بسم الله الرحمن الرحيم

كما دلّت النصوص على معنى الإيمان ، وأنّه قول وعمل لا تكون حقيقته إلاّ بهما ، فقد دلّت على أنَّ شرط اعتباره حصوله حال الاختيار لا حال الضرورة ؛ فلا ينفع إيمان ، ولا تقبل توبة عند معاينة العذاب ، قال تعالى : } فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ {[ غافر : 84 ، 85 ] ، وقال عن فرعون : } حَتَّى إذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنْتُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلا الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {[ يونس : 90 ، 91 ] ؛ فدلّ على أنَّ الإيمان عند حلول ومعاينة العذاب لا يجدي أهله شيئًا ؛ لأنّه إيمان اضطراري ، لا يكون معه صدق القلب الَّذي يكون مع الإيمان الاختياري ؛ فلو كشف عنهم العذاب الَّذي اضطرهم للإيمان لتمادوا في كفرهم ، واستمرّوا على غيّهم ([1]) ، قال تعالى : } وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {[ المؤمنون : 75 ] ؛ واللجاج هو التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه ؛ أي لتمادوا في إفراطهم في الكفر ، والتخبط في الضلال ([2]) .
وهذا أصل مطّرد في كلّ من كان إيمانه إيمان ضرورة } سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ {[ غافر : 85 ] ؛ ولهذا لا تقبل التوبة عند حصول ما يلجئ للإيمان ؛ كمشاهدة ملك الموت ، أو أوّل الآيات المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي ، قال تعالى : } هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا {[ الأنعام : 158 ] ؛ فالمراد بإتيان الملائكة مجيئهم عند الموت لقبض الرّوح ؛ فإذا عاين المحتضر الملائكة أغلق دونه باب القبول ، وحيل بينه وبين المعذرة ، فلا تصحّ له توبة ، ولا ينفعه إيمان ([3]) ، كما قال تعالى : } وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ {[ النِّساء : 18 ] ، وروى الإمام أحمد بسنده عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رضي اللّه عنهما ـ مرفوعًا : ((إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ))([4]) ؛ يقول القرطبي : (( التوبة مبسوطة للعبد حتَّى يعاين قابض الأرواح ، وذلك عند غرغرته بالرّوح ، وإنّما يغرغر به إذا قطع الوتين ، فشخص من الصدر إلى الحلقوم ، فعندها المعاينة ، وعندها حضور الموت ))([5]) .
والمراد بإتيان بعض الآيات عند ابن مسعود خروج إحدى ثلاث آيات ؛ طلوع الشمس من مغربها ، أو الدابة ، أو فتح يأجوج ومأجوج . وهو المراد عند أبي هريرة أيضًا ، إلاّ أنَّهُ ذكر الدجّال عوضًا عن يأجوج ومأجوج ([6]) ؛ لقوله e : ((ثَلاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ؛ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ مَغْرِبِهَا ، والدَّجَّالُ ، وَدَابَّةُ الأرض))([7]) ، وفي رواية((ثَلاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَمْ يَنْفَع نَفْسًا إِيمَانُهَا ... الدَّجَّالُ ، وَالدَّابَّةُ ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ مَغْرِبِهَا))([8]) .
والظاهر أنَّ المراد ظهور هذه الآيات الثلاث بأسرها لا كلّ واحدة بمفردها ؛ لأنّ عيسى u ينزل بعد الدجال ، ويدعو للإسلام حتَّى تكون الملّة واحدة ، والدابة يحتمل أن تخرج يوم الطلوع ، أو على إثره قريبًا ، كما ثبت في الحديث ([9]) ؛ فتكون تابعة له ، ومكمّلة للمقصود من إغلاق باب التوبة ؛ فتسِمُ النَّاس لتميز المؤمن من الكافر ([10]) ؛ ولهذا ذهب جمهور أهل العلم إلى أنَّ المراد بإتيان بعض الآيات طلوع الشمس من المغرب خاصّة ([11]) ؛ يقول الطبري : (( أولى الأقوال بالصواب في ذلك ما تظاهرت به الأخبار عن رسولِ اللّه e أنَّهُ قال: ((ذلك حين تطلع الشمس من مغربها))([12]) ؛ ومن تلك الأخبار ما رواه البخاريّ بسنده عَنْ أَبِيهُرَيْرَةَ t