دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعدُ فكنتُ قد أتممتُ- بفضلِ الله- شرحا متوسطاً على متن الورقات فرأيت أن أختصره بكتاب يناسب المبتدئين في هذا الفن يقتصر في الغالب على مسائل المتن والله أسأل أن ينفع به.
( الدرس الأول )
مقدمة
أصول الفقه: قواعدٌ يستخرِجُ بها الفقيهُ الحكمَ الشرعيَّ في المسألةِ.
وفائدته: الوصول إلى الحكم الشرعي وذلك بتطبيق تلك القواعد على النصوص الشرعية.
بمعنى أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هما مصدرا التشريع ومنهما يعرف الحلال والحرام، ولكن ليس كل فرد من أمة الإسلام قادرا على استخراج الحكم الشرعي ومعرفة ما يريده الله منه بنفسه، فلا يتوقع مِن كل شخص كلما عرضت له مسألة يريد حكم الله فيها يفتح القرآن أو صحيح البخاري مثلا ويعرف الحكم بنفسه، ولذا كان هنالك أناس مخصوصون ينعتون بالفقهاء فهم القادرون على النظر في النصوص ومعرفة حكم الله ثم تبيينه للناس ليعملوا به.
والسؤال المهم هو كيف يستخرج الفقيه الحكم الشرعي من النصوص الشرعية؟
والجواب: من خلال مجموعة من القواعد العامة تسمى بأصول الفقه.
مثال: هنالك قاعدة أصولية تقول: ( الأمر يدل على الوجوب).
فإذا قال السيد لعبده افعل كذا فهنا قد أمره بفعل شيء فيجب عليه الامتثال فإذا لم يمتثل عرّض نفسه للعقاب.
فيأخذ الفقيه هذه القاعدة ويطبقها على النصوص الشرعية مثل قوله تعالى: ( فإن لم تجدوا ماء فتيمموا ).
فيقول الفقيه :
فتيمموا أمر.... والأمر يدل على الوجوب... إذاً فتيمموا يدل على الوجوب فيكون التيمم واجبا على من لم يجد الماء.
فوجوب التيمم هو الحكم الشرعي وقد استخرجه الفقيه من الآية القرآنية السابقة بواسطة تلك القاعدة الأصولية.
مثال: هنالك قاعدة أصولية تقول: ( النهي يدل على التحريم ).
فإذا قال السيد لعبده لا تفعل كذا فهنا قد نهاه عن فعل شيء ما أي يكون السيد قد حرّم عليه فعل ذلك الشيء فإذا فعل فقد عرّض نفسه للعقاب.
فيأخذ الفقيه هذه القاعدة ويطبقها على النصوص الشرعية مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
( لا تأتوا النساءَ في أدبارِهنَّ) رواه أحمد وغيره وهو صحيح.
فيقول الفقيه :
لا تأتوا النساء في أدبارهن نهي... والنهي يدل على التحريم... إذاً لا تأتوا النساء في أدبارهن يدل على التحريم فيكون الوطء في الدبر حراما.
فحرمة الوطء في الدبر هو الحكم الشرعي وقد استخرجه الفقيه من الحديث السابق بواسطة تلك القاعدة الأصولية.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو تعريف أصول الفقه ؟
2- ما هي فائدة علم أصول الفقه ؟
3- اذكر مثالا على إحدى قواعد أصول الفقه ؟
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس الثاني )
التعريف الإضافي واللقبي
قد مضى معنا في المقدمة بيان تعريف أصول الفقه وبيان فائدته ونريد هنا أن نعرِّف أصول الفقه بطريقة أخرى وهي تعريفه من جهتين:
الجهة الأولى: من حيث مفرداته.
الجهة الثانية: من حيث كونه اسما لهذا العلم.
وذلكَ أن لفظ ( أصول الفقه ) قبل أن يجعل اسما لهذا العلم مركب من كلمتين هما: ( أصول ) و ( الفقه ) ثم أخذ وجُعِلَ اسما لهذا العِلم الذي ندرسه، فتارة ننظر إلى هذا اللفظ من جهة مفرداته، وتارة ننظر إليه كاسم لهذا العلم.
وذلك نظير لفظ صلاح الدين فتارة ننظر إليه على أنه اسم لشخص معين سواء أكان صالحا أو فاسقا،وتارة ننظر إليه من جهة مفرداته وهي صلاح والدين أي قبل أن يصير اسما لذلك الشخص فنعرِّف كل لفظة على حدة.
أولا: التعريف الإضافي وهو تعريف المفردات: وعندنا مفردان: أصول، والفقه.
فالأصول جمع أصل وهو: ما يبنى عليه غيره، أي شي يبنى عليه شيء آخر سواء أكان ذلك الابتناء حسيا أو عقليا.
مثال: جذر الشجرة المستتر في الأرض هذا أصل لأنه ينبني عليه ساق الشجرة.
مثال: أساس البيت وهو ما يحفر نازلا في الأرض ويجعل فوقه البنيان يسمى أصلا لأن الجدران مبنية عليه.
مثال: الدليل أصل لأن الحكم مبني عليه وهذا الابتناء عقلي أي يعرف بالعقل ولا يحس، كقوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) فهذا دليلٌ، ووجوب الصلاة المستفاد من الآية هو الحكم فيكون أقيموا الصلاة أصلاً لوجوب الصلاة.
ثم إن الشيء الذي بني عليه غيره يسمى أصلا وذلك الغير المبني عليه يسمى فرعا.
فالفرع هو: ما بني على غيره سواء أكان الابتناء حسيا أو عقليا.
( فجذر الشجرة أصل- وساقها فرع) ( وأساس البيت أصل- والبنيان فرع) ( والدليل أصل- والحكم فرع ).
وأما الفقه فهو: معرفةُ الأحكامِ الشرعيةِ التي طريقُها الاجتهادُ.
فالأحكام الشرعية كالوجوب والحرمة ، والاجتهاد هو: ما يحتاج لاستنباط وتأمل ولا يكون واضحا لكل الناس.
مثال: الصلاة واجبة، والزنا محرمٌ، هذه أحكام شرعية ولكن تعرف بغير اجتهاد فهي معروفة لعامة الناس بسبب اشتهار تلك المسائل فلا تكاد تخفى على أحد لأنها مسائل قطعية وقع عليها الإجماع فلذا لا تدخل في تعريف الفقه. أما المسائل الظنية التي وقع فيها خلاف بين الفقهاء وتحتاج إلى اجتهاد لتعرف فهي التي تدخل في تعريف الفقه. مثل: النية في الوضوء واجبة، وصلاة الوتر مستحبة، والنية في الليل شرط لصحة صوم رمضان ونحو ذلك من المسائل الخلافية التي يحتاج في معرفتها إلى اجتهاد ونظر.
ثانيا: التعريف اللقبي وهو تعريف أصول الفقه كعلم: أدلة الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها،وحال المستفيد.
فأدلة الفقه الإجمالية هي: القواعد العامة التي يستنبط بها الحكم الشرعي كالأمر يدل على الوجوب فهذه القاعدة دليل إجمالي لأنها غير متعلقة بمسألة بخصوصها بل تشمل كل أمر كالأمر بالطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
أما الدليل التفصيلي فمثل قوله تعالى: أقيموا الصلاة فهو دليل تفصيلي لتعلقه بمسألة معينة وهي فعل الصلاة. فالدليل الإجمالي يبحث عنه في الأصول، والدليل التفصيلي يبحث عنه في الفقه لمعرفة دليل المسألة.
فوظيفة الأصولي هي توفير القواعد العامة ( الأدلة الإجمالية ) ووظيفة الفقيه هو أخذ تلك القواعد العامة التي وفرها له الأصولي وتطبيقها على النصوص الشرعية (الأدلة التفصيلية) لاستخراج الحكم الشرعي.
فالأصولي يصنع آلة الاستخراج، والفقيه يعمل بتلك الآلة، نظير ذلك شركة تصنع معدات الحفر التي يستخرج بها النفط، وهنالك شركة ثانية تأخذ تلك المعدات وتباشر بها العمل وتستخرج النفط، فالأصولي يشبه عمله عمل الشركة الأولى، والفقيه يشبه عمله عمل الشركة الثانية.
وقولنا ( وكيفية الاستفادة منها ) أي كيفية الاستفادة من الأدلة عند تعارضها، فالأدلة التفصيلية يحصل التعارض بينها بالنظر للظاهر فقط وهي في الحقيقة لا تعارض بينها بل بعضها يفسر البعض الآخر، فيحتاج الأصولي إلى أن يذكر القواعد المتعلقة بكيفية رفع التعارض بين النصوص، وسيعقد باب مخصوص لتفصيل هذا الأمر
ومعنى قولنا ( وحال المستفيد ) أي صفة المستفيد وهو المجتهد فيذكر في علم الأصول الصفات والشروط التي يجب توفرها في الفقيه الذي يستخرج الأحكام الشرعية من النصوص بنفسه.
وسمي المجتهد بالمستفيد لأنه هو الذي يستفيد الأحكام من النصوص أي يستخرجها منه.
فتلخص أن مباحث علم الأصول تنقسم إلى ثلاثة أجزاء هي:
أولا: الأدلة الإجمالية وهي القواعد العامة التي يستخرج بها الفقيه الحكم.
ثانيا: كيفية الاستفادة من الأدلة وذلك بمعرفة القواعد التي ترفع التعارض بين النصوص.
ثالثا: صفات من يستخدم تلك القواعد ليستفيد بها الحكم الشرعي.
فلا يكتفي علم الأصول بإيضاح القواعد بل يوضح معها من يحق له استخدامها على النصوص لاستخراج الأحكام الشرعية كي لا يتوهم أن كل من اطلع على قواعد الأصول صار قادرا على معرفة الأحكام بنفسه حاله كحال الفقيه المجتهد بل يحق له ذلك متى توفرت فيه الصفات اللازمة لذلك.
( تعليقات على النص )
قال إمام الحرمين أبو المعالي عبدُ الملكِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ يوسُفَ الجوينيُّ المولود في جُوَيْن إحدى نواحي مدينة نَيسابور الواقعة في إيران عام 419 هـ، والمتوفى في نيسابور عام 478 هـ رحمه الله:
( بسم الله الرحمن الرحيم ) ابتدأ المصنف كتابه بالبسملة اقتداء بالقرآن الكريم واتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يبدأ رسائله بالبسملة ( هذه ورقاتٌ تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه ) الفصول جمع فصل ومعناه هنا أنواع من المسائل والمعنى: هذا الذي كتبته ورقات يسيرة تحتوي على التعريف بأنواع من المسائل الكائنة من ضمن علم أصول الفقه ( وذلك ) أي لفظ أصول الفقه ( مؤلف ) أي مركب ( من جزأين مفردين ) والمفرد هنا: ما لا يدل جزئه على جزء معناه، لأن أجزاء كلمة أصول مثلا هي الهمزة والصاد والواو واللام وهي لا تدل على جزء معنى كلمة أصول (أحدهما) أي أحد الجزأين المفردين (الأصول والآخر الفقه ).
( فالأصل: ما يبنى عليه غيره ) مثل جذر الشجرة التي يبنى عليها الساق ( والفرع: ما يبنى على غيره ) فإن قيل لمَ عرف الفرع مع أنه ليس أحد أجزاء لفظ أصول الفقه ؟ والجواب: لأن تعريف الأصل اشتمل على الفرع لأنه هو الغير في قوله : ما يبنى عليه غيره فاحتاج إلى تعريف الفرع، ففهم الفرع ضروري لفهم الأصول.
( والفقه: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد ) أي طريق معرفتها هو الاجتهاد لا القطع، وحينئذ فلا تكون المسائل القطعية كوجوب الصلاة وحرمة الزنا وإباحة الأكل ونحوها داخلة في تعريف الفقه.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما الفرق بين التعريف الإضافي واللقبي لأصول الفقه ؟
2- ما معنى الأصل والفرع ؟
3- ما هو تعريف الفقه ؟
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس الثالث )
الأحكام الشرعية
قد ذكرنا من قبل أن تعريف الفقه هو: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد، ونريد أن نبين هنا هذه الأحكام الشرعية بشيء من التفصيل فنقول: الأحكام الشرعية نوعان:
أولا: أحكام تكليفية.
ثانيا: أحكام وضعية.
ولنبدأ بشرح الأحكام التكليفية وهي خمسة أقسام:
1- الواجب وهو: فعل المكلف الذي يثاب على فعله ويعاقب على تركه.
مثل: الصلاة فإنها فعل من أفعال المكلف وهو البالغ العاقل فإذا فعلها كما أراد الله أثيب على الفعل وإذا تركها عاقبه الله على الترك، وكذا قل في الصيام والزكاة والحج والجهاد ونحوها، ويسمى الواجب بالفرض أيضا.
2- والمندوب وهو: فعل المكلف الذي يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
مثل: التسوك فإنه فعل إذا أتى به المكلف أثيب عليه وإذا تركه لم يعاقب عليه، ومثل السنن القبلية والبعدية للصلاة ومثل صيام يوم الاثنين والخميس تطوعا ونحو ذلك، ويسمى المندوب بالمستحب والسنة والنفل أيضا.
