي ترتدي فستانها الأبيض، وفي يدها زهور عطرة وقد تزينت في أجمل زينة لتزف إلى من تحلم به زوجًا صالحًا..

كانت (منال) فتاة طيبة، حسنة الخُلق، ملتزمة بحجابها، لكنها كانت رومانسية وعاطفية إلى حد بعيد..

ولما حان الوقت الذي تحلم به واقترب موعد الزفاف، زادت الأحلام وأخذت تتوالى على ذهن تلك الفتاة الصغيرة، بل تعدى الأمر إلى ما بعد الزواج من حياة رومانسية هانئة لا يعكر صفوَها شيءٌ، حياة الحب والحنان الذي لمحته في شخصية زوجها المرتقب، لذلك فقد رضيت به زوجا..

وفي الليلة المحددة، لم تعرف للنوم طريقا، ولم تذق للراحة طعما، لكنها كانت تعيش في عالم آخر، عالم من الخيال رسمته لنفسها في أبهى حلة وأجمل صورة، فكرت كثيرا في حياتها المقبلة، وكيف ستسعد زوجها بالكلام الطيب، وكيف سيفيض عليها بأخلاقه الكريمة، وكلامه العاطفي الرقيق، وحنانه الذي سيغرقها في مزيد من السعادة..

ولم تمض على ذلك اليوم السعيد سوى أيام معدودة، وإذا بها قد تغير حالها وتبدل قلبها وذلك لما وازنت بين ما يحدث في الواقع وما كان يحدث في تخيلاتها وأحلامها..

فالزوج الحنون ذو الكلام المعسول، ينتظر منها الكثير!!!

مضى الشهر الأول من حياتها الزوجية لا يعكر صفوَه إلا تلك العاطفة الزائدة وتلك الأوهام الزائفة التي كانت تحلم بها كأي فتاة لا تعي عن الزواج إلا أنه حياة سعيدة مليئة بالعطف والحب، كانت كثيرًا ما تبكي لأتفه الأسباب، وتلجأ إلى وسادتها فتدفن فيها وجهها وتغرقها بدموعها؛ لأن زوجها الحبيب لم يتذكر أن يسأل عن حالها وهو يعلم أنها كانت مصابة بالصداع في بداية اليوم!! بل إنه عند عودته من العمل كان ينتظر منها أن تعد الطعام كعادتها وتنظف البيت وغيرها من المهام المنوطة بها!!

تعجبت (منال) من قسوة زوجها في كثير من المواقف، وتألم قلبها كثيرا وفكرت في حلول حتى بدا لها أنه ليس هناك من حل إلا الطلاق!! فما فائدة الحياة مع إنسان طيب ذي خلق ولكنه لا يملك قلبا حنونا!! لا يملك عاطفة ترويني، إنه ليس رومانسيا كما كنت أتمنى!!

مضت الأيام تباعا على تلك الزوجة الحالمة حتى مر عام كامل.. تفكرت فيه في حالها وفي مشكلاتها التي مضت في هذا العام وفي والدتها كيف كانت حنونا وتحمل قلبا طيبا...

لكن فكرت مع نفسها: لقد غاب عن أمي أن تعلمني أن الزواج ليس مجرد أحلام وردية وأيام رومانسية، وكيف سيحيا الأزواج في رومانسية بحتة وظروفُ الحياة تفرض عليهم ضغوطا لم تكن تخطر لنا على بال؟!

فكرت في نشأتها كيف كانت غير صحيحة، كيف تربت على تلك الأفلام والمسلسلات التي تأخذ الناس من عالم الواقع لتغرقهم في أوهام لا حقيقة لها، فتغدو الفتاة لا تعلم عن الزواج ومسؤولياته شيئا، وكيف كانت الأم فيما مضى تربي بناتها على تحمل المسؤولية وعلى أن الزواج هو مسؤولية جديدة يجب أن تتوخى الفتاة حذرها وأن تكون هي المعطاء بدلا من انتظار العطاء من الطرف الآخر.