مرفوعًا: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ ؛ فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا))([13]) . فالكافر لا ينفعه إيمانه بعد الطلوع ، وكذلك العاصي لا تنفعه التوبة ([14]) ، بل يختم على عمل كلّ أحد بالحالة الَّتي هو عليها ، وتطوى صحائف الأعمال ، روى الإمام أحمد بسنده عن عبد اللّه بن عمرو ـرضي اللّه عنهما ـ مرفوعًا : ((لاَ تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ ؛ فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ ، وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ))([15]) ، وروى الطبري بسنده عن عائشة ـ رضي اللّه عنها ـ موقوفًا : (( إذا خرج أوّل الآيات ؛ طرحت الأقلام ، وحبست الحفظة ، وشهدت الأجساد على الأعمال ))([16]) .
وحكمة إغلاق باب القبول بعد الطلوع ترجع إلى أنَّهُ أوّل ابتداء قيام الساعة ؛ فإذا شوهد ذلك الطلوع حصل الإيمان الضروري بصدق وعد اللّه ووعيده ، وارتفع الإيمان بالغيب كما يرتفع عند حلول العذاب ، وعند الاحتضار ؛ وإيمان الاضطرار ليس بإيمان حقيقة ؛ لتجرّده عن الصدق الَّذي يقارن إيمان الاختيار ؛ فلا يجدي عن أهله شيئًا لا في الدنيا ولا في الآخرة([17]) . وهذا الأصل الثابت بمقتضى نصوص القرآن والسنة له دلالتان مهمّتان : ـ
الأولى : أنَّ إيمان المعاينة إذا قارنه الصدق الَّذي يقارن إيمان الاختيار صار نافعًا مقبولاً في الدنيا والآخرة ، وهذا لم يحصل لأمّة من الأمم إلاّ لأهل نينوى بأرض الموصل ؛ وهم قوم يونس u ، قال تعالى : } فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَا إيمَانُهَا إلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ([18])وَمَتَّعْنَاهُ ْ إلَى حِينٍ {[ يونس : 98 ] ؛ فخصّهم بقبول الإيمان عند معاينة العذاب ؛ لأنّ إيمانهم كان صادقًا ؛ بدليل استمرارهم عليه بعد كشف الخزي عنهم ؛ خلافًا لغيرهم من المُهْلَكين ؛ فإنّهم كما قال اللّه تعالى : } وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَـشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {([19])[ المؤمنون : 75 ] .
وقد ذهب الزجّاج إلى أنَّ إيمان قوم يونس إنّما قُبِل لأنهم عاينوا علامة العذاب لا العذاب نفسه ؛ ولو عاينوه ، وتلبّس بهم فعلاً ، لما قُبِلَ إيمانهم . واختار قوله ابن عطيّة ، والقرطبي ، والبيضاوي ، وغيرهم ([20]) . وهو قول ضعيف ؛ لأنّ ظاهر القرآن يدلّ على تأخّر إيمانهم حتَّى حلّ بهم العذاب ، وعاينوه فعلاً ، وهذا ما ذكره أئمة المفسِّرين ؛ كابن عبّاس ، ومجاهد ، وقتادة ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم ، فقد نصّوا على تأخر إيمانهم حتَّى نزل بهم بأس اللّه وسخطه ؛ فأظلّهم العذاب ، وتدلّى عليهم ، وتغشّاهم كما يتغشى الإنسان الثوب في القبر ([21]) ؛ ولهذا قال الطبري : (( استثنى اللّه قوم يونس من أهل القرى الَّذين لم ينفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب بساحتهم ، وأخرجهم منهم ، وأخبر خلقه أنَّهُ نفعهم إيمانهم خاصّة من بين سائر الأمم غيرهم ))([22]) ، وقال البغوي : (( الأكثرون على أنّهم رأوا العذاب عيانًا ؛ بدليل قوله : } كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ {[ يونس : 98 ] ؛ والكشف بعد الوقوع ، أو إذا قرب ))([23]) .
الثّانية : بطلان مذهب الصوفية في إيمان المعاينة ؛ فقد ذكر ابن حجر الهيتمي أنَّ مذهبهم إثبات الانتفاع بالإيمان حتَّى لو حصل عند معاينة العذاب ! ([24]) ، وخصّ ابن عربيّ من هذا العموم من مات فجأة ، أو قتل غفلة ، لأنّه لا يتصوّر في نظره أن يكون لهم هذا الشهود ؛ فيقبضون على ما كانوا عليه من إيمان أو كفر ! ([25]) .
وهذا المذهب أكثر غلوًّا من مذهب مرجئة المتكلّمين ؛ لأنهم يوافقونهم في تفسير الإيمان بالتصديق القلبي المجرّد ، ويزيدون عليهم في اعتباره حتَّى عند المعاينة !
