تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 16 من 16

الموضوع: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

  1. #1

    Arrow كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله، أما بعـد:
    ويمكننا تلخيص كلام الشيخ رحمه الله في مسألة العذر بالجهل في النقاط التالية :
    1. الأصل عند الشيخ رحمه الله هو العذر بالجهل ، بل يرى أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بدليل على أن الجاهل ليس بمعذور ، ويرى أنه " لولا العذر بالجهل : لم يكن للرسل فائدة ، ولكان الناس يُلزمون بمقتضى الفطرة ، ولا حاجة لإرسال الرسل ! " .
    2. لا فرق في العذر بالجهل بين مسائل الاعتقاد ومسائل العمل .
    3. لا فرق في العذر بالجهل بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية ؛ لأن الظهور والخفاء أمرٌ نسبي يختلف من بيئة لأخرى ، ومن شخص لآخر .
    4. الكفر المخرج من الملة قد يكون بالاعتقاد أو القول أو الفعل أو الترك ، والشيخ لا يخالف في كون ذلك مخرجاً من الملة ، ولكن الخلاف في تنزيل وصف الكفر على الشخص المعيَّن ، فقد يكون معذوراً فلا يكون كافراً .
    5. لا يكون الشخص الفاعل للكفر كافراً إذا كان جاهلاً ، ولا يعلم حكم الشرع في فعله ، أو سأل أحد العلماء فأفتاه بجواز فعله .
    ويكون كافراً إذا أقيمت عليه الحجة ، وأزيل عنه الوهم والإشكال .
    6. ليس كل من يدَّعي الجهل يُقبل منه ، فقد يكون عنده تفريط في التعلم ، وتهاون في السؤال ، وقد يكون فيه عناد لا يقبل الحق ولا يسعى لطلبه : فكل هؤلاء غير معذورين عند الشيخ رحمه الله ، ويسستثنى من حال المقصِّرين : إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل محرم ، وليس عنده من ينبهه من العلماء ، ففي هذه الحال يكون معذوراً .
    7. الجاهل من الكفار الأصليين : تطبَّق عليه أحكام الكفر في الدنيا وأمره إلى الله في الآخرة ، والصحيح أنه يُمتحن .
    والجاهل من المنتسبين للإسلام ممن وقعوا في الكفر المخرج من الملة : تطبَّق عليهم أحكام الإسلام في الظاهر ، وأمرهم إلى الله في الآخرة .
    8. ذكر الشيخ رحمه الله نصوصاً من القرآن والسنَّة وكلام أهل العلم على ما رجَّح في هذه المسألة ، وبيَّن أن هذا هو مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، خلافاً لمن فهم عنه غير ذلك .
    وإلى ذكر تفصيل ما لخصناه من كلام الشيخ رحمه الله ، وقد نختصر فيما ننقله ، ومن أراد الفائدة مكتملة فليرجع إلى ما نحيله عليه .
    يتبع
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  2. #2

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    1. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة ؟
    فأجاب :
    الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية ، وربما يكون اختلافاً لفظيّاً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين ، أي : إن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر ، أو هذا الفعل كفر ، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات ، أو وجود بعض الموانع .
    وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين :
    الأول : أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام ، أو لا يدين بشيء ، ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه : فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا ، وأما في الآخرة : فأمره إلى الله تعالى ، والقول الراجح : أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل ، والله أعلم بما كانوا عاملين ، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله تعالى : ( ولا يظلم ربك أحداً ) .
    وإنما قلنا : تُجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا - وهي أحكام الكفر - : لأنه لا يدين بالإسلام ، فلا يمكن أن يُعطى حكمه ، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة : لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم - رحمه الله تعالى - في كتابه : " طريق الهجرتين " عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة .
    النوع الثاني : أن يكون من شخص يدين بالإسلام ، ولكنه عاش على هذا المكفِّر ، ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام ، ولا نبَّهه أحدٌ على ذلك : فهذا تُجرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً ، أما في الآخرة : فأمره إلى الله عز وجل ، وقد دلَّ على ذلك الكتاب ، والسنَّة ، وأقوال أهل العلم .
    فمن أدلة الكتاب : قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) وقوله : ( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ) . وقوله : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وقوله : ( وما أرسلنا رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) وقوله : ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) وقوله : ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون . أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين . أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة ) .
    إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان .
    وأما السنة : ففي صحيح مسلم1/134 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني : أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) .
    وأما كلام أهل العلم : فقال في " المغني " ( 8 / 131 ) : " فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام ، والناشئ بغير دار الإسلام ، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم : لم يحكم بكفره " ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " ( 3 / 229 ) مجموع ابن قاسم : " إني دائماً - ومن جالسني يعلم ذلك مني - من أعظم الناس نهياً عن أن يُنسب معيَّن إلى تكفير ، وتفسيق ، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى ، وعاصياً أخرى ، وإني أقرر أن الله تعالى قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية ، والمسائل العملية ، وما زال السلف يتنازعون في كثير من المسائل ، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ، ولا بفسق ، ولا بمعصية "
    إلى أن قال : " وكنت أبيِّن أن ما نُقل عن السلف والأئمَّة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا : فهو أيضاً حقٌّ ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين " .
    إلى أن قال : " والتكفير هو من الوعيد ، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة ، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة ، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص ، أو سمعها ولم تثبت عنده ، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً " .

    وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ( 1 / 56 ) من " الدرر السنية " : " وأما التكفير : فأنا أكفِّر مَن عرف دين الرسول ، ثم بعدما عرفه سبَّه ، ونهى الناس عنه ، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره " .
    وفي ( ص 66 ) : " وأما الكذب والبهتان فقولهم : إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله ، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر ، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم ، وعدم من ينبههم ، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل ؟ ! " .
    وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب ، والسنة ، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله تعالى ، ولطفه ، ورأفته ، فلن يعذب أحداً حتى يعذر إليه ، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله تعالى من الحقوق ، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل .
    فالأصل فيمن ينتسب للإسلام : بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي .... .
    فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين :
    الأمر الأول : دلالة الكتاب والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب .
    الأمر الثاني : انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه ، وتنتفي الموانع .
    ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) ، فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له ، ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها ؟ .
    الجواب : الظاهر الثاني ؛ أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة ؛ ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه ، وربما لو كان عالماً ما زنى . .. .
    والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً ، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً ، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة ، والاعتبار ، وأقوال أهل العلم .
    " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / جواب السؤال 224 ) .
    يتبع
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  3. #3

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    2. وسئل الشيخ رحمه الله :
    قرأنا لك جواباً عن " العذر بالجهل " فيما يكفر ، ولكن نجد في كتاب " كشف الشبهات " للشيخ محمد بن عبد الوهاب عدم العذر بالجهل ، وكذلك في كتاب " التوحيد " له ، مع أنك ذكرت في جوابك أقوال الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكذلك ابن تيمية في " الفتاوى " ، وابن قدامة في " المغني " ، نرجو التوضيح .
    فأجاب :
    شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قد ذكر في رسائله أنه لا يكفِّر أحداً مع الجهل ، وإذا كان قد ذكر في " كشف الشبهات " أنه لا عذر بالجهل : فيحمَل على أن المراد بذلك الجهل الذي كان من صاحبه تفريط في عدم التعلم ، مثل أن يعرف أن هناك شيئاً يخالِف ما هو عليه ، ولكن يفرِّط ، ويتهاون : فحينئذٍ لا يُعذر بالجهل .
    " دروس وفتاوى الحرم المكي " ( عام 1411هـ ، شريط 9 ، وجه أ ) .

