الدرس الرابع
الحديث الرابع
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا أعمالنا وسيئات أعمالنا، فإنها من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
أما بعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وإن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اليوم بفضل الله ومنه مازلنا مع هذه الأربعين المباركة لهذا السيد الحصور الإمام النووي ووصلنا بفضل من الله ومنه إلى الحديث الربع: عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ r -وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ-: «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ؛ فَوَ اَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا».
هذا الحديث أصل عظيم من أصول هذا الدين فالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يبين في هذا الحديث كيفية خلق الإنسان الذي كرمه الله U من بين مخلوقاته وهذا الحديث كما ترون يذكر فيه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الركن السادس من أركان الإيمان الذي لا يتم إيمان عبد إلا به وهو القضاء والقدر.
صحابي الحديث
أما الصحابي فكما ذكر لكم عن أبي عبد الرحمن هذه كنيته، كنيته أبو عبد الرحمن وأما اسمه فهو عبد الله بن مسعود t، وعبد الله بن مسعود t، يلتقي نسبه مع نسب النبي rفي مدركة بن إلياس بن مُضر، وعبد الله بن مسعود هو سادس ستة في الإسلام ، شهد بدرا والمشاهد كلها، وبيعة الرضوان وكان يشبه النبي r في هديه ودله وسمته، وتلقى من النبي r سبعين سورة، توفي t سنة ثنتين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين وهو ابن بضع وستين سنة رضي الله عنه وأرضاه، وكان ملازما كما تعلمون للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان إذا أراد النبيr أن يلبس نعليه ألبسهما إياه ابن مسعود، فإذا خلعهما وضعهما في ذراعيه t، وهو من حفاظ القرآن كما تعلمون، وكان النبي r يقول له ابن أم عبد وهو المقصود بابن مسعود t وكان نحيفا جدا وكان الصحابة يتعجبون من دقة ساقيه، والنبي r يقول: «تضحكون من دقة ساقيه أنهما لأثقل في الميزان من جبل أحد» وكان قصير القامة جدا أيضا -رضي الله عنه وأرضاه- ليعلم الناس أن الرجال لا يقاسون بالأوزان، ولا بالأطوال، ولا بالأشكال، إنما ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]. فبمقدار علم الإنسان لهذا الدين، وبمقدار عمله، وبمقدار بذله وتضحيته لخدمة هذا الدين يقاس الرجال.
معاني الكلمات الغريبة.
يقول حدثنا رسول الله r وهو( الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ )، هذه أول كلمة تقابلنا في الحديث ، الصادق مأخوذة من الصدق، موافقة كلام المتكلم للواقع الذي يخبر عنه هذا معنى الصدق، الصادق: هو المخبر بالصدق عن الواقع، مثلا: إنسان يقول الآن أنا في مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية، هذا أخبر بما يوافق الواقع، فنقول هذا صدق، وهو صادق في كلامه لأنه قال قولا موافقا للواقع، وأما(الْمَصْدُوقُ )،: فهو اسم مفعول بمعنى المصدّق -أي أنه أوحي إليه بالصدق، ولما أخبر أتى خبره على وفق الصدق، يبقى حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو الصادق المصدوق،.
«إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ» كلمة يجمع بمعنى يُضم، والمعنى أي تُضم مادة خلقه وتُحفظ في الرحم، يُجمع الماء الذي هو مادة خلق الإنسان المني وماء المرأة فيُجمعان ويُوضعان في الرحم، كلمة نطفة «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً»( نُطْفَةً)،: تطلق على الماء الصافي قل أو كثر، والجمع نطاف، ويعبر عن ماء الرجل بها فيقال للمني نطفة، وسيأتي طبعا لماذا سمي بهذا الاسم.
(علقة): وهي قطعة دم غليظة لم تيبس، سميت علقة لعلوقها بيد الممسك بها وكما سيتبين أنها تعلق في الرحم، هذه النطفة تتحول إلى قطعة دم غليظة تعلق في الرحم، ولذلك سميت علقة.
(مضغة): أي قطعة لحم بقدر اللقمة التي تمضغ، وهي فعلا شبيه بقطعة اللحم إذا مضغت إذا وضعها الإنسان تحت أضراسه فمضغها هذه صورة المضغة التي يخلق منها الإنسان، .
«إلَّا ذِرَاعٌ» يطلق أيضا على قدر معين من الشيء هذا يختلف في المذاهب، أقرب المذاهب الذي هو مذهب الشافعي والحنابلة قالوا أنه واحد وستين وثمانمائة أربع وثلاثين من ألف ،عند الحنفية له طول آخر، عند المالكية له طول آخر، والذراع هنا في الحديث كناية عن شدة القرب ليس المقصود هو المسافة هذه التي هي واحد وستين سم، إنما المقصود هو قرب الشيء كناية عن شدة القرب.