وهذا الاعتبار يخالف النّصوص الصريحة ؛ كقوله تعالى : } فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا {[ غافر : 85 ] ، ولو كان الأمر على ما زعموه لما لحق وعيد بكافر ؛ لأنّ كلّ كافر يؤمن إذا عاين العذاب ، ويعترف بذنبه على وجه التوبة والاعتذار ، قال تعالى : } إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ {[ يونس: 96، 97 ] ، وقال : } وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُون * فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إلا أَنْ قَالُوا إنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ {([26])[ الأعراف : 4 ، 5 ] ، وقال : } كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ {[ ص : 3 ] ؛ أي نادوا بالتوحيد في غير وقته ، وأرادوا التوبة بعد إغلاق باب القبول ، يقول محمَّد بن كعب : (( نادوا بالتوحيد حين تولّت الدنيا عنهم ، واستناصوا للتوبة حين تولّت الدنيا عنهم ))([27]) ، وقال قتادة : (( لما رأوا العذاب أرادوا التوبة في غير حين النداء ))([28]) . بل إِنَّ فرعون الَّذي نُبِذ في اليمّ وهو مُليم ؛ أي ملوم كافر ([29]) ، واتبع بعد غرقه لعنة ، ويوم القيامة هو من المقبوحين كان آخر كلامه } ءَامَنْتُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلا الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ {[ يونس : 90 ] ؛ فلو كان إيمان المعاينة نافعًا مقبولاً كما يزعمون لنفع فرعون ، ودفع عنه عذاب الدنيا والآخرة ! وهو لازم لا محيد لهم عنه ؛ ولهذا التزمه غلاتهم ؛ فزعم ابن عربيّ الطائي أنَّ فرعون قبض طاهرًا مطهّرًا ؛ لأنّه آمن عند المعاينة ، ثُمَّ قبض قبل أن يكسب إثمًا ، واشتطّ حتَّى زعم أنَّ القرآن يدلّ على نفي العذاب عنه لا على إثباته ؛ وذلك أنَّ قوله تعالى : } أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {[ غافر : 46 ] ، يدلّ على إدخال أتباعه لا على إدخاله ، وقوله : } يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ {[ هود : 98 ] ، يدلّ على أنَّهُ أوردهم النَّار دون أن يدخلها ([30]) !!
وهذا التأويل مقطوع ببطلانه ؛ لأنّ لفظ الآل يشمل الشخص وأتباعه ، كما في قوله تعالى : } إلا ءَالَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ {[ القمر : 34 ] ، وكذلك تأويله للآية الثّانية ؛ لأنّ اللّه أخبر أنَّهُ يقدم قومه ، والقادم أولّ الواردين ، ولو كان المراد ما ذكره لكان فرعون سائقًا لا قادمًا ([31]) .
وأمّا إيمان فرعون عند المعاينة فلا يغني عنه شيئًا ؛ لأنّ اللّه أنكره وردّه بقوله : } آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {[ يونس : 91 ] ، فلو كان إيمانه نافعًا مقبولاً لأثبت وما أنكر ، ولترتب عليه آثاره في الدنيا والآخرة ، وأوّلها إنجاؤه من الغرق كما أنجى قوم يونس بإيمانهم لمّا تغشّاهم العذاب وأحاط بهم . ولكن اللّه أهلكه شرّ مهلك ، وجعله عبرة لمن خلفه ، ومثلاً للعتاة من الكفرة والمتمرّدين ([32]) ؛ ولهذا قال النبيُّ e يوم قُتل أبوجهل : ((هَذَا فِرْعَوْن هَذِهِ الأُمَّةِ))([33]) .
وقد أنكر المسلمون مقالة ابن عربيّ أشدّ الإنكار ، وتبرأ منها حتَّى من يجلّه ويعظّمه ؛ لمخالفتها الصريحة لنصوص الوحي ، وقواطع الشّريعة ([34]) . وذكر الدكتور / أبو العلا عفيفي أنَّهُ إنّما قال بإيمان فرعون لتدعيم الفكرة الرئيسة في مذهبه ؛ وهي القول بوحدة الوجود ؛ فلا ثواب ولا عقاب على ما يصدر من العباد من أعمال ، أو يعتقدونه من عقائد ؛ وإنّما النّعيم المقيم في معرفة العبد نفسه ، ومنزلتها من الوجود العام ؛ فمن انكشفت له حقيقة وحدة الحقّ والخلق فقد أدرك السعادة العظمى ، وعلم أنَّ فرعون وكلّ من عصى اللّه وإن خالف بمعصيته الأمر التكليفي فقد أطاع الأمر التكويني ، ففعله طاعة في صورة معصية ، ومآله نجاة في صورة هلاك ! ([35]) .