3- المباح وهو: فعل المكلف الذي لا يثاب على فعله وتركه ولا يعاقب على تركه وفعله.
مثل الأكل والشرب لنوع معين من الطعام والنوم وتمشيط الشعر فإن شاء فعلها الإنسان وإن شاء تركها فلو جاء الغداء مثلا وقال زيد: لا أريد أن آكل، فلا يثاب إذا أكل ولا يعاقب إذا ترك، ويسمى المباح بالجائز والحلال أيضا.
4- المحرم وهو: فعل المكلف الذي يعاقب على فعله ويثاب على تركه.
مثل: الزنا وشرب الخمر وعقوق الوالدين ويلاحظ أن المحرم عكس الواجب فالواجب يثاب على فعله ويعاقب على تركه، والمحرم يعاقب على فعله ويثاب على تركه، ويسمى المحرم بالحرام والمحظور والمعصية.
5- المكروه وهو: فعل المكلف الذي يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.
مثل: الاستنجاء باليد اليمنى فإذا فعله الشخص لم يعاقب عليه، وإذا تركه أثيب عليه، ويلاحظ أن المكروه عكس المندوب فإذا كان المندوب يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، فالمكروه يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.
أما الحكم الوضعي فهو خمسة أقسام أيضا:
1- السبب: وصف يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم.
مثال: دخول الوقت سبب وجوب الصلاة فإذا دخل وقت الظهر وجبت صلاة الظهر وإذا دخل وقت العصر وجبت صلاة العصر وهكذا فدخول الوقت شيء يلزم من وجوده وجود الوجوب، ومن عدمه عدم الوجوب.
مثال: الجنابة سبب وجوب الغسل؛ لأنه يلزم من الجنابة وجود الغسل ويلزم من عدم الجنابة عدم الغسل، وذلك بالنظر لنفس الجنابة لأنه إذا وجد سبب آخر يجب الغسل كالنفاس.
2- الشرط: وصف يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم.
مثال: الطهارة شرط لصحة الصلاة، فالطهارة يلزم من عدمها عدم صحة الصلاة ولكن لا يلزم من وجودها وجود الصحة لأنه قد يصلي وهو متطهر ولكنه قد ضيع شرطا آخر كأن لم يستقبل القبلة فلا تصح صلاته.
مثال: وجود الشاهدين شرط لصحة عقد النكاح، فإذا فقد الشاهدان لم يصح العقد، وإذا وجد الشاهدان فقد يصح إذا استكمل العقد كل ما يطلب فيه وقد لا يصح كما إذا النكاح بلا ولي يزوج المرأة.
3- المانع: وصف يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم.
مثال: الحيض مانع من صحة الصيام، فيلزم من وجود الحيض عدم صحة الصيام، ولا يلزم من عدم الحيض صحة الصوم دائما فقد يصح وقد لا يصح كما لو كان الصائم مجنونا.
مثال: الأبوة مانعة من وجوب القصاص، فمن قتل ابنه لا يقتل فيلزم من وجودها عدم وجوب القصاص، ولكن لا يلزم من عدم الأبوة وجود القصاص دائما فقد يجب القصاص وقد لا يجب كما إذا كان القاتل صبيا أو مجنونا.
فظهر أن السبب فيه تلازم في الوجود والعدم، والشرط فيه تلازم في الوجود فقط، والمانع فيه تلازم في العدم فقط.
4- الصحيح: ما يُعتدُّ بهِ.
مثال: الصلاة إذا استجمعت الشروط والأركان وانعدمت عنها المبطلات يقال إنها صحيحة أي معتدٌ بها أي يسقط بها الطلب وتبرأ بها الذمة، فإن العبد يتوجه عليه طلب من قبل الشرع بـ ( أقيموا الصلاة ) ولا يسقط عنه هذا الطلب وتبرأ ذمته إلا إذا أتى بالصلاة كما يريدها الله سبحانه.
مثال: البيع إذا استجمع ما يطلب فيه فحينئذ يقال عليه إنه بيع معتد به أي تترتب الآثار عليه وهو أن ينتقل الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشتري بشكل شرعي.
5- الباطل: ما لا يُعتدُّ به.
مثال: الصلاة بغير وضوء يقال عليها إنها باطلة أي غير مسقط للطلب ولا تبرأ به الذمة فلا يعتد بها.
مثال: بيع الخنزير باطل أي غير نافذ وغير معتد به فلا تترتب عليه حلية الثمن.
( تعليقات على النص )
( والأحكام سبعة ) الأحكام عشرة لكنه اقتصر على اثنين من الأحكام الوضعية اختصارا وتسهيلا على المبتدئ.
(الواجب، والمندوب، والمباح، والمحظور، والمكروه ) المحظور هو المحرم ( والصحيح والباطل ) ويسمى الباطل بالفاسد أيضا ( فالواجب ما يثاب على فعله ) مثل الصلوات الخمس ( والمندوب ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه ) مثل السنن الرواتب ( والمباح: ما لا يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه ) مثل النوم ( والمحظور: ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله ) مثل الزنا ( والمكروه ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله ) مثل الاستنجاء باليمنى ( والصحيح: ما يتعلق به النفوذ ويعتد به ) ما هنا تفسر بعبادة أو عقد، والتعلق معناه الارتباط أي يصح أن يوصف به فيقال: بيع نافذ ومعتد به، وحج معتد به، فالعبادة توصف بالاعتداد فقط، والعقد يوصف بهما معا، وكلاهما بمعنى واحد وهو ترتب الأثر عليه فالعبادة معتد بها أي يسقط الطلب وتبرأ بها الذمة والعقد معتد به ونافذ أي يترتب الأثر عليه فإذا كان بيعا مثلا يترتب عليه حل الانتفاع بالمبيع والثمن، وإذا كان نكاحا ترتب عليه حل التمتع بين الزوجين وإذا كان النفوذ والاعتداد بمعنى واحد فيمكن أن يختصر التعريف بالاقتصار على لفظ الاعتداد ( والباطل: ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به ) مثل الصلاة بلا وضوء وبيع الخنزير.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي الأحكام التكليفية ؟
2- ما هي الأحكام الوضعية ؟
3- اذكر مثالا مِن عندك لكل حكم من الأحكام الشرعية العشرة ؟
( التمارين )
استخرج الحكم الشرعي وبيّن نوعه في النصوص الآتية:
1- قال الله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ).
2- قال الله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ).
3- قال الله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ).
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) متفق عليه.
5- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يُقادُ الوالدُ بولدِهِ ) رواه الترمذي وغيره وهو صحيح.
.............................. .............................. .............................. .....................
1- تفيد الآية حرمة السرقة وهو حكم تكليفي لأن الله رتب العقوبة على فعلها وهذا من علامات معرفة الحرمة، وفيها حكم تكليفي آخر وهو وجوب القطع المستفاد من الأمر ( فاقطعوا )، وفيها حكم وضعي وهو أن السرقة سبب وجوب القطع.
2- تفيد الآية حرمة الزنا وهو حكم تكليفي لأن الله رتب العقوبة على فعله وهذا من علامات معرفة الحرمة، وفيها حكم تكليفي آخر وهو وجوب الجلد المستفاد من الأمر ( فاجلدوا )، وفيها حكم وضعي وهو أن الزنا سبب وجوب الجلد.
3- تفيد الآية وجوب الصلاة عند دلوك الشمس والوجوب مستفاد من الأمر ( أقم الصلاة ) وهذا حكم تكليفي، وتفيد أن دلوك الشمس سبب وجوب صلاة الظهر وهو حكم وضعي ومعنى دلوك الشمس زوال الشمس عن وسط السماء عند الظهيرة.
4- يفيد الحديث وجوب الوضوء للصلاة لأن الحديث قد رتب عدم القبول والصحة إذا صلى محدثا وهذا من علامات الوجوب وهذا حكم تكليفي، ويفيد أن الوضوء شرط لصحة الصلاة وهو حكم وضعي لأن نفي القبول والصحة عند فقد شيء دليل على اشتراطه.
5- يفيد الحديث حرمة قتل الوالد بالولد وهو حكم تكليفي، ويفيد أن الأبوة مانعة من القتل وهو حكم وضعي.
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس الرابع )
مصطلحات مهمة
أولا: أقسام الإدراك.
الإدراك هو: وصول النفس إلى المعنى.
مثال: فهمك لمعنى النخلة إدراك، وتعقلك لأي معنى سواء أكان لمفرد كزيد أو لجملة كـ قام زيد هو الإدراك.
والإدراك ينقسم إلى أربعة أقسام هي:
1- اليقين وهو: إدراك الشيء إدراكا جازما.
2- الظن وهو: إدراك الشيء إدراكا راجحا.
3- الشك وهو: إدراك الشيء إدراكا متساويا.
4- الوهم وهو: إدراك الشيء إدراكا مرجوحا.
مثال اليقين: إدراكك لمضمون لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ومثال الظن: أغلب قضايا الفقه يدركها الفقيه على وجه الظن الغالب نحو صلاة الوتر مستحبة.
ومثال الوهم: صلاة الوتر واجبة فالشخص إذا غلب على ظنه أن صلاة الوتر مستحبة فهذا يعني أنه يجعل وجوبها مرجوحا فيكون الإدراك المتعلق بها وهما، فالوهم دائما يكون هو الطرف الثاني للظن.
ومثال الشك: إذا استوى الأمران عند المجتهد ولم يرجح أحد الأمرين فإنه يتوقف في المسألة ويقول الله أعلم.
ثانيا: في تعريف العلم والفرق بينه وبين الجهل.
العلم: معرفة الشيء على ما هو به في الواقع.
مثال: إذا عرفت وأدركت أن الله واحد إدراكا جازما فهذا هو العلم.
وقلنا ( على ما هو به في الواقع ) أي أن تدرك الشيء على حقيقته التي هو عليها في الواقع والعالم الخارجي.
أما إذا كنت تجزم داخل عقلك بقضية ولكنها ليست في الحقيقة مطابقة للواقع فهذا يسمى بالجهل المركب، مثل أن يعتقد النصراني ويجزم أن الله ثلاثة، فهذا ليس علما لأنه مخالف للواقع بل هو جهل.
والجهل نوعان:
1- جهل مركب وهو الذي شرحناه وهو: أن يتصور الشيء على خلاف ما هو به في الواقع.
2- الجهل البسيط وهو: عدم المعرفة بالشيء. مثل أن تسأل عن شيء فتقول لا أعرف الله أعلم.
مثال: الصلاة فرضت في ليلة الإسراء فإذا قيل متى فرضت الصلاة ؟ فإن قلتَ: فرضت في ليلة الإسراء فهذا علم لأنه مطابق للواقع، وإنْ قلت: لا أعرف فهذا جهل بسيط، وإن قلت: فرضت بعد معركة بدر فهذا جهل مركب.
والجهل المركب أقبح من الجهل البسيط وصاحبه لا يطلب العلم لأنه يظن أن ما عنده هو العلم.
ويسمى مَن كان كذلك بالجاهل المركب لأنه جمع جهلين: الأول كونه لا يدري، الثاني كونه لا يدري أنه لا يدري.
ثالثا: في تقسيم العلم إلى الضروري والنظري.
العلم كما قلنا هو: معرفة الشيء على ما هو به في الواقع. وهو ينقسم إلى قسمين: ضروري، ونظري.
فالعلم الضروري هو: ما لا يقع عن نظر واستدلال، والنظر هو التفكر بالعقل، والاستدلال هو: طلب الدليل.
فالمعنى هو أن العلم الضروري هو: الذي يقع في النفس من غير حاجة إلى فكر وتأمل وبحث عن دليل.
وذلك كالعلم الحاصل بإحدى الحواس الخمس وهي السمع و البصر والشم والذوق واللمس.
مثال: السماء فوقنا فهذه قضية ضرورية بديهية لا تحتاج إلى فكر لأنك تراها وتحسها ببصرك.
مثال: النار حارقة فهذه قضية ضرورية لأنك تشعر بها من خلال اللمس.
مثال: أن تعلم بأن هارون الرشيد هو أحد خلفاء بني العباس فهذه قضية تصدق بها في نفسك بشكل قاطع من غير دليل لأنه قد تناقلت الأخبار التي لا تحتمل الكذب من كل مكان حتى وصلت لسمعك.
ومثل العلم بالحواس الخمس العلم الوجداني وهو علمك بنفسك كعلمك بأنك جائع أو شبعان أو حزين أو فرحان أو متألم فهذه العلوم حاصلة في نفسك من غير حاجة إلى برهان لأنك تشعر بها وتجدها في نفسك حاضرة.
أما العلم النظري فهو: العلم الموقوف على النظر والاستدلال.
مثال: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كيف يستدل على نبوته؟
الجواب: بواسطة الدليل وهو القرآن الكريم المعجِز للخلق جميعا فلم ولن يستطيعوا أن يأتوا بمثله أبدا.
والدليل تعريفه هو: المرشد إلى المطلوب، أي الشيء الذي يحصل به الإرشاد ويوصل إلى المطلوب.