قال: (وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَع كَلِمَاتٍ ِ) كلمات هنا بمعنى قضايا مقدرة فإن كل قضية تسمى كلمة .
يقول ابن مسعود t حَدَّثَنَا رَسُـولُ اللَّهِ r -وَهُـوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ- قلنا الصادق المصدوق: أي الذي جاء بالصدق وهو مطابقة الخبر للواقع، أي أنه فيما بلغه عن ربه يقول الصدق -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو مصدوق أي يأتيه غيره بالصدق أي جبريل u يأتي للنبي r بالصدق.
لماذا قال ابن مسعودt في هذا الحديث بالذات الصادق المصدوق؟
الجواب: نلاحظ هنا أن ابن مسعود بدأ هذا الحديث بقوله حدثنا ثم قال وهو الصادق المصدوق، وابن مسعود قد روى عن النبي r أحاديث كثيرة منها ما يتجاوز السبعين حديثا في البخاري مثلا ولم يقل في جلها أو في أغلبها إلا هذا الحديث
الأمر الأول: وهو أن يتعلم الناس أن هذا المعلم، وهذا المخبر الذي سيأتيكم بهذا الوحي إنما هو صادق ومصدوق.
الأمر الثاني: لأن هذا الحديث سيتكلم فيه عن شيء من المغيبات الأمور الغيبية وهي أمور اختص الله U بها وقد يظهر بعض خلقه كما سنرى في هذا الحديث عليها، وهذا الأمر الغيبي لا يدرك لا بالتجربة ولا يدرك بالحس أمر لا يُنظر إليه ولا يُسمع ولا شيء، ولا يُدرك بالحواس، إنما يُدرك بالعلم وتصديق المخبر فأراد أن يقول لهم إن هذا الغيب إنما الذي أتى به هو الصادق الذي أتاه جبريل أيضا بالصدق فهو صادق ومصدق أو مصدوق -صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ» قلنا يجمع يعني يضم، وخلقه المقصود به ما خلق منه وهو المني، لأن العلماء كالقرطبي وغيره يقولون أن هذا المني مع الشهوة يندفع في الرحم فينتشر ويكون مبثوثا متفرقا فيجمعه الله U في محل الولادة أي من الرحم، ولذلك قال يجمع خلقه في بطن أمه المقصود ببطن الأم هنا الرحم ليس هو البطن ككل إنما المقصود هو الرحم كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ [المرسلات: 20- 22] «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً» أي يكون خلال هذه الأربعين يوما نطفة، وقلنا النطفة المقصود بها المني الذي هو ماء الرجل، وسميت بذلك لنطافتها يقولون نطف الشيء إذا سال، ولذلك قلنا المعنى اللغوي للنطفة أنه الماء الصافي، فنطفة بمعنى سالت، ولذلك قال تعالى: ﴿مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى﴾ [القيامة: 37]. يمنى أي يعني يسيل ويراق، ولذلك سميت النطفة بهذا المعنى، ولذلك يعني سبحان الملك تجد أن الألفاظ التي يوصف بها هذه الأشياء ألفاظ دقيقة، يعني ألفاظ لو أردت أن تنزع لفظا لتضع غيره أو تنزع هذا اللفظ من هذا السياق لتحول السياق بتقديم أو تأخير لا تجد أبدا، ولذلك هذا علم مهم جدا لطالب العلم أن يدركه، في بعض الآيات قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ﴾ [الأنعام: 100]. هنا يعاتب الله U على أولئك النفر الذين اتخذوا الجن شركاء لله، ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾.
الجن: مفعول به أول، وشركاء: مفعول به ثان، فمعنى الآية أن الله U ينعي عليهم أنهم ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾ فلماذا قدم وأخر، كي أدلك على لطف السياق القرآني، وأن كل كلمة وضعت في محلها الذي يؤدي المعنى الصحيح وإذا نُقلت اللفظة غيرت المعنى، العلماء يقولون: الله U هنا يصف هؤلاء بأنهم جعلوا الجن شركاء له، فلو قال الله U وجعلوا لله الجن شركاء إذن لو جعلوا غير الجن شركاء لا يعاتبون، ولا يذمون إنما قال الله U ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ﴾ أي أن الجن من الشركاء الذين جعلهم أو جعل هؤلاء أو جعلهم هؤلاء شركاء لله U، انظر مدى وضع هذه اللفظة عن غيرها فتخيل كلمة نطفة، وعلقة، ومضغة لتعلم هذه الدقة في تلك المعاني.
