تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: من بديع مسائل الإمام محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    31

    افتراضي من بديع مسائل الإمام محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه

    المسألة الأولى 1
    سئل، رضي الله عنه عن قوله تعالى في سورة هود:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 2.
    فأجاب بقوله:
    ذكر عن السلف من أهل العلم فيها: أنواع ما يفعله الناس اليوم، ولا يعرفون معناه؛ فمن ذلك: العمل الصالح الذي يفعله3 كثير من الناس ابتغاء وجه الله، من صدقة، وصلة، وإحسان إلى الناس، ونحو ذلك، وكذلك ترك ظلم أو كلام في عرض، مما يفعله الإنسان، أو يتركه خالصاً لله، لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة، وإنما يريد أن يجازى به بحفظ ماله وتنميته، أو حفظ أهله وعياله، أو إدامة النعم عليها، ونحو ذلك، ولا همة لهم في طلب الجنة والهرب من النار، فهذا يُعطى ثواب عمله في الدنيا، وليس له في الآخرة من نصيب. وهذا النوع ذكره ابن عباس، وقد غلط فيه بعض مشايخنا بسبب عبارة ذكرها في الإقناع في أول باب النية، لما قسم الإخلاص مراتب وذكر هذا، ظن أنه يسمى إخلاصًا مدحًا له، وليس كذلك، وإنما أراد أنه4 لا يسمى رياء، وإلا فهو عمل حابط في الآخرة.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
    1 من هنا حتى صفحة 92، مصدره تاريخ ابن غنام.
    2 سورة هود آية: 15-16.
    3 في طبعة الأسد: (مما يفعله).
    4 في طبعة أبا بطين: بدون (لا)، والتصحيح من المخطوطة.
    النوع الثاني: وهو أكبر من الأول وأخوف، وهو الذي ذكره مجاهد في الآية أن الآية نزلت فيه، وهو: أن يعمل أعمالاً صالحة، ونيته رياء الناس، لا طلب ثواب الآخرة.
    ولما 1 ذكر لمعاوية حديث أبي هريرة، في الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار، وهم: الذي تعلم العلم ليقال عالم، وتصدق ليقال جواد، وجاهد ليقال شجاع، بكى معاوية بكاء شديداً، ثم قرأ هذه الآية.
    النوع الثالث: أن يعمل الأعمال الصالحة ويقصد بها مالاً، مثل: الحج لمال يأخذه، لا لله، أو يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، أو يجاهد لأجل المغنم. فقد ذكر أيضاً هذا النوع في تفسير هذه الآية، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم " 2 إلى آخر الحديث 3.
    وكما يتعلم الرجل العلم لأجل مَدْرَسَةِ أهله، أو مكسبهم، أو رياستهم أو يتعلم القرآن، أو يواظب على الصلاة لأجل وظيفة المسجد، كما هو واقع كثير - وهؤلاء أعقل من الذين قبلهم لأنهم عملوا لمصلحة يحصلونها، والذين قبلهم عملوا لأجل المدح والجلالة في أعين الناس، ولا يحصل لهم طائل.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
    1 في طبعة أباطين و المصطفوية: (وكما ذكر).
    2 البخاري: الجهاد والسير (2887), والترمذي: الزهد (2375), وابن ماجة: الزهد (4136).
