بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
سدنة النفوس
أما بعد:
إن النفس محل البليات، وموطن الآفات، خداعة غرارة، تلبس من الضأن جلودا، وهي تضمر "حرص الغراب، وشره الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضب، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفة الفراش، ونوم الضبع."(الفوائد:ص/144).
فاجتمعت هذه الأوصاف، أو بعضها في أفراد مع قلة علم بالله، و بشرعه، وبمآل العبد وعقباه، مع رعونة نفس جموح، وصحبة عن الحق جنوح، فتمالؤا على كل أخ نصوح، رميا بالسهام، وضربا بالسيوف، وطعنا بالخناجر، وقذفا ملأ الأفواه والحناجر، سدانة للمعبودات، تلك النفوس الأمارات: عبودية الدرهم، والدينار، فلهم الخزي والعار، إن لم يتوبوا إلى الرحيم الغفار.
حتى ظهر في ساحة الدعوة من هؤلاء نبت شاذ أفسد أيما إفساد، مزق الصفوف، وغير النفوس، فانصرفت الدعوة عن جادتها، وتنكب بعض الدعاة عن محجتها، أوغلوا في التشتيت، و ولغوا مراتع التشديد، فاخذوا من أوصاف سدانة الأضرحة نصيب، سدانة للنفوس المريضة، وتقديسا للذات العليلة .
فإن سدنة الأضرحة، والمشاهد، أو القبور والمراقد، فئة ممسوسة، وعن الخلقة السوية ممسوخة، قد جمعوا بين الضلالة والغواية، همهم حب الذات، بعبوديتهم للأموات، فالقبور مصدر رزقهم، وسبب عيشهم، فلذلك عقدوا لها ألوية الانتصار، وبنوا حولها هالات الافتخار، بخرافات الكرامات، وأساطير الخزعبلات، ليصطادوا الطغام، من الصبية والنساء والعوام.
ثم استعملوا معهم عصا الإرهاب، ليكون كل جاهل لهم أواب، بزعم الحكايات المخيفة الوهمية، لمن تخلف عن إعطاء العبودية، لتلك المشاهد الدنية.
فكأنما للكذب خلقوا، وعلى المكر والخديعة جبلوا، فهي وشائج شملهم، وخواص طبعهم، أضف إلى ذلك ما ألفوه من الفواحش، وما أدمنوا عليه من القبائح، من هتك المحرمات، والولوغ في الموبقات ... إلى قائمة بالفحش تطول، نسأل الله أن تكون نهايتهم إلى بور.
أما سدنة النفوس : فهم ممسوخة طباعهم، و مسلوخة أخلاقهم، اشتملت قلوبهم على أوصاف من أهل الغضب، والضلالة، لما فيها من الجهل والغواية.
أوغلوا في حب الذات، فتقحموا لأجلها الشبهات، ورتعوا في الملاذ والشهوات، فبنوا لنفوسهم هالات التقديس، بكل فعل خسيس، مع تضليل وتدليس، كأنما أخذوه من إبليس .
فصاحوا في جهلة من الناس، أن لا نقد، ولا مساس، لقداسة الأشخاص، تيها وغرورا أنهم الحراس، لا للمنهج والعقيدة، وإنما لخبث النفس والسريرة، خشية أن تفتضح السيرة.
فاستعملوا النفخ والتهويل، لنفوسهم بضرب الطبل مع العويل، مما جعل الجهلة عند عتبات نفوسهم عاكفين، وحول هالاتهم طائفين، فبأعينهم يبصرون، وبآذانهم يسمعون.
فلما اسلموا لهم القياد، جعلوهم عربة بأيديهم تقاد، أو دمية لأصابعهم تنقاد، وعندها أحكموا فن القيادة، فجعلوهم عبيدا، وهم السادة، وبهذا تنجح مهمة السدنة الأغبياء بتعبيد الجهلة، والسفهاء لرق تلك النفوس البهيمية، ذات القلوب العمية.
ولتقف على الحقيقة بصورة جلية، وعن العي خلية؛ سأبين لك من أوصافهم على التفصيل، ما تقر به عينك من التبيين، لتأمن من تضليلهم، وتنجوا من تغريرهم ،فإن لهم أوصافا بها عرفوا، وبسببها فضحوا، نسأل الله السلامة، والنجاة يوم الندامة.
يتبع ...........