وهذا الدليل هنا هو القرآن الكريم وقد أرشد إلى المطلوب وهو نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
والنظر تعريفه هو: الفكر في حال المنظور فيه، والمقصود بالمنظور فيه هو المجهول أي الشيء المجهول لديك.
مثل أن تتفكر في حال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هل هو نبي وتطلب الدليل على نبوته من جهة أنه جاء بالمعجزة وهي القرآن الكريم. وبالتأمل نجد أن النظر وهو ( الفكر في حال المنظور فيه) والاستدلال وهو ( طلب الدليل ) بمعنى واحد فتفكرك في حال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هل هو نبي هو بمعنى طلب الدليل على نبوته، ويكون الجمع بينهما سابقا في قولنا ( نظر واستدلال ) للتوكيد فيمكن الاكتفاء بأحدهما.
( تعليقات على النص )
من هنا بدأ المصنف بالحديث عن المقدمة المنطقية وهي مقدمة تتعلق بالتعريف ببعض المصطلحات التي تنفع في علم الأصول ( والفقه أخص من العلم ) أي أقل شمولا منه؛ لأن العلم يشمل الفقه وغير الفقه كالنحو والتفسير فكل فقه علم وليس كل علم فقها ( والعلم معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع ) المعرفة هي الإدراك، والمعلوم المراد به الشيء الذي يمكن أن يعلم ( معرفة المعلوم ) هذا احتراز عن الجهل البسيط فهو عدم المعرفة ( على ما هو به في الواقع ) قيد احترز به عن الجهل المركب، فإنه إدراك الشيء على خلاف ما هو به في الواقع ( والجهل: تصور الشيء على خلاف ما هو به في الواقع ) كمن يتصور أن الله سبحانه لا يرى يوم القيامة.
( والعلم الضروري ما لا يقع عن نظر واستدلال) مثل العلم الحاصل بالحواس الخمس مثل معرفة أن السماء فوقنا والأرض تحتنا والنار حارة والماء يروي ونحو ذلك ( وأما العلم المكتسب فهو الموقوف على النظر والاستدلال ) كمعرفة أن العالم حادث فيحتاج إلى دليل ومثل العلم بأن صلاة الوتر مندوبة فيحتاج إلى دليل وهكذا سائر مسائل الفقه ( والنظر هو: الفكر في حال المنظور فيه ) الفكر هو التفكر أي الحركة التي يقوم بها الذهن، والمنظور فيه هو: المجهول الذي يطلب العلم به، وحال المنظور فيه هو: ما يراد إثباته له أو نفيه، مثال إذا فكرت وحركت ذهنك في مسألة النائم الممكن مقعدته هل ينتقض وضوئه أو لا ينتقض؟ فهذا هو النظر.
( والاستدلال: طلب الدليل ) أي طلب الدليل على المسألة، ومؤدى النظر والاستدلال واحد وحينئذ يكون المصنف قد جمع بينهما للتوكيد ( والدليل المرشد إلى المطلوب ) أي ما يحصل به الإرشاد إلى المطلوب كالآية والحديث اللذين تستدل بهما على مسألة معينة فكل منهما يرشدك إلى المطلوب ( والظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من الآخر ) مثل تجويز أن النية ركن في الصلاة فهو الأمر الأظهر والأمر الثاني المقابل وهو كونه النية ليست ركنا يسمى وهما، والمصنف لم يعرف الوهم فكأنه اكتفى بتعريف الظن لأن الوهم هو الطرف المقابل للظن (والشك تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر) أي لا فضل لأحد الأمرين على الآخر في القوة فكلاهما سواء ( وأصول الفقه: طرقه على سبيل الإجمال ) الطرق جمع طريق وهو السبيل الموصل إلى المقصود والمراد به هنا هو الأدلة، والضمير في طرقه عائد على الفقه والمعنى أصول الفقه هي أدلة الفقه على سبيل الإجمال أي أدلة الفقه الإجمالية مثل الأمر يدل على الوجوب، والنهي يدل على التحريم، وأما الأدلة التفصيلية مثل أقيموا الصلاة ولا تقربوا الزنا ونحوها فيبحث عنها في الفقه وتذكر في الأصول كأمثلة للقواعد العامة. وقوله ( وكيفية الاستدلال بها ) أي وكيفية الاستدلال بطرق الفقه على الحكم عند التعارض بين الأدلة ويكون ذلك بمعرفة القواعد الرافعة للتعارض كما سيبيّن، ثم إن المصنف لم يذكر حال المستفيد في التعريف، وكأنه اكتفى بكيفية الاستدلال لأنها تجر إلى صفة المستدل فهو اقتصر على كيفية الاستدلال بها لأنه يلزم منها بيان حال المستفيد.
والخلاصة هي أن قوله ( طرقه على سبيل الإجمال) = أدلة الفقه الإجمالية، وقوله ( وكيفية الاستدلال بها ) = وكيفية الاستفادة منها، ويلزم من قوله ( وكيفية الاستدلال بها ) بيان حال المستدل فهذه الثلاثة مجتمعة هي علم أصول الفقه ( وأبواب أصول الفقه: أقسام الكلام، والأمر، والنهي، والعام، والخاص، والمجمل، والمبين، والظاهر والمؤول، والأفعال، والناسخ والمنسوخ، والإجماع، والقياس، والحظر والإباحة، وترتيب الأدلة، وصفة المفتي والمستفتي، وأحكام المجتهدين ) هذا بيان للمباحث التي سيتم شرحها فهو فهرسة للورقات ولن نعرِّف هذه المصطلحات الآن لأنه سيأتي بيانها مفصلا.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي أقسام الإدراك ؟
2- ما الفرق بين الجهل البسيط والمركب ؟
3- ما الفرق بين العلم النظري والعلم الضروري ؟
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس الخامس )
باب أقسام الكلام
يتعرض الأصوليون لمباحث لغوية لأن لها تعلقا بهذا العلم فإن النصوص الشرعية هي كلام وعبارات بلغة العرب فاحتاجوا لذكر بعض تلك المباحث كي يستفاد منها في فهم النصوص فإذا علم هذا فنقول:
اللفظ: صوت مشتمل على بعض الأحرف.
والصوت هو: ما يسمع، والأحرف هي: حروف الهجاء المبدوءة بالهمزة والمنتهية بالياء.
فإذا نطقتَ بكلمة ( زيد ) فهذا صوت لأنه مسموع بالأذن وهو لفظ أيضا لأنه مشتمل على بعض الأحرف وهي الزاي والياء والدال، والصوت أعم من اللفظ لأن صوت الطبل وحركة المروحة ووقع القدم على الأرض كلها أصوات وليست ألفاظا لخلوها من الأحرف.
ثم اللفظ ينقسم إلى قسمين: لفظ مستعمل وهو: ما دل على معنى مثل زيد.
ولفظ مهمل وهو: ما لا يدل على معنى مثل ديز.
واللفظ المستعمل إما أن يكون مفردا، وإما أن يكون مركبا.
والمفرد هو: ما لا يدل جزئه على جزء معناه، كزيد.
والمركب هو: ما يدل جزئه على جزء معناه، كبيت زيد.
واللفظ المستعمل المفرد يسمى كلمة وهي ثلاثة أقسام:
1- الاسم وهو: ما يدل على معنى في نفسه ولم يقترن بزمن مثل زيد.
2- الفعل وهو: ما يدل على معنى في نفسه واقترن بزمن مثل ضربَ.
3- الحرف وهو: ما لا يدل على معنى في نفسه بل في غيره مثل في.
والمركب ينقسم إلى قسمين :
مركب مفيد وهو: ما يحسن السكوت عليه مثل جاءَ زيدٌ ويسمى كلاما.
ومركب غير مفيد وهو: ما لا يحسن السكوت عليه مثل غلام زيد.
والكلام لا يتركب من أقل من كلمتين أبدا، فإذا رأيتَ لفظا مفردا قد دل على معنى يحسن السكوت عليه فاحمله على التركيب التقديري وهو أن تكون هنالك كلمة مقدرة لم تلفظ ولكنها ملحوظة في الكلام والمقدر في النحو كالملفوظ مثل: قمْ فمعناه قمْ أنت فيكون مركبا في التقدير وإن كان في الظاهر أنه متكون من كلمة واحدة هي قم.
والصور الممكنة لتركيب الكلام ست لأن الكلمة ثلاثة أقسام ( اسم وفعل وحرف ) فلو ضممنا بعضها إلى بعض فسينتج ست صور هي:
1- اسمان مثل زيد قائم.
2- فعلان مثل ضرب يضرب.
3- حرفان مثل في لم.
4- اسم وفعل مثل قام زيدٌ.
5- اسم وحرف مثل زيد في.
6- فعل وحرف مثل ما قام.
وكلها لا تدل على معنى يحسن السكوت عليه إلا الصورة الأولى والصورة الرابعة فقط.
فأقل ما يتركب منه الكلام هو اسمان أو فعل واسم.
وهنا إشكالان على حصر صور تألف الكلام بالاسمين والفعل مع الاسم هما:
أولا: بحرف النداء مع المنادى تقول يا زيدُ فيفهم معنى تام وهو أنك تنادي على شخص اسمه زيد فيكون الكلام قد تألف من حرف واسم مع أنكم رفضتم قبول هذه الصورة فما الجواب؟
ثانيا: قد تسأل شخصا قائلا: هل قام زيد فيقول لك ( ما قامَ ) فيدل على معنى مفيد وهو نفي القيام عنه وعليه يكون ( ما قام ) كلاما مفيدا مع أنكم رفضتم قبول هذه الصورة أعنى الفعل والحرف فما الجواب؟
والجواب عن الإشكال الأول هو: أن حرف ( يا ) قد ناب مناب الجملة أي حل محلها وهي أنادي فحذف الفعل مع فاعله ( أنادي ) وأقيم مقامه ( يا ) فحينئذ لا تكون ( يا زيدُ ) قد دلت على معنى مفيد لوحدها بل لأنها اشتملت على المقدر وهو أنادي وهي ترجع إلى الصورة الرابعة أعني تركب الكلام من فعل واسم.
والجواب عن الإشكال الثاني هو: أن هنالك كلمة مستترة أي مخفية تقدر في الكلام وهي ( ما قام هو ) الذي يعود على زيد فتكون ما قام مركبة من قام مع هو أي تركب الكلام من اسم وفعل وهي الصورة الرابعة.
فسبب الإشكال هو عدم ملاحظة المقدر والنظر إلى الملفوظ فقط وهو غير سليم ولو لم ننظر إلى المقدر للزم أن ينشأ الكلام بالمفرد مثل قم وذلك لا يصح لأن الكلام هو المركب فكيف صار مركبا بلا تركيب.
وللزم أيضا أن نعد الحرف لوحده كلاما وهو باطل مثل أن تُسأل هل قام زيد فتقول: كلا، فكلا أفادت معنى يحسن السكوت عليه لأنها دلت على مقدر وتقدير الكلام هو كلا ما قام زيد. فافهم.
( تعليقات على النص )
( فأما أقسام الكلام ) هذا شروع في الباب الأول من أبواب أصول الفقه وهو أقسام الكلام مِن حيثُ ما يتركب منه الكلام ( فأقل ما يتركب منه الكلام اسمان ) مثل زيد قائم ( أو اسم وفعل ) مثل قام زيد ( أو اسم وحرف ) مثل يا زيدُ وهذا ضعيف، والمعتمد أن هذه الصورة ترجع إلى اسم وفعل لأن يا نائبة عن الفعل مع فاعله والتقدير أدعو زيدا أو أنادي زيدا ( أو فعل وحرف ) مثل ما قامَ، وهذا ضعيف لأنه مبني على عدم عدِّ الضمير المستتر في قام كلمة، والمعتمد أنه يعد في الكلام فترجع هذه الصورة إلى اسم وفعل، ولو لم نعد الضمير المستتر كلمة للزم أن قم كلام بدون الضمير المستتر فيكون الكلام قد يأتي غير مركب بل يتألف من فعل فقط وهذا مردود، فهذا هو التقسيم الأول للكلام وهو تقسيمه من حيث ما يتركب منه.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو الكلام ؟
2- ما أقل ما يتركب منه الكلام ؟
3- مثل بمثال مِن عندك للمركب التقديري ؟
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
تسجيل متــــــــابعة بورك فيكم تابعوا فنحن معكم بإذن الله.
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رضا الحملاوي
جزاكم الله خيراً
وجزاكم الله خيرا.
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المَاسَّةُ قُرطبة
تسجيل متــــــــابعة بورك فيكم تابعوا فنحن معكم بإذن الله.
جزاكم الله خيرا.
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس السادس )
تقسيم الكلام إلى: خبر وإنشاء- وحقيقة ومجاز
إذا علمت ما معنى الكلام فلنبدأ بتقسيمه أقساما متعددة باعتبارات مختلفة فنقول:
ينقسم الكلام باعتبار مدلوله إلى: خبر وإنشاء.
1- الخبر وهو: ما يحتمل الصدق والكذبَ.
2- الإنشاء وهو: ما لا يحتمل الصدق والكذبَ.
فإذا قلتَ قامَ زيدٌ فهذا الكلام يسمى خبرا لأنه يحتمل الصدق والكذب لأنك إما أن تكون صادقا فيما قلته ويكون زيد قد قام فعلا، أو تكون كاذبا ويكون زيد لم يقم في الواقع.
وإذا قلتَ لشخص قمْ فهذا كلام مركب من فعل وفاعل مستتر تقديره أنت و يسمى إنشاءً وهو لا يحتمل الصدق والكذب لأنه طلب، وهو ليس فيه صدق أو كذب؛ فلا يصح أن يقال لك: صدقت أو كذبت لأنك لم تخبر عن حدوث شيء بل أنت تنشأ أمرا وطلبا لشيء تريده فلا معنى للصدق والكذب، بل إما أن تطاع ويقوم الشخص الذي تخاطبه أو تعصى ولا يقوم من مكانه.
والإنشاء ينقسم إلى قسمين: طلبي وغير طلبي.
فالإنشاء الطلبي هو: الذي يدل على طلب شيء.
والإنشاء غير الطلبي هو: الذي لا يدل على طلب شيء.
فالإنشاء الطلبي يشمل: ( الأمر- النهي- الاستفهام- التمني- النداء- العرْض ).
فالأمر فيه طلب الفعل مثل قم، والنهي فيه طلب الترك أي ترك الفعل مثل لا تقمْ، والاستفهام فيه طلب الفهم والعلم مثل هل جاء زيدٌ ؟ والتمني فيه طلب شيء تتمناه نفسك مثل ليت زيداً يعود من سفره، والنداء فيه طلب توجه المخاطَب على المتكلم مثل يا زيدُ احذر الطريق فأنت تطلب منه أن يتوجه إليك وينتبه إلى ما تقوله.
والعَرْضُ هو: الطلب برفق ولين وأشهر أدواته ألا مثل قولك لصديقك: ألا تتفضل في بيتنا، فهو طلب برفق ولين وليس أمرا باستعلاء وإيجاب.
والإنشاء غير الطلبي مثل: ( القسم- صيغ العقود)، فالقسم أنت لا تطلب فيه شيئا مثل قولك: واللهِ كان كذا.
وصيغ العقود أنت تنشأ فيها أمرا ولا تطلب شيئا مثل قولك بعتُ أو اشتريتُ أو قبلتُ الزواج من فلانة فكلها ألفاظ تنشأ فيها عقدا من العقود الشرعية. فهذه قسمة من أقسام الكلام.
وينقسم قسمة أخرى من حيث استعمال الكلام في معناه الموضوع له أو عدم استعماله فيه إلى:
1- الحقيقة هي: اللفظ المستعمل في المعنى الذي اصطلح عليه من الجماعة المخاطِبة.
2- المجاز هو: اللفظ المستعمل في غير المعنى الذي اصطلح من الجماعة المخاطِبة.
مثال: كلمة أسد وضعتها العرب على الحيوان المفترس المعروف أي جعلوا هذه اللفظة دالة على هذا الحيوان بحيث متى ذكروا كلمة الأسد فهم يعنون به الحيوان المعروف، فلفظ أسد استعمل في المعنى الذي قصدته العرب من هذا الوضع فيكون حقيقة فهم اصطلحوا واتفقوا على جعل هذه اللفظة دالة على هذا الحيوان.
أما إذا استعملنا كلمة الأسد في الإنسان الشجاع لوجود المشابهة بينهما فهذا يسمى مجازا لأنه لفظ استعمل في غير المعنى الذي وضعته العرب ولكن نقل هذا اللفظ أعني الأسد إلى الرجل الشجاع لوجود العلاقة بينهما.
وبتعبير آخر أوضح إن الحقيقة هي: اللفظ المستعمل في المعنى الأصلي للكلمة، والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير المعنى الأصلي للكلمة.
ولكن قد يقال كيف نعرف أن هذا هو المعنى الأصلي للكلمة فيكون استعمالها فيه حقيقة أو هو ليس المعنى الأصلي للكلمة فيكون مجازا؟ والجواب: من خلال التبادر وعدم الاحتياج إلى القرينة.
مثال: إذا قلتَ رأيتُ اليومَ أسداً فلن يفهم السامع من كلامك ولن يتبادر إلى ذهنه إلا الحيوان المفترس المعروف ولن يفهم أنك رأيت رجلا شجاعا فيكون استعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس حقيقة واستعماله في الرجل الشجاع مجاز، وإذا قلت رأيت اليوم أسدا يحمل بندقيته سيفهم السامع أنك تقصد الرجل الشجاع بدليل القرينة وهي يحمل بندقيته فمثل هذا لا يكون للأسد.
فعلم أن الحقيقة لا تحتاج إلى قرينة لتفهم بينما المجاز لا يفهم إلا بقرينة.
وقولنا في التعريف: ( في المعنى الذي اصطلح عليه ) الاصطلاح هو اتفاق طائفة على استعمال لفظ ما في معنى معين، وقولنا ( من الجماعة المخاطِبة ) أي أن الاصطلاح قد وضع من قبل الجماعة المتخاطِبة بذلك المصطلح. مثال: العرب جماعة من الناس تخاطبوا بألفاظ معينة واستعملوها في معان معينة، فاستعملوا لفظ الماء في السائل المعروف ولفظ الأسد في الحيوان المفترس المعروف والشمس في ذلك الكوكب الذي يخرج في النهار وهكذا فهذه الألفاظ تخاطبوا بها واصطلحوا على أن لها معنى معيناً وحينئذ إذا استعملت تلك الألفاظ في تلك المعاني فحقيقة وإذا استعملت في غير تلك المعاني فتكون مجازا كاستعمال الأسد في الرجل الشجاع والثعلب في الشخص الماكر. والخلاصة هي: أن الحقيقة لفظ مستعمل في معنى مصطلح عليه من قبل جماعة معينة من الناس، وأن المجاز لفظ مستعمل في غير المعنى المصطلح عليه من قبل تلك الجماعة المعينة من الناس.
( تعليقات على النص )
(والكلام ينقسم إلى: أمر ونهي وخبر واستخبار ) أي استفهام، وهذه القسمة هناك ما هو أدق منها وهي أن الكلام ينقسم إلى: ( طلب، وخبر، واستخبار ) والطلب يشمل الأمر والنهي، وهنالك قسمة أدق منهما وهي أن نرجع هذه الثلاثة أعني الأمر والنهي والاستخبار إلى قسم واحد وهو الإنشاء فيكون الكلام ينقسم إلى:( إنشاء وخبر ) ثم الإنشاء ينقسم إلى أمر ونهي واستفهام وغيرها ( وينقسم أيضا إلى تمن وعرض وقسم ) أي وينقسم الكلام إلى تمن وعرض وقسم، وهذه أيضا قسمة غير دقيقة، والأدق هو أن الكلام ينقسم إلى إنشاء وخبر، والإنشاء ينقسم إلى قسمين طلبي وغير طلبي والإنشاء الطلبي يشمل ( الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض ) وأضفنا النداء، والإنشاء غير الطلبي مثل القسم وأضفنا إليها صيغ العقود فهذا هو التقسيم الدقيق.
والملاحظ أن المصنف قال ( وينقسم أيضا ) ففَصَل هذه القسمة عن التي قبلها مع أنهما قسمة واحدة وسبب ذلك أن بعض العلماء قد قال: إن الكلام باعتبار مدلوله ينقسم إلى أربعة أقسام فقط وهي ( أمر ونهي وخبر واستخبار) وبعض العلماء قد قال: هو ينقسم باعتبار المدلول إلى أكثر من أربعة أقسام بل هي سبعة وهي : ( أمر ونهي وخبر واستخبار وتمن وعرض وقسم ) ولذا قال المؤلف ( وينقسم أيضا ) ليشير إلى القولين.
وقد عرفت أن الذي استقر عليه علماء البلاغة هو تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء والإنشاء طلبي وغير طلبي، والطلبي يشمل الأمر مثل قم والنهي مثل لا تقم والاستفهام مثل هل قام زيد والتمني مثل ليت زيدا يقوم والنداء مثل يا زيد والعرض مثل ألا تقوم من مكانك، وغير الطلبي مثل القسم نحو والله قد كان كذا، وصيغ العقود مثل بعتك واشتريت ( ومن وجه آخر ) أي ومن حيثية أخرى واعتبار آخر وهو تقسيم الكلام باعتبار استعماله في مدلوله الأصلي أو عدم استعماله فيه ( ينقسم إلى حقيقة ومجاز ) وقد عرفتَ معناهما.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم إلى ماذا ينقسم الكلام بحسب مدلوله ؟
2- إلى ماذا ينقسم الكلام بحسب استعماله في مدلوله الأصلي أو عدم استعماله فيه؟
3- مثل بمثال من عندكَ للقسمة الأولى والقسمة الثانية من أقسام الكلام ؟
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس السابع )
أقسام الحقيقة
تنقسم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام بحسب اختلاف الجهة التي وضعت ذلك الاصطلاح:
أولا: الحقيقة اللغوية: وذلك بأن يكون الواضع لتلك الألفاظ هم أهل اللغة أي العرب الأوائل مثل كلمة ماء وسماء ورجل وأسد وشمس وثعلب ونحو ذلك، فهذه الألفاظ إذا استعملها العرب في معانيها الأصلية كانت حقيقة لغوية، وإذا استعملوها في غير معانيها الأصلية لوجود علاقة كانت مجازا لغويا.
مثل الأسد بمعنى الحيوان المفترس حقيقة لغوية، وبمعنى الرجل الشجاع مجاز لغوي.
ثانيا: الحقيقة الشرعية: وذلك بأن يستعمل الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ألفاظ العرب في معان خاصة فيكون الوضع شرعيا وتكون الحقيقة شرعية كالصلاة والصيام والزكاة والحج والوضوء ونحو ذلك.
فالصلاة مثلا في لغة العرب بمعنى الدعاء، ولكن الشرع نقلها إلى معنى العبادة المعروفة المبتدئة بالتكبير والمختتمة بالتسليم، فحينما يقول الله سبحانه وتعالى أقيموا الصلاة فهو لا يقصد الدعاء بل العبادة المعروفة،والزكا ة بمعنى النماء في لغة العرب ولكن الشرع نقلها إلى الصدقة المعروفة الواجبة على الغني ولهذا حينما يقول الله سبحانه وتعالى آتوا الزكاة فهو يقصد الصدقة المعروفة.
فإذا علم هذا فانظر إلى الفرق بين المعنى الواحد بحسب الاصطلاح وخذ ( الصلاة ) مثلا:
أ- في اصطلاح الشرع بمعنى العبادة المعروفة حقيقة شرعية، وهذا المعنى عند اللغوي مجاز لأنه يقصد بالصلاة الدعاء.
ب- إذا استعملها الشرع بمعنى الدعاء تكون مجازا شرعيا لأن أصلها عنده للعبادة المعروفة، وهذا المعنى عند اللغوي حقيقة.
جـ- إذا استعمل اللغوي الصلاة بمعنى العبادة المعروفة فتكون مجازا لغويا لأن أصلها عنده للدعاء.
وكذا قل في الزكاة هي للصدقة المعروفة في اصطلاح الشرع حقيقة شرعية وبمعنى النماء مجاز شرعي، وعند اللغوي بالعكس بمعنى النماء حقيقة لغوية، وبمعنى الصدقة المعروفة مجاز لغوي وعليه فقس.
وكذلك حملة الشرع وهم الفقهاء إذا استعملوا الصلاة والزكاة والصوم والحج والوضوء ونحوها فهم لا يقصدون إلا المعاني الشرعية فيكون استعمالها بهذه المعاني حقيقة شرعية، وإذا تكلموا بهذه المعاني وأرادوا معانيها اللغوية فيكون مجازا شرعيا لأنهم حملة الشرع ويعبرون عن الشرع.
ثالثا: الحقيقة العرفية: وذلك بأن يستعمل أهل العرف الألفاظ في معان مخصوصة عندهم فتكون حقيقة عرفية.
مثل الغائط فهو في أصل اللغة بمعنى المكان المنخفض من الأرض، ثم استعمله الناس بمعنى الخارج من الدبر وحينئذ فمتى ذكر الناس الغائط فهم لا يقصدون به المكان المنخفض بل الخارج من الدبر فيكون استعماله بهذا المعنى حقيقة عرفية عندهم، وإذا استعمل أهل العرف الغائط بمعنى المكان المنخفض فيكون مجازا عرفيا عندهم. وإن كان في اللغة بالعكس فبمعنى المكان المنخفض حقيقة وبمعنى الخارج من الدبر مجاز.
ثم العرف ينقسم إلى قسمين: عرف عام وعرف خاص.
فالعرف العام هو: ما استعمله عامة الناس ولا ينسب لطائفة معينة منهم مثل استعمال الغائط في الخارج من الدبر.
والعرف الخاص هو: اصطلاح طائفة معينة من الناس مثل اصطلاح النحاة والصرفيين والأصوليين ونحوهم فلكل علم اصطلاحاته الخاصة به فاستعمال تلك الألفاظ في معانيها الخاصة تعتبر حقيقة عرفية خاصة واستعمالها في معانيها اللغوية الأصلية يعتبر مجازا عرفيا خاصا.