    يتبع
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  4. #4

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    بارك الله فيك
    إذا كان الأصل عند الشيخ رحمه الله العذر بالجهل وعدم التفريق بين المسائل الظاهرة والخفية كيف يمكن تكفير مدعي الجهل وإن لاح تقصيره في الطلب؟ أفلا يكون ذلك تكفيرا بالمحتمل؟

  5. #5

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك
    إذا كان الأصل عند الشيخ رحمه الله العذر بالجهل وعدم التفريق بين المسائل الظاهرة والخفية كيف يمكن تكفير مدعي الجهل وإن لاح تقصيره في الطلب؟ أفلا يكون ذلك تكفيرا بالمحتمل؟
    وفيك بارك أخي الكريم إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال و الأصل عند الشيخ رحمه الله هو العذر بالجهل ، بل يرى أنه لا يستطيع أحد أن يأتي بدليل على أن الجاهل ليس بمعذور ، ويرى أنه " لولا العذر بالجهل : لم يكن للرسل فائدة ، ولكان الناس يُلزمون بمقتضى الفطرة ، ولا حاجة لإرسال الرسل ! " , وليس كل من يدَّعي الجهل يُقبل منه ، فقد يكون عنده تفريط في التعلم ، وتهاون في السؤال ، وقد يكون فيه عناد لا يقبل الحق ولا يسعى لطلبه : فكل هؤلاء غير معذورين عند الشيخ رحمه الله ، ويسستثنى من حال المقصِّرين : إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل محرم ، وليس عنده من ينبهه من العلماء ، ففي هذه الحال يكون معذوراً , ولا فرق في العذر بالجهل بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية ؛ لأن الظهور والخفاء أمرٌ نسبي يختلف من بيئة لأخرى ، ومن شخص لآخر
    ولو أتممت كلام الشيخ في مداخلتك رحمني الله وإياك لزال عندك الإستشكال وهو أن الظهور والخفاء أمر نسبي يختلف من بيئة لأخرى ومن شخص لآخر وهذا مرجعه إلى العالم الذي عُرض عليه المسألة وتقديره للبيئة والشخص إن كان مقصراً أم لا على حسب حاله حيث أن الحكم على الشئ فرع عن تصوره ووقتها يحكم على الشخص ويكون كافراً إذا أقيمت عليه الحجة ، وأزيل عنه الوهم والإشكال .
    وسوف نكمل مابدأناه إن شاء الله ونسرد من كلام الشيخ رحمه الله لكي يتضح قوله في المسألة، وقد نختصر فيما ننقله ، ومن أراد الفائدة مكتملة فليرجع إلى ما نحيله عليه .

    محبكم أبو المنذر
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  6. #6

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    3. وسئل الشيخ رحمه الله هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالتوحيد ؟
    فأجاب :
    العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) حتى قال عز وجل : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) ؛ ولقوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) ؛ ولقوله تعالى : ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار ) ، والنصوص في هذا كثيرة ، فمن كان جاهلاً : فإنه لا يؤاخذ بجهله في أي شيء كان من أمور الدين ، ولكن يجب أن نعلم أن من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد ، أي : إنه يُذكر له الحق ، ولكنه لا يبحث عنه ، ولا يتبعه ، بل يكون على ما كان عليه أشياخه ، ومن يعظمهم ، ويتبعهم ، وهذا في الحقيقة ليس بمعذور ؛ لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن يبحث ليتبين له الحق ، وهذا الذي يعظم من يعظم من متبوعيه شأنه شأن من قال الله عنهم : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) ، وفي الآية الثانية : ( وإنا على آثارهم مقتدون ) ، فالمهم : أن الجهل الذي يُعذر به الإنسان بحيث لا يعلم عن الحق ، ولا يذكر له : هو رافع للإثم ، والحكم على صاحبه بما يقتضيه عمله ، ثم إن كان ينتسب إلى المسلمين ، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله : فإنه يعتبر منهم ، وإن كان لا ينتسب إلى المسلمين : فإن حكمه حكم أهل الدين الذي ينتسب إليه في الدنيا ، وأما في الآخرة : فإن شأنه شأن أهل الفترة ، يكون أمره إلى الله عز وجل يوم القيامة ، وأصح الأقوال فيهم : أنهم يمتحنون بما شاء الله ، فمن أطاع منهم دخل الجنة ، ومن عصى منهم دخل النار، ولكن ليعلم أننا اليوم في عصر لا يكاد مكان في الأرض إلا وقد بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، بواسطة وسائل الإعلام المتنوعة ، واختلاط الناس بعضهم ببعض ، وغالباً ما يكون الكفر عن عناد .
    " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / جواب السؤال رقم 222 ) .

    يتبع
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    167

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    أما العذر بالجهل فكلمة إجماع عند أهل العلم في ( حديث عهد بكفر و البعيد عن العلم وأهله ).
    والخلاف إنما في تحقيق مناط وجود الجهل الذي يُعذر به صاحبه .
    فمنهم من لا يتصور وجود الجهل في الأعيان عند وجود العلم وانتشاره, وكل من يجهل الحق في هذه الحالة إنما هو ما بين معرض أو معاند .
    ومنهم من يتصور بقاء الجهل في أفراد مع انتشار العلم وظهور الحق, وأن هؤلاء الأفراد ليسوا بمعاندين ولا بمعرضين, ومتى بلغهم الحق قبلوه .
    فرجع الخلاف إلى تحقيق المناط في الأعيان, ومن المحال الاتفاق فيه, لأنه مبني على التصور, وهو خاص بأهل الحل والعقد من الحكام كالقضاة ومن في حكمهم من الراسخين في العلم. والله أعلم

  8. #8

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    جزاك الله خيراً
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  9. #9

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    4. وسئل الشيخ رحمه الله :
    ما حكم من يصف الذين يعذرون بالجهل بأنهم دخلوا مع المرجئة في مذهبهم ؟ .
    فأجاب :
    وأما العذر بالجهل : فهذا مقتضى عموم النصوص ، ولا يستطيع أحد أن يأتي بدليل يدل على أن الإنسان لا يعذر بالجهل ، قال الله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء/ 15 ، وقال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء/ 165 ، ولولا العذر بالجهل : لم يكن للرسل فائدة ، ولكان الناس يلزمون بمقتضى الفطرة ولا حاجة لإرسال الرسل ، فالعذر بالجهل هو مقتضى أدلة الكتاب والسنة ، وقد نص على ذلك أئمة أهل العلم : كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، لكن قد يكون الإنسان مفرطاً في طلب العلم فيأثم من هذه الناحية أي : أنه قد يتيسر له أن يتعلم ؛ لكن لا يهتم ، أو يقال له : هذا حرام ؛ ولكن لا يهتم ، فهنا يكون مقصراً من هذه الناحية ، ويأثم بذلك ، أما رجل عاش بين أناس يفعلون المعصية ولا يرون إلا أنها مباحة ثم نقول : هذا يأثم ، وهو لم تبلغه الرسالة : هذا بعيد ، ونحن في الحقيقة - يا إخواني- لسنا نحكم بمقتضى عواطفنا ، إنما نحكم بما تقتضيه الشريعة ، والرب عز وجل يقول : ( إن رحمتي سبقت غضبي ) فكيف نؤاخذ إنساناً بجهله وهو لم يطرأ على باله أن هذا حرام ؟ بل إن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال : " نحن لا نكفر الذين وضعوا صنماً على قبر عبد القادر الجيلاني وعلى قبر البدوي لجهلهم وعدم تنبيههم " .
    " لقاءات الباب المفتوح " ( 33 / السؤال رقم 12 ) .

