إلى كل جبان، مع عدم التحية
بسم الله الرحمن الرحيم
في كل عصر جبناء، ينظرون إلى الجهاد نظرة مادية بحتة، فلا نصر عندهم إلا بالعَدد والعُدد، ويجهلون أو يتجاهلون أن النصر من عند الله وحده، وأن الله على كل شيء قدير.
وهذا المعنى كثير جدا في القرآن: فهزموهم بإذن الله، وما النصر إلا من عند الله، لقد نصركم الله ببدر، فالنصر من عند الله وبالله وليس بأحد سواه، ومن ظن أنه ينتصر بقوته فحسب فقد جعل نفسه شريكا مع الله.
وقد قص الله لنا خبر سلف هؤلاء الجبناء، فقال قوم موسى له: إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، وقال بعض المؤمنين من بني إسرائيل لنبي لهم: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده.
بل إن النصر كثيرا ما يكون في جانب القلة، كما وقع ليوشع بن نون، ورسول الله في معركة بدر، بل إن غالب فتوحات المسلمين كانت تقع والمسلمون قلة وأهل الكفر كثرة.
بل كثيرا ما تكون الكثرة سببا للهزيمة لما يقع في قلب صاحبها من الكبر والغرور المقعد عن العمل، كما وقع للمسلمين في حنين، وكما وقع لرودريقو قائد القوط في معركة وادي لكة، والأمثلة كثيرة.
ولم يوجب الله على المؤمنين أن يكونوا كثرة، إنما أوجب عليهم:الصبر،الت وى، الإعداد قدر المستطاع، الاستعانة بالله والتوكل عليه "وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا"وأعدوا"ادخل وا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين"استعينوا بالله واصبروا"
وكما أن للجبناء سلف، فللمؤمنين سلف، يتوكلون على الله ويجاهدون في سبيل الله، "قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين فهزموهم بإذن الله"
وعندما رفض بنو إسرائيل دخول الأرض المقدسة خوفا وجبنا "قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين"
وعندما استشار النبي الصحابة في معركة بدر قال سعد بن معاذ: فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك" وكان المشركون يومها ضعفي المسلمين، بل أكثر.
وفي مؤتة كان المسلمون ثلاثة آلاف والروم مئة ألف فتردد الناس فقال عبدالله بن رواحة:والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة. فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة.
بل إن المؤمن الصادق الصابر ليغلب عشرة من المشركين، فإن الله أوجب هذا أول الأمر، والله لا يوجب على عباده ما لا يطيقون، ثم نسخه الله تخفيفا ورحمة.
ومتى ما وقعت الهزيمة للمسلمين فإنما هي لتخلف أحد الشروط السابقة "أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم" والعناية بتحقيقها مهم جدا، وأكثر ما تقع الهزيمة للمسلمين من ظنهم أنهم حققوا الشروط وهم لم يحققوها.
وفي المقابل فإن الكافرين عندهم من أسباب الضعف ما يكفي لسحقهم، فهم لا ينتصرون علينا بقوتهم، بل بضعفنا، فقد ثبت شرعا أن الذنوب من أعظم أسباب ضعف الأبدان، واختلال الأفهام والأذهان، وأن الطاعة بعكس ذلك.
فالفرس والروم والبربر والزنج كلهم أعظم أجساما من العرب، ومع هذا كانوا في مواجهة الصحابة كالقش في مواجهة الطوفان الكاسح، وقال هود لقومه "ويا قومِ استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم"
والكفار يعبدون الدنيا، خاصة اليهود "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة" أما المؤمنون فيرجون ما عند الله، فشتان بين من يقاتل ليعيش، ومن يقاتل ليموت.
والرعب جندي من جنود الله سلطه الله على أعدائه "سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله" سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان"
وقال النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: "نصرت بالرعب مسيرة شهر" وهذه الفضيلة للنبي ولكل من سار هديه واقتفى أثره، أما أهل البدع والضلال فلا حظ لهم في هذا.
وبعد كل هذا فإن المؤمنين يؤمنون بأن الثبات على الإيمان بمجرده نصر، فبعد أن ذكر الله ثبات أصحاب الأخدود مع ما لاقوه من شدة العذاب قال: "ذلك الفوز الكبير".
وقد حُرم من الإيمان بما سبق من القرآن والحكمة كل تنويري متحذلق، وكل ليبرالي متزندق، فالقرآن "هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب" وهؤلاء لا يؤمنون إلا بالأسباب المادية، فتعسا لهم.