جلست (منال) بجانب ابنتها التي لم تكمل شهرين وأحضرت ورقة وقلم وبدأت تكتب:
ابنتي..
لا أدري أين سأكون حين تقرئين كلماتي! ولكن تحتم علي أن أنبهكِ على أمر هام، قد تغفُلين عنه وإن كنتِ تعلمتِ كيف تكونين زوجة ناجحة وماهرة ومجيدة لأعمال المنزل، لكنها يا حبيبتي غلطة الكثير من الفتيات، تظن أن الزواج ما هو إلا حب وهيام وحياة مليئة بالعواطف الجياشة والكلمات الرقيقة التي ستسمعها ليلاً نهاراً!!

ابنتي..
-لا تتعجبي إن أنتِ أعددت لليلة رومانسية بذلتِ فيها كل ما استطعتِ من جهد وفعلتِ ما لم يكن لزوجكِ على بال، قد جلستِ تتخيلين حالته والذهول الذي سيصيبه بمجرد دخوله المنزل، وإذا به يدخل كأن شيئا لم يكن وإن حاولتِ لفت انتباهه قال لكِ بكل فتور وهدوء: ليس لدي وقت لهذا، أو: بالي مشغول الآن..

-لا تتعجبي إن كان زوجك يعلم أنكِ تشكين ألما ثم نسي أن يسألكِ عن حالكِ.

-لا تتعجبي إن لم يبدِ اهتماما بجمال مظهركِ أو حسن ترتيب المنزل.

-لا تتعجبي إن لم تسمعي منه ما كنتِ تحلمين به من كلام الحب والغزل.

-لا تنتظري أن تبحر السفينة على اليبس فانتظاركِ للعاطفة من قبل الزوج مع عدم المبادرة منكِ شيء مستحيل عند كثير من الرجال.

- تذكري: بنيتي أن بيئته غير بيئتكِ؛ فقد يكون نشأ في بيئة قاسية نوعا ما أو في جو انشغال الأب والأم فلم ير في حياته أو يسمع كلاما بين والديه أو من والديه للأبناء عن الحب والعطف والحنان وغير ذلك.

- تذكري: أن الرجل يدخل إلى عش الزوجية وهو متوجس خيفة من أن لا يستطيع تحمل المسؤولية، فمسؤولية الرجل أكبر من المرأة بفرق واضح بين؛ إذ إن الإنفاق على الأسرة وسد حاجاتها أمر قد يخيف ويثير القلق في نفوس الكثير من الشباب فهي مسؤولية لم يعتدها ولم ينشأ عليها، ويكون لديه لوقت ما شعورٌ بالقلق من أن يظهر بمظهر غير رجولي أمام زوجته أو أمام الناس، فعقل مشغول بكل هذا هل يكون لديه وقت للتفكير في ما تفكرين به؟!!

- تذكري: أن طبيعة الرجل تختلف كثيرًا عن طبيعة المرأة وهذه فطرة في كل منهما، فلا تنتظري تغيير تلك الطبيعة والفطرة التي فطر عليها، إذ إن الله أعد الرجال لما هو أعظم وأهم.

- تذكري: أن العمل مليء بالمشاكل التي تثقل كاهله وتثير أعصابه ربما كل ساعة في العمل فتكون أعصابه في أغلب الأوقات متوترة مشدودة.

- تذكري: أن الرجال يختلفون في طريقة التعبير عن مشاعرهم فهذا قد يجيد فن الكلام وآخر قد يعبر بأفعاله وغيره قد تبوح عيناه بما لم يقدر أن ينطق فمه، فتقبلي زوجكِ على أي حال كان، واحمدي الله ولا تنتظري المزيد.

- تذكري: أنه هو أيضا بحاجة للحب والعطف والحنان؛ فقد قال الله تعالى مبينا أن الزوجة الحنون من نعم الله على العبد: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ يْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكروُن} [الروم: 21].

فبادريه بالحب والكلام الطيب حتى تعتاده أذنه إن لم يكن قد تعوده، ولا تنتظري الرد، بل اغمريه بالكلام اللطيف والمشاعر الطيبة.

- تذكري: أن الحياة لا تستقيم إن كانت قائمة على العواطف فقط، فهذا لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع، فكوني واقعية ولا تغرقي قبل زواجكِ في عالم من الأحلام الوردية والأفكار الرومانسية.

