في مسألة طلب العلم..وأين طلبته الآن؟
بقلم: الدكتور أحمد النقيب
منذ سنين عددًا، والشيوخ متوافرون على تدريس العلم بفروعه، وجزاهم الله خيرًا، ما أعلم (مع شدة انشغالهم) أنهم فرَّطوا أو قصَّروا، أو تركوا ديارهم لاهثين وراء المال عند الخلف، بل كثير منهم صابر واحتسب، وإذا كان من عادة عقلاء البشر أنهم يقيِّمون أوضاعهم كل فترة، فيمكن أن نقول إن تقييم الأوضاع (لا سيما العلمية) لا يبشر بخير، فمع هذا الجهد، ثم مع هذه السعة الدعوية، وأخيرًا مع هذا الاتساع الكمي في عدد من يزعم طلب العلم الشرعي، إلا أننا نجد جفافًا نوعيًّا في طلبة العلم، فلا تكاد تجد (مع شدة البحث والتنقير) طالبَ علم اجتمع له مع حسن طلبه حسن قصده وأدبه!.
لقد تكلمت منذ فترة على عدة مقالات عن بعض إشكاليات طلب العلم، لكن كنت أجدني عييًّا عن الخوض في بعض المسائل، إلى أن وفقني الله قبيل فجر اليوم (ولم أكن في صلاة) على نقل حَدٍّ مهم للحافظ المِزِّي رحمه الله في رائعته "تهذيب الكمال" (14/36) وأيضًا أثبته الإمام الذهبي في كتابه القيم "تذكرة الحفاظ" (1/82) ما نصه:
قال عيسى بن أبي عيسى الخياط عن الشعبي: "إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان: العقل والنُّسُك، فإن كان ناسكًا ولم يكن عاقلًا، قال: هذا أمرٌ لا يناله إلا العقلاء فلم يطلبه، وإن كان عاقلًا ولم يكن ناسكًا، قال: هذا أمر لا يناله إلا النُّسَّاك فلم يطلبه، قال الشعبي: ولقد رهبت أن يكون اليوم من ليست فيه واحدة منهما: لاعقل ولا نسك!".
الله أكبر! هكذا يقول الشعبي عامر بن شراحيل أبو عمرو، علامة التابعين (انظر ترجمته مستوفاةً في الموضعين المشار إليهما آنفًا)، نعم، لقد كثر الخبث والخبيث هذه الأزمان، وصار طلاب اليوم غفل (إلا من رحم الله) من هذين الخيرين (العقل، والديانة)، فهم لا يحكمون العلم لا تحصيلًا ولا عملًا ولا أدبًا ولا سياسة وحكمًا، وأيضًا لم يعملوا بطاعة الله سبحانه؛ ليكونوا نساكًا!
إن طلبة العلم هم أمل الأمة، وهم الذين يقودون الناس إلى ربهم، فأولى بهم وأولى أن يكونوا ممن يحقق هذين الخيرين؛ ليوفقهم الله في الارتقاء بأنفسهم أولًا، ثم الارتقاء بأمتهم، والأخذ بأيديهم إلى ما به عِزُّ الإسلام وخير المسلمين.
اللهَ أسأل أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يؤلف قلوبنا جميعًا على طاعته ونصرة دينه وإظهار سنة رسوله، والحمد لله رب العالمين.