إذن نطفة قال: «أربعين يوما» في بعض الروايات وعند البخاري قال: ليلة، أربعين ليلة وفي بعضها على الشك قال أربعين يوما أو ليلة، جمع أهل العلم بينها أنها أربعين ليلة بأيامها أو أربعين يوما بلياليها، ويكون هذا الجمع قد ثبت بين هذا المعنى، إذن أربعين يوما يظل فيه هذا الجنين نطفة أي ماء لم يتحول ويغلظ ليتحول إلى العلقة.
قال: (ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ،) والمقصود بمثل ذلك أي أربعين يوما أخرى، (ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ) تلاحظ هنا أنه قال يُرسل إليه الملك، وسيأتي أيضا بعد قليل ثم ويؤمر، يرسل ويؤمر، هنا الفعل مبنيا لما لم يسمى فاعله لتعلم أن الذي أرسله هو الله U، والذي أمره هو الله U، وأن هذا الملك مع قوته، وقربه من الجنين لا يستطيع أن يفعل شيئا في هذا الجنين إلا أن الله يأمره به فيفعله، وهذا يعطيك، قوة في قلبك، يعني لماذا نخاف من غير، يعني بعض الناس يخاف مثلا من الجن أو من أحد يؤذيه أو غير ذلك، نقول أنه لا يقع شيء في كون الله U إلا بإذنه الكوني أن يأذن الله U ﴿وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ﴾ [البقرة: 102]. أي بالسحر، ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ فاطمئن واهدأ أنه لا يحدث شيء في كون الله U إلا بأمر الله U الكوني وإذنه القدري الكوني سبحانه وتعالى، قال: (ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ؛) هنا قالفينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات، ظاهر هذا الحديث أن هذه الكتابة لهذه الأربع كلمات ،بعد مائة وعشرين يوما، ولكن قد وردت بعض أحاديث أخرى تدل على أن هناك كتابة قبل ذلك منها ما رواه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد t قال: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة» كم اثنين وأربعين ليلة «بعث الله ملك فصورها، وخلق، سمعها، وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها ثم قال: ربي ذكر أو أنثى» إلى آخر الأربعة كلمات في آخر الحديث أنه يكتب الملك ذلك في صحيفة ثم يصعد بها فلا تبدل ولا تغير.
إذن هناك كتابة عند اثنتين وأربعين يوما، وهناك تصوير للجنين عند اثنتين وأربعين يوما أي قبل المائة وعشرين يوما.
المقصود بالتصوير: هو الذي يجعل الشيء على هيئة صورة مخططة ، إذا نظرت فيه رأيت أن هناك تخطيط كأنه ، خطوط مرسومة لهذا الجنين بعينه وعروقه ورجله وكذا، إنما لم يحدث إلى الآن بهذا التصوير لم يحدث الخلق الذي هو تقدير الأطراف وجعل الأعضاء وغيرها لم يحدث ذلك ولم يتم ذلك إلا بعد المائة وعشرين يوما بأن يكون طفلا تاما متكاملا وهذا سر الجمع في قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾ [الحشر: 24].
فالمصور: الذي يجعل الشيء على هيئة صورة مخططة.
والخالق: الذي يجعل لها مقاديرها من الأطراف والأعضاء.
والبارئ: الذي يجعل هذا الشيء الذي صوره وقدره شيئا تاما متكاملا.
فإذن حديث حذيفة يقول لنا أن التصوير يحدث قبل المائة وعشرين يوما، وكذلك أيضا الكتابة تكتب عند اثنتين وأربعين ليلة، بعض أهل العلم جمع بين ظاهر الحديث الذي معنا حديث ابن مسعود، وبين حديث حذيفة بعضهم قال أن هناك كتابتان، كتابة عند اثنتين وأربعين ليلة، وكتابة أخرى عند مائة وعشرين يوما، والبعض الآخر قال أنها كتابة واحدة، والكتابة تكون عند ثنتين وأربعين ليلة على حديث حذيفة بن أسيد، وأما الكتابة التي معنا في الحديث فقال أن النبي r ذكر هنا أطوار الإنسان ثم ذكر بعدها الكتابة، ومن محاسن اللغة أنك لا تدخل شيئا متغايرا عن الأشياء المترتبة على بعضها، النطفة، والعلقة، والمضغة، ، أطوار مترتبة، فإذا ذكرت الكتابة لا تذكر الكتابة بينها يعني مثلا لا يقول أربعين يوما نطفة، ثم يؤمر الملك بأربع كلمات، ثم أربعين يوما علقة، يقولون أن هذا لا يسوغ في اللغة وليس من محاسنها، ولذلك أخر ذكر الكتابة لهذا المعنى فقط واستدلوا على ذلك وهذا يوضح المسألة أكثر، بقوله تعالى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ﴾ [السجدة: 7]. الإنسان الذي هو من؟ آدم،﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾ [السجدة: 8، 9]. نلاحظ الترتيب.
