إنّنا نؤكّد باستمرار وإلحاح يعجب لهما كثير من النّاس ضرورةَ ارتفاعِ المسلمين إلى مستوى عالمهم وعصرهم، والتأثير في عالمهم وعصرهم، وامتلاكِ كلِّ ما يمكن أن يضعَه العصرُ في أيديهم من المعارف والوسائل لتطوير أنفسهم وإمكاناتهم على كلّ صعيد، وأداء رسالتهم على أفضل وجه ممكن

ولا يمكننا – نحن الكسلمين – أن نفهم عالمنا وعصرنا في واقعه الرّوحي والنّفسيّ والخلقيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والسّياسيّ والعسكريّ، وفي واقعه العلميّ والتّكتولزجيّ، وفي مختلف جوانبه وظواهره إلاّ من خلال عددٍ كبير من العناصر المؤمنة المخلصة الواعية التي يصلُ كلٌّ منها في مجاله إلى أعلى درجات المعرفة والاختصاص، والتي تتكامل معارفُها واختصاصاتُها وجهودها في خدمة الإسلام

وإذا لم نفهم عالَمنا وعصرنا – فهما حقيقيّا لا وهميّا، علميّا لا عامّيّا، شاملا لا جزئيّا – كنّا متخلّفين ضائعين منقطعين عن رَكْب العالم والعصر، عاجزين عن مجرّدِ الحياة – كما هو شأننا الآن – فضلا عن التحرّك البصير، والتّصرّف السّديد، وخدمةِ الإسلام والمسلمين والإنسان في الحاضر والمستقبل القريب والبعيد

والعصرُ الذي نعيش فيه يُمكن أن يضع في أيدينا – كما يضع في أيدي سوانا – من المعارف والوسائل ما يمكّننا من إحداث تغيير عميق في واقعنا، ويزوّدنا بقدرات مذهلة في تحقيق أهدافنا

ويكفي أن أذكر هنا على سبيل المثال استخدامَ الحاسبات الالكترونية في ميدان المعرفة والإعلام، والثورةَ الإداريّة في التنظيم والتسيير، هذه الثورة الكبيرة الخطيرة التي عاشتها وما تزال تعيشها الدّولُ المتقدّمة، والتي كان لها نتائجُها الضّخمةُ في مختلف الميادين، والتي نفتقر إليها أشدَّ افتقار في بلادنا وفي حركاتنا وفي سائر أعمالنا

إنّنا ما نزال مع الأسف نفكّر بعقليّة القرون الماضية، ونستخدم في معظم أعمالنا من المعارف والأساليب ما تجاوزَه الزمنُ بألوف المراحل. إنّنا في تخلّفنا وجهلنا وكسلنا كمن يستخدم "الدّابّــةً" في تحرّكاته ومواصلاته وإنجازاته في عصر "الجامبوجيت" و"الكونكورد" وسفن الفضاء ؛ عصرِ الثّورة الإداريّة والتّكنولوجيّة في مختلف المجالات ؛ عصرِ الحاسبات الالكترونيّة وأشعّة الليزر وغير ذلك ممّا سخّره الله تعالى للإنسان .. ومن هنا بعضُ أسبابِ انحطاطِنا عن عالمنا وعصرنا، وعجزِنا وهزائمنا وضياعنا .. ومن هنا هتافُنا المستمرُّ بالمسلمين : أن يرتفعوا إلى مستوى عالمهم وعصرهم، كما نهتفُ على الدّوام بهم : أن يرتفعوا إلى مستوى إسلامهم ومهمّتهم

وارتفاعُ المسلمين إلى مستوى العالم والعصر ؛ بل إلى مستوى القدرةِ على اكتشاف احتمالاتِ المستقبل أيضا، والتأثيرِ فيه بشكل علميّ منهجيّ فعّال، ليس أمراً تحسينيّاً كماليّاً، ولكنّه أمرٌ ضروريّ كلَّ الضّرورة ؛ أمرٌ يرتبط به الآن أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى مصيرُ المسلمين ومصيرُ الإنسان



من كلام الأستاذ عصام العطار...