+++++





([1]) انظر : تيسير الكريم الرحمن لابن سعدي 3/392 .

([2]) انظر : تفسير القرطبي 12/142 ، تفسير ابن كثير 3/251 ، روح المعاني للآلوسي 18/54 ، 55 ، صفوة البيان لحسنين مخلوف 2/70 .

([3]) انظر : تفسير الطبري 8/96 ، تفسير القرطبي 7/144 .

([4]) مسند الإمام أحمد 2/132 ، والحديث إسناده حسن . انظر : فيض القدير للمناوي 2/307 ، ح ( 1921 ) ، صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني 1/386 ، ح(1903 ) .

([5]) التذكرة ص45 ، 46 .

([6]) انظر : تفسير الطبري 8/102 ، زاد المسير لابن الجوزي 3/157 ، فتح الباري 11/353 .

([7]) صحيح مسلم : كتاب الإيمان ، باب الزمن الَّذي لا يقبل فيه الإيمان ( شرح النَّوويّ 2/195 ) .

([8]) سنن الترمذي : أبواب التّفسير ، باب ومن سورة الأنعام ( تحفة الأحوذي 8/449 ) .
والحديث إسناده صحيح . انظر : تحفة الأحوذي 8/450 ، صحيح الجامع للألباني 2/580 ، ح ( 3023 ) ، وفي هذه الرواية دلالة على أنَّ الترتيب في الرواية الأولى غير مقصود .

([9]) انظر : صحيح مسلم : كتاب الفتن ، باب ذكر الدجّال ( شرح النَّوويّ 18/77 ، 78 ) .

([10]) انظر : فتح الباري لابن حجر 11/353 ، تحفة الأحوذي للمباركفوري 8/449 ، أشراط الساعة للوابل ص406 ، 407 .

([11]) انظر : تفسير الطبري 8/96 ـ 103 ، زاد المسير لابن الجوزي 3/156 ، المحرّر الوجيز لابن عطية 2/366 ، 367 ، فتح الباري لابن حجر 11/353 .

([12]) تفسير الطبري 8/103 .

([13]) صحيح البخاريّ : كتاب الرقاق ، باب قول النبيِّ e : بعثت أنا والساعة كهاتين ( فتح الباري 11/352 ) .

([14]) هذا مقتضى الآية والنصوص المتظاهرة ، وقد خصّ بعض أهل العلم عدم القبول بالكافر دون العاصي ، أو بمن شاهد الطلوع دون غيره ؛ فلو امتدّ الزمان حتَّى نسي ، وانقطع تواتره ، وصار الخبر عنه آحادًا ، قبلت التوبة على قولهم ! وهو قول يخالف دلالة النّصوص على العموم ، وامتداد الإغلاق إلى يوم القيامة . وكلّ ما استدلّوا به على قولهم فإما ضعيف ، أو ليس نصًّا في محلّ النزاع . انظر : التذكرة للقرطبي ص706 ، تفسير القرطبي 7/147 ، 148 ، فتح الباري 11/354 ، 355 ، أشراط الساعة للوابل ص397 ـ 402 .

([15]) المسند ، مسند العشرة ، ح ( 1581 ) . قال ابن كثير : إسناده حسن . انظر : تفسير ابن كثير 2/195 .

([16]) تفسير الطبري 8/103 . قال ابن حجر : سنده صحيح ، وهو وإن كان موقوفًا فحكمه الرفع . فتح الباري 11/355 .

([17]) انظر : المحرر الوجيز لابن عطيّة 2/367 ، التذكرة للقرطبي ص706 ، فتح الباري لابن حجر 11/353 ، 354 .