وبدأ خلق الإنسان من طين صح، الترتيب المنطقي جدا أو الترتيب يعني لو أننا على جهة الترتيب لذكر آدم ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ﴾ ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾ إنما أدخل بينها ﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ﴾ ثم قال: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾ هذا الترتيب لكي يقول لك أن خلق الإنسان من طين باقي البشر غير آدم يخلقون من سلالة من ماء مهين مترتبا على خلق آدم من طين ثم ذكر التسوية والنفخ فيه من روحه، وعلى هذا يجمع بين الحديثين أنها كتابة واحدة وأن الترتيب هنا معنى في حديث ابن مسعود كما بينت.
قال: (وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ،) الرزق بمعنى العطاء، والرزق كما يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: هو ما ينتفع به العبد من حلال، بعض اللصوص يسرق وبعد ما يأخذ الفلوس يقول: لو صبر على رزقه لأتاه، رزقه الحلال فقط أما هذا الحرام هذا غصب ولا يسمى رزقا ، وطبعا هذا الرزق متنوع كل ما ينتفع به العبد سواء كان خادم، زوجة، سيارة، صحة، ولد، كل ما تنتفع به فهو من رزق الله سبحانه وتعالى.
قال: (بِكَتْبِ رِزْقِ وَأَجَلِهِ،) فهنا يكتب أجل المرء، وهذه الكتابة التي وهو في بطن أمه تسمى بالتقدير العمري لأن هناك أنواع من الكتابات منها الكتابة في اللوح المحفوظ، وهذه الكتابة لا يطلع عليها أحد لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل ، ثم هذه الكتابة التي في اللوح المحفوظ يعقبها كتابات منها الكتابة كما قلت العمرية أنه يكتب في بطن أمه ما سيكون له لهذا الإنسان ولذلك يقول أهل العلم السعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه فهذه الكتابة العمرية يتبعها كتابة أخرى وهي الكتابة السنوية التي تكون في ليلة القدر ثم يتبع ذلك التقدير اليومي ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن: 29]. فهذه كتابات كلها تابعة للتقدير الذي هو اللوح المحفوظ، الكتابة التي في اللوح المحفوظ لا تتغير ولا تتبدل؛ لأنها كتابة تابعة لعلم الله U، الكتابة التي في أيدي الصحف الصحيح أنها تبدل وتتغير قال تعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: 39]. فأم الكتاب اللوح المحفوظ لا يتغير ولا يتبدل، الكتابة التي في أيدي الملائكة من الصحف تتغير وتتبدل، طيب.
هل يا ترى يتبدل عمر الإنسان ويتغير؟
نعم يتغير ويتبدل بعض أهل العلم يقول في الجمع بين الآية والحديث، الآية ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: 34]. يقول إذن لا تقديم ولا تأخير، ولكن عندنا أحاديث أخرى كما عند البخاري ومسلم «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له عمره فليصل رحمه» ينسأ له في عمره: يعني يطول ويزاد له في عمره، .
كيف نجمع بين هذه الزيادة في العمر، وبين ﴿ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ ؟
القول الأول: وينسأ له في عمره- أي يبارك له في عمره فلا يضيع عليه وقته، كل لحظة في حياته يصادفه فيها توفيق.
القول الثاني: أن الزيادة في عمره بالذكر الجميل له بعد موته، فإنهم يقولون أن الذكر الحسن للإنسان بعد موته ذكر له ثاني .
القول الثالث: كما قدمت أن عندنا أم الكتاب اللوح المحفوظ لا تبديل فيه ولا تغير وهو المقصود ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ أي على ما قدر في اللوح المحفوظ، وأما ما في أيدي الملائكة فإنها يمحى فيه ويزاد فيه في عمر الشخص، وعلى هذا هو الراجح إن شاء الله تبارك وتعالى، والزيادة زيادة حقيقية، يعني الزيادة في البركة زيادة موجودة فعلا ولكن المقصود أنها زيادة ، فخلي بالكم يا شباب، خلي بالكم.
أم الكتاب منتهية معلوم أن هذا العبد سيموت بعد ستين سنة مثلا الذي في أيدي الملائكة قد يكون فيه مكتوب أن العبد له أربعين سنة فإذا وصل رحمه فأعطوه عشرين سنة، فيصل رحمه فالملائكة تقبضه عند ستين وهو الذي قدر في اللوح، أنا أدلك على هذا بحديث صحيح كي نحسم القضية، لأن المسألة فيها نزاع شديد حتى أن بعض أهل العلم ألف فيها رسائل منهم الشيخ مرعي رحمه الله تعالى صاحب كتاب دليل الطالب.
الحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة وصححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى قال النبي r: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ فمَسَحَ ظَهْرِهِ، فسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ جَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وبيصا مِنْ نُورٍ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَؤُلاءِ؟ فقَال: هَؤُلاءِ هم ذُرِّيَّتُكَ، - قال: فَرَأَى رَجُلا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ نُورُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، -أي نظر آدم إلى وبيص نور بين عيني أحد من أبنائه فأعجبه هذا الشخص - فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ من آخِرِ الأُمَمِ، يُقَالُ لَهُ: دَاوُدُ، قَالَ: أَيْ رَبِّ كَمْ عُمُرَهُ؟ - عمره كم- قَالَ: ستون سَنَةً،قَالَ: فَزِدْهُ من عمري أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ: إِذًا يُكْتَبُ وَيُخْتَمُ وَلا يُبَدِّلَ- إذا صار عمر داود ،مائة سنة، ستين والأربعون التي أعطاها له آدم -فَلَمَّا انْقَضَى عُمُرُ آدَمَ جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ، قَالَ: أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَنَسِيَ آدم فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَخَطِئَ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ» الشاهد من الحديث :أن الزيادة كانت زيادة حقيقية ،فاحرص على الصدق، وعلى الأمانة، وعلى صلة الرحم، تخيل وأنت تصل رحمك أن عمرك يزيد فعلا زيادة حقيقية ،فلما تبخل على نفسك بصلة الرحم وأنت تعرف أن يوم واحد يفرق و الكل يحب أن يطال له في أجله.
فإذن الزيادة زيادة حقيقية، قال: (: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ) وشقي أم سعيد أي بما سيقدم على ربه به في الآخرة، ولذلك السعيد من سعد في بطن أمه، ولذلك العلماء يقولون أن الخواتيم- أي ما يختم به للعبد- ميراث السوابق، أي ما سبق في علم الله U به، فنسأل الله أن يختم لنا بصالح الأعمال، قال: (فَوَ اَللَّهِ) من أول هذه اللفظة بعض أهل العلم يقول أنها مدرجة من كلام ابن مسعود وأغلب على أهل العلم على أنها من كلام النبي rفأن الإدراج يحتاج إلى دليل، قال: (فَوَ اَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا) نسأل الله العافية، في بعض طرق هذا الحديث أنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، ولذلك ابن رجب يقول: فيه إشارة كلمة فيما يبدو للناس إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، وكذلك قد يعمل الرجل بعمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير فتغلب عليه في آخر عمره فتوجب له حسن الخاتمة، انتبه فالمسألة خطيرة جدا، خطيرة ،.
يقول الإمام النووي: من انقلب من الشقاوة إلى السعادة قبل موته كثير، ومن النادر أن ينقلب أحد من أهل الخير قبل موته ، ولكن المسألة تكون في حيز الشك فتجعل الإنسان دائما على وجل، وعلى خوف بما سيختم له، ولهذا هذا يورث الإنسان الخوف أنه إذا نظر نظرة محرمة أو فكر فكرة محرمة أو فعل فعلا محرما أنه يخاف أن يقبض على هذا الفعل، وانتبه لأن هذه المسألة خطيرة جدًا، وطبعا أنا أقول لك أيضا أن الإنسان لا يفعل به ذلك إلا إذا أعطى لنفسه مسوغا للشر ، فبعض الناس قد يوقع نفسه في الشر دون أن يدري، (قال فيما يبدو للناس،)( وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ )أي من المعاصي والذنوب (حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا) نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة، وأن يختم لنا بخير.
وقوله: (حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا): أي بينه وبين أجله وليس بينه وبين الجنة لا إنما بينه وبين أجله قرب فيعمل بعمل أهل النار فيوافق الكتاب الذي كتب له وهو في بطن أمه، هذا الكتاب الذي هو في بطن الأم هو من علم الله U، وعلم الله لم يجبر أحدا على أن يفعل شيئا، العلم ليس جبرا لأحد إنما من تمام علم الله U أنه يعلم ما كان، وما سيكون، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وهذا العلم لم يقل لأحد افعل معصية ، فهو ليس مجبر بعلم الله ولذلك ابتلاه الله بالحلال والحرام بالأمر والنهي حتى إذا أطاع فوافق كتاب الله U السابق دخل الجنة، وإذا عصى فوافق الكتاب دخل النار، إنما العلم لم يجبره على ذلك، لحديث مليء بالفوائد، وكثير جدا من الفوائد الفقهية ولكن نقرأ الفوائد التي ذكرها الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى:
قال: في هذا الحديث من الفوائد:بيان تطور خِلقة الإنسان في بطن أمه، وأنه أربعة أطوار:
الأول: طور النطفة أربعون يوماً) طَور وليس طُور.
(والثاني: طور العلقة أربعون يوماً، والثالث: طور المضغة أربعون يوماً، والرابع: الطور الأخير بعد نفخ الروح فيه.. فالجنين يتطور في بطن أمه إلى هذه الأطوار) و هذا من المغيبات كما قلت التي أخبر النبي r عنها بلا تجربة، العلم التجريبي: الذي بدأ مع بداية القرن العشرين يثبت هذه الأطوار ولذلك مورجان عالم علم الأجنة أسلم بسبب أنه اطلع بتجربته على هذه الأطوار التي يُخلق فيها الإنسان، هذا العلم التجريبي قبل اثنين وأربعين يوما لا يستطيع أن يحدد كون هذا الجنين ذكر أم أنثى ، إنما الغيب المطلق الذي هو علم ما في الأرحام لله U أطلع الله الملك على بعضه من أنه ذكر أو أنثى بعد ثنتين وأربعين يوما أو بعد ثنتين وأربعين ليلة كما في حديث حذيفة بن أسيد فلم يعد غيبا مطلقا لله بعد ثنتين وأربعين، أما ما يقوله البعض أننا عندنا أجهزة الآن تبين نوع الجنين، أنا أقول أن نوع الجنين هذا قبل ثنتين وأربعين يوما لا يستطيع أحد أن يحدده إنما تحديد ما في الأرحام بالعلم البشري إنما يكون بعد أن ينفصل العضو الذكري أو الأنثوي عند الجنين إنما قبل ذلك لا نستطيع أن نتبين ذلك، بعد اثنتين وأربعين يوما لم يعد غيبا مطلقا لأن الله أعلم الملك أن هذا ذكر أم أنثى، سمعت أحد المشايخ وهو طبيب أطفال يقول أن في هذه الفترة يفرز هرمون هذا الهرمون يؤثر على نوعية الجنين إذا كان ذكر أو أنثى هذا الهرمون ليس له سبب معلوم في إفرازه، وليس له وقت معلوم في إفرازه فهذا لله U سبحانه وتعالى.
(ومن فوائد هذا الحديث: أن الجنين قبل أربعة أشهر لا يحكم بأنه إنسان حي، وبناء على ذلك لو سقط قبل تمام أربعة أشهر فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، لأنه لم يكن إنساناً بعد)، الجنين بعد أربعة أشهر إذا استهل صارخا ثم مات فإنه يغسل ويكفن، ويصلى عليه بإجماع أهل العلم، قبل أربعة أشهر فإن جماهير أهل العلم على أنه لا يغسل، إنما يشطف من الدم الذي عليه يغسل غسلا من الدم الذي عليه ويلف في لفافة ثم يدفن، لا نصلي عليه؛ لأنه ليس إنسانا، فقال: (فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه) هناك قول لابن سيرين أنه يغسل قبل أربعة أشهر، ولكن الصحيح: أنه قبل الأربعة لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه،.
بعد أربعة أشهر إذا لم يستهل صارخا: 1-فجمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة والحنفية:على أنه يغسل 2 وقول عند المالكية أنه بعد أربعة أشهر إذا لم يستهل صارخا ولم يتبين فيه الحياة أنه لا يغسل، ولكن قول الجمهور هو الصحيح في هذه المسألة.
(ومن فوائد هذا الحديث: أن للأرحام ملكاً موكلاً بها لقوله: «فيبعث إليه الملك» أي الملك الموكل بالأرحام)، هل هو ملك واحد أم ملكين ؟ محل خلاف بين أهل العلم، والأقرب أنه ملك واحد.
(ومن فوائد هذا الحديث: أن أحوال الإنسان تكتب عليه وهو في بطن أمه رزقه، وعمله، وأجله، وشقي أم سعيد،.
ومنها :بيان حكمة الله U وأن كل شيء عنده بأجل مقدر وبكتاب لا يتقدم ولا يتأخر، ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان يجب أن يكون على خوف ورهبة، لأن رسول الله rأخبر «إن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها».
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي لإنسان أن يقطع الرجاء فإن الإنسان قد يعمل بالمعاصي دهراً طويلاً ثم يمن الله عليه بالهداية فيهتدي في آخر عمره.