جميلة جدا
ولكن "هن" سيغضبن ^_^
و"هم" لن يفهموا الرسالة الخفية - غالبا- ^_^

سُبحانَ الله!
كُنتُ أرَى بعضَ الأخوات يتمنّينَ الزّوجَ الصّالِح، ويرَينَ فيهِ الحلّ لكُلّ مُشكلَةٍ تمرّ بِهِنّ،
فإن افتقدَت العاطِفَةَ والحنانَ بينَ أهلِها تمنّت الزّوجَ!
وإن كانَت تُعانِي شعُورًا بالغُربَةِ لالتزامِها تمنّت الزّوجَ الصّالِح!
و و و...
واللهِ لا ألومُهُنّ ، وإنّما رأيتُها أحلامًا بعِيدَةً عنِ الواقِعِ حقًّا، وشعرتُ أنّ الصّدمَةَ ستَكُونُ ذاتَ تأثيرٍ شدِيدٍ في النّهايَةِ واللهُ المُستعان!
.
.
حينَ وقَعَ بصَرِي على العُنوانِ أدرَكتُ روعَةَ فحوَاه...
نِعمَتِ النّصيحةُ مِن أُمٍّ فاضِلة... مِن قلبِ قلبِ قلبِي: ) أدعُو اللهَ أن يتقبّلَ مِنكِ، ويُجزِلَ لكَ العَطاء...
سأبعَثُ برابِطِهِ لمَن لن تُمانِعَ بنقلِهِ -بعدَ إذنِك- وكَسبِ الأجرِ بإذنِ الله...

قالَت:
لبَيتٌ تخفِقُ الأرياحُ فيهِ *** أحبُّ إليّ مِن قَصرٍ مُنيفِ
ولُبْسُ عباءَةٍ وتقَرَّ عينِي *** أحبُّ إليّ مِن لُبْسِ الشُّفوفِ
وأكلُ كسِيرةٍ في كِسرِ بيتِي *** أحبُّ إليّ مِن أكلِ الرَّغيفِ
وأصواتُ الرّياحِ بكُلّ فجٍّ *** أحبُّ إليّ مِن نقرِ الدُّفوفِ
وكَلبٌ ينبَحُ الطُّرّاقَ دونِي*** أحبُّ إليّ مِن قطٍّ ألُوفِ

قُلت<<و الشّعرُ وأهلُهُ والنَّثرُ وأهلُُه منِّي بُرَءاء + ما قصَدتُ إلّا الدُّعابة...

لحِضْنُكِ أُمّي وَتَقِرّ نفْسِي *** أحبُّ إليّ مِن زوجٍ جَهُولِ(من الجهلِ: ولا خيرَ في جهل إذا لم يكن له *** حليم إذا ما أوردَ الأمرَ أصدرا)

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الأمة الفقيرة إلى الله

وأكلُ كُسَيرةٍ في كِسرِ بيتِي *** أحبُّ إليّ مِن أكلِ الرَّغيفِ

---

أعتذرُ عن كثرةِ اللّغو: $

بارك الله فيك ،، فعلا هذا واقعنا وهذا ( هم ) و ( هن )

موضوع جميل لكن مخيف ^_^
بارك الله فيك استاذتنا مروة

بإذن الله بإذن الله
عندما أعود قريبا سأجد متعة في المشاغبة في هذا الموضوع ^_^

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة بنت محمد

جميلة جدا
ولكن "هن" سيغضبن ^_^
و"هم" لن يفهموا الرسالة الخفية - غالبا- ^_^

---

" هم " لن ولم ولا يفهموا الرسائل الخفية - ابتسامه -
" هن " عليكن الاهتمام بأنفسكن أكثر !

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة بنت محمد

جميلة جدا
ولكن "هن" سيغضبن ^_^
و"هم" لن يفهموا الرسالة الخفية - غالبا- ^_^

---

قد يكون أستاذتي الكريمة, لكن بعضهم فهمها, بيد أن التطبيق يبقى بحاجة لجهد.

اقتباس:

---

وإنّما رأيتُها أحلامًا بعِيدَةً عنِ الواقِعِ حقًّا، وشعرتُ أنّ الصّدمَةَ ستَكُونُ ذاتَ تأثيرٍ شدِيدٍ في النّهايَةِ واللهُ المُستعان!