([18]) هذا القيد لا يدلّ على أنَّ كشف العذاب عنهم إنّما كان في الدنيا ؛ لأنّ اللّه وصفهم بالإيمان في الآية ، وفي قوله : }فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُم ْ إلَى حِينٍ{[ الصافات : 148 ] ؛ والإيمان الصادق كاشف لعذاب الدنيا والآخرة . انظر : تفسير ابن كثير 2/433 .
والمراد بالحين في الآية زمان انقضاء آجالهم المقدّر في علم اللّه وكتابه الأَوَّل ، ولا صحّة لما يحكى عن ابن عَبَّاس ـ رضي اللّه عنهما ـ أنّ المراد به يوم القيامة فهم أحياء إلى اليوم إِلاَّ أنّ اللّه سترهم عن أعين الخلق . انظر : روح المعاني للآلوسي 11/192 .

([19]) انظر : زاد المسير لابن الجوزي 4/67 ، تيسير الكريم الرحمن لابن سعدي 3/393 .

([20]) انظر : المحرّر الوجيز لابن عطية 3/144 ، تفسير القرطبي 8/384 ، تفسير البيضاوي بحاشية الكازروني 3/315 .

([21]) انظر : تفسير الطبري 11/171 ، 172 .

([22]) المرجع السّابق 11/170 .

([23]) تفسير البغوي 2/396 .

([24]) انظر : الزواجر 1/34 .

([25]) انظر : فصوص الحكم 1/212 . وفي كلام الهيتمي ونقله دلالة صريحة على أن اعتبار إيمان المعاينة مذهب قديم للصوفية ، وليس ممّا أحدثه ، أو تفرّد به ابن عربيّ . انظر : الزواجر 1/34 .

([26]) هذا اعتراف بالذنب على وجه الاعتذار ، ولكن في وقت لا تقبل فيه توبة ، ولا تقال فيه عثرة . انظر : تفسير ابن كثير 2/201 . وممّا يحتمل أن يكون بمعنى الآية قوله e : ((لَنْ يَهْلَكَ النَّاسُ حَتَّى يَعْذِرُوا أَوْ يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) . رواه الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له . انظر : المسند ، باقي مسند الأنصار ، ح ( 21468 ) ، سنن أبي داود : كتاب الملاحم ، باب الأمر والنهي ، ح ( 4325 ) . والحديث سكت عنه المنذري ، وقال الألباني : إسناده صحيح . انظر : عون المعبود 11/500 ، صحيح الجامع الصغير 2/928 ، ح ( 2531 ) .
والمعنى حتَّى يقرّوا ، ويعترفوا بذنوبهم ، وأنهم مستحقون للعقوبة ، وهذا معنى كلام ابن مسعود ومن وافقه ، وهو المعنى الموافق للآية ، وقيل : إِنَّ المعنى : لا يهلكون حتَّى تكثر ذنوبهم ، ويستحقوا العقوبة ، ويكون لمن يعذبهم العذر ، وقيل غير ذلك . انظر : تفسير ابن كثير 2/201 ، عون المعبود 11/502 ، 503 .

([27]) نقلاً عن تفسير ابن كثير 4/26 .

([28]) المرجع السّابق .

([29]) انظر : تفسير ابن كثير 4/237 .

([30]) انظر : فصوص الحكم لابن عربيّ 1/201 ، 212 ، تعليقات أبي العلا عفيفي على الفصوص 2/298 ـ 301 ، الزواجر للهيتمي 1/35 .

([31]) انظر : دقائق التّفسير لابن تَيْمِيَّة 1/255 ـ 258 .

([32]) المرجع السّابق 1/257 .

([33]) رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصّحيح ، غير محمَّد بن وهب بن أبي كريمة ، وهو ثقة ، ورواه الإمام أحمد بنحوه ، ولكن من رواية أبي عبيدة عن أبيه ، ولم يسمع منه ، وبقيّة رجال أحمد رجال الصّحيح . انظر : المسند للإمام أحمد ، مسند المكثرين ، ح(3633 ) ، مجمع الزوائد 6/82 .

([34]) انظر : الزواجر للهيتمي 1/35 ، 36 ، روح المعاني للآلوسي 29/101 ، التعليقات على الفصوص لأبي العلا عفيفي 2/298 ، 299 .



([35]) انظر : التعليقات على الفصوص 2/90 ، 95 ، 96 ، 299 .