السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته


الحمدلله



شرح حديث: من ظلم من الأرض شيئاً طوقه من سبع أرضين


عَنْ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ ظَلَمَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ. رواه البخاري 2452

قَوْلُهُ : ( مَنْ ظَلَمَ ) قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ قِصَّةٌ لِسَعِيدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَسَيَأْتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ " خَاصَمَتْهُ أَرْوَى فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا إِلَى مَرْوَانَ " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ " ادَّعَتْ أَرْوَى بِنْتُ أُوَيْسٍ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ " وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدٍ " أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ ، فَقَالَ : دَعُوهَا وَإِيَّاهَا " وَلِلزُّبَيْرِ فِي " كِتَابِ النَّسَبِ " مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ وَالْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ " اسْتَعْدَتْ أَرْوَى بِنْتُ أُوَيْسٍ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَهُوَ وَالِي الْمَدِينَةِ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فِي أَرْضِهِ بِالشَّجَرَةِ وَقَالَتْ : إِنَّهُ أَخَذَ حَقِّي ، وَأَدْخَلَ ضَفِيرَتِي فِي أَرْضِهِ " فَذَكَرَهُ . وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ " فَتَرَكَ سَعِيدٌ مَا ادَّعَتْ " وَلِابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَزَادَ " فَقَالَ لَنَا مَرْوَانُ أَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا " .

قَوْلُهُ : ( مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا )
فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا " وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ثَانِيَ أَحَادِيثِ الْبَابِ " قِيدَ شِبْرٍ " وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّ ةِ أَيْ قَدْرَهُ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الشِّبْرَ إِشَارَةً إِلَى اسْتِوَاءِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْوَعِيدِ .

قَوْلُهُ : ( طُوِّقَهُ )
بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ " فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ " وَلِأَبِي عَوَانَةَ وَالْجَوْزَقِيّ ِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " جَاءَ بِهِ مُقَلَّدَهُ " .

قَوْلُهُ : ( مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ )
بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا ، وَزَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ " أَنَّ سَعِيدًا قَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا " وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ وَأَبِي بَكْرٍ نَحْوُهُ وَزَادَ " قَالَ : وَجَاءَ سَيْلٌ فَأَبْدَى عَنْ ضَفِيرَتِهَا فَإِذَا حَقُّهَا خَارِجًا عَنْ حَقِّ سَعِيدٍ ، فَجَاءَ سَعِيدٌ إِلَى مَرْوَانَ فَرَكِبَ مَعَهُ وَالنَّاسُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهَا وَذَكَرُوا كُلُّهُمْ أَنَّهَا عَمِيَتْ وَأَنَّهَا سَقَطَتْ فِي بِئْرِهَا فَمَاتَتْ "

قَالَ
الْخَطَّابِيُّ: قَوْلُهُ : " طُوِّقَهُ " لَهُ وَجْهَانِ :

أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ نَقْلَ مَا ظَلَمَ مِنْهَا فِي الْقِيَامَةِ إِلَى الْمَحْشَرِ وَيَكُونُ كَالطَّوْقِ فِي عُنُقِهِ ، لَا أَنَّهُ طَوْ
قٌ حَقِيقَةً .

الثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِالْخَسْفِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ أَيْ فَتَكُونُ كُلُّ أَرْضٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ طَوْقًا فِي عُنُقِهِ انْتَهَى .

وَهَذ
َا يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ثَالِثُ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ " خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ "

وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَالْأَوَّلِ ، لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَنْقُلَ جَمِي
عَهُ يُجْعَلُ كُلُّهُ فِي عُنُقِهِ طَوْقًا وَيَعْظُمُ قَدْرُ عُنُقِهُ حَتَّى يَسَعَ ذَلِكَ كَمَا وَرَدَ فِي غِلَظِ جِلْدِ الْكَافِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَقَدْ رَوَى
الطَّبَرِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ مَرْفُوعًا أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ كَلَّفَهُ اللَّهُ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَ سَبْعِ أَرَضِينَ ، ثُمَّ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ وَلِأَبِي يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْحَارِثِ السُّلَمِيِّ مَرْفُوعًا مَنْ أَخَذَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شِبْرًا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَقِّ مَنْ غَلَّ بَعِيرًا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ ،

وَيُحْتَمَلُ - وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ -
أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : " يُطَوَّقُه
ُ " يُكَلَّفُ أَنْ يَجْعَلَهُ لَهُ طَوْقًا وَلَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَيُعَذَّبُ بِذَلِكَ ، كَمَا جَاءَ فِي حَقِّ مَنْ كَذَبَ فِي مَنَامِهِ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ شَعِيرَةً

وَيُحْتَمَلُ - وَهُوَ الْوَجْهُ الْخَامِسُ -
أَنْ يَكُونَ التَّطْوِيقُ تَطْوِيقَ الْإِثْمِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الظُّلْمَ الْمَذْكُورَ لَازِمٌ لَهُ
فِي عُنُقِهِ لُزُومَ الْإِثْمِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ

وَبِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ جَزَمَ
أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَتَنَوَّعَ هَذِهِ الصِّفَاتُ لِصَاحِبِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ أَوْ تَنْقَسِمَ أَصْحَابُ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَيُعَذَّبُ بَعْضُهُمْ بِهَذَا وَبَعْضُهُمْ بِهَذَا بِحَسَبِ قُوَّةِ الْمَفْسَدَةِ وَضَعْفِهَا ، وَقَدْ رَوَىابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ : أَعْظَمُ الْغُلُولِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذِرَاعُ أَرْضٍ يَسْرِقُهُ رَجُلٌ فَيُطَوَّقُهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ وَفِي الْحَدِيثِتَحْرِيمُ الظُّلْمِ وَالْغَصْبِ وَتَغْلِيظُ عُقُوبَتِهِ ، وَإِمْكَانُ غَصْبِ الْأَرْضِ وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ ، وَكَأَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى أَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا وَرَدَ فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ ، وَأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ أَسْفَلَهَا إِلَى مُنْتَهَى الْأَرْضِ ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ حَفَرَ تَحْتَهَا سَرَبًا أَوْ بِئْرًا بِغَيْرِ رِضَاهُ .

وَفِيهِ أَنَّ
مَنْ مَلَكَ ظَاهِرَ الْأَرْضِ مَلَكَ بَاطِنَهَا بِمَا فِيهِ مِنْ حِجَارَةٍ ثَابِتَةٍ وَأَبْنِيَةٍ وَمَعَادِنَ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ بِالْحَفْرِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِمَنْ يُجَاوِرُهُ .

وَفِيهِ أَنَّ
الْأَرَضِينَ السَّبْعَ مُتَرَاكِمَةٌ لَمْ يُفْتَقْ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ لِأَنَّهَا لَوْ فُتِقَتْ لَاكْتُفِيَ فِي حَقِّ هَذَا الْغَاصِبِ بِتَطْوِيقِ الَّتِي غَصَبَهَا لِانْفِصَالِهَا عَمَّا تَحْتَهَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الدَّاوُدِيُّ .

وَفِيهِ أَنَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعَ طِبَاقٌ كَالسَّمَاوَاتِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : سَبْعُ أَرَضِينَ ؛ سَبْعَةُ أَقَالِيمَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُطَوَّقِ الْغَاصِبُ شِبْرًا مِنْ إِقْلِيمٍ آخَرَ قَالَهُ
ابْنُ التِّينِ . وَهُوَ وَالَّذِي قَبْلَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا كَانَ بِسَبَبِهَا وَإِلَّا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ .

(
تَنْبِيهٌ ) : أَرْوَى بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالْقَصْرِ بِاسْمِ الْحَيَوَانِ الْوَحْشِيِّ الْمَشْهُورِ ، وَفِي الْمَثَلِ " يَقُولُونَ إِذَا دَعَوْا : كَعَمَى الْأَرْوَى " قَالَ الزُّبَيْرُ فِي رِوَايَتِهِ . كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِذَا دَعَوْا قَالُوا : أَعْمَاهُ اللَّهُ كَعَمَى أَرْوَى ، يُرِيدُونَ هَذِهِ الْقِصَّةَ . قَالَ : ثُمَّ طَالَ الْعَهْدُ فَصَارَ أَهْلُ الْجَهْلِ يَقُولُونَ : كَعَمَى الْأَرْوَى ، يُرِيدُونَ الْوَحْشَ الَّذِي بِالْجَبَلِ وَيَظُنُّونَهُ أَعْمَى شَدِيدَ الْعَمَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ.


الحافظ ابن حجرالعسقلاني رحمه الله
فتح الباري
» كتاب المظالم » باب إثم من ظلم شيئا من الأرض »2452


والله أعلم

______________________________ _

http://www.dorar.net/enc/hadith