---

أحسن الله إليكِ, كلما بعُدتْ عن الواقع كانتِ الصدمة أعنف, ولا مانع من الأمل وبعض الأحلام الممكنة, إلا أنَّ الحياة بشكل عام, سواء قبل الزواج أو بعده, ليستْ مفروشة بالورود ولا محفوفة بالسعادة؛ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد/4], وتعليق السعادة أو الراحة التامة على حدث أو تاريخ ليس من الحكمة في شيء, وقد سُئل أحد العلماء: متى الراحة؟ فأجاب: مع أول قدم تضعها في الجنَّة!
هذا مقصودي بنيتي, ولا مانع بنقل ما تشائين دون إذن أو عزو.

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم

" هن " عليكن الاهتمام بأنفسكن أكثر !

---

أعجبني فهمكِ, متَّعكِ الله بالصحة والعافية.

اقتباس:

---

موضوع جميل لكن

مخيف

^_^

---

أعاذكِ الله من كل شر
لمْ أقصد ذلك, وإن كان ثمة ما يدعو للخوف فلا مانع من مناقشته.

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة بنت محمد

بإذن الله بإذن الله
عندما أعود قريبا سأجد متعة في المشاغبة في هذا الموضوع ^_^

---

إلا مع العطف أو التكرار *** كالضَّيغم الضَّيغم يا ذا الساري

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مروة عاشور

إلا مع العطف أو التكرار *** كالضَّيغم الضَّيغم يا ذا الساري

---

أعيذها نظرات منك ثاقبة ****أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

^_^ سأعود بإذن الله

: )
بارك الله فيك مررة الغالية
نعم قد يكون للأم نصيب من الخطأ إذا لم تبين لإبنتها ما قد تجده من صعوبات في بداية حياتها الزوجية
ولكن اعتقد أيضا أن الام مهما حاولت أن تقرب الصورة لإبنتها فلن تستطيع ^ــــــــ^
وستظل الفتاة في عالمها الخيالي حتى تفاجأ بالواقع
وهنا تختلف الفتيات ..فمنهن من تصاب بالإحباط وتنسحب سريعا
ومنهن من تحاول أن تقرب بين خيالها وواقعها ..وتبدأ في فهم الحياة الزوجية وسبر أغوار ذلك الكائن الغريب المسمى بــ" الرجل "
الأمر في النهاية يحتاج لصبر وحكمة ...وواقعية
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا : )

هذه مشكلة البنات .. يعتقدن أن الزواج عاطفة فقط وليس مسؤولية وأعباء وتسامح وتنازل.

أحسن الله اليكِ مروة .. وجزاكِ كل خير
مع أنه سبق لي قراءتها هناك الا أني استمتعت بقراءتها مجددا وكأني أقرأها لأول مرة : )

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة بنت محمد

أعيذها نظرات منك ثاقبة ****أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

^_^ سأعود بإذن الله

---

المهم أن تعودي بالشحم : )

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سجدة قلب

: )
بارك الله فيك مررة الغالية
نعم قد يكون للأم نصيب من الخطأ إذا لم تبين لإبنتها ما قد تجده من صعوبات في بداية حياتها الزوجية
ولكن اعتقد أيضا أن الام مهما حاولت أن تقرب الصورة لإبنتها فلن تستطيع ^ــــــــ^
وستظل الفتاة في عالمها الخيالي حتى تفاجأ بالواقع
وهنا تختلف الفتيات ..فمنهن من تصاب بالإحباط وتنسحب سريعا
ومنهن من تحاول أن تقرب بين خيالها وواقعها ..وتبدأ في فهم الحياة الزوجية وسبر أغوار ذلك الكائن الغريب المسمى بــ" الرجل "
الأمر في النهاية يحتاج لصبر وحكمة ...وواقعية
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا : )

---

أضاء المجلس بطلَّتكِ البَهية.

اقتباس:

---

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لجين الندى

هذه مشكلة البنات .. يعتقدن أن الزواج عاطفة فقط وليس مسؤولية وأعباء وتسامح وتنازل.

أحسن الله اليكِ مروة .. وجزاكِ كل خير
مع أنه سبق لي قراءتها هناك الا أني استمتعت بقراءتها مجددا وكأني أقرأها لأول مرة : )

---

متَّعكِ الله بالصحة والعافية وشكر لكِ طيب مروركِ في كل مكان : )