    محبكم في الله
    أبو المنذر السيوطي

    يتبع
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  10. #10

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    سلّمك المولى من سوء الدارين.
    أودّ الإشارة في هذا المقام إلى مسائل:

    المسألة الأولى: الواجب على طلبة العلم قبل أن يخوضوا في غمار هذا البحث أن يحقّقوا بم يصحّ شرط التكليف في هذه المسألة؟
    هل يشترط في صحة التكليف علم المكلف بالمأمور به حقيقة؟ أم يكفي تمكّنه من العلم؟ ثم تحقيق ضابط التمكن من العلم بأسباب ظاهرة منضبطة تفاديا من الفوضى العارمة في المسألة.

    وأصل هذا: النظر إلى البعثة المحمدية (على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم) من حيث قيام الحجة على العباد،وهل قامت الحجة عليهم بعلم كل واحد منهم الحجة بنفسه أو بواسطة ؟ أو قامت الحجة بتمكنهم من العلم بها وبذل صاحب الدعوة ما أمكنه من البلاغ المبين وإن لم يعلم بعضهم حقيقة ؟

    وبالجملة: فالمسألة تنبني على هذا الأصل: فمن يشترط علم المكلّف بالمأمور به حقيقة يفرّع عليه: إطلاق الإعذار بالجهل في جميع المسائل وعدم التفريق بينها وكذلك بين أحوال الجاهلين والنظر إلى دار المكلف وبيئته. ولم أر أحدا من العلماء المعتبرين جنح إلى هذا القول عدا ابن حزم ومقلديه من المعاصرين.

    والذي عليه جمهور العلماء إن لم يكن إجماعا أن بلوغ الحجة إلى المكلفين نوعان:
    بلوغ الحجة بالسماع لها. والثاني: بلوغها بالشيوع والاشتهار بين بلده وقومه وإن لم يعلم المكلف حقيقة. ويعبر الفقهاء عن هذا بالتمكن من العلم.

    وبناء على هذا الأصل قامت الحجة على العرب وغيرهم الذين تمكّنوا من سماع الحجة الرسالة وإن لم يعلموا حقيقة لكثرة العوارض واشتباه المعجزة بالسحر عليهم.

    وفي هذا يقول الإمام أبو زيد الدبوسي إمام الحنفية (430هـ): «حكم هذا الشرع إنما يلزمنا بعد بلوغه إيانا لما مرّ أن الله تعالى لم يكلف نفسا إلا وسعها ، ولا وسع على العمل إلا بعد العلم ..
    ثم البلوغ نوعان:
    - حقيقةً بسماع الخطاب.
    - وحكماً بشيوع في قومه.
    لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمِر بتبليغ القرآن الناس كافة، وما أمكنه التبليغ إلى كل نفس، وإنما بلّغ أكابر كلّ قوم في جماعتهم، وكان مؤدِّيا بذلك حكمَ الأمر، ليكون الأمر بقدر الوسع، وعلى سبيلٍ لا حرج فيه.
    ولأنّ الخطاب متى شاع أمكن كل إنسان العمل به متى لم يقصِّر في طلب الحجة من قومه، فمتى لم يطلب حتى جهل كان ذلك بتقصير منه، فلم يصر ذلك الجهل له عذرا، وصار كأنه علم ثم لم يعمل.
    ألا ترى أنّ الواحد منا لو لم يعلم الشرائع وجهلها لم يعذر، ولزمها كلها، لشيوعها في دار الإسلام. وكذلك الذمي إذا أسلم ولم يعلم بالصلاة لزمته، ولو أسلم الحربي في دار الحرب ولم يعلم بها لم يلزمه قضاء ما فات منها، لأن الخطاب فيها(دار الحرب ) غير شائع.
    وهذا كما قال علماؤنا رحمهم الله تعالى: فيمن أذن لعبده في التجارة وشاع إذنه ثم حجر عليه: لم يثبت الحجر في حق أهل السوق حتى يحجر عليه حجراً عاما في أهل سوقه ، وإذا أشاعه ثبت الحجر في حق من سمع ، ومن لم يسمع» ([1]).

    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:«إنّ حجة الله برسله قامت بالتمكّن من العلم، فليس من شروط حجة الله تعالى علم المدعوّين بها. ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبّره مانعاً من قيام حجة الله تعالى عليهم. وكذلك إعراضهم عن استماع المنقول عن الأنبياء وقراءة الآثار المأثورة عنهم لا يمنع الحجة، إذ المُكْنة حاصلة».

    وقال في قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: «لم يكن من شرط ذلك أن يصل أمر الآمر ونهي الناهي منها إلى كلّ مكلّف في العالم، إذ ليس هذا من شرط تبليغ الرسالة، فكيف يشترط فيما هو من توابعها؟ بل الشرط أن يتمكّن المكلّفون من وصول ذلك إليهم، ثم إذا فرّطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه كان التفريط منهم لا منه». [الرد على المنطقيين ص140 ونحوه في مجموع الفتاوي (2/281) ، (22/16).والاستقامة (2/207-208)]

    ويقول رحمه الله تعالى:«إن العذر لا يكون عذراً إلا مع العجز عن إزالته، وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق، فقصر فيه، لم يكن معذوراً». [ رفع الملام عن الأئمة الأعلام ص114، مجموع الفتاوى (20/280 )].
    ويقول رحمه الله:« لحوق الوعيد لمن فعل المحرم مشروط بعلمه بالتحريم، أو بتمكنه من العلم بالتحريم، فإنّ من نشأ ببادية أو كان حديث عهد بالإسلام وفعل شيئا من المحرمات غير عالم بتحريمها لم يأثم ولم يحد، وإن لم يستند في استحلاله إلى دليل شرعي. فمن لم يبلغه الحديث المحرم واستند في الإباحة إلى دليل شرعي أولى أن يكون معذورا » .[ مجموع الفتاوى (20/ 252)]

    [COLOR=window****]ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله:[/COLOR] «فإن حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسول وإنزال الكتب وبلوغ ذلك إليه، وتمكنه من العلم به سواء علم أو جهل.فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه فقصر عنه ولم يعرفه فقد قامت عليه الحجة. والله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه فإذا عاقبه على ذنبه عاقبه بحجته على ظلمه..»[مدارج السالكين (1/305-).]

    ويقول الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله:« فأنت ترى صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم حين بعث إلى أصحاب أهواء وبدع قد استندوا إلى آبائهم وعظمائهم فيها، وردّوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وغطّى على قلوبهم رين الهوى حتى التبست عليهم المعجزات بغيرها، كيف صارت شريعته عليه السلام حجة عليهم على الإطلاق والعموم، وصار الميّت منهم مسوقا إلى النار على العموم من غير تفرقة بين المعاند صراحاً وغيره، وما ذاك إلا لقيام الحجة عليهم بمجرّد بعثه وإرسالهم لهم مبيّنا للحق الذي خالفوه ».[ الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي (1/272- 274)].

    ويقول العلامة علاء الدين السمرقندي رحمه الله (553هـ):«كون المأمور به معلوما للمأمور أو ممكن العلم به – باعتبار قيام سبب العلم- شرط لصحة التكليف. وفي الحاصل: حقيقة العلم ليس بشرط، لكن التمكّن من العلم باعتبار سببه كاف».[ ميزان الأصول في نتائج العقول(1/285].

    وقال الشيخ العلامة ابن اللحّام الحنبلي رحمه الله(803 هـ.): « إذا قلنا إنّ الجاهل يعذر فإنما محلّه إذا لم يقصّر ويفرّط في تعلّم الحكم، فأما إذا قصر، أو فرّط فلا يعذر جزما ».[ القواعد والفوائد الأصولية ص58.].


    وقال الإمام أبو عبد الله المقري المالكي رحمه الله(759هـ):«أمر الله عز وجل العلماء أن يبيّنوا ومن لا يعلم يسأل، فلا عذر في الجهل بالحكم ما أمكن التعلم » [القواعد (2/412) للمقري].

