كيف تكون العزة للمؤمنين ؟

موقع الإسلام سؤال وجواب

السؤال :
كيف تكون العزة للمؤمنين وهم الآن ضعفاء في العالم الذي فسد جوانبه وأوسطه ، والنصارى واليهود هم الذين يسيطرون في العالم كيف يشاؤون؟

الجواب:
الحمد لله
"لا تحصل العزة للمؤمنين والنصر على الأعداء والتمكين في الأرض إلا بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والعمل بالإسلام والإيمان ظاهراً وباطناً ، وقد جاء في القرآن والسنة وعن السلف الصالح من الآثار ما فيه عظة وادِّكار ، قال الله تعالى : (بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) النساء/138، 139 وقال سبحانه : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج/40 ، 41 ، وقال جل وعلا : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَ ّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَ ّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) النور/55 ، وقال جل جلاله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/7 ، إلى غيرها من الآيات الكريمات التي بينت ووضحت : أن تمكين المؤمنين وعزهم في هذه الحياة مشروط بقيامهم بما أوجب الله عليهم ، من توحيده وتعظيمه وإجلاله ، والعمل بكتابه واتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ومحبة أولياء الله المؤمنين ، وبغض أعدائه من المنافقين والكافرين ، ومجاهدتهم ؛ لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا هي السفلى ، وغير ذلك من لوازم الإيمان .

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر أنه قال : ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن كل من خالف أمره فله نصيب من الذلة والصغار بحسب مخالفته ومعصيته ، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث : "ومن أعظم ما حصل به الذل من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم : ترك ما كان عليه من جهاد أعداء الله ، فمن سلك سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد عَزَّ ، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذَلَّ ، وقد سبق حديث : ( إذا تبايعتم بالعينة ، واتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد في سبيل الله ـ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه من رقابكم حتى تراجعوا دينكم ) .

فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة –حصل له الذل ، فكيف إذا اشتغل عن الجهاد بجمع الدنيا من وجوهها المحرمة ؟" انتهى كلامه رحمه الله .

ولقد عرف السلف الصالح من الصحابة ، ومن بعدهم هذه الحقيقة ، وهي : أن العزة في التمسك بالإسلام ، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، والاجتهاد في طاعة الله ورسوله ، والحذر من معصية الله ورسوله ، فصدرت منهم كلمات ، منها : ما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة من دونه أذلنا الله) ، وثبت عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، أنه لما فتح المسلمون قبرص وبكى أهلها وأظهروا من الحزن والذل ما أظهروا ، جلس أبو الدرداء رضي الله عنه يبكي ، فقال له جبير بن نفير : يا أبا الدرداء ، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال رضي الله عنه : (ويحك يا جبير ، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره ، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى) .


والحاصل : أن على كل مسلم مسئولية تحقيق العزة للمؤمنين بحسب قدرته ، واستطاعته فيكون بنفسه قائماً بأمر الله تعالى ، عاملاً بالإسلام والإيمان ، ظاهراً وباطناً ناصحاً لإخوانه المسلمين ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، حتى تصلح أحوال المسلمين ، أو يلقى الله على تلك الحال ، وقد اتقاه حسب وسعه والله المستعان" انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (26/46) .