فإن قال قائل: ما الحكمة في أن الله يخذل هذا العامل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار؟
فالجواب: إن الحكمة في ذلك هو أن هذا الذي يعمل بعمل أهل الجنة إنما يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإلا)( فإن ذنوب الخلوات هي سبب الانتكاسات)، إياك أن تظن بتطويل اللحية، وتقصير الثوب وهي من الهدي الظاهر المطلوب أيضا أنك قد جزت القنطرة، وأن الله لا يطلع عليك في بيتك، وأنت في خلوتك، إياك أن تظن ذلك:
إذا ما خلوت الدهر يوما
فلا تقول خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
إياك أن تظن أنك في خلوتك تغيب بل أن الله U أقرب لأحدنا من عنق راحلته، إياك أن تظن أن الله U لا يطلع على السر وأخفى من السر، فهو يطلع على ما في القلب، فمحص قلبك، وإذا خلوت فاعلم أن الله U قيوم وهو حي لا تأخذه سنة ولا نوم وأنه يطلع عليك.
قال: (وإلا فهو في الحقيقة ذو طوية خبيثة ونية فاسدة، فتغلب هذه النية الفاسدة حتى يختم له بسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك، وعلى هذا فيكون المراد بقوله: «حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع» قرب أجله لا قربه من الجنة بعمله) لأن الجنة العمل الصالح يحتاج إلى إخلاص وإلى متابعة، وهذا فيما يبدو للناس أنه يعمل الصالحات إنما الله أعلم بما في قلبه، وأنه فاقدًا لشروط كثيرة في باطنه لقبول هذا العمل.
في مسألة السِقط: وهو الولد الذي يموت، متى تنفس المرأة بهذا السِقط؟ يعني مسألة التغسيل والتكفين تكلمنا عليها، مسألة متى تغتسل المرأة؟ متى يكون الدم النازل مع هذا السقط دم نفاس؟
ج: الراجح من كلام أهل العلم :أنه بعدما أن يكون مضغة؛ لأن المضغة تكون مخلقة، وغير مخلقة، فإذا كانت مضغة مخلقة – أي تبين فيها خلق الإنسان وسقط هذا السِقط ونزل معه دم، فإن هذا الدم دم نفاس، وطبعا المضغة تكون بعد واحد وثمانين، أربعون يوما نطفة، وأربعون يوما علقة، وتبدأ المضغة بواحد وثمانين، لأن دول ثمانين يوم يبقى من واحد وثمانين تبدأ المضغة؛ فإذا كانت المضغة مخلقة، والغالب أنها تخلق بعد تسعين يوما، لو خلقت بعد واحد وثمانين يوما يكون هذا الدم النازل على المرأة دم ؟ نفاس، فإذا لم تكن مضغة مخلقة فهي قطعة لحم، وهذا الدم دم فساد، وإذا كان قبل ثمانين يوم، حصل لهذه المرأة سقط ونزل عليها دم فإن هذا الدم دم فساد، والمراد بدم الفساد، أن هذه المرأة تتوضأ، وتصلي، وتصوم، وتفعل هذه العبادات ، إنما إذا كانت مضغة مخلقة فهذا الدم دم ، نفاس فإنها لا تصلي، ولا تصوم، أليس إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم.
هذا أغلب المعاني المطلوبة في هذا الحديث، وادعوا الله U أن يكون سهلا ميسورا عليكم.
قلنا فيما يبدو للناس صلاح هذا العامل إنما قد يكون عنده كما قلت دخيلة في باطنه أنه عمل هذا العمل رياء، أنه لم يقصد به التقرب إلى الله U، أنه افتقد شرطا آخر من شروط العمل الصالح، وأنا أقول أيها الإخوة ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل: 118]. لأن بعض الناس يقول يعني هذا قدر على العبد، أقول أن ترك الله U لهذا العبد، وأن الله خذل هذا العبد من نفسه، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: 5]. متى أزاغ الله قلوبهم؟ لما زاغ هذا القلب قدر الله U أن يتركه فيزيغ هذا العامل، الخلل أتى من العبد أولا ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ وليس هناك زيغ إلا من العبد اعلم ذلك، أنه فرط في شيء .