مثال: الواجب في اللغة هو الساقط يقال وجبت الذبيحة أي سقطت على الأرض، وعند الأصوليين: فعل المكلف الذي يثاب على فعله ويعاقب على تركه، فيكون بهذا المعنى حقيقة عرفية لأهل الأصول ومجازا لأهل اللغة.
وهنا تنبيهات نختم بها الدرس:
أولا: كل مجاز لا بد له من حقيقة، وليس كل حقيقة لا بد أن يكون لها مجاز.
فأكثر الألفاظ إنما استعملت في حقائقها ومتى استعمل لفظ في معنى مجازي لا بد أن يكون له حقيقة نقل منها كاستعمال الأسد للرجل الشجاع فهذا معنى مجازي، وأصله الحقيقي هو الحيوان المفترس.
والإنسان والفرس بمعناهما المعروف حقيقة ولم يعرف أنهما استعملا في معنى مجازي.
ثانيا: قد علم مما ذكرنا أن المجاز إنما هو أمر نسبي إضافي فاللفظ قد يكون حقيقة بالنسبة لوضع اللغة وقد يكون مجازا بالنسبة للوضع الشرعي أو العرفي أو يكون حقيقة بالنسبة للوضع الشرعي أو العرفي ويكون مجازا بالنسبة للوضع اللغوي.
ثالثا: لا يعني وجود الحقيقة الشرعية أن كل الألفاظ في القرآن أو السنة إنما هي مجاز بالنسبة للغة بل بعض قليل من النصوص خص بمعنى جديد كالصلاة والصوم ولكن باقي الألفاظ إنما هي باقية على مدلولاتها اللغوية.
فمثلا الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين... كل لفظة من هذه الآيات إنما تعرف مِن اللغة ولم يضع لها الشرع معاني خاصة فليس الحمد والإله والرب والعالمين وغيرها يراد بها غير ما عرفته العرب بخلاف أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فإن الصلاة والزكاة لم تعرف العرب معانيهما الشرعية وإنما فسرها الشرع.
( تعليقات على النص )
(فالحقيقة: ما بقي في الاستعمال على موضوعه ) المراد بموضوعه هو مدلوله ومعناه اللغوي الأصلي مثل استعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس المعروف هذا هو التعريف الأول للحقيقة، ثم ذكر تعريفا ثانيا لبعض العلماء (وقيل ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطِبة ) أي من قبل الجماعة المتخاطِبة بهذا المصطلح لأنهم إن كانوا أهل اللغة فتكون الحقيقة لغوية، وإن كانوا أهل الشرع فالحقيقة شرعية، وإن كانوا أهل العرف فالحقيقة عرفية.
والفرق بين التعريفين لا يشمل غير الحقيقة اللغوية، فتكون الحقيقة الشرعية كالصلاة بمعنى العبادة المعروفة والحقيقة العرفية كالواجب فيما يثاب على فعله ويعاقب على تركه مجازا، بينما يشمل التعريف الثاني الحقائق الثلاث: اللغوية والشرعية والعرفية، بسبب نصه على ذلك بعبارة ( فيما اصطلح عليه من المخاطبة ).
والظاهر أن صاحب التعريف الأول ينكر الحقيقة الشرعية والعرفية ويعتبرهما مجازا لغويا ليس غير، بينما صاحب التعريف الثاني يعترف بالحقيقة الشرعية والعرفية ويجعل معنى الحقيقة شيئا إضافيا فيكون اللفظ الواحد حقيقة باصطلاح ومجازا باصطلاح آخر والتعريف الثاني هو المعتمد إذْ أنَّ إنكار الحقائق الشرعية والعرفية ضعيف.
ثم بدأ بتعريف المجاز فقال ( ما تجور به عن موضوعه ) أي لفظ تجور به عن موضوعه اللغوي الأصلي، والتجوز هو التعدي والنقل أي نقل اللفظ من موضوعه الأصلي إلى معنى آخر كاستعمال الأسد بمعنى الرجل الشجاع.
ثم اعلم أن المجاز له تعريفان أيضا بحسب الاختلاف في تعريف الحقيقة، فعلى التعريف الأول للحقيقة يكون تعريف المجاز هو ( ما تجوز به عن موضوعه ) وهو الذي اقتصر عليه المؤلف، وأما على التعريف الثاني للحقيقة يكون المجاز: ما استعمل في غير ما اصطلح عليه من المخاطِبة، ولعل المصنف اقتصر على تعريف واحد اختصارا.
( والحقيقة إما لغوية وإما شرعية وإما عرفية ) هذا التقسيم باعتبار الواضع مثال الحقيقة اللغوية الأسد في الحيوان المفترس المعروف، والحقيقة الشرعية: الصلاة بمعنى العبادة المعروفة والحقيقة العرفية الغائط في الخارج من الدبر.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي أقسام الحقيقة ؟
2- ما هو تعريف المجاز المختار ؟
3- مثِّل بمثال مِن عندك لكل قسم من أقسام الحقيقة؟
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس الثامن )
أقسام المجاز
المجاز هو: اللفظ المستعمل في غير المعنى الذي اصطلح عليه من قبل الجماعة المخاطِبة.
وينقسم المجاز إلى: مجاز لغوي، ومجاز عقلي.
فالمجاز اللغوي هو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له.
والمجاز العقلي هو: إسناد الكلمة إلى غير من هي له.
مثال: إذا استعملتَ الأسد في الرجل الشجاع فهذا مجاز لغوي لأنك استعملت لفظ الأسد في غير معناه الأصلي تقول رأيت أسد يحمل بندقيته، تقصدُ رجلا شجاعا.
مثال: بنى الأمير المدينة، فهذا مجاز واقع في الإسناد لأنك أسندت البناء إلى غير من هو له أي غير المتصف به حقيقة، لأن البناء هو حمل الجص والطابوق ومباشرة العمل والأمير لم يفعل شيئا من ذلك وإنما هو أمر ببناء المدينة فلأنه سبب في وقوع البناء أسند الفعل ( بنى ) له والأصل الحقيقي هو: بنى العمال المدينة بأمر الأمير.
والفرق بين المجاز اللغوي والمجاز العقلي هو أن اللغوي واقع في نفس الكلمة بينما العقلي واقع في الإسناد ولم يقع في الكلمة نفسها، فحينما قلت رأيت أسدا يحمل بندقيته فكلمة أسد هنا مجاز، وحينما قلتَ: بنى الأمير المدينة فالأمر مختلف، فهنا عندنا ثلاث كلمات:( بنى والأمير والمدينة ) ولم يقع في أي منها مجاز لأنك تقصد بالبناء معناه الحقيقي وهو رفع البنيان وتقصد بالأمير معناه الحقيقي وهو أمير المدينة وتقصد بالمدينة معناها الحقيقي وهو ما يقابل القرية فلا تستطيع أن تشخص كلمة وتقول إن المجاز وقع فيها وإنما وقع المجاز في الإسناد وهو إسناد ونسبة البناء إلى الأمير ولهذا يسمى المجاز العقلي بالمجاز في الإسناد.
ثم المجاز اللغوي ينقسم إلى: استعارة، ومجاز مرسل.
فالاستعارة: مجاز علاقته التشبيه. والمجاز المرسل: مجاز ليس علاقته التشبيه.
مثال: إذا قلتَ: رأيت أسداً يحمل بندقيته فهذه استعارة لأن العلاقة بين الحيوان المفترس وبين الرجل الشجاع هي الشجاعة في كل منهما والأصل الحقيقي للمثال هو: رأيت رجلا شجاعا يحمل بندقيته كأنه أسدٌ.
مثال: إذا قلتَ: زيدٌ لهُ يَدٌ عليّ، فهذا مجاز لأنك تقصد باليد النعمة فزيد قد صنع لكَ معروفاً فاستعملت اليد وحقيقتها العضو المعروف في معنى مجازي وهو النعمة والعلاقة بين العضو والنعمة ليس التشبيه بل السببية لأن اليد سبب للنعمة فالعادة أن من يريد أن يعطي شيئا يستعمل يده فهذا يسمى مجازا مرسلا والعلاقة هي السببية.
مثال آخر: قال تعالى " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " والغائط - كما ذكرنا- أصله في اللغة المكان المنخفض ثم استعمل مجازا للخارج من الدبر وصار حقيقة عرفية، فإذا نظرنا إلى الأصل اللغوي نجد أن استعمال الغائط في الخارج من الدبر مجاز وللمكان المنخفض حقيقة ونجد أن العلاقة بين المكان المنخفض وبين الخارج من الدبر هو المجاورة لأنه كان مَن يريد قضاء حاجته يخرج إلى أرض منخفضة كي يستتر فيها عن أعين الناس ليقضي حاجته فلأن من يريد الحاجة يجاور الأرض المنخفضة أطلق الغائط على نفس الخارج النجِس لعلاقة المجاورة.
والمجاز المرسل نوعان: 1- مجاز مرسل له علاقة، 2- مجاز مرسل ليس له علاقة.
فالذي له علاقة قد ذكرنا مثاله كعلاقة السببية في قولك: زيدٌ له يدٌ عليّ، وعلاقة المجاورة في الغائط.
والذي ليس له علاقة نوعان:
أ- مجاز بالحذف. ب- مجاز بالزيادة.
مثال: قال تعالى " واسأل القرية " أي واسأل أهل القرية، وذلك لأن أبناء يعقوب عليه السلام قالوا لأبيهم إن ابنك قد سرق ولكي تتأكد اسأل القرية، ومعنى القرية في اللغة هي البيوت المجتمعة من المبنية من طين ونحوه ولا يمكن أن يسأل القرية لأنها جماد لا يعقل والمعنى اسأل أهل القرية، فهذا مجاز بالحذف لتقدير كلمة أهل.
مثال: قال تعالى : " ليس كمثله شيء " والمعنى في الآية كما قال كثير من أهل العلم هو أن الله ليس مثله شيء فلا يشبهه شيء من المخلوقات سبحانه والكاف في قوله تعالى " كمثله " معناها في اللغة هو المثل تقول زيد كالقمر أي مثل القمر، فعليه يكون معنى الآية ليس مثل مثله شيء وهذا يعني أن لله سبحانه مثيلا وهذا المثيل ليس مثله شيء تعالى الله عن ذلك فتكون الكاف زائدة والمعنى ليس مثله شيء وهذا مجاز بالزيادة أي بزيادة الكاف هنا.
فإن قيل فكيف يكون في كلام الله ما هو زائد ؟
قلنا: لا تتوهم أن معنى الزيادة أنها لا فائدة لها فلا نقصد هذا إطلاقا بل نقصد أن أصل المعنى يتأدى من دون تلك الزيادة ولكن جيء بالكاف لأجل إفادة التوكيد، وهذا أسلوب معروف في لغة العرب، وحينئذ تكون تلك الكاف للتوكيد أي توكيد أن الله ليس شيْ مثله فكأن الله تعالى قال إنه ليس مثله شيء.
وهنا نصل إلى قاعدة مهمة وهي: إذا دار اللفظ في النصوص الشرعية بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فاحمله على المعنى الشرعي فالصلاة والصيام والزكاة حينما ترد في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يراد معانيها الشرعية. مثال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور. رواه مسلم.
فالمعنى لا تصح العبادة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم إلا بتطهر، وليس معناه أنه لا يصح الدعاء إلا بتطهر.
( تعليقات على النص )
( والمجاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان، أو نقل، أو استعارة ) نقول: إن المجاز قسمان مجاز لغوي ومجاز عقلي، والمجاز اللغوي قسمان مجاز مرسل واستعارة، فمجاز الزيادة والنقصان والنقل ترجع إلى المجاز المرسل، والمجاز بالاستعارة يرجع إلى الاستعارة فافهم.
( فالمجاز بالزيادة مثل قوله تعالى: ليس كمثله شيء ) لأن معنى الكاف هو مِثل فيكون معنى الآية ليس مثل مثله شيء وهذا يقتضي أن لله مثلا وهو لا يصح قطعا، فلذا حملت الكاف على أنها زائدة لغرض التوكيد أي توكيد أن الله ليس مثله شيء.
( والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالى : واسأل القرية ) لأن القرية هي بيوت وهي جماد لا يعقل فلا معنى لتوجيه السؤال إليها بل المراد واسأل أهل القرية فتكون أهل محذوفة ولكنها مرادة في الآية.
( والمجاز بالنقل مثل الغائط فيما يخرج من الإنسان ) الذي ظهر لي أن النقل معناه هنا هو النقل من المعنى الأصلي إلى معنى آخر لعلاقة غير مشابهة، لأن المشابهة داخلة في الاستعارة، فيكون معنى النقل هو المجاز المرسل ذو العلاقة لأننا ذكرنا من قبل أن المجاز المرسل إما أن تكون له علاقة كالسببية والمجاورة أو ليس له علاقة كالمجاز بالزيادة والحذف، والذي دعانا إلى تفسير النقل بهذا هو مثال المصنف لأنه مثل بالغائط وهو مذكور في علم البلاغة من أمثلة المجاز المرسل لعلاقة المجاورة، ولأننا إذا فسرنا النقل بمعناه العام وهو نقل اللفظ من معناه الأصلي إلى معنى آخر فسيشمل الاستعارة بل يشمل كل أقسام المجاز لأن كل مجاز فيه نقل فلا معنى لجعل النقل من أقسام المجاز حينئذ.