    3 في المطبوعة: (تعس عبد الدينار... إلخ). ومن هنا حتى ص187 من المطبوعة: ساقط من المصورة. وقد ذكر في هامش المطبوعة ما يلي: سقط من أصل الطبعة الأولى أربع كراريس, وأثبتناها هنا، وهو من قوله: (إلخ) إلى قوله: "وقال الشيخ، رحمه الله ورضي عنه: قوله تعالى:{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ }الآية. (عبارة أبابطين ج1، ص 178).
    والنوع الأول أعقل من هؤلاء كلهم، لأنهم عملوا لله وحده لا شريك له، لكن لم يطلبوا من 1 الخير الكثير العظيم الدائم وهو: الجنة، ولم يهربوا 2 من الشر العظيم وهو: النار. النوع الرابع: أن يعمل الإنسان بطاعة الله مخلصاً في ذلك لله وحده لا شريك له، لكنه على عمل يكفّره كفرًا يخرجه عن الإسلام، مثل: اليهود والنصارى إذا عبدوا الله أو تصدقوا أو صاموا، ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، ومثل كثير من هذه الأمة الذين فيهم شرك أو كفر أكبر يخرجهم من الإسلام بالكلية، إذا أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة، لأنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام تمنع قبول أعمالهم. فهذا النوع أيضا قد ذكر في الآية عن أنس بن مالك وغيره، وكان السلف يخافون منها. قال بعضهم: لو أعلم أن الله يقبل مني سجدة واحدة لتمنيت الموت، لأن الله يقول:{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}. فهذا قصد وجه الله والدار الآخرة، لكن فيه من حب الدنيا والرياسة والملك 3 والمال، ما حمله على ترك كثير من أمر الله ورسوله أو أكثر، فصارت الدنيا أكبر قصده، ولذلك قيل: 4 قصد الدنيا.
    وذلك القليل 5 كأنه لم يكن، كقوله صلى الله عليه وسلم: " فإنك لم تصلّ " 6، والأول أطاع الله ابتغاء وجه الله، لكن أراد من 7 الثواب في الدنيا، وخاف على الحظ والعيال، مثل ما يقول الفسقة، فصح أن يقال: قصد الدنيا.
    والثاني والثالث واضح، لكن بقي أن يقال: إذا عمل الرجل الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج، ابتغاء وجه الله، طالبًا ثواب الآخرة، ثم بعد ذلك عمل أعمالاً كثيرة أو قليلة، قاصدًا بها الدنيا، مثل: أن يحج بعده لأجل الدنيا كما هو واقع، فهو لما غلب عليه منهما. وقد قال بعضهم: القرآن كثيراً ما يذكر أهل الجنة الخلّص وأهل النار الخلّص، ويسكت عن صاحب الشائبتين، وهو هذا وأمثاله. ولهذا خاف السلف من حبوط الأعمال.
    وأما الفرق بين الحبوط والبطلان فلا أعلم بينهما فرقًا. والله أعلم.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
    1 في طبعة الأسد: بدون (من)، وكذا في طبعة أبا بطين.
    2 في طبعة ناصر الدين الأسد: (ولم يرهبوا)، وكذا في طبعة أبا بطين.
    3 في طبعة الأسد: (والمكث)، وكذا في طبعة أبا بطين.
    4 في طبعة الأسد: (قبل) وكذا في طبعة أبا بطين.
    5 أي: القصد القليل للآخرة...
    6 البخاري: الأذان (757), ومسلم: الصلاة (397), والترمذي: الصلاة (303), والنسائي: الافتتاح (884), وأبو داود: الصلاة (856), وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) والأدب (3695), وأحمد (2/437).
    7 في طبعة الأسد: بدون (من)، وكذا في طبعة أبا بطين.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    31