قصة شاب مات علي معصية بعد توبته:، بعض الشباب الذي تاب قصر في أمر ما، وهو أنه لم يترك البيئة التي كان فيها، تاب ولكن ذهب هذا الضعيف إلى إخوانه يدعوهم اتقوا الله ولا يجوز ما تفعلونه والكلام هذا كله، ماذا فعلوا؟ دبروا له حيلة، قالوا له :تريد أن تعظنا تعالى معنا في المكان الذي كنا نعصى فيه و عظنا فلما ذهبوا إلى المكان الموبوء هذه البيئة الخبيثة، قالوا له حتى تجلس وتستريح سنذهب نأتي ببعض الأكل والشرب ، المهم فتحوا الباب وادخلوا عليه امرأة كان ذو علاقة بها قبل الالتزام، الحل هنا الواجب الشرعي على هذا الإنسان الذي تاب من قريب ومازال قلبه ضعيفا أن يترك المكان فورا، إنما بعض الشباب يستشعر أنه تاب و غرضه أن ينقذ كل هذه الخليقة فجلس يعظ في هذه المرأة اتقي الله يا أختي ولا يجوز ما تفعليه، والذي كان بيننا زمان ربنا يتوب علي وعليك، وأنا تبت إلى الله، وهذا الكلام، هل هذا يجوز أن يختلي بها؟ اختلى بها صار الشيطان ثالثهما، وذهب هؤلاء الأوغاد وعادوا إليه من اليوم التالي بعد الفجر فطبعا دقوا الباب ففتحت هذه الخبيثة قالوا لها أين صاحبنا؟ قالت في الداخل، وأشارت إليهم أنها وقع معها في الحرام والعياذ بالله، فدخلوا إليه فطبعا ضحكوا عليه أنت أتيت لتعظنا وتوبوا فدخلوا إليه ليوقظوه فوجدوه قد مات.
شيخك طبيبك.
فأنا أقول التفريط أنا أقول دائما أن شيخك هو طبيبك يعني أنت التزمت، وأتيت إلى أحد الإخوة أو إلى أحد المشايخ تسأله ماذا أفعل ، الكلام الذي سيصفه لك هذا العالم بمثابة الدواء الذي لا يحل لك أن تأخذه أو لا تأخذه، أنت ذهبت إلى طبيب فقال لك هذا الدواء تأخذه ثلاث مرات، ماذا تفعل؟ولو فرطت في جزء منه، ماذا يحدث؟ الكل يعاتبك لماذا تفعل ذلك؟ ، اتق الله في نفسك، الشيخ كالطبيب فإذا قال لك لا تقترب من هذه الأماكن لا تقول له أنا غرضي طيب والنصيحة للناس، وهذا الكلام فاحذروا من هذه الأمور، احذروا من هذه الأمور أنها تقع بسبب الفتنة.
يحكي ابن الجوزي قصة المؤذن الذي كان يؤذن أربعين سنة: والمؤذن مؤتمن فلما صعد يؤذن ذات يوم نظر في البيوت، بيوت القوم الذين حوله فإذا بامرأة عارية فوقعت في قلبه والعياذ بالله فتخيل أربعين سنة يؤذن، ويكون أطول الناس أعناقا يوم القيامة ولكن أربعين سنة ثم بعد ذلك ينظر إلى امرأة فيفتن بها وتقع في قلبه فينزل من على الأذان ويذهب إليها فيجد أنها نصرانية، فيقولوا له لا نزوجك إياها حتى تتنصر والعياذ بالله فتنصر ثم مات ولم يدخل بها، فتخيل هذه القصص المؤلمة تجعل الإنسان على وجل، ويقول يا رب سلم سلم، لأن القلب كريشة تقلبها الرياح ظهرا لبطن، ولذلك أنا أدعوك وادعوا نفسي إلى الإكثار من هذا الدعاء الذي كان يدعوه سيد الأتقياء -صلى الله عليه وآله وسلم-: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك»، وكما في حديث أسامة أنه كان كلما سافر سفرا قال: (اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور).
الكور: المقصود به كور العمامة، والعمامة إذا كورت على الرأس ثبتت، والحور بمعنى نقض هذا الكور، فيقول أعوذ بك وأعوذ بوجهك الكريم أن انتقض بعد ما صرت على ما أنا فيه، ولذلك أنت ترى أن في التزامنا أحيانا الإنسان يلتزم ويعلوا بالالتزام، وأحيانا يقل في التزامه فيدعوا ربه يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، والنبي يقول: «إنما الأعمال بالخواتيم» فإياك أن تفرح بعملك، وتتباهى به، وتعجب به، وترفع أنفك على خلق الله U به، إياك فأنت لا تدري بما يختم لك، إنما الخواتيم ميراث السوابق، ولابد أن تجتهد طيلة حياتك فإنه كما هو معلوم وأجمع عليه أهل العلم فإن الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت، والموت يأتي بغتة، فليس له سن معلوم، ولا وقت معلوم، ولا زمن معلوم، فعليك أن تسعي سعيا حثيثا إلى أن ترضي ربك في قولك، وفي فعلك، وفي حالك، وفي كل شيء.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، إن شاء الله الأسئلة كل مرة يجاب عنها في المرة التي بعدها، سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
انتهى الدرس الرابع من الأربعين النووية
نسألكم الدعاء
الرابط الصوتي
رابط تحميل التفريغ من صفحتنا علي الفيس بوك
تفريغات أم محمد الظن
(أختكم أم محمد الظن)