ذبح الأضحية في بلد المضحي
ذبح الأضحية في بلد المضحي/ فضيلة الشيخ محمد العثيمين رحمه الله تعالى –سلسلة لقاءات الباب المفتوح
الخميس / الرابع منشهر ذي الحجة عام 1415 ﻫ
ومما ينبغي التنبه لهوالتنبيه عليه ما شاع وذاع من هيئة الإغاثة بطلب الفلوس من الناس يضحى بها فيأماكن أخرى ، فإن هذا خلاف السنة ، السنة : أن الإنسان يضحي في بيته عنه وعن أهلبيته يأكلون ويتمتعون ويشكرون الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة ، ونقل الأضحيةإلى أماكن أخرى يفوت به مصالح كثيرة منها : ظهور الشعيرة ، فإنك إذا ضحيت في مكانآخر خفيت الشعيرة في البلد ، وربما مع طول الزمن لا يكون في البلد أضاحي إطلاقاًتصرف إلى الخارج ، لا سيما إذا قيل للناس : إنها في الخارج أرخص من هنا ، وإنك إذا ضحيتهنا بأضحية واحدة تستطيع أن تضحي بثلاث ضحايا في البلاد الأخرى ، ولا شك أن خفاءالشعائر ضرر. ومن المصالح التي تفوت ، أن الإنسان إذا ضحى في بلاد أخرى فإنه يفوتهذكر اسم الله عليها ، وذكر اسم الله عليها من أفضل الأعمال كما قال تعالى (فَاذْكُرُوااسْ َ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ) [الحج/36]. ومنها : أنه يفوته أن يأكل منها ،والأكل منها مؤكد فقد قدمه الله تعالى على الصدقة (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُواالْ بَائِسَ الْفَقِيرَ)[الحج:28] ، ولهذا لما أهدوا النبي صلى الله عليه وسلم مائةبدنة أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة فجعلت في قدرٍ فطبخت فأكل من لحمها وشرب منمرقها ؛ تحقيقاً لأمر الله تعالى في قوله(فَكُلُوا مِنْهَا) [الحج:28]. ومنالمصالح التي تفوت في التضحية خارج البلد: أن الإنسان لا يطمئن كيف وزعت ، وهلوزعت على وجه مشروع أم على وجه غير مشروع ؟ وإذا كانت عنده اطمأن ، ووزعها بنفسهأو يوزعها وكيله الذي يشاهده. ومنها : أنها إذا ضحيت في بلاد أخرى فإنه لا يدريمتى تضحى ، قد تضحى قبل الوقت جهلاً من المضحي ، وقد تضحى بعده ، ثم هو مرتبط بها ؛لأنه لا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي ، ولا يدري متىتذبح هذه الأضحية فيبقى معلقاً كل أيام العيد لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا منبشره شيئاً ؛ لأنه لا يدري هل ذبحت الأضحية أم لا ، ولا سيما إن كانت في بلادشرقية فإنهم يتأخرون عنها في الغالب يوماً وربما يتأخرون يومين ، فيبقى معلقاً منالعيد إلى أيام التشريق الثلاثة .. إلى اليوم الرابع الزائد أو الخامس. ومنالمصالح التي تفوت : التعيين وهو أمر مهم ، فإن الأضاحي هناك إذا جمعوا - مثلاً-ألف رأس ثم أرادوا أن يذبحوها لا يقولون : هذه عن فلان ؛ لأن هذا يصعب عليهم ، فلايعينوها ، وإذا لم تعين فقد يقال : إنها لا تجزئ ؛ لأنه إذا ذبح واحدة من ألف وسئل: لمن هذه ؟ قال : هذه لواحد من هؤلاء الألف ، فمن الواحد إذ أنه ليس عندهم قوائمكتبت بها الأسماء وصاروا يعطون للغنم ويذبحونها على حسب هذه القائمة ، وهذا أمرخطير؛ لأنه قد يقال بعدم الإجزاء في هذه الصورة إذا لم يعين من هي له. ليستالأضاحي كطعام يجمع ويوزع وكل ينال أجر صدقته ، ولا دراهم كذلك تجمع وتوزع وكل لهأجر صدقته ، هذه قربات يتقرب الإنسان بها إلى الله في ذبح المعينة التي له ، وهذاقطعاً لا يتسنى فيما إذا ضحى في بلد آخر. ومن المحاذير التي تحصل : أنه إذا جمعمثلاً في هذا المكان آلاف الضحايا فهل بإمكانهم أن يذبحوها في وقت الأضحية ، قد لايستطيعون كما جرى هذا في المسالخ التي في منى ، فإنهم في سنة من السنين عجزوا أنيقوموا بذبح الهدايا كلها قبل فوات أيام التشريق ، وحينئذٍ لا تذبح الأضحية إلابعد فوات الوقت ، والحاصل : أن كل شيء يخل الإنسان فيه بالمشروع فإنه يترتب عليهمحاذير. إذاً.. المشروع أن تذبح الأضحية في البلد ، والأفضل أن يذبحهاالإنسان في بيته ويشاهدها أهله وأولاده ، ويصطبغ في قلوبهم محبة هذه الشعيرة ،وليعلم أنه ليس المقصود من الأضحية الفائدة المادية – يعني : الأكل أو الدراهم -لقول الله تعالى( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْيَنَالُ هُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [الحج:37] والدليل على ذلك : أن هذه الأضحية جعلالله لها حرمات قبلها ، واعتنى الشرع بها ، فإذا دخلت العشر من ذي الحجة والإنسانيريد أن يضحي حرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو بشرته أو جلده ، ونسأل : لو أرادأن يتصدق يوم العيد بألف ريال فهل يحرم عليه إذا دخل العشر أن يأخذ من شعره وبشرتهوأظفاره شيئاً ؟ لا ، إذاً.. عرفنا أن الأضحية عبادة مستقلة لها كيانها ولهاأهميتها ، وليس المقصود لحماً يأكله الفقير أو ما أشبه ذلك. فنسأل الله تعالىأن يرزقنا وإياكم البصيرة في دينه ، وأن يعيننا على العمل به إنه على كل شيء قدير.وإنني بهذه المناسبة أود من إخوانيالمسلمين أن لا ينسابوا أمام العواطف ، بل يجب عليهم أن يتحروا ما كان موافقاًللشرع.