فإن قيل: ولكنكم ذكرتم من قبل أن الغائط حقيقة عرفية فكيف جعلتموه هنا مجازا؟
قلنا: لا إشكال في ذلك لأن جعله حقيقة بالنظر إلى العرف العام وجعله مجازا بالنظر إلى اللغة، وكنا قد ذكرنا من قبل أن الشيء الواحد قد يكون حقيقة بالنظر إلى الشرع أو العرف ويكون مجازا بالنظر إلى اللغة كالصلاة بمعنى العبادة المعروفة فهي حقيقة في الشرع، مجاز في اللغة.
( والمجاز بالاستعارة كقوله تعالى:جدارا يريد أن ينقض ) الاستعارة هي: مجاز علاقته المشابهة مثل: رأيت أسدا يحمل بندقيته والأصل رأيت رجلا شجاعا يحمل بندقيته كأنه أسد، ومثل قوله تعالى: جدارا يريد أن ينقض والجدار جماد لا إرادة له، ولكن شبه قرب ميل الجدار إلى السقوط بإرادة السقوط التي هي من صفات الأحياء والأصل جدارا يميل إلى السقوط كأنه يريد أن ينقض أي يسقط.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هي أنواع المجاز ؟
2- ما الفرق بين الاستعارة والمجاز المرسل ؟
3- مثل بمثال مِن عندك للاستعارة والمجاز المرسل ؟
( التمارين )
بيّن نوعَ المجاز في النصوص التالية:
1- قال تعالى ( وأشربوا في قلوبهم العجل ).
2- قال تعالى ( ما منعك ألا تسجد إذْ أمرتُك ).
3- قال تعالى عن فرعون ( يُذَبِّحُ أبنائهم ويستحْيِي نسائهم إنه كان من المفسدين ).
4- قال تعالى ( ويُنَزِّل لكم من السماء رزقا ).
5- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل وهل يسب الرجل والديه؟ قال نعم يسب أبا الرجل، فيسب الرجل أباه، ويسب أمه فيسب أمه ) متفق عليه.
.............................. .............................. .............................. .....................
1- ليس المقصود أنهم شربوا العجل بل هو على حذف مضاف أي شربوا حب العجل أي خالط حب العجل قلوبهم فهو مجاز مرسل بالنقصان.
2- المعنى ما منعك أن تسجد إذْ أمرتك، فتكون لا زائدة جيء بها للتوكيد فهو مجاز مرسل بالزيادة.
3- ليس فرعون هو من كان يمسك أبنائهم ويذبحهم بيديه بل هو كان الآمر بذلك فهو كقولنا بنى الأمير المدينة، فتكون الآية من قبيل المجاز العقلي.
4- المراد ينزل لكم من السماء ماء وهو سينبت به لكم الزرع والنبات الذي هو رزقكم، فهو مجاز مرسل علاقته السببية لأن الماء سبب الرزق.
5- هنا يوجد مجاز لأن قوله صلى الله عليه وسلم ( من الكبائر شتم الرجل والديه ) معناه الحقيقي أن يشتم الولد والديه، ولكنه أراد به التسبب في شتم والديه فهو مجاز مرسل علاقته السببية.
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس التاسع )
باب الأمر
الأمر هو : القول الدال على طلب الفعل ممن هو دونه على سبيل الوجوب.
مثال: قال الله تعالى ( وأقيموا الصلاة ) فأقيموا أمر؛ لأنه قول ولفظ دال على طلب فعل وهو إقامة الصلاة ، وقد وقع الأمر لمن هو دون الآمر في الرتبة لأن الله سبحانه هنا هو من أمر عبادة وهم دونه في المنزلة، وكان هذا الأمر على سبيل الوجوب والجزم بحيث يثاب من فعله ويعاقب من تركه.
ولنسلط الضوء على ألفاظ التعريف:
( القول ) القول هو: اللفظ الدال على معنى، فيخرج اللفظ المهمل لأنه غير دال على معنى، وبهذا نستفيد أن الأمر هو من الألفاظ، فيوصف به اللفظ فيقال هذا اللفظ أمر.
( الدال على طلب الفعل ) يخرج الحرام والمكروه لأنه ليس فيهما طلب فعل بل طلب ترك، ويخرج المباح أيضا لأنه ليس فيه طلب أصلا بل فيه تخيير، ويبقى الواجب والمندوب.
( ممن هو دونه ) أي ممن هو دون الآمر فأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها هذه الصفة فالله أعلى من خلقه والرسول أعلى رتبة من المرسل إليهم، وكذلك يشمل أمر الأب لأولاده والسيد لعبيده والرئيس والملك لرعيته.
وهذا القيد يخرج القول الدال على طلب الفعل ممن يساوي الطالب أو من هو أعلى منه منزلة.
مثال: زيد وعمرو صديقان فقال زيد لعمرو ناولني المفتاح من عندك، فهذا ليس أمرا بل التماسا لأنه صدر ممن يساويه فليس لزيد على عمرو مزية حتى يأمره.
مثال: قال زيد اللهم اغفر لي، فاغفر قول دال على طلب الفعل لكن صدر ممن هو دون المطلوب منه لأن الله سبحانه فوق عباده فلا يسمى اغفر لي أمرا بل يسمى دعاءً، فعلم أن عبارة ممن هو دونه تخرج الالتماس والدعاء.
قولنا ( على سبيل الوجوب ) سبيل بمعنى صفة أي على صفة الوجوب والتحتم لا على سبيل الندب، فلا يصدق الأمر إلا على ما يدل على الوجوب نحو أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فيخرج المندوب.
واللفظ الذي يطلب به الفعل ممن هو دونه على سبيل الوجوب هو صيغة ( افعل ) وما شابهها مثل استفعل وتفعل مثل اكتبْ واستخرِجْ وتقدَّمْ ، ومثلها المضارع المقرون بلام الأمر مثل: لِيُنفقْ ذو سعَةٍ مِن سَعَتِه.
وقد يستفاد الوجوب من غير صيغة افعل مثل أن يعرف الوجوب من لفظ كتب وفرض كقوله تعالى: ( كتب عليكم الصيام )، وكقول الصحابي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
ثم إنَّ افعلْ وما شابهها تدل على الوجوب حقيقة وعلى غيره من المعاني مجازا فهذه قاعدة ( افعل للوجوب حقيقة ) ويعبرون عنها بالأمر يدل على الوجوب، فإذا جاء في الكلام صيغة أمر فهنا ثلاث حالات:
1- أن يكون هنالك قرينة ودليل يدل على الوجوب مثل أقم الصلوات الخمس وإلا ذهبت للنار.
فعبارة وإلا ذهبت للنار تدل على أن المراد بأقم الصلوات هو الوجوب لأنه لا يتوعد بالنار على ترك المستحب.
2- أن يكون هنالك قرينة ودليل يدل على عدم الوجوب مثل صل سنة الفجر إن أحببت، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة لمن شاء ) رواه البخاري. فقوله لمن شاء دل على أن الأمر بسنة المغرب القبلية للندب وليس للوجوب لأنه لا يقال في الفرائض لمن شاء كما هو معلوم.
3- أن لا يكون هنالك قرينة تدل على الوجوب، ولا قرينة تدل على عدم الوجوب فحينئذ نحمله على الوجوب، ولهذا يقول العلماء: ( الأمر المطلق يدل على الوجوب ) وعليه فمتى رأيت نصا شرعيا من كتاب أو سنة فيه أمر فاحمله على الوجوب إلا لقرينة تصرفه لغير الوجوب كقوله تعالى: ( يا أيها الذين إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم... ) الآية فاغسلوا أمر يدل على الوجوب ولا قرينة تصرفه لغيره فيكون الوضوء واجبا وكقوله تعالى ( وأشهِدوا إذا تبايعتم ) وأشهدوا أمر فظاهره الوجوب ولكن دلّ دليل على عدم الوجوب وهو أنه صلى الله عليه وسلم باع ولم يشهد رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح فصرف الأمر بالإشهاد إلى الندب.
ثم قد يخرج الأمر من معناه الحقيقي إلى معان مجازية يعينها الدليل والقرينة ومنها:
أولا: الندب كما في الأمر بالإشهاد في البيع كما ذكرناه قبل قليل.
ثانيا: الإباحة أي يكون المراد بصيغة افعل هو التخيير فلا ثواب ولا عقاب، كقوله تعالى: ولا تقربوا الصيد وأنت حرم، فيدل على حرمة الصيد أثناء الإحرام ثم قال تعالى فإذا حللتم فاصطادوا فقوله تعالى فاصطادوا أمر ولكن لا يراد به الوجوب فلا يقال لمن أكمل حجه اذهب وخذ رمحا واصطاد وإنما المعنى أنه قد أبيح لكم الصيد بدليل أنه ورد الأمر بالصيد بعد النهي عنه فيكون الأمر رافعا لذلك النهي فيعود الصيد مباحا كما كان قبل الإحرام.
ثالثا: التهديد أي لا يطلب منه إيجاد الفعل بل يهدده بالعقاب إن فعل، كقوله تعالى: تمتعوا فإن مصيركم إلى النار. فتمتعوا أمر ولكن يراد به التهديد من التمتع بالمحرمات مع نسيان الآخرة بدليل قوله فإن مصيركم إلى النار.
رابعا: للتسوية بين أمرين كقوله: فاصبروا أو لا تصبروا أي سواء صبرتم أولا فليس المراد الأمر بالصبر على النار.
خامسا: التكوين أي الإيجاد مثل قوله تعالى كونوا قردة خاسئين فهنا لم يأمر الله سبحانه الذين اصطادوا يوم السبت من بني إسرائيل بأن يجعلوا أنفسهم قردة بل هنا كونوا بمعنى تحولوا إلى قرود لأن الله سبحانه إذا أراد شيئا قال له كن كذا فيكون كما أراده الله، ولهذا يقول العلماء إن الأمر هنا تكويني وليس تشريعيا.
( تعليقات على النص )
( والأمر استدعاء ) أي طلب ( الفعل بالقول ) هو اللفظ الدال على معنى ( ممن هو دونه ) أي ممن هو دون الآمِر فالمطلوب منه الفعل أدنى من الآمر ( على سبيل الوجوب ) أي على صفة الجزم فيخرج المندوب.
( والصيغة ) أي اللفظ الموضوع في اللغة ( الدالة عليه ) أي على الأمر هي ( افعل ) أي فعل الأمر سواء على صيغة افعل أو استفعِل أو تفعّل مثل اكتب واستخرجْ وتقدّم.
( وهي ) أي افعل ( عند الإطلاق والتجرد عن القرينة ) التجرد عن القرينة هو تفسير للإطلاق ( تحمل عليه ) أي على الوجوب فهو المعنى الحقيقي للأمر ( إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو الإباحة) مثال دليل الندب بيعه صلى الله عليه وسلم بدون إشهاد فهو دليل دل على أن المراد بقوله تعالى ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) الندب وليس الوجوب، ومثال دليل الإباحة كون الأمر قد ورد بعد حظر مثل قوله تعالى : (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن ) فهنا الأمر بالإتيان بعد الطهر للإباحة، فعلم أن الأمر قد يخرج من الوجوب إلى الندب أو الإباحة، ولا يخرج لغيرهما من أقسام الحكم التكليفي فلا يأتي الأمر للتحريم أو الكراهة.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو تعريف الأمر ؟
2- ما هو المعنى الذي تدل عليه صيغة افعل عند الإطلاق ؟
3- ما هي المعاني المجازية التي يخرج إليها الأمر ؟
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس العاشر )
الأمر لا يقتضي تكرارا ولا فورا
هنا نبين مسألتين:
الأولى: الأمر المطلق لا يدل على التكرار.
ولتوضيح ذلك نقول:
الأمر له ثلاث أحوال:
1- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على التكرار أي أن الفعل لا يطلب لمرة واحدة بل يتكرر ويجب على المكلف أن يأتي به في كل مرة مثل الصلوات الخمس فهي متكررة كل يوم فكلما طلع الفجر الصادق وجبت صلاة الصبح وكلما زالت الشمس عن وسط السماء وجبت صلاة الظهر وهكذا فهذا أمره واضح وهو وجوب التكرار.
2- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على عدم التكرار أي أن الفعل يجب لمرة واحدة فقط ولا يتكرر وجوبه مثل الحج فهذا يجب أن يفعل مرة واحدة في العمر كله لمن استطاع فهذا أمره واضح أيضا وهو عدم وجوب التكرار.
3- أن يكون الأمر مطلقا لم يأت معه ما يدل على التكرار أو عدم التكرار بأن يقول له افعل كذا بدون تقييد بتكرار أو عدمه فحينئذ يحمل على ماذا؟
الجواب: يحمل على عدم التكرار أي يكفي أن تقوم بالفعل مرة واحدة لتبرأ ذمتك.
الثانية: الأمر المطلق لا يدل على الفورية.
