الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه ، و بعد :
فقد انتشر بين طلاب العلم أن شرح الإمام ابن دقيق العيد - رحمه الله - على عمدة الأحكام ، اسمه " إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام " و هذا الاسم محل نظر ، و إخراجه بهذا الاسم فيه مخالفة لما بحثه و بينه العلامة أحمد شاكر - رحمه الله - ، و خلاصة الأمر :
- أن ابن الأثير الحلبي الشافعي ذهب للإمام ابن دقيق العيد و طلب منه تعليقاً على " عمدة الأحكام " فأملى عليه شرحاً لها .
قال ابن الأثير في مقدمته بعد أن ذكر " العمدة " : فوجدت الأحاديث كل لفظة منها تحتاج إلى بحث و تدقيق ، و تفتقر إلى كشف و تحقيق ، لأن كلامه بحر يغاص فيه على جواهر المعاني ، و لا يستخرج حِكَمه إلا الراسخون في العلم ، الذين أضحت خواطرهم به آهلة المغاني ... إلى أن قال : فلم أجد من علماء الوقت من يعرف هذا الفن إلا واحد عصره ، و فريد دهره ، واسطة عقد الفضائل ، ملحق الأواخر بالأوائل ، الشيخ العالم الفاضل الورع الزاهد ، حجة العلماء ، قدوة البلغاء ، اشرف الزهاد ، بقية السلف ، مفتي المسلمين ، أبا الفتح تقي الدين محمد بن الشيخ الإمام مجد الدين أبي الحسين علي بن وهب بن مطيع القشيري - رحمه الله - ، العامل بعلمه ، المحقق في إفهامه و فهمه ، المتبع ما أمر الله به من حكمه ، رحمه الله تعالى و نفع به ، فإنه الذي فاق النظراء و الأمثال ، و اتصف من المحاسن بما تضرب به الأمثال ، فوجهت وجه آمالي إليه ، و عولت في فهم معاني هذا الكتاب عليه ، و عرفته القصد مما أريد ، و أصغيت لما يبدي فيه من القول و ما يعيد ، فأملى علي من معانيه كل فن غريب ، و كل معنى بعيد على غيره أن يخطر بباله و هو عليه قريب ،فعلقت ما أورده ، و حمت على منهل فضله ، رجاء أن أرد ما ورده ، ... إلى أن قال : و سميت ما جمعته من فوائده ، و التقطه من فرائده " إحكام الأحكام في شرح أحاديث سيد الأنام " . اهـ
و يبقى النظر هنا ، هل كان دور ابن الأثير هنا دور الناقل لما سمع فقط ؟ أم تصرف فيها أو زاد ؟
الذي يظهر لي من قوله : و حمت على منهل فضله . أن له زيادات .
و على كل ، فقد كتب ابن الأثير هذا الشرح و سماه بهذا الاسم ، و فقد ابن الأثير في وقعة قازان سنة 699 هـ كما في " طبقات الفقهاء الشافعية " لابن قاضي شهبة ( 1 / 490 ) .
و مخطوطات كتاب ابن الأثير موجودة .
ثم إن ابن سيد الناس قرأ الكتاب على ابن دقيق العيد في حياة ابن الأثير ، حيث أرخ ذلك بقوله : في مجالس ، أولها مستهل المحرم سنة سبع و تسعين و ستمائة ( 697 هـ ) و آخرها الثاني عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثمان و تسعين و ستمائة ( 698 هـ ) كتبه عبد الله الفقير إليه محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس اليعمري وفقه الله ، صحيح ذلك كتبه محمد بن علي - يعني ابن دقيق العيد - ، نقله كما شاهده العبد الفقير إلى الله تعالى أبو سعيد أحمد بن أحمد بن أحمد الهكاري ، غفر الله له و لطف به و المسلمين ، (و من) خطه نقله كما شاهده أفقر عباد الله إلى مغفرته و رحمته عمر بن أحمد بن أبي الفتوح فرج بن أحمد الصفدي ، عفا الله عنه و غفر له و لوالديه و لجميع المسلمين آمين .
قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - : فهذه نسخة موثقة ، أو كما يقول الناس في أنسابهم : منسبة ... اهـ
و اسم الكتاب على هذه المخطوطة الموثقة المنسبة : " كتاب الإحكام في شرح عمدة الأحكام من أحاديث النبي عليه أفضل السلام " .
و قد بين الشيخ أحمد شاكر منهجه في إخراج الكتاب ، حيث اعتمد على هذه المخطوطة ، و هذه التسمية ، و اتفق هو و الشيخ محمد حامد الفقي على عدم ذكر مقدمة ابن الأثير ، إذ لم يكن له - يعني ابن دقيق العيد - بها شأن .
فأتى الناشر فسمى الكتاب من عند نفسه : " إحكام الأحكام شرح عمد الأحكام " ، و أدخل مقدمة ابن الأثير فيه .
و ختاماً : فالمرجو من الباحثين رد الأمر إلى صوابه .
و حبذا لو اشتغل أحد على هذا الكتاب ، فاعتمد نسخة ابن سيد الناس و تسميتها أصلاً ، ثم يقارن بينها و بين نسخة ابن الأثير ، فإن كان فيها زوائد أدخلها في الحاشية ، أو تصرفات نبه عليها كذلك في الحاشية .
حتى نعرف بالتحديد دور ابن الأثير : هل هو شارح ، أم محش ، أم ناقل ، و الله ولي التوفيق .
__________________