ان وجود الحاكم نعمة عظمى، فإن كان برا مطيعا فهو السعادة التامه ، وان كان فاجرا فلما يصلح الله به اكثر مما يفسد، ويكفي انه يحقن دماء المسلمين.

ونصب الامام من النعم التي يحمد عليها ،لأن الناس طبعوا على الفوضى، وحُب التملك والاستئثار ، فلو لم يكن عليهم حاكم يسوس امورهم لكانوا كوحوش الغاب يأكل القوي منهم الضعيف.

والحاكم كغيره من البشر يعتريه مايعتريهم من النقص والخلل ، فينبغي اقامة العذر له فيما لا يطلع عليه إلا هو فهذا من أعظم الفقه وغايته ،وثق انه مبتلى بعظائم الامور وإن رأوه الناس في عافيه.

قال الأمام الطرطوشي – رحمه الله – (( كان العلماء يقولون اقيموا عذر السلطان لإنتشار الأمورعليه وكثرة ما يكابده من ضبط جوانب المملكه واستئلاف العدو وإرضاء الاولياء وقلة الناصح وكثرة التدليس والطمع )


فلذلك أقام الله الأمر بالمعروف والنهي عن النكر وهذا من محاسن دين الاسلام ،وقد امتدح الله هذه الأمه بقيامهم به فقال تعالى (( كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون باالمعروف وتنهون عن المنكر ))

ولكن في هذا الباب ليس الحاكم كغيره ،فإن مما وفق له اهل السنة والجماعه وضل عنه الخوارج طريقة الإنكار على الحاكم في ما لا يفتح باب شر ولا فتنه – وذلك – ان ينصح الحاكم سرا في ما صدر عنه من المنكرات ولا يكون ذلك على روؤس المنابر وفي مجامع الناس لما ينتج عن ذلك من تأليب العامه وإيثارة الرعاع وإشعال فتيل الفتنه.

والإنكار العلني على الحاكم ليس دأب اهل السنه والجماعه بل سبيلهم ومنهجهم جمع قلوب الرعيه على ولاتهم والعمل على نشر المحبه بينهم والأمر بالصبر على ما يصدرمن الولاه من استئثار بالمال او ظلم للعباد ، مع قيامهم بالنصح للولاة سرا والتوكيد على بغضهم – برائتهم – من كل ما يخالف الشرع ن ويناقضه من حاكم او محكوم – كل بحسبه – دون ادنى تهوين او اقل تساهل

وقد بينت لنا السنه كيفية الانكار على الحاكم

جاء في كتاب السنه لابن ابي عاصم "وفيه" ( من اراد ان ينصح لذي سطان فلايبد له علانيه ولكن ليأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا فقد ادى الذي عليه له ))

وايضا ما جاء عند الشيخان والسياق لمسلم ( ان اسامه بن زيد قيل له : ألا تدخل على عثمان فتكلمه قال: اتروني اني لا اكلمه إلا اسمعكم والله لقد كلمته بيني وبينه دون ان افتح امرا لا أحب ان اكون اول من فتحه ))

قال القاضي عياض : ( مراد اسامه انه لا يفتح باب المجاهره بالنكير على الحكام لما يخشى من عاقبة ذلك ن بل يتلطف به وينصحه سرا فإنه اجدر بالقبول ))

وقد خالف بعض الوعاض والقصاص من مروجي فكر الخوارج هذا الاصل في اسرار النصيحه للسلطان ، فجعلوا يهيجون الشباب على الخروج ويزينونه لهم بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو انهم اخذوا بهذا الأصل في اسرا النصيحه لأصلح الله لهم الحكام وكان ادعى لإخلاصهم .

والانكار العلني على الحاكم باب من ابواب الفتنة العمياء الصماء فقد قتل عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب رضي الله عنهما من قبيل هذا وليس بخاف عليكم خبر عبدالله بن سبأ عند الطبري ((..... فانهظوا في هذا الامر فحركوه وابدأوا بالطعن على امرائكم واظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس ))
وكذلك خبر عامربن سعد عند الطبري (( ان اول من اجترأعلى عثمان بالمنطق السئ جبلة بن عمرو الساعدي ..... فما زال الناس مجترئين عليهالى هذا اليوم ))

إن مجرد التحريض على الحاكم المسلم – وان كان فاسقا – صنعة الخوارج ، فالخوارج بداية شرهم زرع العداوة والبغضاء في قلوب الرعيه على السلطان وتحريش العامه على ولاة الامر وذلك عندهم من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكروالغيرة على الدين وإظهار الحق وعدم السكوت على المنكر – بزعمهم – .

وهولاء – الخوارج – قليلوا البضاعه في العلم وهم خليط من الجهل جمعوا بين سوء الانكار والجهل بالمنكر ( اي فساد العلم والعمل ) فلا تغتروا بمن كان هذا حاله وخذوا هذا العلم في هذا الباب من اهله.

روى الترمذي وغيره عن زياد بن كسيب العوى قال : كنت مع ابي بكره تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق فقال ابو بلال: انظروا الى اميرنا يلبس ثياب الفساق فقال ابو بكره : اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((من اهان سلطان الله في الارض اهانه الله ))

قال الذهبي : ابوبلال هو مرداس بن اذيه خارجي ومن جهله عد ثياب الرجال الرقاق لباس الفساق
وحتى لايعظم عليك ان نسبت مخالفي منهج اسرار النصيحه للحكام الى مسلك الخوارج فاليك تحريرذلك:

قال بن حجر رحمه الله كما في هدي الساري مقدمة فتح الباري وهو يعدد الفرق الضاله ويعرفها فيقول
القعديه " الذين يزينون الخروج على الائمه ولا يباشرون ذلك "

وقال " والقعد الخوارج كانوا لايرون بالحرب بل ينكرون على امراء الجور حسب الطاقه ويدعون إلى رأيهم ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه "

والقعديه غالبا اخطر من الخوارج انفسهم إذ ان الكلام وشحن القلوب وإثارة العامه على ولاة الامر له ابلغ الاثر في النفوس خاصة إذا خرج الكلام من رجل بليغ متكلم بلسانه وتلبسه بالسنه .

روى ابو داوود في مسائل الامام احمد عن عبدالله بن محمد الضعيف انه قال : " قعد الخوارج هم اخبث الخوارج "
http://www.alsaha.com/sahat/4/topics/292781