    المسألة الثانية: ضابط التمكن من العلم
    تحقيقا لضابط التمكن من العلم قام أهل العلم بالتفريق بين المسائل الظاهرة المعلومة من الدين بالضرورة وبين المسائل التي هي من علم الخاصة والنظر أيضا إلى حالة الجاهل وإلى داره التي نشأ بها.
    وعلى هذا أعذروا الجاهل في المسائل الظاهرة والخفية معا إذا كان حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم ولم يتمكن من الوصول إليهم أو نشأ في دار كفر يخفى في مثلها أحكام الإسلام على مثله.بخلاف من هو قديم الإسلام ونشأ بين أظهر المسلمين والعلماء فلا يعذر بالجهل في المسائل الظاهرة.
    وأما المسائل الخفية (علم الخاصة) فلا فرق بين هؤلاء فالمناط قيام الحجة على المكلف حقيقة لا حكما.
    وقد بحث المسألة وأجاد فيها صاحب كتاب:«عارض الجهل وأثره في مسائل الاعتقاد» وهو كتاب جدير بالقراءة والإفادة منه وما نسبه إلى جماهير أهل العلم فصحيح لا ريب فيه، ويحسن في هذا المقام ذكر بعض النصوص التي ذكرها فاختصرها أو ألمّ بها ولم يكملها أو فاته ولم يذكره:
    من ذلك قول العلامة أبي زيد الدبوسي السالف الذكر، وفيه من الفوائد العلمية:
    الأولى: التفريق بين دار الإسلام ودار الكفر في الإعذار بالجهل.
    الثانية: أنّ حكم الشرع إنما يلزم الأمة بعد البلوغ ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
    الثالثة: إنّ بلوغ الحجة إلى المكلفين نوعان: سماع الحجة حقيقة، وبلوغها حكما، وذلك بالتمكّن من سماعها وشيوعها في داره أو بلده؛ وهذا من باب إناطة الحكم إلى الوصف الظاهر المنضبط وإلا لزم أن لا يكفر إلا المعاند حقيقة، وقد أقام الإمام الدليل على هذا كما سبق.
    ومما أغفله عند النقل عن الأئمة المالكية قول إمام المغرب والأندلس الإمام ابن عبد البر رحمه الله:«والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه نحو: الشهادة باللسان والإقرار بالقلب بأن الله وحده لا شريك له ولا شبه له ولا مثل له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد خالق كل شيء وإليه يرجع كل شيء المحيي المميت الحي الذي لا يموت عالم الغيب والشهادة هما عنده سواء لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء هو الأول والآخر والظاهر والباطن والذي عليه جماعة أهل السنة والجماعة أنه لم يزل بصفاته وأسمائه ليس لأوليّته ابتداء ولا لآخريّته انقضاء وهو على العرش استوى.
    والشهادة بأن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه حق وأن البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حق.
    وأن القرآن كلام الله وما فيه حق من عند الله يلزم الإيمان بجميعه واستعمال محكمه.
    وأن الصلوات الخمس فريضة ويلزمه من علمها علم مالا تتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها.
    وأن صوم رمضان فرض ويلزمه علم ما يفسد صومه وما لا يتم إلا به.
    وإن كان ذا مال وقدرة على الحج لزمه فرضا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة ومتى تجب وفي كم تجب ولزمه أن يعلم بأن الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إن استطاع السبيل إليه إلى أشياء يلزمه معرفة جملها ولا يعذر بجهلها نحو تحريم الزنا وتحريم الخمر وأكل الخنزير وأكل الميتة والأنجاس كلها والسرقة والربا والغصب والرشوة في الحكم والشهادة بالزور وأكل أموال الناس بالباطل وبغير طيب من أنفسهم إلا إذا كان شيئا لا يشتاح فيه ولا يرغب في مثله وتحريم الظلم كله وهو كل ما منع الله عز وجل منه ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحريم نكاح الأمهات والبنات والأخوات ومن ذكر معهنّ وتحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق وما كان مثل هذا كلّه مما نطق به الكتاب وأجمعت الأمة عليه».[جامع بيان فضل العلم1/57-58].
    وقال رحمه الله في شرح حديث عطاء : (بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا):
    «وفيه أن من لم يعلم بتحريم الشيء، فلا حرج عليه حتى يعلم، إذا كان الشيئ مما يعذر الإنسان بجهله من علم الخاصة، قال عز وجل {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الاسراء (15).[التمهيد ضمن شروح الموطا 16/304-305].
    عذّر الجاهل رحمه الله في المسائل الخفية دون غيرها من المسائل الظاهرة وكلامه هذا كان صاحب الكتاب من أحوج الناس إليه لصراحة النصّ وسلامة صاحبه من النبز بالبدعة التي يتخذها بعض الناس تكأة في إهدار أقوال العلم وإن كانت على أصول أهل العلم.

    واختصر أيضا أقوال شيخ الحنابلة بلا منازع الإمام ابن قدامة المقدسي:
    يقول رحمه الله في التفريق بين المسائل وحالة الجاهل: «وجملة ذلك أن تارك الصلاة لا يخلو، إما أن يكون جاحدا لوجوبها، أو غير جاحد، فإن كان جاحدا لوجوبها نظر فيه، فإن كان جاهلا به وهو ممن يجهل ذلك كالحديث الإسلام والناشئ ببادية عرّف وجوبها وعلّم ذلك ولم يحكم بكفره لأنه معذور.
    وإن لم يكن ممن يجهل ذلك كالناشئ بين المسلمين في الأمصار والقرى لم يعذر ولم يقبل منه ادّعاء الجهل، وحكم بكفره لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة والمسلمون يفعلونها على الدوام فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله ، فلا يجحدها إلا تكذيبا لله تعالى ولرسوله وإجماع الأمة، وهذا يصير مرتدا عن الإسلام وحكمه سائر المرتدين في الاستتابة والقتل، ولا أعلم فيه خلافا».
    وقال أيضا رحمه الله في الزكاة:
    «فمن أنكر وجوبها جهلا به، وكان ممن يجهل ذلك، إما لحداثة عهده بالإسلام أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار عُرّف وجوبها ولم يحكم بكفره لأنه معذور. وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد، تجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة فلا تكاد تخفى على من هذا حاله، فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة وكفره بهما».([2]) .
    وقال في شارب الخمر:«وإن ادعى الجهل بتحريمها نظرنا، فإن كان ناشئا ببلد الإسلام بين المسلمين لم يقبل دعواه لأن هذا لا يكاد يخفى على مثله فلا تقبل دعواه فيه. وإن كان حديث عهد بإسلام، أو ناشئا ببادية بعيدة عن البلدان قبل منه لأنه يحتمل ما قاله».المعني لابن قدامة (12/501).

    ويقول رحمه الله في حدّ الزنى: «فإن ادعى الزاني الجهل بالتحريم وكان يحتمل أن يجهله كحديث العهد بالإسلام والناشئ ببادية بعيدة قبل منه لأنه يجوز أن يكون صادقا.
    وإن كان ممن لا يخفى ذلك عليه كالمسلم الناشئ بين المسلمين وأهل العلم لم يقبل، لأن تحريم الزنى لا يخفى على من هو كذلك فقد علم كذبه.
    وإن ادعى الجهل بفساد نكاح باطل قبل قوله لأن عمر قبل قول المدعي الجهل بتحريم النكاح في العدة ولأن مثل هذا يُجهل كثيرا ويخفى على غير أهل العلم». المغني لا بن قدامة (12/345).

