الجنة والنار باقية بإبقاء الله تعالى
الجنة والنار
باقية بإبقاء الله تعالى
قال تعالى : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُوَالظّ َاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ٌ) (الحديد:3) وفي صحيحمسلم ، قول النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم : ( وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَشيء ) .وينبغي أن نعلم أن الآخرية والبقاء وصف اللهعز وجل ، فهو الآخر الذي ليس بعده شيء ، وبقاء أهل الجنة والنار خالدين فيها أبدالا يتعارض مع إفراد الله عز وجل بالبقاء ، وأنه الآخر الذي ليس بعده شيء ، فالسلفالصالح فرقوا بين ما يبقى ببقاء الله وما يبقي بإبقاء الله ، فرقوا بين بقاء الذاتالإلهية بصفاتها ، وبقاء المخلوقات التي أوجدتها تلك الصفات ، فالجنة مثلا باقيةبإبقائه ، وصفاته باقية ببقائه ، وشتان بين ما يبقي ببقائه ، وما يبقي بإبقائه ،فالجنة مخلوقة خلقها الله عز وجل وكائنة بأمره ورهن مشيئة وحكمه ، فمشيئة اللهحاكمة علي ما يبقى وما لا يبقى ، والله قد شاء أن يبقيها ، فوجود المخلوقات فيالأبد والمستقبل متوال غير منقطع أبد الآبدين ، لكنه مرهون بمشيئة رب العالمين ،فكلما انقضى لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيما آخر لا نقاد له ، ( وَأَمْدَدْنَاهُ مْبِفَاكِهَةٍ وَلحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ) (الطور :22) ( لهُمْ مَا يَشَاءُونَفِيهَ ا وَلدَيْنَا مَزِيدٌ ) (قّ:35) ، فتحقيق المراد لأهل الجنة علقه اللهبمشيئتهم إكراما لهم وإظهار لمحبتهم ، بعكس الوضع في الدنيا فتحقيق المراد لأهلالدنيا علقه الله بمشيئته لا بمشيئتهم ، ابتلاء لهم وإظهار لإيمانهم ، ولذلك يقول: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ العَاجِلةَ عَجَّلنَا لهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لمَنْنُرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوما مَدْحُورا) (الإسراء:18) .ومن ثم فإن السلف يعتبرون خلد الجنة وأهلهاإلى ما لا نهاية ، إنما هو بإبقاء الله وإرادته ، فالبقاء عندهم ليس من طبيعةالمخلوقات ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا كمخلوقات خلقها اللهالفناء ، فالخلود ليس لذات المخلوق أو طبيعته ، وإنما هو بمدد دائم من الله تعالى، وإبقاء مستمر لا ينقطع ، أما صفات الله عز وجل ومنها وجهه ويده وعينه وعلوه ،ورحمته وعزته وقوته وملكه ، فهي صفات باقية ببقائه ملازمة لذاته ، باقية ببقاءذاته سبحانه وتعالى ، حيث البقاء صفة ذاتية له ، كما أن الأزلية صفة ذاتية للهتعالى ، فلا بد أن نفرق بين صفات الله وأبديتها ، وبين مخلوقات الله الأبديةوطبيعتها ، والقرآن الكريم فرق بين نوعين من البقاء ، الأول : في قوله تعالى :(كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال وَالإِكْرَامِ )فدلت على صفة من صفات الذات وهى صفة الوجه ودلت على بقاء الصفة ببقاء الذات ،فأثبتت بقاء الذات بصفاتها ، وأثبت فناء ما دونها أو إمكانية فنائه ، إذ أن اللههو الأول والآخر وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء ، وكما جاء في الحديث : (اللهُمَّأَنْتَ الأَوَّلُ فَليْسَ قَبْلكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَشَيْءٌ) ، أما النوع الثاني من البقاء ففي قوله تعالى : ( وَمَا عِنْدَ اللهِخَيْرٌ وَأَبْقَى للذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الشورى :36)( وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) (الأعلى :17) فبقاء المخلوقات في الآخرة لالذاته ولكن بعطاء من الله ، لإكرام أهل طاعته وإنفاذ عدله في أهل معصيته ، ولذلكيقول سبحانه : ( إِنَّ للمُتَّقِينَ مَفَازا حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً وَكَوَاعِبَأَتْ رَاباً وَكَأْساً دِهَاقاً لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لغْواً وَلا كِذَّاباًجَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَاباً ) (النبأ :31).