ولتوضيح ذلك نقول:
الأمر له ثلاث أحوال:
1- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على الفورية مثل صل الآن، فهذا يدل على أنه يجب على المخاطب أن يقوم ويصل الآن بلا تأخير، فالآن هنا دليل بين لنا أن الأمر يراد به الفورية ومن هذا القبيل الأمر بالتوبة من الذنوب فإنها واجبة على الفور بالإجماع.
2- أن يكون الأمر قد جاء معه ما يدل على التراخي أي عدم الفورية مثل صل غدا فهذا يدل على أنه المطلوب هو التأخير إلى الغد .
3- أن يكون الأمر مطلقا لم يقترن به ما يدل على الفور أو التراخي مثل صلِّ فحينئذ على ماذا يحمل؟
الجواب: لا يحمل على الفورية بل يحمل على أنه يجوز أن يفعل في أي وقت سواء فعل مباشرة أو أخر إلى فترة طويلة ومن هذا القبيل الأمر بالحج والعمرة فهو واجب ليس على الفور بل يجوز أن يفعل في أي وقت قبل أن يموت، قال تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) فهنا الأمر أتموا لم يقيد بما يدل على الفور فيكون موسعا في مدته على طول العمر.
( تعليقات على النص )
( ولا يقتضي ) أي لا يوجب ولا يستلزم الأمر ( التكرار ) بل يحصل الامتثال بفعل المأمور مرة واحدة ( على الصحيح ) من أقوال أهل العلم، والقول الآخر هو أنه يقتضي التكرار وهو ضعيف، ( إلا إذا دل الدليل على قصد التكرار) كالصلوات الخمس فإنها تدل على التكرار كل يوم وليلة في أوقاتها المعلومة، ومثل الأمر المعلق على شرط كقوله تعالى ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) فكلما وجدت الجنابة وجب التطهر.
( ولا يقتضي الفور ) أيضا على ما اختاره المصنف وقال بعض العلماء إنه يدل على الفور، ولم يقل المصنف هنا إلا إذا دل الدليل على الفور ولعله تركه اختصارا، فإذا دل دليل على الفور فإنه يحمل عليه كالأمر بالتوبة فإنها تطلب على الفور بدليل قوله تعالى ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) وقد انعقد الإجماع على ذلك.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم هل يدل الأمر المطلق على التكرار ؟
2- هل يدل الأمر المطلق على الفور ؟
3- متى يمكن أن يدل الأمر على التكرار ؟
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس الحادي عشر )
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
هذه من قواعد علم الأصول المشهورة وفي بيانها أقول:
قد عرفنا أن الواجب هو فعل المكلف الذي يثاب على فعله ويعاقب على تركه فلا مفر للعبد من فعله، وقد يتوقف الفعل الواجب على فعل شيء آخر فلا يمكن القيام بالواجب إلا إذا قمنا بذلك الفعل معه فحينئذ يقول العلماء:
( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) أي ما دام أن الواجب قد توقف على فعل شيء فذلك الشيء يصير واجبا أيضا لأنه مقدمة لفعل الواجب.
مثال: الحج واجب ولا يمكن فعله للبعيد عن مكة من غير راحلة ووسيلة للنقل فيصير توفير هذه الوسيلة واجب لأن الحج توقف عليها فلا يتم إلا بها فتصير واجبة.
وهذا الذي يتوقف فعل الواجب عليه قسمان:
أولا: قد دلّ نص خاص على وجوبه فحينئذ تكون هذه القاعدة تفيد التأكيد على الوجوب.
مثال: الصلاة لا تصح بدون الوضوء فصار فعلها متوقفا على الوضوء، والوضوء جاءت أدلة تأمر به فيصير مأمورا به بتلك الأدلة، وبالقاعدة أيضا لأنه ما دام توقفت الصلاة عليه فيصير واجبا.
ثانيا: ما لم يدل دليل خاص على وجوبه فحينئذ تكون القاعدة هي الدالة على وجوبه.
مثال: الأمر بالوضوء يتوقف على شراء الماء إن لم يكن عندك ماء وكان عندك مال لأنه لا يتم الوضوء إلا بالماء فيجب تحصيله، وهنا لم يأت دليل خاص يقول اشتروا الماء للوضوء، ولكن دلت القاعدة على الوجوب.
ثم ينبغي التفريق بين أن يتوقف وجود الواجب على شيء فيصير واجبا، وبين أن يتوقف الوجوب على شيء فلا يجب وبيانه كالتالي:
التوقف نوعان:
1- توقف وجوب الواجب على شيء فهذا ليس بواجب على المكلف، كملك النصاب فهو سبب لوجوب الزكاة فلا يكلف من لا يملك النصاب بالسعي لتحصيله كي تجب عليه الزكاة.
2- توقف وجود الواجب عليه في الخارج سواء أكان سببا أو شرطا فهذا واجب على المكلف.
كالأمر بالصلاة أمر بها وبما لا تصح إلا بها كالطهارة واستقبال القبلة وستر العورة.
وتسمى هذه القاعدة بمقدمة الواجب أيضا.
والفرق هو أن الزكاة غير واجبة إلا إذا وجد المال فلا يقال للمكلف اذهب واستدع الوجوب بأن يقال له أنت لا تجب عليك الزكاة الآن لأنك فقير ولكن اذهب واجمع المال كي تجب عليك الزكاة.
أما الصلاة فهي واجبة وهو مكلف بها ويؤمر لتحصليها بفعل أشياء قبلها، فالوجوب غير مستقر في الحالة الأولى بخلاف الثانية فالوجوب مستقر والخطاب توجه على العبد فلا بد من أن يمتثل.
قاعدة: إذا فعل الشخص الواجب بشروطه وأركانه فقد أجزأه ذلك الفعل أي برأت ذمته وسقط الطلب عنه ووقع فعله صحيحا.
مثال: شخص صلى كما أمره الله سبحانه فهنا تكون الصلاة صحيحة ويسقط الطلب عنه وتبرأ ذمته فلا يقال له ارجع وأعد الصلاة.
فإذا لم يفعل كما أراده الله فلا يسقط عنه الطلب كأن يصلي بلا وضوء أو غير مستقبل القبلة.
( تعليقات على النص )
( والأمر بإيجاد الفعل ) كالأمر بإيجاد الصلاة في قوله تعالى: وأقيموا الصلاة ( أمر به ) أي أمر بذلك الفعل كالصلاة ( وبما لا يتم الفعل إلا به ) أي ويؤمر أيضا بالشيء الذي لا يتم ولا يحصل الفعل الأول إلا به ( كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة المؤدية إليها ) أي الموصلة إلى صحتها.
( وإذا فُعلَ ) أي المأمور ( خرج عن العهدة ) بأن يسقط الطلب فتبرأ ذمته، ففعل المأمور يقتضي الصحة فمن صلى مثلا مستجمعا في صلاته ما يطلب فيها فقد أدى ما عليه وسقط عنه الطلب.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما معنى مقدمة الواجب ؟
2- ما الفرق بين ما لا يتم الواجب إلا به، وبين ما لا يتم الوجوب إلا به ؟
3- مثل بمثال من عندك لقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ؟
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس الثاني عشر )
من يدخل في الأمر والنهي ومَن لا يدخل
هنا مسألة مَن المخاطب بهذه الأوامر والنواهي فإذا قال الله تعالى (وأقيموا الصلاة ) وقال ( ولا تقربوا الزنى ) فهنا من يخاطب بهذا الكلام هل كل إنسان كيفما كان أو هنالك فئة معينة هل التي يتوجه عليها الخطاب؟
الجواب: كل مسلم وكل مسلمة يشملهم الخطاب وطلب الفعل أو طلب الترك، ويستثنى من يلي:
1- المجنون، فهو غير مكلف أي هو غير داخل في أقيموا الصلاة ونحوها.
2- الصبي، فهو غير مكلف أيضا سواء أكان مميزا يفهم الكلام ويعقل أو كان غير مميز فلا يخاطب إلا إذا بلغ، ولكن هنالك أوامر تتوجه إلى ولي الصبي بأن يأمره بالصلاة لسبع ويضربه إذا بلغ عشر سنين ويأمره كذلك بالطهارة والصوم، وينهاه عن الزنا وشرب الخمر واللواط ونحوها، ولكن لا يجري عليه القلم ولا يحتسب عليه الإثم إلا إذا بلغ، والخطاب بالأصل توجه إلى وليه كي ينشئه نشأة صالحة.
3- الساهي أي الناسي فمن نسي الصلاة حتى خرج وقتها فإنه لا يأثم لأنه حال سهوه لم يكن مخاطبا فإذا انتبه وتذكر توجه الخطاب عليه ولزمه قضاء الصلاة بعد خروج وقتها، ومثل الناسي النائم.
أما الكافر فهل يتوجه عليه الخطاب ؟
الجواب: نعم فهو يؤمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والوضوء ونحوها ولكنها لا تصح منه إلا إذا أسلم.
فإن قيل: ولكن الفقهاء يذكرون مِن شروط وجوب الصلاة والزكاة والصوم وغيرها الإسلام ويقولون إن الكافر لا تجب عليه الصلاة ونحوها فكيف تقولون إنه مخاطب بها؟
قلنا: لا تعارض لأن الكافر لا يطالب في الدنيا بالصلاة ونحوها وإذا فعلها في حال كفره فإنه لا تصح منه لأنه لم يأت بشرط صحتها وهو الإسلام، ولكنه في الآخرة يعاقب عليها أي يعاقب على الكفر وعدم الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ويعاقب أيضا على ترك الصلاة والزكاة والصوم وعلى شرب الخمر والزنا والربا وغيرها من التكاليف، فظهر أن لا يطالب بفعلها حال كفره، ولكنه يعاقب عليه في الآخرة.
الأمر بالشيء والنهي عن ضده
هنا قاعدتان مهمتان:
أولاهما: الأمر بشيء هو نهي عن جميع أضداده في المعنى.
كالأمر بفعل الصلاة بقوله تعالى ( أقيموا الصلاة ) يستلزم حرمة جميع الأضداد التي تنافي فعل الصلاة كالانشغال بالأكل والشرب واللعب والجماع ونحوها.
مثال آخر: الأمر بالثبات في لقاء العدو قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ) يستلزم النهي عن ضده وهو الفرار من المعركة.
ثانيهما: النهي عن شيء أمر بواحد من أضداده في المعنى.
كالنهي عن فعل الزنا بقوله تعالى ( لا تقربوا الزنا ) يستلزم وجوب فعل أي ضد من أضداده كالزواج أو التسري بالإماء أو الصبر.
مثال آخر: النهي عن السرقة في قوله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) يستلزم وجوب فعل أي ضد للسرقة كالعمل والكسب الشريف، أو التعفف، أو طلب الدَين ونحو ذلك.
ومن هنا قال العلماء: إن إيجاب الشيء يقتضي حرمة جميع الأضداد المنافية له، وإن تحريم الشيء يقتضي وجوب فعل أي ضد من أضداده.
( تعليقات على النص )
(والكفار مخاطبون بفروع الشرائع) أي الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين كالصلاة والصوم والطهارة ونحوها على الصحيح من أقوال أهل العلم، أما أحكام الاعتقاد وتسمى أصول الشرائع فهم مكلفون بها بالإجماع ولذا قال: ( وبما لا تصح إلا به وهو الإسلام) أي هم مخاطبون بالفروع وبالذي يصحح تلك الفروع وهو الإسلام فلو صلى الكافر حال كفره فلا عبرة بصلاته، ولما كان في المسألة خلاف استدل على ما ذكره ( لقوله تعالى: ما سلككم في سقر قالوا لم نكُ من المصلين ) هذا خطاب من المؤمنين للكفار يوم القيامة فيقولون لهم: ما أدخلكم سقر وهي أسفل طبقات النار وأشدها عذابا، فيقول الكفار: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين أي لم نكن نزكي، وكنا نكذب بيوم الدين، فحاسبهم على الفروع وهي الصلاة والزكاة مثلما حاسبهم على الأصول كالتكذيب بيوم الدين.
ثم قال ( والأمر بالشيء نهي عن ضده ) من جهة المعنى والاستلزام لأن قم يستلزم أن لا تقعد أو تنام والأفضل أن يقول أضداده لأن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده.
( والنهي عن الشيء أمر بضده ) أي أمر بواحد من أضداده في المعنى لأن لا تقم يستلزم أن تبقى جالسا أو تنام.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم مَن هم الذين لا يدخلون في الأمر والنهي ؟
2- ما معنى أن الأمر بالشيء نهي عن أضداده ؟
3- ما معنى أن النهي عن الشيء أمر بواحد مِن أضداده ؟
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
جزاكم الله خيراً على ما تقدمون
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رضا الحملاوي
جزاكم الله خيراً على ما تقدمون
وجزاكم الله خيرا ونفع بكم.
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس الثالث عشر )
باب النهي
النهي: القول الدال على طلب الترك ممن هو دونه على سبيل الوجوب.
مثال: قال الله تعالى ( ولا تقربوا الزنى ) فهذا قول دال على طلب الترك أي ترك الزنى وقد صدر من الأعلى وهو الرب جلا وعلا إلى من هو دونه وهم خلقه وكان طلب الترك على سبيل الإلزام والوجوب لأن من خالف وزنى يكون قد أثم وعرّض نفسه للعقاب.
ولنسلط الضوء على ألفاظ التعريف:
قولنا ( القول ) هو لفظ دال على معنى وهذا يخرج اللفظ المهمل.
قولنا ( دال على طلب الترك ) يخرج الواجب والمندوب لأن المطلوب فيهما هو الفعل لا الترك، ويخرج المباح أيضا لأنه ليس فيه طلب ويدخل الحرام والمكروه.
قولنا ( ممن هو دونه ) أي ممن هو دون الناهي فيخرج الالتماس والدعاء، مثال الالتماس قول الصديق لصديقه لا تذهب وتتركني، ومثال الدعاء ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
قولنا ( على سبيل الوجوب ) أي طلب الترك على سبيل الوجوب أي الجزم والتحتم بأن لا يجوز معه الفعل مثل النهي عن الزنا، ويخرج بذلك المكروه فإنه يجوز للعبد أن يفعله.
واللفظ الموضوع لطلب الترك ممن هو دونه على سبيل الجزم هو ( لا تفعلْ ) مثل لا تسرقْ ولا تستخرجْ ولا تتقدمْ.
وقد يستفاد النهي من غير صيغة لا تفعل مثل أن يعرف النهي من لفظ التحريم أو النهي كقوله تعالى: ( حرمت عليكم أمهاتكم )، وكقول الصحابي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا.
وهنا عدة مسائل هي:
الأولى: هل يدل النهي المطلق على التحريم؟
الجواب: نعم وبيانه كالتالي:
إن للنهي ثلاث حالات:
1- أن يكون مقيدا بما يدل على التحريم مثل: لا تزن وإلا جلدتك فهذا النهي مقيد بما يدل على التحريم فأمره واضح وهو أنه يحمل على التحريم.
2- أن يكون مقيدا بما يدل على عدم التحريم مثل لا تفعل كذا إن شئت، فهذا يدل على عدم التحريم.
3- أن يكون مطلقا أي غير مقيد بما يدل على التحريم أو عدم التحريم فيحمل على ماذا؟
الجواب: على التحريم مثل قوله تعالى: ( لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم ) أي يحرم ذلك.
وقد يخرج النهي من معنى التحريم إلى معاني أخرى مجازية وحينئذ لا بد من قرينة ودليل تعين ذلك المعنى المجازي وتدل عليه ومن هذه المعاني الكراهة: مثل قوله صلى الله عليه وسلم: لا يشربَنَّ أحدُكم قائما. رواه مسلم فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب الماء قائما كما في البخاري وغيره فيحمل النهي على الكراهة.
المسألة الثانية: هل يدل النهي على التكرار أي إذا نهي عن شيء فهل يطلب من الشخص عدم الفعل دائما ؟
الجواب: نعم يدل على التكرار لأنه متى ما فعل مرة واحدة فقد عصى ووقع في المنهي عنه مثل قوله تعالى: ( ولا تقربوا الزنى ) فلو تركه العبد اليوم ثم فعله غدا فقد وقع في النهي واستحق العقوبة، بخلاف الأمر فهو لا يدل على التكرار.
المسألة الثالثة: هل يدل النهي على الفور أي إذا نهي عن شيء فهل يطلب من الشخص الامتثال فورا ؟
الجواب: نعم فقوله تعالى ( ولا تقربوا الزنى) أي يجب أن تنتهوا عن الزنى فورا بخلاف الأمر فلا يدل على الفور.
المسألة الرابعة ما حكم المنهي عنه من حيث الصحة أو البطلان؟
والجواب على هذا السؤال هو أن القاعدة في هذا المبحث هي: ( النهي يقتضي الفساد ).
ومعنى الفساد في العبادات هو عدم الإجزاء وعدم سقوط الطلب فتبقى ذمته مشغولة، ومعنى الفساد في المعاملات عدم ترتب آثارها عليها.
مثال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يومين : يوم الأضحى ويوم الفطر ) رواه مسلم، فمن صام يوم العيدين فلا يصح صومه، فلو كانَ قد نذر شخص أن يصوم يوما لله فصام يوم العيد فلا يجزئه وعليه أن يصوم يوما آخر.
مثال: قال تعالى: ( ولا تنكحوا ما نكحَ آباؤكم مِن النساء ) فمن تزوج زوجة أبيه فنكاحه باطل ولا يترتب عليه حليه الاستمتاع.
( تعليقات على النص )
( والنهي استدعاءُ التركِ ) بخلاف الأمر فهو استدعاء الفعل ( بالقولِ مِمنْ هو دونَهُ ) أي ممن هو دون الناهي ( على سبيلِ الوجوبِ ) أي الجزم والإلزام بحيث لا يجوز له الفعل وهذا مخرج للنهي على سبيل الكراهة لأن المعنى الحقيقي للنهي يقتضي التحريم، وحيث كان النهي للكراهة أو لغيره من المعاني فهو مجاز ولذا يحتاج إلى قرينة، ثم إنه ولم يقل هنا والصيغة الدالة عليه لا تفعل ولعله تركه للعلم به من مقايسته للأمر.
( ويدلُ ) أي النهي ( على فسادِ المنهيِّ عنهُ ) أي بطلانه بحيث لا يعتد به عبادة كان أو معاملة.
( وتردُ صيغةُ الأمرِ ) أي افعل ( والمرادُ بهِ الإباحةُ ) كقوله فأتوهن من حيث أمركم الله ( أو التهديدُ ) أي التخويف من الفعل مثل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ( أو التسويةُ ) مثل اصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم ( أو التكوينُ ) مثل كونوا قردة خاسئين.
فإن قيل: إن المصنف قال في مبحث الأمر (وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تحمل عليه إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو الإباحة ) فذكر هنالك أن الأمر يخرج إلى الندب والإباحة لدليل، وهنا ذكر معاني أخر وأعاد معها الإباحة فما الفرق بين ما ذكره أولاً وبين ما ذكره هنا؟
قلنا في مبحث الأمر ذكر أن صيغة افعل للوجوب ولا تخرج عنه إلا لدليل، وما ذكره من الندب والإباحة إنما كان لغرض التمثيل لا الحصر، وأما هنا فالمقصود بيان المعاني المجازية التي يخرج الأمر إليها فلا تكرار.
ولكن بقي عليه أن يذكر الندب هنا لأنه من المعاني المجازية التي يكثر خروج الأمر إليها وكأنه اكتفى بذكره من قبل بقوله إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب.
( الأسئلة )
1- ما هو النهي ؟
2- على ماذا يحمل النهي المطلق ؟
3- هل يقتضي النهي الفساد ؟
( التمارين )
بيّن دلالة صيغة الأمر والنهي في النصوص التالية:
1- قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ).
2- قال الله تعالى ( اعملوا ما شئتم إنه بما تعلمون بصير ).
3- قال الله تعالى ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ).
4- قال الله تعالى على لسان عباده ( لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ).
5- قال الله تعالى عن بعض بني إسرائيل ( فقال الله لهم موتوا ثم أحياهم ).
.............................. .............................. .............................. .....................
1- قوله تعالى ( اتقوا الله ) أمر، ومطلق الأمر للوجوب، فتكون تقوى الله واجبة.
2- قوله تعالى ( اعملوا ما شئتم ) أمر، والمراد به هنا هو التهديد، ولذا قال بعده إنه بما تعملون بصير.
3- قوله تعالى ( لا تتبعوا ) نهي، ومطلق النهي للتحريم، فيكون إتباع خطوات الشيطان حراما.
4- قوله تعالى ( لا تؤاخذنا ) نهي، والمراد به هنا هو الدعاء لأنه متوجه من العبد إلى الرب.
5- قوله تعالى ( موتوا ) أمر، والمراد به هنا التكوين لا التكليف بأن يميتوا أنفسهم.
رد: دروس في شرح الورقات غاية في السهولة والوضوح ( المختصر )
( الدرس الرابع عشر )
باب العام والخاص
العام: اللفظُ المستغرِقُ لما يصلِحُ لهُ من غيرِ حصْرٍ.
مثال: أَكرِْمْ الرجالَ، فالرجال لفظ عام لأنه يستغرق أي يشمل جميع الرجال من غير حصر بعدد معين، فلهذا يجب على المخاطَب أن يكرم جميع الرجال لا يستثني منهم أحدا.
ولنسلط الضوء على ألفاظ التعريف: قولنا ( اللفظ) هو: صوت مشتمل على بعض الأحرف، ويفهم منه أن العموم يوصف به الألفاظ فيقال: لفظ عام وكلام عام، فالعام هو لفظ يدل على شمول جميع الأفراد.
قولنا ( المستغرق ) الاستغراق معناه: التناول لما وضع له اللفظ دفعة واحدة، ومعنى دفعة واحدة هو مرة واحدة أي هو يدل على شمول كل الأفراد ليس بشكل تناوبي وهذا يخرج النكرة، وتوضيحه كالآتي:
إذا قلنا: أكرم الرجال، فالمعنى أكرم جميعهم لا أن تكرم بعضا وتترك بعضا آخر فهذا يدل على الاستغراق فيكون لفظ الرجال عاما، وإذا قلنا أكرم رجلا، فهذا لا يدل على الاستغراق بل يدل على واحد غير معين أي أكرم رجلا واحدا ولك أن تختار زيدا أو عمرا أو بكرا أو عليا وهكذا وهذا هو معنى البدل والتناوب أي اختر هذا أو هذا أو هذا، لا أن تختارهم معا دفعة واحدة، فالعام دال على الشمول والنكرة دالة على الشيوع أي على واحد غير معين يمكن أن يصدق على هذا أو ذاك.
قولنا ( لما يصلح له ) أي للمعنى الذي وضع له في اللغة فالرجال عام يشمل جميع ما وضع له اللفظ وهو البالغ العاقل ولا يشمل غير ما وضع له اللفظ كالنساء والأشجار، فلا تتوهم من عبارة المستغرق أنه يستغرق كل المعاني ويدل على جميع أفرادها.
قولنا ( من غير حصر ) يخرج أسماء الأعداد ، فلو قلنا أكرم عشرة رجال ، فهذا ليس بعام لأنه وإن كان هنا كثرة ولكنها محصورة بعدد معين، والعام هو غير الذي يدل على الكثرة بلا حصر.
ولو أردنا أن نجمع الصفات الأساسية التي تكوّن العام لوجدناها هي:
1- اللفظ، فلا يكون العام عاما إلا إذا وجد لفظ منطوق به.
2- أن يكون هذا اللفظ دالا على شمول جميع أفراد معناه، فمثلا الرجال هذا لفظ شامل لكل رجل بلا استثناء.
3- أن يكون مع دلالته على الشمول لا حصر فيه، فلو قلنا أكرم مليار رجل، فهذا ليس بلفظ عام فإنه وإن شمل لفظ المليار لكل أفراده من 1 إلى المليار فإنه لا يعد عاما لأنه لا يشمل المليار + 1 ففيه حصر لفظي فلا يكون عاما.
( تعليقات على النص )
( وأمَّا العامُّ ) أي الذي هو أحد الأقسام الذي تقدم ذكرها في عد أبواب أصول الفقه ( فهو: ما عمّ ) ما هذه تفسر بلفظ، أي لفظ عمّ، وعمّ أي استغرق والاستغراق هو الشمول والتناول دفعة واحدة وهذا يخرج كل لفظ لا استغراق فيه مثل زيد فإنه دال على واحد معين ومثل رجل فإنه دال على واحد غير معين ومثل رجلين فإنه لا استغراق فيه بل يدل على اثنين فقط ومثل رجال فإنه أيضا لا دلالة فيه على استغراق كل الرجال بل هو دال على مجموعة منهم من غير شمول كل الأفراد، ولكن يبقى عليه أسماء العدد مثل مائة وألف فإنها تدل على استغراق وشمول أفرادها ولهذا قال ( شيئينِ فصاعداً ) أي هو يصدق على فردين فأكثر من غير تقييد بعدد فقوله صاعدا أي آخذا العدد في الصعود من غير أن يتوقف عند رقم معين مثل مائة أو ألف أو مليار فعبارة فصاعدا = بلا حصر، فهو يدل على شيئين من غير حصر فإن الرجال يدل على رجلين فصاعدا.
والحاصل أن العام هو: لفظ يستغرق شيئين فصاعدا أي من غير حصر، وبهذا يكون التعريف جامعا مانعا.
( مِن قولِه ) أي أن لفظ العام مأخوذ من قول القائل من العرب الفصحاء ( عممتُ زيدًا وعمراً بالعطاءِ ) أي شملته بهما (وعممتُ جميعَ الناسِ بالعطاءِ ) أي شملتهم به، والقصد من هذا الكلام بيان المعنى اللغوي للعموم وهو أنه يدل على الشمول، والعام الاصطلاحي فيه شمول أيضا واستغراق فناسب المعنى اللغوي المعنى الاصطلاحي وهذا كما يقال في تعريف الصلاة في اللغة هي الدعاء ثم تعرف في الشرع لتظهر المناسبة بين المعنى اللغوي والشرعي.
( الأسئلة )
1- في ضوء ما تقدم ما هو العام ؟
2- ما الفرق بين العام والنكرة ؟
3- مثل بمثال مِن عندك للعام ؟