    وقال في تارك الصلاة من باب الردة: «قد سبق شرح هذه المسألة في باب مفرد لها ولا خلاف بين أهل العلم في كفر من تركها جاحدا لوجوبها، إذا كان ممن لا يجهل مثله ذلك فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام والناشئ بغير دار الإسلام أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم لم يحكم بكفره وعرّف ذلك وبيّنت له أدلة وجوبها فإن جحدها بعد ذلك كفر.
    وإما إذا كان الجاحد لها ناشئا في الأمصار بين أهل العلم فإنه يكفر بمجرد جحدها.
    وكذلك الحكم في مباني الإسلام كلها وهي الزكاة والصيام والحج لأنها مباني الإسلام وأدلة وجوبها لا تكاد تخفى إذ كان الكتاب والسنة مشحونين بأدلتها والإجماع منعقد عليها فلا يجحدها إلا معاند للإسلام يمتنع من التزام الأحكام غير قابل لكتاب الله تعالى ولا سنة رسوله ولا إجماع أمته».
    وقال في المحرّمات الظاهرة:« ومن اعتقد حلّ شيء أجمع المسلمون على تحريمه وظهر حكمه بين المسلمين وزالت الشبهة فيه للنصوص الواردة فيه كلحم الخنـزير والزنى وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر .لما ذكرنا في تارك الصلاة، وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك». المغني لابن قدامة (12/275-277).

    وفيه من الفوائد:
    1. التفريق بين دار الإسلام وبين دار الكفر في الإعذار بالجهل في المسائل الظاهرة.
    2. أن من نشأ بين المسلمين لا يعذر بالجهل في المسائل الظاهرة إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء والمسلمين.
    نعم قد تُلْحق بعض الحالات النادرة بهذه الحالة نظراً لقاعدة اندراس السنن والشرائع.
    3.إن الناشئ في دار الكفر مظنة للجهل فلا يكفر إلا من ثبت انتفاؤه عنه بخصوصه. وهذه مسائل لا يعلم فيها الإمام ابن قدامة خلافا بين أهل العلم.
    4. جمع هؤلاء الأئمة الدبّوسي وابن عبد البر وابن قدامة اتحاد المنهج والتزام قواعد العلم فاتفقوا على القاعدة عموما رغم بعد الشقة بينهم.
    5. قول الإمام ابن قدامة هنا «ولا أعلم فيه خلافا » من الأهمية بمكان بالنسبة للقاعدة.

    ومما تركه عند النقل عن الشافعية قول أبي الخير العِمْراني شيخ الشافعية في اليمن: « ومن وجبت عليه الصلاة فلم يصل حتى خرج الوقت سئل لم تركها ؟
    فإن قال: لأني اعتقد أنها غير واجبة علي، نظرت: فإن كان ناشئا في بلد قاصية من المسلمين، أو أسلم ولم يختلط بالمسلمين، قيل له: هي واجبة عليك.
    وإن كان ممن تقدم إسلامه وهو خالط للمسلمين حكم بكفره لأن وجوبها معلوم من دين النّبي صلّى الله عليه وسلم بطريق يوجب العلم الضروري ويجب قتله لذلك، وإذا قتل كان ماله فيئا للمسلمين ولا يرثه ورثته من المسلمين ولا يدفن في مقابرهم » ([3]).
    1. وقال في مسألة الزكاة وفي أصناف المزكّين:«والضر الثالث من لا يقر بوجوب الزكاة، فإن كان قريب عهدٍ بالإسلام، أو ناشئا في بادية لا يعلم وجوب الزكاة، فإنه يعرف وجوب الزكاة. وإن كان ممن نشأ مع المسلمين فإنه يحكم بكفره لأن وجوب الزكاة معلوم من دين الله تعالى من طريقٍ توجب العلم الضروري، لكونها معلومة من نصّ الكتاب والسنة المتواترة وإجماع الخاصة والعامة فمن جحد وجوبها بعد ذلك حكم بكفره » ([4]).
    ويقول الإمام النووي رحمه الله:« من أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافرا بإجماع المسلمين ... وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا من أمور الدين إذا كان علمه منتشرا كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان».شرح مسلم (1/167)(2/253).
    فالعبرة وضوح المسألة بأدلتها وتمكّن المرء من العلم بها بالضوابط السابقة وإلا عدّ مكذّبا لا تقبل منه دعوى الجهل إلا في موضعه وبالله تعالى التوفيق.

    ومما أغفله أو اختصره أقوال كثيرة لشيخ الإسلام:
    منها تفريق شيخ الإسلام بين المسائل والنظر إلى حالة الجاهل:« وهذا أصل مضطرد في مباني الإسلام الخمسة وفي جميع الأحكام الظاهرة المجمع عليها إن كان الجاحد لها معذورا مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام أو قد نشأ ببادية هي مظنة الجهل بذلك لم يكفر حتى يعرّف أن هذا دين الإسلام لأن أحكام الكفر والتأديب لا تثبت إلا بعد بلوغ الرسالة لا سيما فيما لا يعلم بمجرد العقل.
    قال الله تعالى:﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾﴿ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾ ﴿ ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا﴾ ﴿وما كان ربك مهلكي القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا﴾ ﴿ لأنذركم به ومن بلغ﴾ فالإنذار لمن بلغه القرآن بلفظه أو معناه فإذا بلغته الرسالة بواسطة أو بغير واسطة قامت عليه الحجة وانقطع عذره.
    فأما الناشئ بديار الإسلام ممن يُعلم أنه قد بلغته هذه الأحكام فلا يقبل قوله أي لم أعلم ذلك ويكون ممن جحد وجوب ذلك بعد أن بلغه العلم في ذلك فيكون كافرا كفرا ينقل من الملة سواء صلاها مع ذلك أو لم يصلها وسواء اعتقدها مستحبة أو لم يعتقد وسواء رآها واجبة على بعض الناس دون بعض أو لا، وسواء تأول في ذلك أو لم يتأول لأنه كذّب الله ورسوله وكفر بما ثبت أن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث به».[ شرح العمدة 2/51-52]
    ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله في المعرض عن الهدى المتمكّن من معرفة الحق:
    «فإن قيل: فهل لهذا عذر في ضلاله إذا كان يحسب أنه على هدى كما قال تعالى:﴿ويحسبون أنهم مهتدون﴾؟ قيل: لا عذر لهذا وأمثاله من الضلّال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو ظن أنه مهتد فإنه مفرط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى فإذا ضل فإنما أتي من تفريطه وإعراضه، وهذا بخلاف من كان على ضلالة لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها فذاك له حكم آخر، والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول .
    وأما الثاني: فإن الله لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه كما قال تعالى:﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾ ﴿رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ﴾. وقال تعالى في أهل النار:﴿وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين﴾» ([5]).

    ويقول الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى: «إذا زنى من نشأ في دار الإسلام بين المسلمين وادعى الجهل بتحريم الزنا لم يقبل قوله، لأن الظاهر يكذّبه، وإن كان الأصل عدم علمه بذلك». ([6]).

    وقال أيضا:«وفي الجملة فما ترك الله ورسوله حلالا إلا مبيّنا ولا حراما إلا مبيّنا، لكن بعضه كان أظهر بياناً من بعضٍ، فما ظهر بيانه واشتهر، وعلم من الدين بالضرورة من ذلك لم يبق فيه شك ، ولا يعذر أحد بجهله في بلد يظهر فيها الإسلام».([7]).

    وقال الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله (779ه): «ولقد بلغني في هذا الزمان عن بعض من هو حديث عهد بالإسلام أنه قال في الخمر: ليست بحرام ولا عيب فيها وإنما العيب أن يفعل بها ما لا يصلح كالقتل وشبهه. وهذا الاعتقاد لو كان ممن نشأ في الإسلام لكان كفرا لأنه إنكار لما علم من دين الأمة ضرورة». ([8]) .

    وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:«فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي كان حديث عهد بالإسلام ، والذي نشأ ببادية بعيدة ، أو يكون في مسألة خفيّة مثل الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرّف». ([9]).

    ويقول العلامة الأصولي المفسر محمد الأمين الشنقيطي:«وأما القادر على التعلم المفرِّطُ فيه، والمقدم آراء الرجال على ما علم من الوحي، فهذا الذي ليس بمعذور».([10]).
    وقال أيضا بعد كلام سبق:«أن الذي يوجب الكفر هو إنكار ما علم من الدين بالضرورة، ومعنى الضرورة: أنه يعلمه كل أحد من غير قبول للتشكيك فيه بحال كوجوب الصلاة وحرمة الزنا. وإنما حكم بتكفير منكر ما علم من الدين بالضرورة لأنه مكذب لرسول الله صلى الله عليه وسلم».
    ثم ذكر اختلاف الناس في مسائل تتعلق بهذا الموضوع فقال:«ومحل هذا الخلاف في غير حديث العهد بالإسلام، وأما حديث العهد به، فلا يكفر بذلك اتفاقا لأنه معذور بحدوث إسلامه، فإنه قد يجهل المشهور عند المسلمين.
    أما الخفيّ من المسائل فلا يكفر جاحده اتفاقا كالإجماع على أن الجماع قبل وقوف عرفة يفسد الحج به ولو كان منصوصا كالإجماع على أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب فإنه ثابت في صحيح البخاري من طريق هزيل من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا».([11])ـ
    وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: «الأمور قسمان: قسم يعذر فيه بالجهل.
    وقسم لا يعذر فيه بالجهل. فإذا كان من أتى ذلك بين المسلمين وأتى الشرك بالله وعبد غير الله فإنه لا يعذر لأنه مقصّر لم يسع ولم يتبصر في دينه فيكون غير معذور في عبادته غير الله».([12]).

    المسألة الثالثة: تلخيص الضابط:
    الصواب الذي عليه أهل التحقيق أن البلوغ نوعان: بلوغ سماع، وبلوغ شيوع واشتهار، فما كان من المسائل الظاهرة المشتهرة عند المسلمين في دار الإسلام، فلا يشترط لقيام الحجة بلوغ الخبر إليه في نفس الأمر؛ وإنما المناط المكنة من التعلم والعلم، وقدم الإسلام في دار الإسلام قرينة كافية لتحقق المناط، وتقدم تحقيق ذلك عن شيخ الحنفية أبي زيد الدبّوسي وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما من مشايخ المذاهب الأربعة؛ وأما المسائل الحفية فلا يكفر فيها إلا المعاند.
    جميع النصوص الدالة على العذر بالجهل أو الدالة على عدم العذر بالجهل، وكذلك الأحوال التي يُعذر فيها بالجهل والتي لا يعذر فيها كل هذه يجمعها ضابط واحد: وهو التمكن من العلم أو عدمه،وبهذا الضابط يرتفع الإشكال.

    لكنّ لما كان في الغالب غير منضبط أو خفيا بالنسبة للأعيان أناط الفقهاء الحكم بمناطات ظاهرة منضبطة في الأغلب مثل:

    قدم الإسلام في دار إسلام في المسائل الظاهرة مظنة لقيام الحجة وتحقق المناط، ولهذا يقول العلماء: إنه لا عذر بالجهل للمقيم في دار الإسلام لأنها مظنة لانتشار العلم، وأن المكلف يتمكّن من علم ما يجب عليه فيها حتى أنهم يقولون: إذا أسلم الكافر في دار الحرب ولم يُصَلّ مدة ثم علم بوجوب الصلاة فلا يقضي ما فاته.
    أما إذا أسلم في دار الإسلام (كالذمي إذا أسلم) ولم يُصَلّ مدة ثم صلّى فإنه يجب عليه القضاء لأنه متمكن من معرفة وجوب الصلاة، خاصة وهو يرى الناس يصلون في دار الإسلام، فتركُه لها بتقصير منه.

    حداثة الإسلام أو عدم مخالطة المسلمين مثل من نشأ في بادية بعيدة أوفي شاهق جبل أوفي دار كفر مظنة لعدم قيام الحجة وتحقق المناط في المسائل الظاهرة حتى يأتي ما يرفع هذا المناط.
    وهذا جلي ظاهر فإن من أصول الشريعة الإسلامية أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة أن يناط الحكم بالوصف الظاهر المنضبط، والضابط الذي يحكم كل هذه الصور والاستثناءات هو التمكن من العلم أو عدمه.

    ليست العبرة في مسألة قيام الحجة مجرد الإقامة بدار الإسلام أو دار الحرب، ولكن لأن الأولى «دار الإسلام» مظنّة العلم والثّانية «دار الكفر» مظنّة الجهل ولهذا كثر ذكر الدارين في كلام الفقهاء في هذا الباب.
    المسائل الخفية: التي يخفى علمها على كثير من المسلمين لا يكفر فيها إلا المعاند في الدارين. قد يندر العلم في مكان أو زمانٍ مّا: فيعذر المرء فيما لا يمكنه العلم به كما في حديث صلة بن زفر عن حذيفة في اندراس السنن والشرائع.

    قد تختلف أنظار الباحثين في تقييم بلدٍ أو طائفة بالنسبة لهذا المناط؛ والضابط في هذا كله هو التمكن من التعلم أو عدمه، فإذا كان متمكنا ولم يتعلم فهو مقصر آثم غير معذور، وإذا كان غير متمكن فهو معذور بجهله.

    ومما ينبغي التنبيه عليه: أن هذا المناط إذا تحقق لا يتأثر بحكم الدار كفراً أو إسلاماً بالنسبة للقوّة الحاكمة والأحكام المطبقة فيها لأن مناط الحكم على الدار راجع عند الجمهور تحقيقا إلى الأحكام المطبقة فيها والمُنَــفـِّذّ لها، بينما يعود مناط العذر بالجهل وعدم العذر في الدارين إلى التمكّن من العلم أو العجز عنه.

    يحكم على الدار على أنها دار كفر نظراً للسلطة الحاكمة والقوانين الجاهلية المطبقة، مع أن الناشئ فيها لا يعذر بالجهل في المسائل الظاهرة بين المسلمين إذا كان المناط متحققا، ومن لم يفرّق بين تلك المناطات يتخيّل إشكالا يرد على غيره مع بساطة المسألة.

    إن وصف دار الإسلام ودار الكفر ثابت بالإجماع وبالنصوص الكثيرة النبوية وهي مستند الإجماع فيما يظهر؛ وإنما الخلاف في تفسيرهما.

    ورأي الجمهور في مسألة الديار يعتمد على أنه لابد عند وصف الدار بالإسلام من:أن يكون نظام الحكم فيها إسلاميا.وأن تكون سلطة الحكم فيها للمسلمين.
    فإذا كانت السلطة والأحكام المطبقة للكفار كانت الدار دار كفر، وإن كان حكم المسلمين هو النافذ كانت دار إسلام، وأن لا عبرة بكثرة المسلمين ولا المشركين في الدار لأن الحكم تبع للحاكم والأحكام النافذة.

    هذا فإن ظهور الكفر في دار الإسلام بجوار أو بذمة لا يغيّر من حكم الدار شيئا كما أن ظهور شعائر الإسلام في دار بيد الكفر بجوار أو أمان منهم أو لعدم تعصّب كما هو الحال الآن في كثير من البلدان فلا يغير من حكم الدار أيضاً.

    وإن تمكنت طائفة مرتدة دارَ إسلامٍ وحكموا تعاليم الكفر وخضعت لهم البلاد ولم يكن هناك جهاد يقضّ مضاجعهم فالدار دار كفر حكما دار إسلام وصفاً وصورة لظهور تعاليم الإسلام وانتشار العلم فيها حتى يتغيّر المناط نظراً لقاعدة تبعّض الأحكام.
    والمقصود: توضيح المناط وأنه لا يشترط لتحققه كون الدار دار إسلام حكماً بل يكفي الحكم الصوري أوالمجازي لأن الجهتين قد تجتمعان وقد تفترقان وكل حكم يعود إلى مناطه عند الافتراق.


    المسألة الرابعة: علاقة الجهل بالشرك الأكبر
    هذه المسألة مما احترت فيها فإن المشهور عن أئمة الدعوة والمسطور في كتبهم أنه لا يعذر بالجهل في أصل الدين بينما الظاهر من كلام شيخ الإسلام الجري على الأصل السابق.

    والسؤال: هل لأئمة الدعوة سلف في ذلك؟ وإن لم يكن، كيف يُجْمع بين الحكم بالإسلام وبين الجهل بأصل الدين؟
    مع قول العلامة ابن القيم رحمه الله:«فإن كثيرا من مسائل الفروع لا يجوز التقليد فيها كوجوب الطهارة والصلاة والصيام والزكاة وتحريم الخمر والربا والفواحش والظلم للعرض فإن من لم يعلم أن الرسول جاء بذلك وشك فيه لم يعرف أنه رسول كما أن من لم يعلم أنه جاء بالتوحيد وتصديق المرسلين وإثبات معاد الأبدان وإثبات الصفات والعلو والكلام لم يعرف كونه مرسلا» مختصر الصواعق (4/1589-1590).
    وهل يكون قول العلامة الدبوسي يلتقي برأي أئمة الدعوة:« ألا ترى أن العبادات كما سقطت بعذر الصبا سقطت بعذر الجهل عمن أسلم في دار الحرب ولم يعلم بالعبادات.
    فأما إذا اعتقد إلها آخرا أو ما يكون كفراً من وصْفه ربَّه بما لا يليق به فلا يكون معذورا فيه ». [تقويم أصول الفقه وتحديد أدلة الشرع 3/528].؟

    وقال في عدم العذر بالجهل في الشرك الأكبر ونحوه في حق من لم تبلغه الرسالة:
    « فكيف ينكر هذا، والله تعالى يحكي عن الكفرة:{ ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} وكذلك لا نرى أحدا من الكفار إلا ويخبر عن الصانع وإنما كفرهم كان بوصفهم الله تعالى بما لا يليق به من الولد والشريك وغلّ الأيدي ونحوها مما حكى الله عز وجل عنهم والعذر بلا خلاف منقطع عن مثله. أو كان الكفر بإنكارهم البعثَ للجزاء». المصدر السابق (3/532).
    فتأمل نفيه للخلاف في عدم العذر بالجهل في الشرك ونحوه قبل الرسالة.

    وقال الإمام القرافي شهاب الدين: «إن قواعد العقائد كان الناس في الجاهلية مكلفين بها إجماعا ولذلك انعقد الإجماع على أن موتاهم في النار يعذّبون على كفرهم ولولا التكليف لما عذّبوا ».[شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول ص276]
    وقال رحمه الله أيضا:« إن أصول الديانات مهمة عظيمة فلذلك شرع الله تعالى فيها الإكراه دون غيره فيكره على الإسلام بالسيف والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري وذلك أعظم الإكراه. وإذا حصل الإيمان في هذه الحالة اعتبر في ظاهر الشرع. وغيره لو وقع بهذه الأسباب لم يعتبر.
    ولذلك لم يعذر الله بالجهل في أصول الدين إجماعا.
    ولو شرب خمرا يظنه حلالا أو وطئ امرأة يظنها امرأته عذر بالجهل.
    وكذلك جعل النظر الأول واجبا مع الجهل بالموجب وذلك تكليف ما لا يطاق.
    فكذلك إذا حصل الكفر مع بذل الجهد يؤاخذ الله به ولا ينفعه بذل جهده لعظم خطر الباب وجلالة رتبته. وظواهر النصوص تقتضي أنه من لم يؤمن بالله ورسوله ويعمل صالحا فإنّ له نار جهنّم خالداً فيها.وقياس الخصم الأصول على الفروع غلط لعظم التفاوت بينهما ».[شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول 415]

    إن هذه المسألة الأخيرة بالخصوص أحتاج فيها من الإخوة الكرام بارك الله فيهم مزيد تحقيق وتعريج عليها!!!!

    [1] تقويم أصول الفقه وتحديد أدلة الشرع (3/479-482) و (3/506) الناشر: مكتبة الرشد. ط الأولى 1430هـ

    [2] المغني لابن قدامة (4/6- 7) طبعة التركي

    [3] البيان في مذهب الشافعي للعمراني (2/15- 16)

    [4] البيان للعمراني (3/138) ط/ دار المنهاج

    [5] مفتاح دار السعادة (1/208-209) ، وانظر الفرق بين فهم الخطاب فهما ينتفع به ، وبين سمع الصوت الّذي تقوم به الحجة ص294وكذلك ص346-347 من مفتاح دار السعادة.

    [6] القواعد لابن رجب ص343 .

    [7] جامع العلوم والحكم صـ67

    [8] الاعتصام (2/477-478) تحقيق مشهور حسن.

    [9] مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (7/244)

    ([10]) [ أضواء البيان: 7/357 ]

    ([11]) نثر الورود شرح مراقي الصعود (2/406-408)، باختصار وتصرّف طفيف. وانظر المهمات في شرح الروضة والرافعي للإسنوي (3/519- 520).

    ([12]) فتاوى ابن باز ج4/26-27

  11. #11

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    5. وقال الشيخ رحمه الله :
    ولكن يبقى النظر إذا فرَّط الإنسان في طلب الحق ، بأن كان متهاوناً ، ورأى ما عليه الناس ففعله دون أن يبحث : فهذا قد يكون آثماً ، بل هو آثم بالتقصير في طلب الحق ، وقد يكون غير معذور في هذه الحال ، وقد يكون معذوراً إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل مخالفة ، وليس عنده من ينبهه من العلماء ، ففي هذه الحال يكون معذوراً ، ولهذا كان القول الراجح : أنه لو عاش أحدٌ في البادية بعيداً عن المدن ، وكان لا يصوم رمضان ظنّاً منه أنه ليس بواجب ، أو كان يجامع زوجته في رمضان ظنّاً منه أن الجماع حلال : فإنه ليس عليه قضاء ؛ لأنه جاهل ، ومن شرط التكليف بالشريعة أن تبلغ المكلف فيعلمها .
    فالخلاصة إذاً : أن الإنسان يعذر بالجهل ، لكن لا يعذر في تقصيره في طلب الحق .
    " لقاءات الباب المفتوح " ( 39 / السؤال رقم 3 ) .
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    167

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    نفع الله بكم وجزيتم خيرًا على هذه المباحثة المفيدة .
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    المسألة الرابعة: علاقة الجهل بالشرك الأكبر
    هذه المسألة مما احترت فيها فإن المشهور عن أئمة الدعوة والمسطور في كتبهم أنه لا يعذر بالجهل في أصل الدين بينما الظاهر من كلام شيخ الإسلام الجري على الأصل السابق.

    والسؤال: هل لأئمة الدعوة سلف في ذلك؟ وإن لم يكن، كيف يُجْمع بين الحكم بالإسلام وبين الجهل بأصل الدين؟
    ولعل ما يزيل الحيرة معرفة الفرق بين أصل الدين وفروع هذا الأصل في ظني.
    فأصل الدين : هو أنه لا اله إلا الله وحده لا شريك له, ومن جهل هذا الأصل فلا دين له .
    ولكن من علم بهذا الأصل وأقر به وزعم بأنه عامل به, وجهل شيئًا من فروعه, فهو ليس كالأول قطعًا .
    والإشكال ناتج عن الإجمال في توصيف المخالفين لأئمة الدعوة, فمنهم من جهل الأصل أو أنكره وسماه بدين الخوارج وهؤلاء لا عذر لهم وهؤلاء ككفار قريش, ومنهم من جهل الفرع وأعرض وعاند وهؤلاء لا عذر لهم وهم مرتدون, ومنهم من جهل الفرع ولم يُنبه ويُعرّف كعابد الكواز والبدوي وأهل الجبيلة وهم الذين نص على عدم تكفيرهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
    وأما إطلاق اسم الشرك وإجراء الحكم الظاهر عليهم, ومعاملة الجميع معاملة واحدة فهو من باب الحرز لأمر الشريعة والأتباع, لئلا يخلط الناس بين المعاندين والمعرضين وبين المستحقين للإعذار, ويسوّغ أمر الشرك بذريعة العذر بالجهل كما هو واقع من الكثير اليوم والله المستعان .
    يقول الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله : (( فإذن يفرق في هذا الباب بين الكفر الظاهر والباطن، والأصل أنه لا يُكَفَّر أحد إلا بعد قيام الحجة عليه لقول الله جل وعلا "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"[الإسراء:15]، والعذاب هنا إنما يكون بعد إقامة الحجة على العبد في الدنيا أو في الآخرة،قد يُعامل معاملة الكافر استبراء للدين وحفظا له، من جهة الاستغفار له، ومن جهة عدم التضحية له، وألاّ يزوج وأشباه ذلك من الأحكام.
    فإذن كلام أئمة الدعوة في هذه المسألة فيه تفصيل ما بين الكفر الظاهر والكفر الباطن، ومن جهة التطبيق في الواقع يفرقون، فإذا أتى للتأصيل قالوا هو كفر سواء أكان كفره عن إعراض وجهل أو كان كفره عن إباء واستكبار، وإذا أتى للتطبيق على المعين أطلقوا على من أقيمت عليه الحجة الرّسالية البينة الواضحة أطلقوا عليه الكفر، وأما من لم تقم عليه الحجة فتارة لا يطلقون عليه الكفر كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في موضع: وإن كنا لا نكفر من عند قبة الكوّاز وقبة البدوي لأجل عدم وجود من ينبههم. الشيخ ما كفر أهل [الجبيلة] ونحوهم ممن عندهم بعض الأوثان في أول الأمر لأجل عدم بلوغ الحجة الكافية لهم، وقد يطلق بعضهم على هؤلاء الكفر ويراد به أن يعاملوا معاملة أهل الكفر حرزا ومحافظة لأمر الشريعة والإتباع، حتى لا يستغفر لمشرك، وحتى لا يضحي عن مشرك، أو أن يتولى مشركا ونحو ذلك من الأحكام )) انتهى من شرح كشف الشبهات . والله تعالى أعلم

  13. #13

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    جزاكم الله خيراً
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  14. #14

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    6. وسئل الشيخ رحمه الله :
    ما رأي فضيلتكم بمن يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ثم يذبح لغير الله ، فهل يكون مسلماً ؟ مع العلم أنه نشأ في بلاد الإسلام ؟ .
    الشيخ :
    الذي يتقرب إلى غير الله بالذبح له : مشرك شركاً أكبر ، ولا ينفعه قول " لا إله إلا الله " ، ولا صلاة ، ولا غيرها ، اللهم إلا إذا كان ناشئاً في بلاد بعيدة ، لا يدرون عن هذا الحكم ، فهذا معذور بالجهل ، لكن يعلَّم ، كمن يعيش في بلاد بعيدة يذبحون لغير الله ، ويذبحون للقبور ، ويذبحون للأولياء ، وليس عندهم في هذا بأس ، ولا علموا أن هذا شرك أو حرام : فهذا يُعذر بجهله ، أما إنسان يقال له : هذا كفر ، فيقول : لا ، ولا أترك الذبح للولي : فهذا قامت عليه الحجة ، فيكون كافراً .
    السائل :
    فإذا نُصح وقيل له : إن هذا شرك ، فهل أُطلق عليه إنه " مشرك " و " كافر " ؟ .
    الشيخ :
    نعم ، مشرك ، كافر ، مرتد ، يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل .
    السائل :
    وهل هناك فرق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية ؟ .
    الشيخ :
    الخفية تُبيَّن ، مثل هذه المسألة ، لو فرضنا أنه يقول : أنا أعيش في قوم يذبحون للأولياء ، ولا أعلم أن هذا حرام : فهذه تكون خفية ؛ لأن الخفاء والظهور أمر نسبي ، قد يكون ظاهراً عندي ما هو خفيٌ عليك ، وظاهرٌ عندك ما هو خفيٌّ عليَّ .
    السائل :
    وكيف أقيم الحجة عليه ؟ وما هي الحجة التي أقيمها عليه ؟ .
    الشيخ :
    الحجة عليه ما جاء في قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ ) الأنعام/ 162 ، 163 ، وقال تعالى : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) الكوثر/ 1 ، 2 ، فهذا دليل على أن النحر للتقرب والتعظيم عبادة ، ومن صرف عبادة لغير الله : فهو مشرك ....
    فإذا بلغت الحجة وقيل له : هذا الفعل الذي تفعله شرك ، فَفَعَلَه : لم يُعذر .
    السائل :
    إذن يعرَّف ؟ .
    الشيخ :
    نعم ، لا بدَّ أن يُعرَّف .
    السائل :
    هناك شبهة وهي أنه يقال : إن فعله شرك وهو ليس بمشرك ! فكيف نرد ؟ .
    الشيخ :
    هذا صحيح ، ليس بمشرك إذا لم تقم عليه الحجة ، أليس الذي قال : ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) قال كفراً ؟ ومع ذلك لم يكفر ؛ لأنه أخطأ من شدة الفرح ، وأليس المُكره يُكره على الكفر فيكفر ظاهراً لا في قلبه ، وقلبه مطمئن بالإيمان ؟ والعلماء الذين يقولون : " كلمة كفر دون صاحبها " ، هذا إذا لم تقم عليه الحجة ، ولم نعلم عن حاله ، أما إذا علمنا عن حاله : فما الذي يبقى ؟ نقول : لا يكفر ؟ معناه : لا أحد يكون كافراً ؟ أي : لا يبقى أحد يكفر ، حتى المصلي الذي لا يصلي نقول : لا يكفر ؟ حتى ابن تيمية يقول : إذا بلغته الحجة : قامت عليه الحجة ... ولا يكفي مجرد بلوغ الحجة حتى يفهمها ؛ لأنه لو فرضنا أن إنساناً أعجميّاً وقرأنا عليه القرآن صباحا ومساء لكن لا يدري ما معناها : فهل قامت عليه الحجة ؟ قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) إبراهيم/4 .
    " لقاءات الباب المفتوح " ( 48 / السؤال رقم 15 ) :
    ونرجو أن يكون الأمر قد وضح ، وأن تكون قد تبيَّنتَ حقيقة كلام الشيخ العثيمين رحمه الله ، وأنه يرى أن الأصل هو العذر بالجهل ، ويتأكد هذا في حال من يسلم حديثاً ، أو من يعيش بعيداً عن أماكن العلم ، أو من يعيش بين قوم لم يخطر ببالهم أنهم يخالفون الشرع ، وهم في الواقع واقعون بأفعالهم في الشرك الأكبر .
    والله أعلم
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    232

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    أحسن الله اليك
    (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )
    يارجل هل صدقت ؟

  16. #16

    افتراضي رد: كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في مسألة العذر بالجهل

    جزاكم الله خيراً
    محبكم
    أبو المنذر السيوطي
    كل العلوم سوى القرآن مشغلة... إلا الحديث و علم الفقه في الدين
    العلم مـا كان فيه قال حدثنا...و ماسوى ذلك وسواس الشياطين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •