من أكثر المآخذ على الإمام ابن حزم في هذا الباب ، تجهيله للترمذي صاحب السنن ، وفي واقع الحال لم يصل إلينا كلام ابن حزم فيه ، ولكن نقل الذهبي والحافظ ابن حجر هذا الأمر عن ابن حزم وعزوه إلى كتب ( الإيصال ) ، قال الذهبي : (( ولا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم فيه في كتاب الفرائض من كتاب الإيصال : إنه مجهول ، فإنه ما عرفه ولا درى بوجود الجامع ولا العلل اللذين له ))
وقال الحافظ ابن حجر : (( وأما أبو محمد ابن حزم ، فإنه نادى على نفسه بعدم الاطلاع ، فقال في كتاب الفرائض من الإيصال : محمد بن عيسى بن سورة مجهول ، ولا يقولن قائل : لعله ما عرف الترمذي ، ولا اطلع على حفظه ، ولا على تصانيفه، فإن هذا الرجل قد أطلق هذه العبارة في خلق من المشهورين من الثقات الحفاظ ... )) .
ومن المؤسف أن كتاب الإيصال لم يصل إلينا ، ويرجح البعض أنه لم يصل للحافظين الذهبي وابن حجر أيضاً ، وإنما نقلا كلام ابن حزم في حق الترمذي عن آخرين ، لأن كتاب الترمذي دخل إلى الأندلس قبل مولد ابن حزم ، فيذكر ابن خير الأشبيلي أن أول من أدخل كتاب ( الجامع المختصر من السنن عن رسول الله ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل ) هو محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي ( ت 346هـ ) وعنه أخذ الناس ، وكان الحافظ ابن عبد البر يرويه عن يحيى بن يوسف عن يوسف بن أحمد عن محمد بن إبراهيم عن الترمذي.
أما الرواية الوحيدة التي وردت عند الإمام ابن حزم لسنن الترمذي ، فجاءت عن أحمد بن عمر بن أنس العذري ، عن علي بن مكي بن عيسون المرادي ، وأبي الوفا عبد السلام بن محمد الشيرازي ، قال مكي : حدثنا أحمد بن أبي عمران الهروي ، حدثنا أبو حامد أحمد بن علي بن حسنويه المقري بنيسابور ، حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي .
أما ابن حزم فالمشهور عنه أنه لم يبدأ الطلب إلا في حدود سنة 399هـ ، وقال عن ابن عبد البر صاحبه : أدرك من الشيوخ ما لم ندرك ، وربما لم يتح له الالوقت ليأخذ سنن الترمذي كما أخذها ابن عبد البر .
وتحقيق هذا الأمر أن ابن حزم لم يكن قد اطلع على سنن الترمذي إلا بعد عودة تلميذه أحمد بن عمر بن أنس من المشرق سنة 416هـ ، فأخذه عنه ، مثلما أخذ عنه مصنفات أخرى ، وكتاب ( الإيصال ) صنفه ابن حزم في فترة مبكرة من حياته ، أي قبل أن يأخذ سنن الترمذي عن أحمد بن عمر بن أنس ، ثم اختصاره – على ما قيل – في المحلى ، فلا ينتقد ابن حزم في تجهيليه للترمذي ، بعد هذا البيان ، والله تعالى أعلم .