    افتراضي رد: من بديع مسائل الإمام محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه

    المسألة الثانية
    سألني الشريف عما نقاتل عليه، وعما نكفّر الرجل به 1، فأخبرته بالصدق، وبينت له الكذب الذي يبهت 2 به الأعداء؛ فسألني أن أكتب له.
    فأقول: أركان الإسلام الخمسة، أولها: الشهادتان، ثم الأركان الأربعة. فالأربعة، إذا أقرّ بها وتركها تهاوناً، فنحن - وإن قاتلناه على فعلها - فلا نكفّره بتركها؛ والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود. ولا نقاتل إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو: الشهادتان. وأيضاً، نكفّره بعد التعريف إذا عرف وأنكر؛ فنقول: أعداؤنا معنا 3 على أنواع:
    النوع الأول: من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله الذي أظهرناه للناس، وأقر أيضاً أن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر الذي هو دين غالب الناس - أن 4 الشرك بالله الذي بعث الله رسوله ينهى عنه ويقاتل أهله ليكون الدين كله لله - ومع ذلك لم يلتفت إلى التوحيد، ولا تعلمه،

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
    1 في طبعة الأسد: تقديم (به) على (رجل)، وكذا في طبعة أبا بطين.
    2 في طبعة الأسد: (فأجبته وبينت له أيضاً الكذب الذي بهت)، وكذا في طبعة أبا بطين.
    3 في طبعة الأسد: بدون (معنا)، وكذا في طبعة أبا بطين.
    4 في طبعة الأسد: (هي الشرك)، وكذا في طبعة أبا بطين.

    ولا دخل فيه، ولا ترك الشرك؛ فهذا كافر نقاتله بكفره، لأنه عرف دين الرسول فلم يتبعه، وعرف دين الشرك فلم يتركه، مع أنه لا يبغض دين الرسول ولا من دخل فيه، ولا يمدح الشرك ولا يزينه للناس.
    النوع الثاني: من عرف ذلك كله، ولكنه تبين في سب دين الرسول مع ادعائه 1 أنه عامل به، وتبين في مدح من عبد يوسف والأشقر 2 ومن عبد أبا علي والخضر من أهل الكويت، وفضلهم على من وحّد، وترك الشرك؛ فهذا أعظم من الأول، وفيه قوله تعالى
    :{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} 3، وهو ممن قال الله فيه:{ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} 4.
    النوع الثالث: من عرف التوحيد وأحبه واتبعه، وعرف الشرك وتركه، ولكن يكره من دخل في التوحيد، ويحب من بقي على الشرك؛ فهذا أيضاً كافر، وهو ممن ورد فيه قوله تعالى
    :{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 5.
    النوع الرابع: من سلم من هذا كله، ولكن أهل بلده مصرحون بعداوة التوحيد، واتباع أهل الشرك، وساعون 6 في قتالهم،

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
    1 في طبعة أبا بطين: (مع أعدائه).
    2 في طبعة أبا بطين: (والأشعري).
    3سورة البقرة آية: 89.
    4 سورة التوبة آية: 12.
    5 سورة محمد آية: 9.
    6 في المخطوطة: (وساعين) بالياء.

    ويتعذر أن تركه وطنه يشق عليه؛ فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ويجاهد بماله ونفسه؛ فهذا أيضاً كافر. فإنهم لو يأمرونه بترك صوم رمضان ولا يمكنه الصيام إلا بفراقهم فعل، ولو يأمرونه بتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه ذلك إلا بمخالفتهم فعل، وموافقتهم على الجهاد معهم بنفسه وماله، مع أنهم يريدون بذلك قطع دين الله ورسوله، أكبر من ذلك بكثير (كثير) 1. فهذا أيضاً كافر، وهو ممن قال الله فيهم:{ سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ }إلى قوله:{ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} 2. فهذا الذي نقول.
    وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وأنا نكفّر من لم يكفّر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه. فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله. وإذا كنا لا نكفّر مَن عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم وعدم من ينبههم 3، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، ولم يكفّر ويقاتل؟
    {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} 4. بل نكفّر تلك الأنواع الأربعة لأجل محادتهم لله ورسوله. فرحم الله أمرأً نظر لنفسه، وعرف أنه ملاق الله الذي عنده الجنة والنار. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
    1 في المطبوعة: (أكثر ممن ذكز لكثير)، وهو خطأ واضح. والتصويب والزيادة من المخطوطة: عبارة ناصر الدين الأسد.
    2 سورة النساء آية: 91.
    3 في طبعة أبا بطين: وعدم من يفهمهم.
    4 سورة النور آية: 16.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •